Dabas Management
1155 Camino Del Mar
Suite 411
Del Mar, CA 92014
ph: 8583536567
fax: 8587949545
alt: 8587949545
ahmadada
تعبر كلمة التنمية، عن الإرادة، عن عمل إرادي يستهدف الزيادة والنمو في المجال الذي تستعمل فيه.. لكونها مشتقة من الفعل الثلاثي " نما " الذي يعني كبُر أو ازداد.. حيث نقول: نما الطفل أو نما الزرع أو أي شيء آخر.. وهو فعل " لازم " يقتصر على الفعل والفاعل، ولا يتعدى إلى مفعول به..
وبغية " تعدية " هذا الفعل إلى مفعول به، أي جعله إرادياً وهادفاً لتغيير شيء ما وزيادته.. تُضاف " الشدة " على حرفه الثاني، ليصبح " نمّا " بحيث يأتي بعده الفاعل، والمفعول به.. وعندها نقول: نمّا الوالدان الطفلَ، نمّا الفلاحُ الزرعَ، ونمّا الرجلُ الشيءَ.. لنعبر عن ما فعله الوالدان والفلاح والرجل، وعن رغبتهم وإرادتهم في نمو الطفل والزرع والشيء.. ومن ثم، فإن مصدر الفعل نما هو النمو، ومصدر الفعل نمّا هو التنمية..
ومنه نستنتج مفهوم كلمة: التنمية هي نشاط إداري أو عمليات إرادية تنصب على نشاط ما لزيادته.. وفي أي مجال استعملت، وتستهدف نمو وزيادة وتطوير هذا النشاط..
ومصطلح التنمية الإدارية، يعني أن التنمية ستنصب على الإدارة.. فهي تعني: العمليات الإرادية التي تستهدف تطوير الإدارة ورفع كفاءتـها لتكون فعّالة في أداء مهامها. أي أن محلّ التنمية الإدارية ومجالها هو" الإدارة "..
كما تستهدف التنمية الشاملة، التطوير المتكامل في المجتمع، في جميع المجالات والقطاعات: الثقافية، والتربوية، والسياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والرياضية، وغيرها..
ويُشتق مصطلح " الإدارة " لغةً، من الفعل اللازم الثلاثي: دار " وهو فعل حركة "، بعد أن يصبح متعدياً إلى مفعول به بإضافة " أ " أدار، مما يؤكد على ضرورة توفر " الإرادة " في كل نشاط لها، وهي تشترك مع التنمية بهذه الصفة، من حيث كونها عمليات إرادية أيضاً لتطوير هدفها..
التنمية طريق لتحقيق الأهداف الاستراتيجية العامة التي تكفل نمواً متسارعاً للمجتمع وتطويره وإزالة آثار التخلـف فيه.. وهي تختلف من مجتمع لآخر، إذ تنطلق من ظروف كل مجتمع وخصوصياته وموارده المتنوعة: البشرية والمادية والفنية والطبيعية وغيرها، ومن مستوى حضارته وثقافته وموروثاتـه العقائدية وتقاليده الاجتماعية وعاداته وأساليب معيشته..
ويتوجب تحقيق الترابط المتوازن بين مجالاتها، وبأولويات محسوبة فيما بينها، كي يُمهـد بعضها الطريق للبعض الآخر.. وإن التنمية الإدارية هي المرشحة لتلعب هذا الدور التمهـيدي.. باعتبار أن الإدارة موجودة "كقاسم مشترك " في كل تجمّع أو تنظيم بشري ليستطيع تحقيق أهدافه وواجبه بما يملك من إمكانيات على أحسن وجه.. مهما كانت أهدافه والقطاع الذي ينشط فيه.. وخاصـة في الدول النامية، ونحن منها، التي ورثت عشية استقلالها إدارة غير مناسبة، كماً ونوعـاً.. في حين تواجه تحدّيات كثيرة خلال مسيرتها نحو التنامي والتطور..
على هذا، تعتبر التنمية الإدارية مدخلاً أساساً إلى التنمية الشاملة.. وترتبط مع التنمية في المجالات الأخرى بعلاقات جدلية وتتبادل معها التأثير والتأثر.. مما يجعلها تشكل المركز أو المحور المركزي للتنمية الشاملة.. والوسائل والسبل إلى التنمية الشاملة، متنوعة تنوع المجتمعات واختلاف ظروفها ومواردها وواقعها وأهدافها، ويجب أن تتكيّف بالتالي معها، كي تحقق النجاح في الوصول إلى ما تنشده، دون صعوبات أو إخفاقات تبعثر الجهود والإمكانات وتهدر الوقت وتؤخر المسيرة..
ويحتل هـذا التكيّف أهميـة متزايدة وكبيرة، في الظروف العالمية الحالية " العولمة " والاتصالات المتشابكة والسريعة أو الفورية بين الدول والمجتمعات القاصية والدانية، مما جعل الكرة الأرضية " قرية صغيرة " يعيش فيها جميع سكان العالم وكأنهم في خيمة واحدة، يتبادلون الرأي والأفكار والتأثير والتأثر، مما يولد مؤثرات وتحدّيات واستحقاقات خارجية كبيرة تفرض وجودها على الجميع، فلا بد وأن تكون الإدارات في المجتمع رشيدة، وعلى حذر مما تطلع عليه وتسمعه أو تشاهده من تجارب لدى الآخرين، فلا تقع في مطب الانبهار بالمعلومات وتقليد النجاحات الظاهرة هنا وهناك، ولا تيأس وتفقد الأمل لمعرفتها الإخفاقات هنا وهناك أيضا..
فيتوجب على القائمين بالتنمية، بغية انتقاء الأسلوب الأسلم، أن يطلعوا على تجارب المجتمعات الأخرى ونتائجها، للاستئناس، ولاستخلاص الدروس المستفادة منها التي تناسب أوضاع مجتمعهم وظروفه وتطلعاته.. حتى أن التمعّن في تحليل أسباب التجارب المخفقة، قد تساعد على تجنبها وعدم تكرارها لديهـم..
ثالثاً ـ مفهوم التنمية الإدارية، وصفاتها
عرضت على موقع الانترنيت، في ورقة المفهوم العام للإدارة، ووظائفها العامة، ومرتكزاتها، وصفاته، وأهمية دورها وخطره.. فأرجو العودة إليها هناك..
وأستنتج هنا الصفات التي تتسم بها التنمية الإدارية، ومن ذلك:
1 ـ هي شاملة تحيط بجميع جوانب المسألة الإدارية ومحاورها، وفي المنظمات والقطاعات والأصعدة والأنشطة كافة، في الأجهزة الحكومية والقطاع العام والتعاوني والمشترك والخاص، وأجهزة السلطة المركزية أو المحلية... باعتبار الإدارة عامل مشترك موجود لديها جميعا.. وكذلك تحيط بجميع مستويات الهرم الإداري في المنظمات والقطاعات المختلفة.. على أنه يجب البدء من رفع كفاءة المستويات العليا، نظراً لأثرها السلطوي "إيجاباً أو سلباً " على سائر المستويات وعلى العلاقات مع باقي التجمعات والقطاعات..
2 ـ وهي ضرورية، في كل البلاد والمجتمعات.. وتستوي في ضرورتها البلاد المتقدمة والنامية، الغنية والفقيرة.. لأن أحد المعايير الأساسية للتمييز بين الدول وتصنيفها بين متقدمة ومتخلفة، هو المستوى الإداري في كل منها.. وتزداد هذه الضرورة وضوحاً في البلدان المتخلفـة والنامية، والدول العربية جزء منها، لتستطيع التحرر من التبعية وتؤكد استقلالها التام.. باعتبارها ورثت " كما سبق القول " عشية استقلالها السياسي جهازاً إدارياً ضعيفاً، وليس مؤهلاً، إن بقي الوضع على حاله، للاضطلاع بالواجبات الجسام اللازمة المتفرعة عن التنمية الشاملة.. كما أن معيار كفاءة الإدارة يعتبر أهم مقاييس التمييز بين الدول المتطورة والمتخلفة.. و قد تجاوزت اليابان السمعة السيئة التي كانت لعبارة " صُنع في اليابان made in japan " في الأربعينات من القرن العشرين، إلى السمعة المتميزة حالياً، بسبب تقدمها الإداري..
3- كما هي ضرورية على جميع الأصعدة والأجهزة المركزية والإقليمية والمحلية في المجتمع.. والقطاعات: العام والخاص والمشترك والتعاوني وغيرها.. بحيث تكون " الإدارة " رشيدة في كل مجال وقطاع..
4 ـ وتحتل هذه الضرورة أولوية قصوى في ظروف النظام العالمي الجديد " العولمة "، ومنظماته واشتراطاتها.. لتحقيق كفاءة التصدي لها والتكيّف معها، مع مراعاة أهدافنا ومصالحنا، في علاقاتنا واتصالاتنا مع العالم الخارجي، دون تفريط، ودون تمكينه من إعاقة مسيرة التنمية الشاملة في وطننا العربـي..
5- المسؤولية عنها والمساهمة فيها جماعية، تشارك فيها كل المستويات والقطاعات، مع تميّـز دور المستويات العليا..
6 ـ وهي كما الإدارة، ذات خصوصية محلية، لأن الإدارة في الأصل مهنة أو اختصاص محلي.. فلا بد فيها من مراعاة الظروف المحلية البيئية أولاً " كالمستوى الحضاري والاجتماعي والعادات وأنماط التفكير والعقلية السائدة والتشريعات النافذة.."، وذلك قبل الاطلاع على تجارب الآخرين، برغم ضرورته.. فالتقليد الحرفي والاستنساخ خطر جداً، وعلينا تمحيص الآراء والنظريات والتجارب والمقترحات الإدارية الخارجية جيداً، قبل "استيرادها " للاستعمال!، لمعرفة مدى ملاءمتها لتراثنا وظروفنا وخصوصياتنا وتطلعاتنا وأهدافنا المرحلية القريبة والاستراتيجية بعيدة المدى..
7 ـ الاستمرار والتجديد، فهي ليست إصلاحاً ظرفياً مؤقتا، يتعلق بمرحلة معينة.. كما أن المسائل والظروف الاجتماعية، والإدارية التي هي جزء منها، دائمة التطور والتبدل.. وما هو جديد ومناسب اليوم، سيصبح في مرحلة تالية قديماً وغير مناسب ويحتاج إعادة نظر.. فعلى التنمية الإدارية أن ترافق أو تسبق المستجدات والمتغيرات في المجتمع، والخارج..
8 ـ التكامل والتوازن في محاورها، المرتكزات الأساسية، والوظائف العامة، والمهام التقليدية، في آن واحد وبشكل مستمر.. بحيث لا يكون هناك تركيز في نواحي وتقصير في نواحي أخرى، فتعيق هذه تلك. ومما يلفت النظر مثلاً، أن الدول النامية، ونحن منها، تركز غالباً على وظيفتي التخطيط والمتابعة أو الرقابة. وتنسى باقي الوظائف، وخاصة وظيفتي التنظيم والتدريب، مما يجعل النتائج غير مرضية عموماً..
9 ـ الارتباط الوثيق والجدلي، مع أنشطة التنمية الشاملة في بقية الأصعدة والمجالات بالمجتمع.. بالتنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها، إذ هي جزء من التنمية الشاملة..
10 ـ بل، هي سابقة لها في الزمن، باعتبارها مدخلاً تمهيدياً، يؤمن لها " أداة " كفؤة، أي إدارة رشيدة تساعدها على تحقيق أهدافها.. فليس أسهل من إشادة مصنع أو مشفى وتجهيزه من الناحية المادية والتقنية، ولكن قبل الإنشاء وأثناءه وبعده، لابدّ من إعداد العناصر المؤهّـلة في كل الاختصاصات، وتحضير الهياكل والأنظمة المناسبة، وتأمين الأدوات اللازمة.. لاستثماره وتشغيله بفعالية.. وإلاّ، بقيت المنشآت هياكل جامدة كالأشباح!. ولعلنا لا نفتقد شواهد سلبية على ذلك..
11 ـ المشاركة الواسعة، في إجراءاتها، وتعدد زوايا وجهات النظر وتكاملها، وتكريس الجماعية في إعدادها وإجراءاتها.. تماماً كما نلجأ إلى جمع عدد من الأطباء حين يكون المريض في حالة متردية، لمعالجته وشفائه، دون اختلاطات أو تأثيرات جانبية إذا ركز الطبيب الواحد على ما يتعلق بتخصصه وحده.. وبمثل هذا تكون خطة التنمية الإدارية وبرامجها أقرب إلى الدقة والصواب، وقابلة للتنفيذ..
ثالثاً ـ محاور التنمية الإدارية
سبق ذكرها في الحديث عن المفهوم للإدارة في هذا الموقع، تنظر هناك.. وهي باختصار: 1- العناية بالمرتكزات الأساسية للإدارة: الإنسان؛ والهيكل التنظيمي؛ والقوانيـن والأنظمة؛ والأدوات.. 2- رفع مستوى أداء الوظائف العامة للإدارة: التنظيم، والتنسيق، والتخطيط، والتمويل، واتخاذ القرار، والتحفيز، والتدريب والتأهيل، والإحصاء، والمتابعة.. 3- رفع مستوى المهام الإدارية التقليدية: كالدراسات والأبحـاث، والشؤون القانونية والشخصيـة، والديوانية، والاتصالات، والبريد، والنسخ، والحفظ والأرشفة..
وهكذا، فإن مفهوم التنمية الإدارية، واسع ومحيط بالمسألة الإدارية من جميع جوانبها، بخلاف ما نصادفه في بعض الأدب الإداري، حيث يقتصر مدلول المصطلح على التدريب والتأهيل والعناية بالإنسان..
رابعاً ـ متطلبات التنمية الإدارية
أستخلص هذه المتطلبات انطلاقاً من مفهوميْ الإدارة والتنمية الإدارية وصفاتها،.. ومن ذلك:
1- ضرورة وجود أجهزة مختصة بها ودائمة في كل المؤسسات، وخاصة على الصعيد المركزي في المجتمع.. مما يفرض على الحكومات إيجاد الأجهزة المختصة التي تعمل على تحقيق محاورها الثلاثة، بالصفات أعلاه.. إذ لا تنفع فيها اللجان المؤقتة أو العابرة.. وذلك بإحداث مرجع مركزي مختص ودائم.. مع فروع له في جميع القطاعات والمحافظات، أو أهمّها..
2- " التبكير " بإحداث هذا المرجع الدائم، نظراً لجسامة حجم المسألة.. تماماً كما نبكر للسفر إلى مكان بعيد..
3- إدراج علم الإدارة في كل مناهج المراحل الدراسية والتعليمية.. لرفع " الظلم " عنها، وتحضير أجيال متفهمة لدورها..
5- التوسع والإلزام في تدريب العاملين على الإدارة ووظائفها وأدواتها.. بحيث يشمل الجميع، بدءاً من المستويات العليا..
5- إيجاد وسائل التنوير والتثقيف الإداري، كالصحف والدوريات المتخصصة.. التي نفتقدها!. بل إن بعضها أوقف نشاطه لحجج شكلية واهية!.
6- الدمج بين النظرية والتطبيق، بين التعلّم والممارسة, في الإجراءات, والتعليم والتدريب والتثقيف.. لتحقيق الاستفادة من المتعلمين والأكاديميين ومن الممارسين الواعين معاً، ضمن الخصوصيات المحلية الواقعية..
7- وأولاً وأخيراً، فإنها تتطلب القناعة والإيمان بالإدارة وبأهمية دورها، مما عرضناه وغيره.. ومن ثـمّ، توفر المعرفة والإرادة والجهد والصبر والإخـلاص.. في العناصر المختارة لها.. كما يجب إعطاء الوقت الكافي "ولكن دون تردد " للبحث والدرس والتنظيم والتخطيط والبرمجة.. كي تكون خطواتها وإجراءاتها جذرية شاملة ومتوازنة وعملية..
رابعاً ـ ارتباط التنمية الإدارية بالتنمية الشاملة
التنمية، هي العمليات الإرادية الضرورية، والطريق الواجب لتحقيق الأهداف المنشودة، كما سبق القول..
والتنمية الشاملة، يجب أن تكون محيطة بكل المجالات والأصعدة.. الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتربوية والثقافية والتشريعية والتنظيمية والإدارية.. بشكل مترابط ومتناسق، ضمن أولويات محسوبة فيما بينها.. مما يساعد على تطور متوازن وسريع في المجتمع.. بعيداً عن النمو العشوائي، الذي يُخلف استطالات في بعض الميادين، وقصوراً في ميادين أخرى..
وتختلف طرقاتها بين مجتمع وآخر، إذ يجب أن تنطلق من ظروف كل منها وماضيه وواقعه وموارده المتنوعة: البشرية، والمادية والمالية، والفنية، والطبيعية، ومن مستوى حضارته وثقافته ومعيشته وإدارته وقوانينه وموروثاته العقائدية وتقاليده الاجتماعية وعاداته، وعلاقاته الخارجية..
وبتدقيق المجالات والأصعدة المتنوعة، التي تنصب عليها التنمية الشاملة؛ واستناداً إلى دور الإدارة، وإلى كونها " القاسم المشترك " الموجود في كل التجمعات البشرية؛ نجد أن التنمية الإدارية، بمحاورها الثلاثة.. هي المرشحة للقيام بالمهمة التمهيدية المسبقة لغيرها.. مما يوجب ترشيدها أولاً، لكي تحضر لبقية المجالات والأصعدة.. "إدارات" مؤهلة تستطيع تحقيق أهدافها، وتنفيذ خططها وبرامجها، وإنشاء مشاريعها دون تأخير واستثمارها بإنتاجية عالية.. مما يجعلني أقول: إن التنمية الإدارية تشكل المحور المركزي للتنمية الشاملة، مما يزيد من أهمية دور الإدارة وخطورة أثره..
فعلينا أن ننشط على أساس أن الإصلاح الإداري، هو الكفيل بالإعداد للتنميات الأخرى..
خامساً ـ ولمزيد من القناعة،
سأطرح عدداً من الأسئلة حول عدد من النقاط الهامة ذات التأثير الكبير على مسيرة التطور، وأحاول الإجابة عليها.. لكونها تتطلب إدارات رشيدة للاضطلاع بها ولتحقيقها..
1 ) من سينفذ مهام التطوير والإصلاح والتحديث؟، ولاشك في أنه:
أ ـ الإنسان الأخلاقي، و" الشبعان ".. مما يتطلب توفير الظروف الملائمة للمحافظة على مستوى معيشة لائق للعاملين ومعنوياتهم وأخلاقياتهم ومكافحة الإفساد والفساد وسد ذرائعهما بتدابير إيجابية، أعتقد بأن أكثرها تدابير إدارية..
ب ـ والإنسان المؤهل، الرشيد والجدي، فبدونه، وإذا بقيت الإدارة مظلومة ومجهولة، لا يمكن تحقيق التطوير..
ت ـ والشخص المناسب في المكان المناسب.. الذي يتطلب توفير شروط موضوعية: * كالسجل العام أو الكشف المسلكي المهني للعاملين.. * وتوصيف الوظائف مع شروط إشغالها.. * وتدريب العاملين المستمر..
ث ـ يضاف إلى هذا، ضرورة تأمين فرص عمل للأجيال الصاعدة، ومكافحة البطالة الظاهرة والمقنعة..
2 ) بماذا نستعين؟, وكيف نعمل؟، ومتى؟:
أ ـ بالمعلومات والأرقام.. وتحديث الأدوات الإدارية، لتشكيل قاعدة معلوماتية صحيحة، وتأهيل العاملين للاستفادة منها.. إذ كيف يمكن تحديد الأهداف ووضع خطط واتخاذ قرارات سليمة ومتابعتها؟. إذا كانت الأدوات متخلفة، وكان الأكثرية لا يحسنون استعمال الأدوات الحديثة منها!. فلابد من محو الأمية المعلوماتية أولاً..
ب ـ بالتخطيط والبرمجة، وهذه وظيفة عامة، يجب أن يتقنها من يناط بهم الاضطلاع بها من أشخاص ومؤسسات في كل المستويات والقطاعات.. مما يوجب البدء بتفعيل دور مؤسسات التخطيط وتأهيل العاملين في مجاله.. لنضمن وضع خطط وبرامج وإقرار مشاريع واقعية وطموحة، في حدود ما نملك من إمكانات، وما نتطلع إليه من أهداف..
ت ـ باحترام الزمن، فالإحساس به من الخصائص التي ميز بها الله الإنسانَ عن بقية المخلوقات.. وتنظيم الوقت وحسن استغلاله يعتبر أحد الأشكال التي تتحقق معها الكيفية الجيدة لأداء الإدارة.. وعدم احترام الزمن هو من الصفات التي تتسم بها الدول النامية، ولا تؤهلها لتقليص الفجوة بينها وبين الدول المتقدمة.. بل إن هذه الفجوة تتزايد بشكل كبير مع التطور الهائل في وسائل الاتصالات والمعلوماتية، مما يفاقم آثار التخلف، وقد يدعو إلى الإحباط إذا لم نستدرك هذا التمايز " السلبي " المتزايد، بأقصى ما يمكننا من تصميم واستطاعة وجهد وسرعة، منطلقين بدأب السلحفاة، وبسرعة الأرنب ورشاقته في آن واحد..
ث ـ بتوفير المناخ التنظيمي والإداري والقانوني والمالي العام الملائم.. الذي يساعد على مساهمة جميع القطاعات والشرائح والأفراد، في إطار التعددية الاقتصادية، في تحقيق خطط التنمية الشاملة وسياساتها وبرامجها ومشاريعها وإجراءاتها.. التي توزع فيها الأدوار بين القطاعات والشرائح والأفراد.. بما يتفق مع إمكانات كل منهم ودوافعه.. وبشكل متكامل يصب جهود الجميع في بوتقة التطوير والتحديث.. ومتناسق في ظل ظروف متكافئة ومنافسة شريفة تمكن من الاستفادة من إمكانات وطاقات كل منها على أفضل وجه.. وكذلك استفادة جميع القطاعات والشرائح والأفراد، في الوقت نفسه من ثمار التطور والتنمية وبشكل متوازن لا يسمح بانفراد شريحة منها بهذه الثمار، أو بطغيان فئة على أخرى واستغلالها.. وإيجاد مثل هذا المناخ وتحقيق مثل هذه الظروف ممكن في حال كون الإدارات رشيدة، وخاصة في المستويات العليا..
3 ) ويتطلب تشجيع الاستثمار، كما التعددية الاقتصادية، كفاءة في الإدارات والقياديين والمديرين المعنيين من أجل:
آ ـ توزيع المشاريع بين جميع القطاعات بتوازن بين الجهات الداخلية والخارجية، حسب الأهداف الاستراتيجية للمجتمع ومصالحه العامة، وتهيئة فرص متكافئة للتعاون بينها..
ب ـ معرفة الجدوى لمشروع ما، من قبل صاحبه أو من قبل الجهة المعنية، وإقراره بذلك.. الجدوى التي تتطلب دراسة الأمور الإدارية والتنظيمية والعمالية والاقتصادية للمشروع.. وتتطلب بالتالي كفاءة إدارية في كل من يشارك فيها..
ث ـ ولتسهيل إجراءات ترخيص المشاريع وتوطينها وتسريع إنشائها وإنتاجها..
4 ) والنظام المالي والمحاسبي، الذي يتداخل مع كل الفعاليات الاقتصادية والاجتماعية الجماعية والفردية.. يعتبر أحد المرتكزات الأساسية للإدارة.. يحتاج مثلاً إلى أدوات " حاسوبية " وبرامج معلوماتية متطورة للحد من التهرب الضريبي وفض التشابكات المالية وإنهاء التراكمات المحاسبية وتبسيط التعامل المالي والمحاسبي والتعاقدي، وتأهيل العاملين في مجاله..
5 ) وتقتضي " العولمة " ومنظماتها.. والعلاقات الاقتصادية الخارجية مع الحكومات والمنظمات والشراكات العالمية واشتراطاتها، والمنافسة والصراع في خضمها، والتصدير خصوصاً..
أ - كفاءة الإدارة العليا للاقتصاد الوطني؛
ب – وكفاءة القياديين والمديرين من خلال التدريب والتأهيل المستمر، سواء العاملين في الداخل أو بعثاتنا الدبلوماسية في الخارج..
ت - اللامركزية في تسيير دفة الأمور..
ث - الاستقلالية والمرونة للجهات العامة والخاصة والأفراد..
ج - الوضوح والمرونة والبساطة في القوانين والأنظمة والتعليمات، والابتعاد عن الظواهر المرضية في الممارسة للبيروقراطية والروتين..
ح - سرعة توفير تقنيات متطورة في الاتصالات والمعلوماتية، لمواجهة " شلالات " المعلومات المتدفقة والمتناثرة في جميع أرجاء الكرة الأرضية، والتعامل معها والاستفادة منها لتحقيق مصالحنا وحمايتها بكفاءة..
6 ) ويقتضي التقيد باشتراطات المنظمة الدولية للتقييس " الأيزو " تنظيماً وإجراءات إدارية جيدة.. وتجدر الإشارة إلى أن أكثر من نصف اشتراطات الحصول على شهادة الجودة تعتبر من الأمور الإدارية..
7 ) وتتطلب الجاهزية لمواجهة الحالات الطارئة والكوارث، الاستعداد المسبق للتقليل من خطورتها، التي قد تخلف آثاراً اجتماعية واقتصادية سلبية مدمرة.. وذلك بإجراء تدابير مسبقة تنظيمية وإدارية وتدريبية وغيرها.. علاوة على توفير احتياطيات استراتيجية من السلع الاستهلاكية والمواد الأولية ومستلزمات الإنتاج وقطع التبديل.. مما يساعد على إدارة دفة " اقتصاد الطوارئ أو اقتصاد الحرب " بكفاءة، وبخطط وإجراءات وتدابير تصورناها مسبقاً، ودون ارتباك أو انقطاع..
8 ) هذا، وإن الإدارة والاعتماد على الذات: وجهان لعملة واحدة
وتتضح هذه العلاقة أو الترابط بينها بالآتي: إن تطبيق المبدأ، يتطلب معرفة مدلول كلمة " الذات " ومقوماتها، أي الإمكانات المتاحــة لديها، ومن ثمّ استثمارها على أحسن شكل، للوصول إلى الأهداف المنشودة.. وهي الإمكانات الظاهرة أو الكامنة، وهي متعددة: بشرية، مادية، مالية، فنية، وثروات طبيعية متنوعة.. وهذا ينطبق على دور الإدارة، كما مر معنا، وموجزه: استخدام، الإمكانات المتاحة، لتحقيق أهدافنا، على أحسن وجه..
9 ) . . . . . . . .
سادساً ـ صفوة القول وخاتمة
آمل أن أكون قد أسهمت إيجابياً بإلقاء بعض الضوء والظلال على التنمية الإدارية، وعن كونها المحور المركزي للتنمية الشاملة لكل المجالات.. مما يفرض على الحكومات وسائر المستويات والجهات والقطاعات، التحرك باتجاه التنمية أو الإدارية عاجلاً وباستمرار..
* * *
أولاً ـ تمهيد
لكي تُحقق الدول النامية والمتخلفة، الاستقلالية التامةَ، والتخلص من التبعية الاقتصادية كلما أمكنها ذلك.. تسعى لتطبيق مبدأ الاعتماد على الذات، الذي يتردد في الأدب الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، كمنطلق أو توجه.. وتعقد حوله ندوات ومؤتمرات، وتكتب حوله المقالات والأبحاث.. وهو مقبول بشكل عام، ومعتمد من قبل القيادات..
على أن تفسير هذا التوجّه يأخذ غالباً منحى اقتصادياً فقط.. والاقتصاديون ليسوا إداريين بالضرورة، ولا يلتفتون في تفسيراتهم وتحاليلهم إلى النواحي الإدارية والتقييم الإداري للواقع والطموحات..
ولما كنت أعتقد بحتمية الإدارة لتحقيق أي هدف أو مبدأ، وأشعر بالتالي، بخطورة إهمال المسائل الإدارية لدى معالجة أية موضوع.. فقد رأيت تناول المبدأ من زاوية إدارية، وقد وصلت بذلك إلى استنتاج أساس وهو ما ذكرته في العنوان: الإدارة والاعتماد على الذات، وجهان لعلة واحدة.. استناداً إلى المنطق الآتي..
ثانياً ـ مفهوم الاعتماد على الذات، والإدارة
1 ) إن تطبيق مبدأ الاعتماد على الذات، يتطلب منا أولاً، فهم مدلوله ومحتواه.. فكلمة " اعتماد " واضحة في لغتنا العربية.. أما كلمة " الذات " فمن الضروري فهم مدلولها، لكي نعلم على ماذا نعتمد، وكيف نعتمد عليه في الوصول إلى أهدافنا وطموحاتنا.. أي أن نتعرَّف الإمكانات المتاحة لهذه الذات، ومن ثمّ كيفية الاستفادة منها على أحسن وجه لتحقيق مصالحنا وأهدافنا..
2 ) والإمكانات كثيرة في أي مجتمع، ويمكنني تلخيصها بالموارد والطاقات والقدرات: البشرية، والمالية، والطبيعية، والحيوانية، والمادية، والفنية، وغيرها.. أي: الاستفادة من هذه الإمكانات المتاحة أو المتوفرة " للذات " واستخدامها لتحقيق أهدافها ومصالحها على أحسن وجه..
3 ) ويتلخص دور الإدارة في: استخدام الإمكانات المتنوعة المتاحة للمجتمع أو المنظمة الكبرى، لتحقيق أهدافه على أحسن وجه..
4 ) فهما " الاعتماد على الذات "، و " الإدارة " متطابقان في المفهوم والدور.. مما يسمح لي بالقول: إنها وجهان لعملة واحدة.. وهما يتبادلان التأثير والتأثر فيما بينهما..
5 ) وتستطيع الإدارة الكفؤة، أن تحقق الاعتماد على الذات، بشكل كامل، بالاستفادة من الإمكانات المتاحة وحسن استغلالها، وبالتالي أن تحقق أكبر قدر من الاستقلالية السياسية، وأقل قدر من التبعية الاقتصادية أو الحاجة إلى الخارج.. وخاصة إذا اعتمدنا في الموضوع على صعيد الوطن العربي والإسلامي، حيث تتكامل إلى حد كبير الإمكانات والموارد، ويتسع نطاق التطبيق وأمل النجاح.. واعتمدنا أيضاً على الدول والمنظمات الصديقة على أساس تبادل المصالح الشرعية والشريفة معهم.. وخاصة في ظروف " العولمة " واتحاداتها وتكتلاتها ومنظماتها..
ثالثاً ـ متطلبات الاعتماد على الذات
1 – فالاعتماد على الذات، والحالة هذه، يتطلب رفع مستوى الإدارة وكفاءتها في المجتمع، في جميع ميادين أنشطة منظماته والجهات والقطاعات المختلفة الموجودة فيه، مركزياً ومحلياً وخارجياً.. أي يتطلب: التنمية الإدارية الشاملة أولاً، في كل مرحلة، مهما كانت أوضاعنا ومصالحنا وأهدافنا..
2 – وهذا منطقي ومن طبيعة الأمور.. لأننا حين نرسم هدفاً أو نريد تحقيق مصلحة شرعية ما، فبرغم أن ذلك ضروري، إلاّ أنه غير كافٍ لتحقيقه.. وإنما يجب في الوقت نفسه، أن نحدد الوسائل والأدوات والأساليب التي يمكن بواسطتها الوصول إلى الهدف أو المصلحة.. وإلاّ، بقي الهدف أو المصلحة شعاراً نردده دون تطبيق.. والزمن لا يرحم، ولا ينتظر.. والوسيلة والأداة، هي، مهما تنوعت الأهداف والمصالح، بل ومهما تنوعت الأنظمة والسياسات، هي " الإدارة " الكفؤة الرشيدة..
3 – والإدارة، هي بالأصل " العنصر المشترك " الموجود في كل مجتمع أو تجمّع بشري كبير أو صغير، ويساهم مع كل الاختصاصات والمهن والفعاليات في نشاطها، بإنجاحها إذا كانت كفؤة، وإلاّ، فالعكس وارد..
4 - والاعتماد على الذات، الذي تسعى إليه الدول والمجتمعات النامية أو المتخلفة غالباً، وهي التي ورثت بُعيد الاستقلال السياسي، " إدارة " ضعيفة، أو غير مؤهلة لتحقيق أهدافها وطموحاتها بسرعة.. وهو وضع يقتضي السير بعدة اتجاهات:
أ – العمل ضمن الإمكانات المتاحة لها، في مرحلة ما، وعدم الانتظار الوقت اللازم حتى تكوين إدارة محلية كفؤة رشيدة.. مما يوجب على الإدارة العليا أن تجيد وتُحسن استثمار الإمكانات المتاحة أو الموجودة في تلك المرحلة، وأن تتدبر أمورها بها.. مع العلم بأني أعتقد بأن الإمكانات المتوفرة للمجتمع في أية مرحلة، هي محدودة ولا تجاري عموماً أو تكافئ الأهداف والطموحات والحاجات المتطورة باستمرار في المجتمع..
ب - وهنا يمكن التشبيه بلاعب الملاكمة، الذي يجمع قوته، كفّه وكل أصابعه، في قفاز واحد، لتكون لكماته ذات تأثير قوي على خصمه..
كما يمكن التشبيه بأسرتين، أفرادهما متساوية بعددها، ودخلهما واحد، ولكن حين ندخل إلى بيت إحداهما نراه مرتباً، والمفروشات أنيقة ونظيفة، والأطفال ثيابهم جيدة، ودراستهم طبيعية.. وحين ندخل البيت الثاني نرى الفوضى تسوده في المفروشات والأثاث وفي أوضاع الأطفال ودراستهم..فيتشكل لدينا رأي أو انطباع قوي، بأن الأسرة الأولى " مدبِّرة " وأُحسن تدبير أمورها، أي أن إدارة أولياء الأمور فيها جيدة.. بينما تعاني الأسرة الثانية من سوء تدبير العائلين!.
ت – سرعة إدخال الأدوات الإدارية المعاصرة، التي تشهد ثورة فلكية متصاعدة، وخاصة في أدوات الاتصال والمعلوماتية.. والتي أثرت بشكل كبير على النشاط الإداري كله.. على أننا لا ننسى في هذا المجال أن أدوات المعلوماتية والاتصالات تعتبر بمثابة الدماغ والجملة العصبية في جسم الإنسان، لأنها توفر المعلومة الصحيحة والمرتبة في الوقت المناسب، وتوصلها إلى الراغبين فيها أينما كانوا في لحظات آنية..
السعي لتكوين إدارة محلية قادرة بكل مقوماتها ومرتكزاتها، في أسرع وقت.. وخاصة الإدارة البشرية.. باعتبار أن الإدارة اختصاص ومهنة محلية، وهي بحاجة إلى إداريين محليين لممارستها، ولا يصلح الأجانب الأغراب في هذه الممارسة..
ث – التفتيش عن المبدعين والمخترعين والمبتكرين والتقنيين وغيرهم، في كل الميادين والمجالات والنشاطات.. والاهتمام بهم وتشجيعهم بالمساعدة المالية والمادية والإعلامية والمعنوية.. لكي يساهموا بجدِّية، كلٌّ في مجاله، بحسن استخدام إمكاناتنا المتوفرة، وخاصة الإنتاجية منها لتوفير حاجاتنا من المستوردات المصنعة، بل تصدير منتجاتنا المصنعة.. والتخلص من التبعية الاقتصادية تدريجياً..
ج – وفي الوقت نفسه، تشجيع الصناعيين الوطنين والمهنيين والحرفيين وغيرهم، وأصحاب رأس المال وحفزهم للتعاون مع المبدعين وأمثالهم للتسيق معهم، ووضع أفكارهم ومبتكراته واختراعاتهم مض التنفيذ..
وبمثل هاتين الخطوتين، نطبق مبدأ الفن للحياة، والإبداع للتطبيق؛ ونبتعد عن مقولة: الفن للفن، والإبداع للإبداع!.
5 – تطوير القوانين والأنظمة النافذة، المركزية وفي جميع القطاعات، وجعلها ملائمة للمرحلة.. ومتابعة تعديلها وتطويرها بشكل مستمر، بحسب المتغيرات والمستجدات المحلية والقومية والعالمية..
6 – تطوير الهياكل التنظيمية والملاكات بما يتلاءم مع تطور الأدوات الإدارية.. والمستجدات المتنوعة..
على أن هذه الإجراءات والخطوات لا تتم تلقائياً.. ولا بدَّ لها من جهات مؤهلة لتقوم بها بالفكر والدأب والاستمرار.. والمتابعة الحازمة..
وهنا أقترح، أن تعزز الجهات المسؤولة والمختصة في الدولة أو المجتمع عن التخطيط العام، وعن التنمية الإدارية.. وإن لم تكن موجودة أن نحدثها، ونشجعها في نشاطها، لأن مردودهما سيكون خيراً لكل المجتمع..
لنحسن إداراتنا ونرشِّدها.. ولنحدد أهدافنا ومصالحنا القريبة والبعيدة " الاستراتيجية ".. ولنتعرَّف على إمكاناتنا المتاحة المتنوعة أولاً.. ولنستعملها بأيدينا نحن ونطورها ونعظِّم مردودها.. ولنتدبَّر أمورنا بإدارة كفؤة رشيدة نستعجل في بنائها.. ونستكمل ما ينقصنا من موارد وإمكانات، بالتعاون والتنسيق مع الدول العربية والإسلامية الشقيقة، وبتبادل المصالح المشتركة مع الدول والمنظمات الصديقة.. بما يحقق أهدافنا ومصالحنا المشروعة.. كي نقلل الفجوة التي تفصلنا عن ركب المعاصرة الحديثة، ونلحق بها ونركب قطارها..
* * *
بسم الله الرحمن الرحيم
أولاً ـ تمهيد
نعرف أن دور الإدارة يتلخص في: استخدام الإمكانات المتاحة لها، لتحقيق أهدافها، على أحسن وجه.. ولكي تحقق هذا الاستخدام الحسن، تقوم بعدد من العمليات والوظائف " العامة المشتركة "، كالتنظيم، والتخطيط، واتخاذ القرارات، والتدريب، والمتابعة، والإحصاء.. بصرف النظر عن عائدية الإدارة وكونها عامة أو خاصة أو غير ذلك..
ونعرف أن الإمكانات المتنوعة، البشرية، والمادية، والطبيعية، والصنعية، والفنية، والمالية، .. موجودة "مشتركة " أيضاً، بهذا القدر أو ذاك، وفي كل التجمعات والمنظمات، مهما كانت عائديتها، القطاع العام أو الخاص أو غيرهما..
كما أن الكيفية الجيدة لاستخدام إمكانات الإدارة " متشابهة " في كل التجمّعات والمنظمات.. من حيث حُسن استثمار الجهد البشري والعلاقات الإنسانية، واحترام الوقت وتنظيمه، والريعية المناسبة بالوصول إلى أفضل النتائج بأقل إنفاق مالي أو مادي، والإنتاج الأكبر في وحدة الزمن، والمواصفات الجيدة والتقيد بالنظام العام، والاستعداد المستمر للحالات الطارئة…
ثانياً ـ منطلقات
* تستوي في كل ما تقدم، كل " الإدارات " برغم اختلاف أهدافها ومطارحها، لأن هذا الاختلاف من شأنه أن ينصب فقط، على تباين تسمية إدارة التجمّع أو المنظمة وأهدافها، فتختلف بذلك تسميات " إدارات " كل منها. فنقول: إدارة عسكرية، إدارة مدنية، إدارة مدرسية، إدارة عامة، إدارة أعمال أو خاصة، إدارة تعاونية، إدارة سياسية، أو غير ذلك… على أن " علم الإدارة " يبقى، وكذلك مبادئه وقواعده في ممارسة الوظائف العامة المشتركة واستثمار الإمكانات المتاحة وتحقيق الكفاءة الجيدة، علماً واحداً و" مشتركاً " في جميعها..
* ذلك لأن طبيعة الإدارة، كعلم + فن، هي واحدة، في جميع العلوم، وفي كل القطاعات والمجالات والأنشطة المختلفة.. ويضاف إليها المعلومة، لتصبح: علم + فن + معلومة.. وخاصة في المرحلة من حياة البشرية..
* ولما كانت طبيعة الإدارة كفن، متصل بالأداء البشري وخصوصياته، قد تتنوع في أساليبها ووسائلها، استناداً إلى أساسيين:
1 – ضرورة التصرف ضمن علاقات بشرية كثيرة، بين رؤساء أو أصحاب عمل، وزملاء، ومرؤوسين، مستشارين ومتعاملين محليين وعرب وأجانب، ومواطنين.. وفي ظروف البيئة المحيطة بالتجمّع أو المنظمة..
2 - التحليل الذاتي أو الشخصي الذي يجريه الإداري، للظروف الشاملة المتعددة: البشرية، والطبيعية، والمادية، والمالية، والفنية، والاجتماعية الزمانية والمكانية.. التي تتصل بالموضوع الذي يواجهه هذا الإداري..
* فإن هذا الفن، المتمثل بالتصرف الشخصي والتحليل الشامل للظروف المحيطة، يبقى في إطار علم الإدارة الواحد ومبادئه وقواعده، الذي نتدارسه ونتوارثه جيلاً عن جيل، برغم تباين الأشكال والمطارح والأهداف والتسميات والممارسات والقوانين والأنظمة والأدوات..
فمثلاً، يستوي منطق مراحل عملية اتخاذ القرار وتسلسلها، وهي:
1 - تفهم الموضوع وجمع أوسع المعلومات حوله..
2 – مناقشة المعلومات وتحليلها والخروج باستنتاجات وحلول تبادلية ممكنة..
3 - انتقاء أنسب الحلول، الأكثر في إيجابياته.. أي اتخاذ القرار من قبل صاحب الصلاحية..
4 - صياغة القرار المتخذ، كتابة أو في برنامج تنفيذي وإبلاغه للمنفذين ومتابعتهم..
* ويستوي هذا المنطق أو هذه المراحل، في كل القطاعات، وفي كل الحالات، سواء كان الهدف أو الموضوع كبيراً أم صغيراً، ومهما كان نوع الأدوات المستعملة.. وما يختلف هو ما نقوم به خلال هذه المراحل من حيث الحجم والزمن الذي تستغرقه والأسلوب الذي نلجأ إليه.. ونستطيع أن نعمم ذلك على ممارسة وظيفة التنظيم، من حيث نوعية الوحدات الفرعية وفئاتها، وما يختلف هو العدد والحجم والامتداد..
* ومن الجائز القول: توجد فوارق أو اختلاف في " الفن " الإداري والتطبيق والممارسة حسب ذاتية الأشخاص القائمين على الإدارة في هذا القطاع أو ذاك، وأهدافهم وإمكاناتهم وخبرتهم، وحسب تحليلهم للظروف، وحسب الأدوات المتوفرة بين أيديهم.. ولكن " علم " الإدارة هو ينظم أعمالهم ونشاطاتهم، وهو علم واحد في القطاعات والأنشطة المختلفة أو المتعددة كافةً..
* ومن زاوية أخرى، فإن الإدارة، وبغض النظر عن عائديتها بين القطاعات، تعتمد من أجل استخدام إمكاناتها وأداء أهدافها وواجباتها مهما تنوعت، على عدد من المرتكزات الأساسية " كعناصر مشتركة " متشابهة وموجودة لدى جميع " الإدارات " في التجمّعات والمنظمات.. وهي:
1 - الإنسان، من حيث كونه أصل الإدارة وغايتها وعمادها، ويجب العناية به: معنوياً، ومعنوياً، وتدريباً، وسلوكيا.. سواء عمل لدى الحكومة، أو القطاع العام أو الخاص، أو الحرفي، أو النقابي، أو غيرها..
2 - والهيكل التنظيمي والملاكات وتوزيع العمل بين الوحدات الرئيسية والفرعية المركزية أو الإقليمية، للتجمع أو المنظمة، وضرورة كونه ملائماً لتحقيق أهدافه وواجباته بكفاءة وانسجام وتناسق بين هذه الوحدات الفرعية..
3 - والقوانين والأنظمة، العامة الخارجية، والخاصة الداخلية، التي تحكم أنشطة التجمع أو المنظمة..
4 - والأدوات الإدارية التي تستعملها جميع الإدارات.. والتي يجب تحديثها باستمرار، لملاحقة ما يحث فيها من تطور مبهر وسريع، وبما يناسب من المعلومات والاتصالات لتجويد الأداء وتسريعه في الزمن ودقته..
* ولا شك في أن هذه المرتكزات الأساس أو القواسم المشتركة بين جميع الإدارات ينظمها علم الإدارة الواحد، برغم تباين الإدارات في عائديتها القطاعية ومطارحها وأهدافها المتنوعة كثيرا.. وإن اختلف التطبيق بحسب الظروف المحيطة والأهداف والإمكانات، والنظرة الذاتية للإداري..
* وتجدر الإشارة إلى أن المنطق الذي سقته لدى الحديث عن المفهوم العام للإدارة ووظائفها العامة ومرتكزاتها الأساس وصفاتها، ومن ثم عن علم الإدارة الواحد.. يبقى ساري المفعول وإن كانت أهداف التجمع أو التنظيم نبيلة أو شريرة.. فيفترض في عصابة الأشرار وجود إدارة كفؤة قديرة، وأن تطبق علم الإدارة بدقة، كي تصل إلى أهدافها بنجاح ودون الوقوع في المصيدة..
ثالثاً ـ صفوة القول
الإدارة: هي عملية مشتركة متشابهة، في الجماعات والوحدات البشرية كافة، بدءاً من الأسرة، وصولاً إلى المنظمات القومية والدولية، مروراً بسائر التجمّعات البشرية على اختلاف أهدافها ومطارحها وأنشطتها..
وينظم شؤونها ويوجه أنشطتها العلم الإداري المتطور باستمرار.. وبرغم اختلاف مسمياتها بالتالي، بين: إدارة عسكرية، إدارة مدنية، إدارة مدرسية، إدارة عامة، إدارة أعمال أو خاصة، إدارة تعاونية، إدارة سياسية.. فهي تصدر " أو تشرب " من نبع واحد هو علم الإدارة " الواحد " العام، وتستمد منه المبادئ والقواعد والأصول، ثم تتفرع عنه وتأخذ أشكالاً خاصة بكل منها.. على أنها تبقى فروعاً له تستمد أساسها منه.. مما يؤكد ما ذهبت إليه في العنوان: علم الإدارة واحد، ذو فروع..
بسم الله الرحمن الرحيم
..
التوجه نحو اللامركزية، بشروط
الأمور نسبية في عالم الإدارة، ترتبط في كل مرحلة، بعوامل كثيرة تُؤثر في تصرفاتنا..
والإدارة مهنة محلية تراعى في أساليبها، خصوصيات مجتمعها وعقائده وظروفه وثقافته وقوانينه وأدواته وبتقاليده وعاداته، وماضيه وحاضره وتطلعاته المستقبلية..
وتؤثر هذه الخصوصيات في تحديد منطقة أو نقطة الوقوف بين المركزية واللامركزية، إذ لا توجد مركزية أو لامركزية مطلقة، فالتكامل بين كل المستويات العليا والوسطى والقاعدية والجهات والقطاعات المختلفة، مطلوب لتسير مركبة تنمية المجتمع بتوازن.. وتختلف المنطقة أو النقطة المختارة وفق الظروف المرحلية، مما يوجب دراستها بعناية واقعية لتحديدها، مع مرونة في تعديلها وفق المستجدات المحلية والخارجية..
ثانياً ـ موجبات اللامركزية
1 ) تأخذ المركزية جزءاً من وقت المسؤولين في المستويات العليا لصرفه في تفاصيل صغيرة.. والوقت أغلى ما ميّزهم به خالقُهم، والوقت محدود ويملكه البشر مؤقتاً، ويجب أن يستفاد منه بأقصى مردود.. فالانشغال بالأمور الصغيرة سيكون على حساب المهام الجسيمة، وهذا غير جائز، كما أن الزمن يمر وينقضي سريعاً دون انتظار أو استئذان.. وهو كالسيف إن لم تقطعه قطعك!.
وأُذكر، بأن عدم احترام الوقت يعتبر من مسببات جعل البيروقراطية والروتين ظواهر مرضية، بدلاً من كونها أموراً تنظيمية، فتعيق العمل ضمن الأجهزة، ومع المتعاملين المحليين والأجانب، والمواطنين..
لذا، يجب أن تتخذ جميع الوسائل كي لا يغرق المسؤولون في الأمور البسيطة، والمشاكل العادية، التي تصرفهم عن معالجة القضايا المصيرية، التي لن يجدوا الوقت الكافي للنظر فيها..
2 ) ويؤدي بطءُ استعمال الأدوات الإدارية العصرية إلى المركزية.. والمركزية،لم تعد تلائم التطور الهائل فيها، وخاصة في الاتصالات والمعلوماتية، التي جعلت الأرض قرية صغيرة، وجعلت العلاقات وتبادل المعلومات وعقد الصفقات بين أرجاء المعمورة، تتخذ صفة فورية، ومنحى أفقياً في جميع الاتجاهات المحلية والخارجية.. مما جعل الرجوع إلى المستويات الأعلى في التصرفات مستحيلا!، خشية إضاعة الوقت والفرص في مثل هذه العلاقات والاتصالات الرأسية..
3 ) كما يشكّلُ تخلّف استعمال الأدوات المتطورة، السببَ في: العديد من الظواهر المرضية التي نعاني منها.. كتأخّر إنجاز الحسابات السنوية؛ والتراكمات المالية؛ والموازنة العامة؛ والروتين والبيروقراطية المرضية.. مما يجعل القرارات على أساسها لا تستند على أسس رقمية سليمة، كما يشكل مناخاً و" مياهاً عكرة " مناسبة للاصطياد فيها من قبل سيئ النية، ولانتشار أُخطبوط الإفساد والفساد..
4 ) واللامركزية مطلب ضروري، مع توسع مهام الدولة وواجباتها في المجتمع، وزيادة عدد أجهزتها ومشاريعها.. وأقيس في ذلك على الأسرة، فكل وقت الزوجين يكون مخصصاً في البداية للطفل الأول.. ثم يؤخذ منه قسم أو معظمه للطفل الثاني.. وهكذا، مع تزايد الأولاد.. بل قد يكلفون الوالدان الكبارَ من أولادهم برعاية بعض أمور الصغار.. وهذا يشبه اللامركزية المتدرجة..
5 ) لا يصح تقليد التجارب الأجنبية عند الآخرين، وتطبيق نموذج مماثل لما عندهم عن الإدارة المركزية أو السلطة المحلية.. وإنما دراستها ومقارنتها مع واقعنا وظروفنا وخصوصياتنا، واستنباط الحلول المناسبة لنا.. فمعلوم أن الأمور نسبية في عالم الإدارة، ولا يمكن أن تتطابق الظروف في كل المجتمعات والدول..
6 ) ولا يصحُّ التطرف والتحيّز إلى المركزية، قبل تحليل شامل للواقع الراهن والظروف.. مع استهداف تحقيق تطوير متوازن مركزياً وجغرافياً، ومشاركة أوسع للجماهير في الحكم، ولاسيما المحلي.. فالاتجاه نحو اللامركزية ليس مطلقاً، ومتأرجح بحسب النظرة للواقع الراهن والنظرة المستقبلية للتطور.. ويتطلب الاستعداد له وإيجاد المناخ المناسب لها، دون استعجال غير مبرَّر، أو تردد أو تسويف..
7 ) في كل الأحوال، فإن المركزية واللامركزية، أسلوبان مترافقان، وسيبقيان كذلك.. وكلاهما مسؤول عن تطور المجتمع في مجاله، و تقع مسؤولية مشتركة عليهما.. ذلك لأن الأهداف العامة للمجتمع والأهداف الفرعية للمناطق يجب أن تتكامل وتتضافر لتنمية كل الدولة بشكل متوازن وسريع.. كما أن الأهداف العامة فيها مصلحة للمناطق الجغرافية.. وبالمقابل إن تحقيق الأهداف الفرعية فيه مصلحة عامة للمجتمع..
8 ) وهنالك أهداف ومشاريع عامة متنوعة، تفوق في الإمكانات اللازمة لها، إمكانات منطقة جغرافية معينة، وتفرض تحقيقها مركزياً.. وكذلك حال الأهداف والمشاريع التي تزيد مساحتها عن مساحة منطقة ما، وهي مشتركة بين منطقتين أو أكثر، فلا بدَّ من تدخل مركزي للتنسيق بينها، أو لتنفيذها مباشرة من قبلها..
9 ) على ذلك، فإن تنمية المجتمع تساهم فيه ركيزتان معاً:
* – السلطة المركزية..
* – السلطة اللامركزية المحلية..
مما يوجب العناية بكليهما على التوازي.. دون إغفال أي منهما.. لتطوير المجتمع وتنميته بسرعة..
10 ) يختلف اختيار نقطة أو منطقة الوقوف بين السلطتين، المركزية أو اللامركزية، ويتوقف على:
أ – مستوى العاملين الإدارين، وكفاءتهم في ممارسة الوظائف العامة للإدارة..
ب – مستوى المرتكزات الأساس للإدارة:
* الإنسان، بأوضاعه المادية المعيشية، والمعنوية، والسلوكية، والتدريبية..
* القوانين والأنظمة العامة والخاصة.. وتعاميم العمل وتعليماته والبلاغات الصادرة عن مستويات عليا..
* الهياكل التنظيمية والملاكات والأنظمة الداخلية..
* الأدوات الإدارية المستعملة في النشاط الإداري..
11 ) فنحن ملزمون باختيار منطقة وقوف، قريبة من الأسلوب اللامركزي.. فإجراءاته ليست مستحيلة، ويجعل الواجبات والمسؤوليات موزَّعة على كل المستويات.. وهذا ما سأحاول شرحه، لكي يتحقق لدينا الفهم، والقناعة، والإرادة، ومن ثم توفير ما يلزم، كل في مستواه ونطاق صلاحياته..
ثالثاً ـ موجبات اللامركزية بحسب معرفتي بالواقع
1 – يجب أن تخفف شدة المركزية، حسبما يقتضيه واقع التوسع الكبير في دور الحكومة ومهامها، وبعد تنامي أجهزة الدولة والقطاع العام والمرافق..
فوزير الصناعة في سورية يشرف على 6 مؤسسات عامة وأكثر من 80 شركة عامة..
ووزير التموين كان يشرف في 1965 على مؤسسة عامة واحدة، هي مكتب الحبوب، في حين يشرف حالياً وزير الاقتصاد والتجارة، التي دمجت معها وزارة التموين والتجارة الداخلية، وفي نطاق التجارة الداخلية فقط على العديد من المؤسسات العامة والشركات العامة والجمعيات التعاونية الاستهلاكية وغرف التجارة، تصل في عددها إلى الآلاف.. علاوة على ما كان يتبعه من هيئات ومؤسسات وشركات وهي كثيرة..
فهل يكفي الوقت عند وزيري الصناعة والاقتصاد للإشراف على الأمور والاطلاع على تفاصيل أعمالهما مكتبياً وميدانياً!. أشك في ذلك، فالزمن محدود لابن آدم، والساعة 25 مستحيلة والأسبوع 7 أيام..
وأتساءل: هل تساعد طاقة الإنسان الفرد الذهنية والجسدية على القيام بكل ذلك؟. إضافة إلى العلاقات والاتصالات مع مجلس الوزراء والمجالس واللجان الوزارية، أو مع الوزارات الأخرى والمحافظات والمنظمات والمؤسسات الشعبية والعلمية وسلطات الإدارة المحلية.. فلا بد من التفتيش عن حل بديل..
2 - يجمع الوزير، في أي وزارة، منذ 1969، منذ نظام تعدد معاوني الوزير في الوزارة الواحدة، في شخصه اختصاصات التوجيه واتخاذ القرارات والتنسيق، ويتفرد عموماً بالصلاحيات والسلطة..
علاوة على أن " مركزة " الأمور بشخص الوزير، من شأنها، أن تجعل التصرفات والقرارات تنسيبية اجتهادية ومختلفة من وزير لآخر.. وعرضة للتبدل عند كل إعادة تشكيل الحكومة، بحسب نظرة الوزير الجديد وآرائه.. مما يؤثر سلباً على استقرار التصرفات والاجتهاد المطلوب..
3 – وأغرقت المركزية المحافظين بالمهام لمصلحتها، وأخذت الكثير من وقتهم الذي يفترض تخصيصه للشؤون الهامة في محافظتهم.. وخاصة رئاسة المجالس واللجان الكثيرة التي تؤلفها رئاسة الوزراء والوزارات.. إضافة لما هو مقرر لهم في القوانين والأنظمة النافذة.. فلا أحد يعرف عدد المجالس واللجان التي يرأسها المحافظ..
4 - والمركزية جعلت قانون الإدارة المحلية ولائحته التنفيذية، غير واضح المعالم.. فالوزارات المركزية أخذت تدريجياً تتصرف وكأنها لا تشعر بوجود وزارة للإدارة المحلية ومجالسها ومكاتبها التنفيذية في المحافظات.. وأرى بأنه يستحسن تقييم مسيرة ممارسة الإدارة المحلية، في المجتمع، بعد مضى مدة من الزمان طويلة..
5 – وأفرغت المركزية قوانين المؤسسات والشركات العامة، منذ المرسوم التشريعي 18 لعام 1974 وتعديلاته من غايتها، وشلت حركة إداراتها.. برغم أن القانون ينطلق من حصر علاقة المستويات الوصائية والإشرافية معها في 3 اتجاهات فقط، تنظيمياً؛ تخطيطياً؛ وتمويلاً:
أ – تنظيمياً، حين يوضع هيكلها التنظيمي وملاكاتها وأنظمتها..
ب ـ تخطيطياً، لدى رسم أهدافها وخططها في نطاق الخطة العامة للدولة..
ج ـ تمويلاً وموازناتيا..
فليس لأحد بعد ذلك، ولأي سبب، أن يتدخل في شؤون القطاع العام، ليقيد حرية إداراته ومرونتها..
6 - بل إن الحكومةلم تعامل القطاع العام، بمثل القطاع المشترك، الذي تملك ربعه، منذ سبعينات القرن العشرين، حيث نصت قوانين إحداث القطاع المشترك صراحة على استثناء شركاته من القيود التي تتضمنها قوانين القطاع العام وأنظمته!.
بل زادت من قيود القطاع العام، المتحرر منها القطاع الخاص.. فبرغم أن النصوص تعطي صلاحيات مناسبة لمجلس الإدارة في المؤسسة واللجنة الإدارية في الشركة، والمادة 35 من المرسوم التشريعي الصادر 1994 أعفت العقود والعمليات التي تجريها المؤسسات والشركات والمنشآت من تصديق مجلس الدولة، فما زالت كثير من مشاريع عقود القطاع العام تعرض على لجنة دراسة العقود لدى مجلس الوزراء " وهي لجنة مؤقتة وغير متفرغة! ومسؤولياتها محدودة "، لمناقشتها وبيان رأيها خلال وقت طويل!، ثمّ عرضها على اللجنة الاقتصادية الوزارية، التي تتخذ توصية خاضعة لتصديق رئيس الوزراء.. مما أطال زمن الإجراءات، وجعل إداراته لا تتحمل مسؤولية أعمالها!، وشغل وقت السادة المسؤولين، ولا ينسجم مع ما تقتضيه الأدوات الإدارية المتطورة!.
فلماذا لا يُطبق التشريع وتُترك المؤسسات والشركات العامة تتحمل مسؤولياتها؟، ولماذا لا نجعل تصرفاتها دون تأخير لا يناسب العلاقات الفورية، المحلية والخارجية؟، ويناسب تطور الأدوات، ونربح أيضاً وقت المسؤولين والوزراء؟..
رابعاً ـ مقترحات للتوجه نحو اللامركزية
سأورد نقاطاً ومقترحات، أعتقد أنها في قدرة كل إدارة في وزارات الدولة وجهاتها ومؤسساتها وأجهزتها، حتى في المستويات القاعدية، ومرافقها وبلدياتها، بل هي في مقدور القطاع الخاص والمشترك وغيرها.. فهي تستطيع تنفيذها مباشرة دون ادعاء بضرورة الحصول على موافقة المستويات الأعلى، فيمكن اتخاذ الخطوات، الإدارية المناسبة، لتداركها بحسب صلاحياته، ويرفع الأمور التشريعية والتنظيمية، إلى الجهة المعنية.. ومن ذلك..
1 - الدقة في التنظيم الهيكلي وإحداث الوحدات الفرعية، ووضع الملاكات العددية للأشخاص، وعدم الزيادة فيها.. فإن إضافة شخص واحد سيضيف اتصالات و" تعقيدات " كثيرة على الوحدة.. كما أنه سيُلهي العاملين، وقد يدفع إلى الإطالة بحجة إيجاد عمل للفائضين!. ويؤدي إلى الازدواجية.. علاوة على النفقات الإضافية.. لذا، أدهشني وجود 70 مديرية في هيئة تخطيط الدولة!، فكتبت عنها بعنوان: تساؤلات عن التنظيم في الهيئة، بتاريخ 15/5/2007 في " كلنا شركاء في الوطن "..
2 – الاتجاه نحو اللامركزية على صعيد المجتمع، أو قطاعياً أو جغرافيا،كلما ازداد عدد الأشخاص والجهات والأجهزة المرتبطة برئيس ما، لكي لا تخرج عن نطاق إشرافه وتوجيهه..
3 - تسمية الشخص المناسب في مكانه بموضوعية، وتهيئة ظروفه بتنظيم سجل مركزي " مسلكي إحصائي " للعاملين؛ ووضع توصيف للوظائف وشروط إشغالها؛ مع اقترانهما بالتدريب ..
4 - قلة الدخول في التفاصيل كلما ارتفع المستوى.. لأنه يؤدي إلى عدم إشغال وقت القياديين بقضايا صغيرة، وتخصيصه للأمور الهامة.. وإلاّ، فعكسه يؤدي للإخفاق..
5 - تطبيق أسلوب " الإدارة بالاستثناء ".. بحيث تكون الأنظمة وتعليمات العمل واضحة، فتعالج المعاملات مباشرة من قبل العاملين، دون استشارة رؤسائهم أو الرجوع إليهم، إلا في حالات استثنائية نادرة..
6 - تطبيق أسلوب " عدم مرور المعاملة على من لا رأي له فيها ".. فالخط المستقيم أقصر طريق بين نقطتين.. وبذلك نستبعد " أبطال " الإحالات الغامضة، والإطالة غير المبررة..
7 - تنمية روح العمل الجماعي، بما يساعد على معالجة المعاملات وإنجازها في موعدها، من قبل الزميل عن زميله الغائب.. والابتعاد عن الإطالة و" الإحالات " الضبابية..
8 - إقناع العاملين بأهمية احترام " الوقت الاجتماعي " للمتعاملين والمواطنين.. والابتعاد عن التسويف والتأجيل وعن " تعال بكرة!! "، هذه الجملة التي يتعلمها المتعاملون الأجانب، مع الأسف، ويتندرون بها!.
9 - الحرص على تنظيم وقت العاملين وإنفاقه في الجد، وعلى العمل تحت ضغط الوقت، وكأننا مستعجلون دائماً..
10 - تفويض السلطة للمساعدين والمرؤوسين الأكفياء.. فهو يحقق المزايا الآتية:
وذلك بانتظار تعديل القوانين والأنظمة العامة وتوضيحها وتطويرها، أو استصدار ما هو جديد منها، مما قد يستغرق وقتاً طويلاً نسبياً، فإني أقترح اللجوء إلى تفويض السلطة، فهو أحد الأساليب المساعدة على التوجه نحو اللامركزية..
أ - توفير وقت الرؤساء، فيتفرغون للجوانب الأعم والأهم، والخارجية، دون الانشغال بالأمور الصغيرة و"سلق " الكبيرة! أو إهمالها بالتأجيل!. فيتركونها إلى المستويات القاعدية.. وبذلك يُحسنون الاستفادة من الوقت المتاح، وتنظيمه، وتوزيعه بين العاملين بمن فيهم الرؤساء..
ب ـ تدريب المساعدين والمرؤوسين وتأهيلهم على ممارسة صلاحيات أعلى، وتحمل مسؤوليتها.. وتكوين احتياطي كفء منهم لملء الوظائف التي قد تشغر، أو للقيام بالمهام المستجدة، وتأهيلهم لإشغال وظائف أعلى والترقي أو النقل إلى مواقع أخرى.. لأن التفويض من أشكال: التعلم والتدرب من خلال التجربة والممارسة..
ت ـ استمرار نشاط المنظمة في كل وقت بوتيرة مناسبة.. دون تأخير أو ارتباك.. في كل الحالات، العادية، أو أن تحدث كوارث وحوادث طارئة تقطع الاتصالات.. سواء غاب الرئيس لمدة طويلة أو قصيرة أم وجد.. في عالم لا يتوقف عن الحركة والتغيُّر.. ولا أحد يتوقف وينتظرنا للتعامل معنا، مما يوجب عدم توقف النشاط تباطؤه بانتظار عودة الرئيس صاحب الصلاحية.. خاصة حين تكون المنظمة ذات صفة عالمية، وتنشط على نطاق جغرافي واسع، يتجاوز الحدود والبلدان وقارات الكرة الأرضية..
ث - تسريع إنجاز المعاملات ضمن المنظمة، وخارجها للمتعاملين أو غيرهم.. باختصار عدد مستويات الهرم الإداري، في عالم دائب الحركة تجري الاتصالات فيه كلمح البصر.. مما يدفع عن الإدارة " تهمة " البيروقراطية والروتين!، ويوفّر " الوقت الاجتماعي" للمواطنين!.
ج ـ وتساهم السرعة في إنجاز المعاملات، في تخفيف الانفصام بين السلطة والمواطنين، الموروث عن الحكم العثماني والاحتلال الفرنسي..
ح - رفع الروح المعنوية عند المفوضين، وسعيهم لإثبات جدارتهم.. وتزايد الثقة بالنفس لديهم، جراء تعويدهم على تحمل المسؤولية.. والاعتزاز بثقة الرؤساء بهم، إذ أنهم أعوان وليسوا أتباعاً.. وتنمية شعور الولاء والالتزام ضمن المنظمة.. وتقوية روح العمل الجماعي لدى منتسبيها..
خ – إيجاد مناخ إيجابي ملائم للمنافسة الشريفة بين المساعدين والمرؤوسين والعاملين، وسعيهم لتجويد نشاطهم، للحصول على التفويض..
وأشير إلى عدم التخوف من التفويض، ذلك أن من لا يسمح له أهله بالحبو والزحف من الأطفال، لن يتعلم المشي!. فمن الضروري الجرأة بالتفويض، والتعوّد على اتباعه.. ففوائده كثيرة.. ويؤدي إلى إنجاح الجهة أو المنظمة التي نديرها.. ولا بأس من التدرّج فيه مع الزمن حسب أهلية المفوَّض.. كما يمكن تضييق نطاقه، أو الرجوع عنه إذا لم يُثبت المفوَّض مقدرته، أو في حال إخفاقه..
كما أشير إلى أن الظروف المحلية والخارجية والأدوات الإدارية، تتطور بسرعة أكبر من سرعتنا في تطوير القوانين والأنظمة والهياكل التنظيمية.. مما يقتضي أن يراعى عند إعداد القوانين والأنظمة الجديدة أو تعديل النافذة منها، إمكانية هذا التفويض..
11 - توضيح سير المعاملات، ومواعيد تقديم الطلبات وبدء الإجراءات.. ورسمها على مخططات أو جداول مبسطة وتعليقها في المداخل ولدى الاستعلامات وفي أمكنة بارزة.. وترقيم الغرف والطوابق التي يجب المرور عليها وتسميتها..
12 - تصميم نماذج أو استمارات متنوعة، لبدء إجراءات أية معاملة.. وتدريب العاملين على ذلك.. وتسهيل الحصول عليها من مكاتب الاستعلامات، التي تدل المراجعين على ملئها من قبل أي منهم، وعلى تجاوز الصعوبات، إن وجدت..
13 ) اتباع نموذج موحد لعرض الموضوعات على الرؤساء..بحيث يتضمن مصدر الموضوع، وملخصاً عنه، ورأياً صريحاً لكل من مرّ عليه، قبل عرضه على صاحب السلطة بالتوجيه أو القرار.. ويتضمن ما يلي عموماً:
* الترويسة: الجمهورية العربية السورية - وزارة / محافظة / مؤسسة / شركة / مديرية..
* مصدر المعاملة: الجهة، الرقم، التاريخ، وتاريخ ورودها..
* خلاصة الموضوع؛ ورأي المُلخِّص فيه؛ ثم التاريخ وتوقيع المُلخِّص..
* تنظيم حقول عمودية شاقولية متتالية لـ: × رئيس الدائرة أو القسم أو المكتب، ثم التاريخ وتوقيعه.. × المدير، ثم التاريخ وتوقيعه.. لإيراد آراء التسلسل التي سيقدمها كل من تمر عليهم الورقة، وصولاً إلى صاحب الصلاحية في التوجيه أو القرار..
* رأي المدير العام أو قراره؛ التاريخ وتوقيعه..
* قرار الوزير/المحافظ، التاريخ وتوقيعه..
من فوائد هذا النموذج، الذي قد يكفيه ورقة واحدة: أ - تأهيل العاملين.. ب – الوضوح والعمل الجماعي.. ت – متابعة أداء مختلف العاملين دون تأخير.. ث - تعويدهم على بيان الرأي وتحمل المسؤولية.. ج - تشجيعهم على المبادرة والتنافس، فآراءهم سيتعرف عليها رؤساؤهم.. ح - اكتشاف إمكانات المرؤوسين العاملين في المستويات القاعدية، من قبل رؤسائهم..
14 - تعويد المساعدين والمرؤوسين على أن تكون دراساتهم ومطالعاتهم مكثفة دون إطالة.. وبأقل عدد ممكن الصفحات..
15 - . . . . . . . .
خامساً ـ صفوة القول
المركزية واللامركزية، مصطلحان مترافقان يتمتعان بالمرونة، وليس بينهما حدود فاصلة.. والواقع الإداري بينهما في مجتمع ما يتأرجح بينهما، بحسب ظروفه في مرحلة ما.. وأعتقد في ضوء ما عرضته، وبحسب ظروفنا المحلية والخارجية، وخاصة التطور الهائل في أدوات الاتصالات والمعلوماتية، فإن علينا أن نتوجه نحو اللامركزية الإدارية، لأن المركزية تعتبر إحدى الثغرات التي تعيق تحديث الدولة وتطويرها..
لذا، أتمنى أن يقتنع المسؤولون، بخطر المركزية وبضرورة التوجه نحو اللامركزية، وأن يسارعوا لتلافيها، بإلغاء البلاغات والتعليمات المعيقة التي أصدروها، والعمل بأسلوب لا مركزي مناسب..
حرصاً على تحديد منطقة الوقوف بين المركزية أو اللامركزية في هذه المرحلة، في إطار نظرة شاملة، وخطة إصلاحية إدارية متكاملة، تراعي ظروفنا وبيئتنا ومتغيراتها، وتناسب التطورات التي نسعى إليها، وتلائم المتغيرات الخارجية والعالمية، أتمنى إناطة المهمة بجهاز مسؤول عن التنمية الإدارية، وفي حال عدم وجوده سرعة إحداث وزارة دائمة مختصة بالإدارة.. وآمل أن يلقى هذا الاقتراح صدى إيجابياً لدى كل المعنيين والمسؤولين..
بسم الله الرحمن الرحيم
المرؤوسون أعوان، في الإدارة الجماعية..
أولاً – تمهيد
تحدثت، وتحدث الكثيرون، عن الإدارة وأهميتها ودورها وضرورة تطوير الإدارة وتنميتها..
ووصفتها بأنها مهنة " مظلومة " غير معروفة، ويمارسها الكثيرون دون تحضير مسبق..
وقلت إنها: * اختصاص ومهنة محلية، * وأنها مهنة الجميع واختصاصهم، * وأنه للنجاح في ممارستها يجب تحقيق العمل الجماعي والنظرة الشاملة..
وأسلط الضوء الآن على مبدأ يتفرع عما تقدم.. وهو التعامل مع المرؤوسين والتعاون معهم على أساس أنهم أعوان ومساعدون، وليسوا أتباعاً أو أزلاماً لا رأي لهم، وهو موجودون لتنفيذ رغباتنا وأوامرنا فقط..
ثانياً - ضرورة العمل الجماعي
1 ) الإدارة وليدة اجتماعية الإنسان، ومن طبيعته العيش المشترك مع بني جنسه، بتكوين جماعات تتألف من " اثنين " فأكثر.. ذات أهداف وأنشطة وحجوم ومسميات مختلفة.. بدءاً من الأسرة، لأن بقاء الجنس البشري مرهون بالزواج بين الرجل والمرأة لتكوين الأسرة، وهي أول تجمع بشري.. وصولاً إلى المنظمات الدولية، ومروراً بكل أشكال التجمّعات البشرية.. أي أن تجمّع الإنسان هو الذي أوجد الإدارة، فيجب احترام العلاقات الإنسانية وأخذها في المقام الأول، بحيث يؤدي كل عضو واجباته باطمئنان..
2 ) وعماد الإدارة الإنسانُ، الذي قد يشغل موقع الرأس أو الزميل أو المرؤوس أو المنفذ.. وزادت أهميتها مع ارتقاء الإنسان سلم الحضارة، وازدياد الاختصاصات وتقسيم العمل ضمن المنظمات والمجتمعات البشرية.. فنجاح الإدارة يتوقف على أدائهم جميعاً، بصرف النظر عن التسلسل بينهم، لأته محصلة الجهود الفكرية والجسمية لجميع العاملين دون استثناء.. لأنها ككيان تنظيمي تشابه إلى حد كبير أي كيان آخر، بشرياً كان أم ماديا.. فكما أن كل أجهزة جسم الإنسان هامة ويجب أن يلعب كل منها دوره بانتظام ودقة لكي يتكامل ويستوي نشاط الجسم العام؛ وكذلك يجب أن تفعل كل أقسام محرك السيارة، فإن نتائج المنظمة وكفاءتها مرهونة بكفاءة أي فرد فيها، وبالتالي الإدارة مهنة جماعية..
3 ) ومن الأمثلة الدالة على أهمية الجماعية والاعتماد على المرؤوسين والمُحذرة من التفرد: * اليد الواحدة لا تصفق.. * الطير لا يطير بدون أجنحة.. * خذ رأي الأكبر منك، ورأي الأصغر منك، وارجع لرأيك.. * المرء كثير بإخوانه.. * الحصوة بتسند الجرة.. * المرء كثير بإخوانه.. * الغرور قتّال..
ويقول مثل تركي: يموت الإنسان ثلاث مرات.. مرةً حين يقول: صرْتُ.. ومرةً حين يقول: متُّ.. ومرةً حين يموت فعلا.. أي أن أحد أشكال الموت، أن يصيبه الغرور وأن يعتقد أنه الوحيد الذي يملك الفهم والإدراك دون بقية الناس، فيستغني عنهم، لأنه " صار "!، مما ينتهي به إلى الغرور، والغرور قتّال يقوده إلى الوحدة والانعزال عن الناس بمن فيهم مرؤوسيه، فيتفرّد بالرأي واتخاذ القرارات والتخبط فيها!. ولا يسمع غيره ولا يرى حوله فيصبح كالأطرش والأعمى!. برغم أن الاختصاصات كثيرة التنوع في المنظمة، مما لا يستطيع شخص واحد، مهما أوتي من مواهب وإمكانات، أن يمارسها.. فيكون قد حكم على شخصه بالإخفاق..
4 ) إن أية منظمة، هي مجموعة من البشر وجدت لأهداف خاصة بها، وتشكل فيما بينها " هرماً " يتوزع فيه العاملون على مستويات: عليا، متوسطة، قاعدية.. ويشكلون فيما بينهم تسلسلاً إدارياً: رئيس ومرؤوسون، زميل وزميل.. ويتوزعون على وحدات فرعية حسب الاختصاصات والأنشطة المتعددة، فنجاح المنظمة يتوقف على أدائهم جميعاً.. على هذا، فإن إحدى صفات الإدارة أنها: مهنة جماعية، مؤسساتية، ولا يمكن أن تكون غير ذلك، أي فردية، كما هو حال بعض المهن والاختصاصات الأخرى..
5 ) وانطلاقاً من الجماعية، يجب تحقيق النظرة الشاملة في الأداء، وذلك بتحليل كل الظروف المحيطة بالموضوع.. مما يفرض مشاركة أكبر عدد من العاملين ومن مستويات واختصاصات مختلفة، لضمان تنوع الآراء " واختلافها " وتكاملها، وبالتالي الإحاطة بموضوع البحث.. وبمثل هذه المشاركة الواسعة تتكامل صورة أي موقف أو موضوع أمام الرئيس فيأتي تصرفه أو قراره أو خطته أقرب إلى الدقة والصواب، وقابلاً للتنفيذ..
6 ) إذن، ما دام الجميع مساهمين بالعمل، فيجب أن لا ينفرد رئيس المنظمة في استعمال الصلاحيات وبالتصرفات، وإنما العكس، أن يعمد إلى الشورى والمشاركة الواسعة من قبل أكبر عدد ممكن، في أي خطوة.. فمهما كان الإداري متفهماً لبعض المجالات فتنقصه مجالات أخرى.. كمراحل اتخاذ قرار مثلاً، حيث يجب: جمع المعلومات وتحليلها والخروج بالاستنتاجات والبدائل الممكنة لانتقاء أنسبها، ثم إقراره وصياغته وإبلاغه المنفذين ومتابعتهم.. فهذه الخطوات لا يمكن أن يجريها الرئيس وحده.. مما يفرض مساهمة الجميع، بحرية تامة وديمقراطية وصدق.. والطلب إليهم التعبير عن أفكارهم هم، وإن كانت مخالفة للرئيس.. لكي لا تكون مساهمتهم شكلية، لا فائدة منها، بل فيها إضافة.. لأن مصلحة الرؤساء وأصحاب العمل، ليست سماع صدى أفكارهم، وإنما معرفة وجهات النظر لدى معاونيهم المرؤوسين، مما يُكمل ما لديهم من آراء وتصورات..
7 ) وأخطر حالة، أن يكون المرؤوسون ممن يسعون إلى مدح آراء رؤسائهم.. ويكون جوابهم دوماً: صح سيدي، نعم سيدي!. فإنهم بذلك لا يقدمون مساعدة له.. وهناك مقولة شائعة: إذا أردت عَزْل إنسان، فهناك طريقتان: إما السجن الانفرادي، أو إحاطته بحاشية تقول له دائماً: نعم سيدي، صح يا مولانا!.
8 ) ويدلُّنا الأدب العسكري باستعماله مصطلح: الركن والأركان، على النظرة التي يفترض في الرئيس أن ينظر بها إلى مرؤوسيه.. فالمفهوم العام للركن، هو الزاوية أو الدعامة التي يقوم عليها بناء، وما يمكن الركون أو اللجوء إليه، أو الاعتماد عليه في العمل.. وهناك فرقٌ لا يحتاج إلى الشرح، بين قول: أركان، وقول: حواشي أو حاشية أو أتباع.. فالمرؤوسون، أعوان و "أركان " بمعنى المصطلح العسكري، وليسوا حاشية أو أتباعا..
9 ) ولا ينتقص من صحة ما أذهب إليه، كون التوجيه أو اتخاذ القرار أو التخطيط من مسؤولية الرئيس، ذلك أن المشورة ومشاركة المرؤوسين ومعاونتهم تأتي قبل ذلك، وله بعدها، بعد تكامل صورة الموقف عنده، أن يختار ما يراه مناسباً من حلول ومقترحات يقدمونها، ويحسم الموقف بحسب صلاحياته..
10 ) كما أن مساهمة المرؤوسين والمشورة والمناقشات والعمل الجماعي، تشعرهم بالانتماء للمنظمة وتنمي لديهم روح الولاء لها، وتساعدهم على فهم القرار المتخذ، فيكون تنفيذهم له عن دراية، وناجح..
11 ) وتستوي فيما ذكرته كل القطاعات: عام، خاص، حكومي، تعاوني، مشترك، حرفي.. كما تستوي فيه كل المستويات: العليا أو الوسطى، المركزية أو الإقليمية أو الفرعية.. فعلى الرؤساء ورجال الأعمال، أن يضعوا ذلك نصب أعينهم وأن يبتعدوا عن " التفرد " وأن يعتمدوا على مرؤوسيهم ويستفيدوا من إمكاناتهم، ليصلوا إلى النجاح في تحقيق الاستثمار الأمثل للإمكانات البشرية العاملة معهم، لما فيه مصلحة المنظمة..
ثالثاً ـ مقتضيات العمل الجماعي
1 – إن المنظمة كيان، يتطلب تجميع أفكار كل أعضائه وإمكاناتهم، مهما كانت قطاعات نشاطهم: سياسية، حكومية، عامة، خاصة، مشتركة، نقابية، تعاونية، فردية.. لتنصب جميعها في بوتقة المساهمة في تحقيق أهداف المنظمة، مع استبعاد السلوك الفردي..
2 – سعة صدر الرؤساء وأصحاب العمل، وتمتعهم بحسن الاستماع، فللإنسان أذنان وفم واحد، ليسمع مرتين ويتكلم مرة.. والسعي لفهم وجهة نظر الآخرين، وعدم التذمر منها ولو كانت مخالفة لرأيهم، لأن الرأي الخطأ مفيد لسامعه إذ يحرض لديه الرأي الصحيح.. وأن لا يًفسح المجال لتكون خلاف وجهات النظر سبباً للخلافات الشخصية..
3 – إيجاد جو من الثقة والاحترام المتبادل بين العاملين على اختلاف مستوياتهم ودرجاتهم، بدءاً من احترام الذات ومنح الثقة للآخرين.. لأن المنظمة تتألف من البشر، فيجب احترام العلاقات الإنسانية واعتبارها في المقام الأول، فيؤدي كل عضو واجباته باطمئنان..
4 – الوضوح في القول والصراحة والصدق المتبادل.. وقديماً قيل صديقك من صَدَقَك، لا من صدّقك، فلنفتش عن الصادقين ونشجعهم بالاعتماد عليهم..
5 – إفساح المجال أمام العاملين المجدّين الأكفياء لإبراز مواهبهم، وتشجيعهم على الاقتراحات والمبادرات.. بل وتحريضهم على تقديم الآراء الجريئة.. وحفزهم معنوياً ومادياً، كي ينضم بقية العاملين إلى زمرتهم..
6 – تنمية العلاقات الاجتماعية والثقافية والترفيهية بين العاملين.. لتخفيف " حدّة الجدية " التي ترافق العمل المشترك والاجتماعات والمناقشات الصاخبة من جهة، ولتنمية روح الأداء الجماعي وتقوية الولاء للمنظمة والالتزام بمصالحها من جهة ثانية..
7 – أن تُنسب نجاحات المنظمة إلى العمل الجماعي المؤسساتي المشترك، إلى الكل.. وأن يتعوّد الرؤساء على التكلم بلغة " نحن "، والابتعاد عن الغرور والتحدث بلغة " أنا "..
8 – تحقيق النظرة الشاملة لأي موضوع، من قبل أصحاب اختصاصات متنوعة.. تماماً كما نجمع عدداً من الأطباء في حالات المرض الصعب، متوخين النجاح في المعالجة، ودون تأثيرات جانبية إذا ركز الطبيب الواحد على ما يتعلق بتخصصه، وأُغفلت بقية التخصصات..
9 – ويمكن تحقيق النظرة الشاملة باتباع مبدأ: الإكثار من الأسئلة حول الموضوع، والإجابة عليها بجدية.. بل أقول: إن هذا المبدأ هو مفتاح النجاح في كل مناحي الحياة وأنشطتها دون استثناء..
10 - تقوية روح " العمل ضمن الفريق " في الوحدات والأقسام الفرعية في المنظمة الأم، وتشجيع المنافسة الشريفة والمبادرات الجماعية لفرق العمل.. و فسح المجال أمام العاملين لإبراز مواهبهم.. وتحفيزهم على ذلك..
11 - تنظيم التدريب بشكل مستمر وشامل للجميع، دون تركيز على فئة، أو اختصاص دون آخر.. فلكل أعضاء المنظمة دور في أدائها، كأي كائن بشري أو صنعي، حيث يجب العناية بكل أعضائه ليكون بمجمله سليماً، حين يؤدي كل عضوٍ دوره على أحسن وجه..
12 - العمل بالمفهوم المخالف لمبدأ : فرّقْ تسدْ، الذي يستعمله المستعمرون لتكريس طغيانهم ضد الشعوب، فالحاكم المستعمر ليس جزءاً من الشعوب وتهمه مصالح بلاده.. أما الرئيس فهو جزء من المنظمة، ومصلحته من مصالحها، وينجح بها ومعها.. فيتوجب عليه السعي لتحقيق " جماعية " العمل، وأن يجعل شعاره: اتفقوا أيها الزملاء والمرءوسون وتفاهموا.. ولنتذكر: أن المرءَ كثير بإخوانه..
13 - تطوير الأدوات الإدارية المستعملة، فهي تشهد ثورة متصاعدة، جعلت العلاقات بين المجتمعات والمنظمات والأفراد، داخلياً وخارجياً، فورية وآنية، وأفقية مسطحة.. ولا تسمح بالمركزية والرجوع إلى المستويات الأعلى، بل تفرض اللامركزية حسب المرحلة، وتجعل الاعتماد على المرؤوسين إلزامياً.. وإيجاد أسلوب مبسط لتبادل المعلومات بين الأقسام الفرعية والمرؤوسين.. وعدم السماح باحتكار البعض للمعرفة..
14 - قلة الدخول في التفاصيل كلما ارتفع مستوى الرؤساء.. حرصاً على عدم إشغال وقتهم، المحدود أصلاً، " الساعة 25 مستحيلة " بأمور صغيرة، وتخصيصه للأمور الكبيرة الهامة..
15 - وتتلاحق المستجدات، المحلية والخارجية، الطبيعية والبشرية والتقنية.. وتتطور بسرعة أكبر من السرعة المعتادة في تطوير الهياكل التنظيمية والقوانين والأنظمة، التي تغدو متخلفة وتخفض كفاءة الأداء الإداري.. مما يقتضي متابعة هذا التطور واتخاذ التدابير المناسبة.. كأن تسمح القوانين والأنظمة بتفويض السلطة، أو المشاركة أو منح الصلاحيات إلى المرؤوسين..
16 – عدم تقليد الآخرين أو الأجانب، أو التقيد بالنظريات.. بل العمل بحسب مستوى المرتكزات الأساس في المجتمع: أ – الإنسان؛ ب – القوانين والأنظمة؛ ت – الهياكل التنظيمية والملاكات.. ث - الأدوات الإدارية.. وواقعها في المرحلة الراهنة في هذا البلد أو ذاك، فالإدارة ذات خصوصية محلية..
رابعاً - أساليب العمل الجماعي
× عقد الاجتماعات، الموسعة أو محدودة العدد، لبحث المواضيع المشتركة، واحترام أي رأي يطرح..
× الاتصالات الهاتفية، والمقابلات الشخصية الفردية أو الجماعية..
× الزيارات المكتبية، والميدانية..
× طلب الدراسات والتقارير من المختصين، والاهتمام بها بجدية..
× السعي لإيجاد جو من الثقة والاحترام المتبادل بين العاملين على اختلاف مستوياتهم ودرجاتهم، بدءاً من احترام الذات ومنح الثقة للآخرين، كما تقتضي جماعية العمل.. والوضوح في القول، والصراحة والصدق المتبادل.. وقديماً قيل صديقك من صَدَقَك، لا من صدّقك..
خامساً ـ الآثار السلبية للتفرّد
أ - ابتعاد المرؤوسين القديرين عن الرئيس، وسلبيتهم في الأداء والنشاط، وخسارة احترامهم الفعلي أو الضمني له، وسعيهم للهجرة إذا طال الحال..
ب - وسيتقرب منه " صائدو " المنافع والمنافقون و"مساحو الجوخ " والمتسلّقون، ويتهافتون عليه ويبدون الإعجاب بتصرفاته ويمتدحون أفكاره ويصفقون له ويزينون له أعماله، فيحتلون المراكز الهامة..ولكنهم لن يفيدوه في المواقف الحرجة..
ت - وبتقرب المنافقين وأشباههم، يحدث " شرخ " أو انفصام بين الرئيس وصاحب العمل وبين العاملين المرؤوسين القديرين، ثم يكبر مع الزمن، ويصعب تلافيه..
ث - مركزية مفرطة، ونظرة ضيقة للأمور، وإلزام المرؤوسين بالرجوع إليه في كل كبيرة وصغيرة، مما لا يساعد على التصرفات الرشيدة والنجاح، وإنما يؤدي إلى الإخفاق.. مع ما في ذلك من هدر لوقت الرئيس وجهوده ومن أثر سلبي على مصلحة المنظمة.. وبمقدار ما تكون الموضوعات هامة وكبيرة تكون النتائج السلبية لهذا التفرد خطيرة ومدمرة..كما أن المركزية لا تتلاءم مطلقاً مع أدوات الاتصالات والمعلوماتية المعاصرة..
ج - وتكون آثار انتهاج " الأنا " السلبية في الممارسة مدمّرة.. حين يكون الرئيس في مركز أساس، وحين تتعلق بموضوعات هامة،كالخطط والمشروعات المستقبلية والقرارات المحتاجة إلى جهود متنوعة ودراسة جماعية تتمثل فيها اختصاصات مختلفة.. كما يؤدي نهج " الأنا " أيضاً إلى المركزية..
ح - سطحية قراراته وتصرفاته ومحدوديتها، لصدورها عن زاوية نظر واحدة، وافتقارها للنظرة الشاملة، وزيادة احتمالات الخطأ فيها.. ذلك أن البشر خطاؤون، وخطأ الفرد الواحد احتماله أكبر من المجموعة..
خ - ازدياد عزلة الرئيس، وتفاقم غروره، وهي من أخطر الآثار، لأن المنافقين وأشباههم لن يقدموا له رأيا مفيداً من عندهم، بل تكون إجاباتهم بالموافقة.. فتتسارع خطواته نحو الإخفاق.. وتنطبق عليه مقولة سمعتها من مسلسل تلفزيوني: إذا أردت عزل إنسان، فهنالك أسلوبان: إما أن تسجنه في زنزانة انفرادية، أو أن تحيطه أو أن يحيط نفسه بمن يقولون له دائماً: صح سيدي، نعم سيدي!!.."..
د - فالآثار السلبية تشمل الجميع: العاملين والرئيس نفسه، والمصلحة العامة، ومحصلة ذلك كله ضعف أداء المنظمة وهزالة نتائجها، وطبعاً ليس هذا هو المطلوب..
ذ – كما أن الآثار السلبية سوف تمتد مدة طويلة، بعد مرحلة الرئيس وصاحب العمل المتفرّد،.. إذ تكون الأوضاع مهلهلة، والمتسلطون على زمام ضعفاء غير مؤهلين للإدارة.. مما يجعل إصلاحها وإعادة الأمور إلى نصابها، يحتاج إلى زمن ليس بالقصير، علماً بأن المتسلطين سيحاولون مقاومة الإصلاح..
سادساً ـ فوائد الاعتماد على المرؤوسين
أ – توفير وقت الرؤساء وأصحاب العمل، للتفرغ للجوانب الشاملة والعامة.. دون وقوعهم في مطب الانشغال بالأمور الصغيرة، و" سلق " الكبيرة!.
ب - تأهيل المرؤوسين لممارسة صلاحيات أعلى.. وتشكيل احتياطي منهم يساعد على ملء ما يشغر من الوظائف العليا، ومواجهة التوسع المستقبلي لنشاط المنظمة..
ت - تزايد الثقة بالنفس وارتفاع الروح المعنوية لدى المرؤوسين.. وتعوّدهم على تحمل المسؤولية..
ث - تنمية شعورهم بالولاء والالتزام ضمن المنظمة.. وتقوية روح العمل الجماعي عندهم..
ج - إيجاد مناخ ملائم للمنافسة الشريفة بين المرؤوسين.. لأنها تجعل من العاملين فيها عناصر فاعلة مبادِهة وليسوا كالببغاء..
ح - استمرار نشاط المنظمة بوتيرة مناسبة، في الحالات العادية والطارئة.. كأن يغادر الرؤساء مقر المنظمة في أوقات كثيرة ولمدد طويلة.. أو أن تحدث كوارث وحوادث طارئة، طبيعية أو من صنع البشر أو فنية.. تؤدي لانقطاع الاتصال..
خ - تسريع المعاملات باختصار عدد المستويات، في عالم دائب الحركة وتجري الاتصالات وتبادل المعلومات فيه كلمح البصر!. مما يدفع عن الإدارة " تهمة " سيطرة البيروقراطية والروتين على أعمالها!.. وهذا الوضع مفيد للمنظمة، إذ يشجع المتعاملين على دوام العلاقة معها.. ومفيد للمجتمع، إذا كانت المنظمة عامة، إذ هو يحافظ على " الوقت الاجتماعي" للمواطنين، وعدم هدره في الإطالة والتسويف وكثرة المراجع!..
سابعاً ـ صفوة القول
1 – أكتفي بما سبق، لعله يقنع القارئ * بضرورة اعتبار المرؤوسين أعواناً مساعدين، ذوي فائدة كبيرة لرؤسائهم.. * وبأهمية جماعية العمل الإداري..
2 - وفي هذا الاعتماد: * مصلحة للرئيس أو صاحب عمل، * ومصلحة المنظمة، * ويجعل من المرؤوسين العاملين فيها عناصر فاعِلة مبادِهة..
3 - وأتمنى عليهم،كلٌّ بحسب المنظمة التي يرأسها أو يديرها، أن يبتعد عن " التفرد "، بحيث يعتمد على مرؤوسيه ويستفيد من إمكاناتهم.. وأن يعاملهم كما يحب أن يعامله رؤساؤه، قياساً على مقولة: عاملْ الناس، كما تحب أن يعاملوك.. والرئيس الرشيد هو من ينطلق في علاقاته، من فحوى هذه المقولة، فيكسب احترام مرؤوسيه وتعاونهم، وينجح في نشاطه..
4 - وأشير في الختام، إلى أنه إذا كانت الثقة بالذات والاعتداد بالنفس من الصفات المرغوبة.. فإن " الأنا " والسلوك الفردي، هو من الصفات السلبية التي يجب الابتعاد عنها..
* * *
عموميات حول التدريب والتأهيل..
أولاً ـ تمهيد
* التعلم والتأهيل والتدريب، يبتدئ مع الإنسان في كل مراحل حياته.. وفي مرحلة حياته الإدارية، ويرافقها ويستمر معها طيلة حياته فيها.. وهو يشمل جميع الفعاليات والنشاطات والوظائف التي يقوم بها..
والإنسان، هو أصل الإدارة، بسببه تكوّنت، وهو المرتكز الأساس لها وعمادها، وهو الذي يوجد بقية المرتكزات و ويحركها ويستعملها ويوطورها، وهو الذي يمارس وظائفها العامة..الأمر الذي يجعل التدريب والتأهيل ذا أهمية خاصة، كما سنرى..
ثانياً ـ أهمية التأهيل والتدريب
أ – هو هام.. لتعلقه بالإنسان العامل.. ولن أستطرد في تبيان أهمية دور الإنسان في كل تجمّع بشري ومجتمع محلّي أو قومي أو إقليمي، أو عالمي.. بدءاً من الأسرة..
ب – وهو هام.. لأن الدول النامية أو المتخلفة تسعى للتنمية والتطوير السريع، لإزالة آثار التخلف واللحاق بركب المدنية المعاصرة.. وتكبر أجهزتها ويزداد عدد أجهزتها ودورها نتيجة هذا السباق على الأقل، مما يوجب عليها أن تعدَّ العدد الكافي من العاملين المؤهلين لذلك، الذي يصلون في عددهم إلى عشرات ومئات الآلاف، ويتضاعف هذا العدد إذا اعتبرنا أن يجب تدريب وتأهيل جميع العاملين في أي قطاع كانوا..
ت – وهو هام.. لأن أهم محور في خطط التنمية الإدارية، هو الإنسان، المرتكز الأساس لها..
ث – وهو هام.. يرفع من مستوى الانضباط والالتزام في التجمُّعات والمنظمات البشرية.. فالمدير المؤهل الكفء، سوف يتمتع باحترام حقيقي ضمني من مرؤوسيه، فيلتزمون بأوامره وتوجيهاته عن قناعة..
ج – وهو هام.. يساعد على وجود الإداريين الراشدين الأكفاء بكثرة.. وبالتالي يساهم مع شروط أخرى في تطبيق مبدأ: وضع الشخص المناسب في مكانه، ويجعل اختيار الأشخاص لملء الشواغر موضوعياً وفق ضوابط تُبعده عن النظرة الشخصية لمن يختارون..
ح – وهو هام.. لأنه يساعد على مكافحة الهدر وعلى ترشيد الإنفاق والاقتصاد الوطني.. لأنه يؤمن أشخاصاً مؤهلين لتشكيل إدارة رشيدة جيدة في جهاتنا وأجهزتنا ومرافقنا، وفي كل القطاعات العامة والخاصة والتعاونية وغيرها..
خ – فهو ونتيجة لما تقدم، خطير في آثاره.. إذا أُهمل وأغفل.. لأن الجاهل عدو ما يجهل.. وتصرّفاته تشوبها الأخطاء الصغيرة أو الكبيرة…
ثالثاً ـ الهدف العام من التدريب والتأهيل
أ – زيادة المعلومات والمعرفة والثقافة، عامة كانت أو مسلكية..
ب – رفع مستوى المهارات الفردية والجماعية، الفكرية والجسدية، وصقلها باستمرار..
ت – إكساب العاملين معرف ومهارات جديدة.. لتبقى الإدارة مواكبة للتطور والمعاصرة ومستجداتها ومنجزاتها المختلفة في جميع الميادين..
ث – إيجاد عناصر " كوادر " بشرية جديدة ومؤهلة لمواجهة المهام والأعباء الجديدة التي تنجم على زيادة أهداف المجتمع أو التجمّع أو المنظمة..
رابعاً ـ موضوعات التدريب والتأهيل
تتوقف نوعية المعلومات وحجمها وطريقة عرضها على هدف الدورة وعلى مساعدات التدريب المتاحة.. وعلى المستوى الذي يكون عليه المتدربون في بدايتها، والمستوى المطلوب منهم الوصول إليه.. والمدّة المقررة للدورة.. ومن ذلك..
أ – معلومات عامة: عن دستور المجتمع وغاياته وسياساته وتنظيماته الأساس، والقوانين والأنظمة العامة التي يسير بموجبها..
ب – القوانين والأنظمة والتعليمات المختلفة: الإدارية، المالية والمحاسبية، التنظيمية، الفنية، القضائية، المسلكية.. والواجبات المتعلقة بالمجال الذي يعمل فيه الإداري..
ت – أدوات الإدارة الحديثة المتنوعة، وخاصة للاتصالات والمعلوماتية، وبرمجياتها، وتطوراتها، وكيفية الاستفادة منها.. ولا سيما للعاملين في المستويات العليا، ومن ثمَّ الوسطى…
ث – معلومات فنية عن مواصفات التجهيزات والمعدات والآليات وتشغيلها، وصيانتها، والتخزين، والنقل..
ج – الأجهزة والأساليب المتبعة في: * الإحصاء وجمع المعلومات وتبويبها وتحليلها.. * اتخاذ القرارات.. * التخطيط والبرمجة.. * التأهيل والتدريب.. قد يكون التأهيل والتدريب نفسه موضوعاً للتدريب.. * التمويل والمحاسبة.. * المتابعة والرقابة والمساعدة..
ح – اللغة أو اللغات الأجنبية.. في بعض الدول يدفعون تعويضاً مالياً عن كل لغة..
خ – تنظيم المستويات الإدارية الأعلى واختصاصاتها وأساليب عملها.. " أعلى بدرجتين على الأقل من المستوى الذي يعمل فيه المتدربون..".. لتتسع بذلك مدارك المتدربين وتنسجم تصرفاتهم مع فعاليات المستوى الأعلى، وتهيئهم للترقي إلى الوظائف الأعلى..
د – وكذلك، عن المستويات الأدنى والموازية، ذات العلاقة مع المنظمة التي ينتمي إليها المتدربون..
ذ – التدابير الوقائية والأمنية، الإيجابية أو السلبية.. وقاية، إسعاف، حراسة، أمن صناعي، دفاع مدني.. أي تخقيق جاهزية الإدارة للعمل بوتيرة مناسبة ودون فوضى أو انقطاع في الظروف الطارئة والكوارث..
ر – محو الأمية.. وخاصة للمستويات القاعدية من العاملين..
ز - . . . . . . .
خامساًـ شمول الـتأهيل والتدريب ونطاقه
أ – لا أحد يستثنى منه.. فهو يشمل جميع العاملين، مهما تنوعت مستوياتهم في الهرم الإداري للجهة أو المنظمة.. ويجب أن لا يقتصر على من يشغلون وظيفة مدير.. وهذا يدعو إلى البرمجة لتدريب الجميع حسب الأفضلية، بحيث نبدأ من الأهم في مركزه " الأعلى " ذي التأثير على المرؤوسين، فالمهم، فالأقل أهمية..
ب – ويشمل أيضاً جميع القطاعات والفعاليات والأنشطة، الإنتاجية والخدمية وغيرها..
سادساً ـ فترات التدريب والتأهيل
أ – مرحلة ما قبل الانتساب إلى السلك الوظيفي، العام أو الخاص أو غيرها.. حيث يتم من خلال التكوين التعليمي العام والتقني والتخصصي، في المجتمع: حضانة، ابتدائي، متوسط، ثانوي، جامعي، التخصص بعد الجامعة....
ب – مرحلة الابتداء.. فور انتساب المواطن إلى جهة عامة أو منظمة كبرى.. ليتعرّف على مهامها ونشاطها وأساليب العمل فيها.. ويفضل ذلك قبل ممارسته للعمل وقبل استغراقه في الأعمال اليومية والعادية، فيكون بالنسبة له بمثابة " التحمية والتسخين" كما يقول الرياضيون في مصطلحهم..
ت – وأرى أن يُشترط على شاغلي بعض المراكز الرئيسة، النجاح في دورات معينة قبلها.. وأن يوضع محل اختبار عملي خلال فترة بين 6 و سنة على الأقل.. فإذا لم يثبت كفاءته خلالها، أعيد لوضعه السابق..
ث – وأرى ضرورة تنظيم " كراس " توضيحي لواجبات شاغلي الوظائف الرئيسة.. أو أكثر من " كرّاس" يبيّن أساليب العمل العامة في الجهة أو المنظمة المعينة.. يعطى إلى منتسبيها الجدد كي يدرسوه..
ج – المرحلة المستمرة.. وذلك لأن الحياة العامة والمسلكية متجددة دوماً بظروفها المختلفة، وتتغير باستمرار، هي وأساليب العمل وأدواته.. مما يفرض أن يكون التدريب متجدداً ومستمراً يواكب جميع المتغيرات، وأن يخضع إلى دورات تدريبية متنوعة ترافقها.. وإلاّ، كانت المراوحة في المكان، ومثل هذه المراوحة تعني " التخلف " عن ركب المدنية المعاصرة، لأن الظروف مستمرة على تطورها ولن تتوقف أو تنتظر!.
علاوة على أنه من الضروري اشتراط دورات تدريبية خاصة بالترقية والترفيع إلى الوظائف الأعلى، أو من أجل الانتقال لوظائف ومراتب عليا..
وتشكل الإرشادات والتوجيهات التي تعطى من العاملين الأكفياء الأقدم لمرؤوسيهم وزملائهم ومساعديهم، نوعاً التدريب والتأهيل المستمر..
سابعاً ـ أساليب التدريب والتأهيل وأنواعه
أ – نظرياً علمياً، أو عملياً واقعياً على نماذج أو مقاطع تدريبية، وميدانياً لرفع مستوى المهارات.. أو مشتركاً بينهما..
ب – مع ممارسة العمل.. أو بتفرغ جزئي أو كلي، وهذا برأيي أفضل..
ت – دورة واحدة مستمرة.. أو دورات منفصلة، على مراحل..
ث – دورات نظامية دورية متدرجة.. أو دورات خاصة طارئة، لمواجهة مهام مستجدة، أو استيعاب أدوات وأساليب عصرية في العمل..
ج – فردياً.. أو جماعياً..
ح – داخلياً، ضمن الجهة أو المنظمة المعنية، وبالاعتماد على إمكاناتها.. أو خارجياً: × في مراكز البلد التعليمية والتدريبية، وفق اتفاق أو خطة تضعها الوزارة المركزية المسؤولة عن التنمية الإدارية × أو خارجه في البلدان الأجنبية.. × أو بكليهما معاً..
خ – بإجراء حلقات مناقشة أو حوار، أو مؤتمرات.. لتبادل الخبرات والآراء والاستشارات، بين منتسبي الجهة أو المنظمة أو الخبراء المحليين وغيرهم..
د - . . . . . . .
ثامناً ـ مسؤولية التأهيل والتدريب
أ – الرئيس المدير.. أي مدير أو إداري.. فهي وظيفته، وعليه أن يكون " مدرِّباً " للعاملين.. وذلك بـ :
× التوجيه والنصح والإرشاد..
× المتابعة والمساعدة التي يقدمها لمرؤوسيه وأعوانه لتجاوز الصعوبات التي قد تصادفهم، ودلالتهم على الطرق المؤدية لحسن التنفيذ..
× الإشراف على نشاط وحدة التدريب والتأهيل، التي تضمها الجهة أو المنظمة التي يرأسها.. ورسم سياستها، ووضع خططها وبرامجها، وتأمين مستلزماتها.. ومتابعة تنفيذ البرامج بحزم..
× الاستفادة من إمكانات التدريب الخارجية.. لدى الجهات الأعلى، أو المراكز المتخصصة.. بإيفاد العاملين إلى دوراتها..
ب – وزارة التنمية الإدارية إن وجدت في المجتمع.. أو الجهة أو المنظمة المركزية المسؤولة عن التدريب والتأهيل.. إذ يقع عليها أن تضع السياسات والخطط "على المدى القريب والبعيد " والبرامج التدريبية، وتأمين مستلزماتها، ومتابعة تنفيذها.. والتعاون مع المراكز التعليمية والتدريبية الموجودة في المجتمع في ذلك..
ت – الجامعات والكليات والمعاهد والمراكز التعليمية والتدريبية، العامة والمتخصصة، العلمية والعملية، الفنية والمهنية.. وذلك بالتعاون وببذل الجهد لتحقيق الخطط والبرامج التي تضعها وزارة التنمية الإدارية إن وجدت،أو الجهة أو المنظمة المركزية المسؤولة..
ث – المسؤولية الشخصية والثقافة الذاتية.. إذ ينبغي على كل عامل في الجهات أو الأجهزة الحكومية أو القطاع العام أو الخاص أو المهني أو غيرها.. أن يعمل باستمرار على رفع مستواه العلمي وكفاءته العملية والمهنية.. وذلك بـ :
× المطالعة العامة والمتخصصة..
× التعرّف على كل ما هو جديد في نطاق عمله.. وحضور الندوات والمحاضرات التي تعقد..
× السعي للانتساب إلى الدورات التدريبية، والتحلي بالجدِّية خلالها..
تاسعاً ـ مساعدات التدريب ومستلزماته
وأول ما يجب أن نفكر فيه هنا، هو وجود المدرب الكفء، أو المدربين الأكفياء، فهو محور المسألة وعمادها ووسيلتها.. وبعده نفكر في الأدوات المادية التي تساعده على النجاح في مهمته التدريبية..
وأعدد بين مساعدات التدريب ومستلزماته، الآتي:
أ - الكتب والكراسات والمنشورات والمراجع العلمية عموماً..
ب – الوثائق والأحكام القانونية والتشريعية..
ت – قاعات التدريب والدراسة والمحاضرات والمؤتمرات وأماكنه، العادية منه أو الخاصة.. المجهزة لغايات معينة: كالاتصالات اللغوية وسماعها، صالات الميكانيك، مزارع، مجالات سواقة السيارات.. وقاعات المطالعة والخدمات الاجتماعية وغرف النوم..
ث – رسومات وخرائط ومخططات ومصورات ولوحات وجداول إيضاحية.. بيانية أو كتابية..
ج – نماذج فعلية، حقيقية أو مصغرة، ومقاطع للشرح والاطلاع والاستعمال.. بشكل فردي أو جماعي..
ح – عدة فك المعدات وتركيبها وصيانتها..
خ - ألواح كتابة والقرطاسية وأدوات الرسم والكتابة والنسخ والتصوير والاتصال..
د – الأفلام الساكنة والمتحركة، الأجهزة العارضة والشرائح، أشرطة التسجيل الصوتي والمرئي وإعادة العرض، والأسطوانات المسجلة.. وكل ما يستجد من الأدوات والمعدات التي تساعد على تبسيط التدريب..
ذ - . . . . . . .
ملاحظتان
1 ـ أرى أن يسود في اختيار مساعدات التدريب ومستلزماته، منطلق أو مبدأٌ يتلخص في: توفير عدد متنوع من المساعدات، يساعد على إشراك أكبر عدد ممكن من الحواس البشرية الخمس في نفس الوقت.. كالنظر، والسمع، واللمس، والشم، والتذوق.. بما يساعدهم على جودة الفهم والاستيعاب والتخزين الجيد في الذاكرة، ومن ثم الاستعادة والتذكر في المستقبل..
2 ـ أن يتحلى المسؤولون عن المال وتخصيص الاعتمادات المالية للدورات التأهيلية والتدريبية، بصفة السخاء والكرم، وليس التقتير والتقنين كما هو السائد عادةً.. وأن يساعدوا الرؤساء والمدربين على اقتناء أية وسيلة حديثة مبتكرة.. فالأمر يتعلق بأصل وجود الإدارة، الإنسان..
عاشراً ـ طرائق التأهيل والتدريب ووسائله
أ – المحاضرة.. والمناقشات، بعدها.. ويفضل أن يكون هناك معقِّب عليها.. وأرى توزيع صورتها على الحاضرين قبل إلقائها..
ب – التمرين الفردي أو الجماعي.. على تطبيق القوانين والأنظمة..
ت - التمرين الفردي، أو الجماعي.. على نماذج الآلات المختلفة ومقاطعها، أو على الآلات ذاتها.. بغية تنمية المهارات عند المتدربين..
ث – الزيارات والإطلاعات الميدانية..
ج – الممارسة.. بإشراف مدرِّب في مواقع العمل لفترة من الزمن.. ومن أصنافه " التلمذة " على يد أحد العاملين المهرة..
ح – الحلقات الدراسية.. بافتراض أوضاع ومشاكل إدارية معينة، والسعي لإيجاد حلول لها من خلال المناقشة..
خ – دراسة الحالة.. بشكل واقعي في وحدة إدارية، للتعرّف على الإيجابيات والصعوبات، واستنتاج الحلول والمقترحات لتعزيز الإيجابيات وتدارك السلبيات..
د – اللعبة على الأساليب الإدارية.. بافتراض حالة إدارية معينة، وتوزيع الأدوار على المشاركين فيها، ومتابعة تصرفاتهم ومراقبتها، من قبل مدير الدورة ومساعديه، ومن قبل المشاركين المتدربين زملائهم.. ومن ثم إجراء مناقشة حولها.. كأن نفترض: انعقاد جلسة لمجلس إدارة منظمة عامة أو خاصة.. وتوزيع الأدوار بين المتدرِّبين، بين رئيس مجلس إدارة، مدير عام، أمين سر، عضو، مراقب، ……
ذ - توزيع وثائق توجيهية أو تعليمية.. وبخاصة على المنتسبين الجدد، أو لدى إدخال أنظمة أو استعمال جديدة.. دليل عمل، كرّاس، كتيب، تعليمات عامة، تعليمات استعمال آلات، منشورات الصيانة..
ر - . . . . . . .
حادي عشر ـ صفات التأهيل والتدريب
أ – الشمول، للجميع في كل القطاعات والمستويات.. والتكامل، مع الخطة العامة في البلد وفي القطاع.. باعتبار أن الخطة العامة وما يتفرع عنها تعتبر المنطلق الأساس للجميع، في التدريب وغيره..
ب – التدرُّج.. للارتفاع تدريجياً بمعلومات ومهارات العاملين.. من الأساسيات إلى التفاصيل، بتسلسل منطقي..
ت – الاستمرارية والانتظام.. مرافقة للعاملين ما داموا في المنظمة.. وليس بالمناسبات فقط..
ث – التجديد.. بحيث يرافق المستجدات وكل ما هو حديث عصري مفيد.. ولا يراوح في المكان، فالمراوحة والعالم يتغير ويتطور تعني " التخلف " عن الركب..
ج – الواقعية والبساطة.. بما يتناسب مع الأوضاع المحيطة بالمتدربين مع قدْرٍ من الطموح، دون مغالاة أو تقليد أعمى لأساليب خارجية.. فالطموح وارد ولكن الجموح خطر.. ويجب أن لا ننسى أن الإدارة مهنة محلية.. والبساطة، تساعد على حسن الاستيعاب، وتدرأ الهالة والحُجب المبهرة التي ترافق النقلَ غير السليم عن الآخرين..
ح – التجانس.. × بين أهداف الدورة، وبين منهاجها والمواد المقررة فيها.. × وبينها وبين مستوى المتدربين ومعلوماتهم ومهاراتهم.. × وبين المتدربين أنفسهم، بحيث يكونوا من مستوى واحد أو متقارب..
خ – احترام الهدف.. من التأهيل والتدريب عامة، ومن الدورة المقرّرة.. بحيث يحدد بوضوح، ويلتزم به ويحافظ عليه في جميع المراحل والخطوات..
ثاني عشر ـ شروط النجاح في التأهيل والتدريب
أ – القناعة بأهميته وضرورته، وخطورة إغفاله.. لعلاقته المباشرة بالإنسان..
ب – التخطيط التدريبي.. طويل الأمد وقصيره، الذي تنبثق عنه برامج مرحلية، مركزية وفرعية..
ت – إيجاد الأطر المتخصصة، المدربين الكفؤين المؤهلين للمهمة التدريبية.. بأعداد كافية.. وفي الاختصاصات والمعارف والمهارات..
ث – العناية بجهات التأهيل والتدريب ومؤسساته ومعاهده ومراكزه المتنوعة.. وفي كل المستويات، كلٌّ منها على قدْر احتياجاته..
ج – التحضير الجيد لكل دورة.. هدفها، منهاجها ومقرّراتها، والمدربين، ومكانها، ومستلزماتها المختلفة..
ح – تخصيص الاعتمادات المالية والإمكانات المادية الكافية، بل وبسخاء.. في المنظمات المختلفة، وفي الجهات التي تكلف بالتأهيل والتدريب عموماً..
خ – تفرُّغ المتدربين طيلة مدة الدورة..
د – اعتبار اتباع سلسلة من الدورات، إلزامية..
ذ – حفز المتدربين.. تعويض مادي، طعام، مشروبات، منامة، مكافآت مالية للأوائل.. وترقيتهم على أثر اجتياز الدورات بنجاح..
ر – خلال الدورة، الإبقاء للمتدربين على المزايا المادية والمالية والعينية، التي كانت لهم في منظماتهم..
ز – الاختبار النهائي في نهاية للمحافظة على جدية الدورة، من قبل جميع متبعيها..
س – عودة المتدربين للعمل في النشاط الذي دُرِّبوا من أجله..
ش - . . . . .
ثالث عشر ـ الكيفية التي نواجه التأهيل والتدريب
1 ) بالإمكانات المتوفرة في المجتمع.. وهذه كثيرة.. حيث توجد الجامعات والكليات والمعاهد التعليمية والتدريبية المتنوعة في كل مجتمع أو دولة.. المدنية منها، والعسكرية، والمتخصصة.. العامة منها والخاصة..
2 ) والإمكانات المتوفرة في المنظمات.. وهي أيضاً كثيرة..
3 ) على أن مردود هذه الإمكانات في الدولة أو المنظمات المختلفة، يكون أعظم وأكبر، إذا نُظِّم وأُحسنت الاستفادة منها.. وأرى أن أفضل ما يتم هذا التنظيم، بواسطة وزارة مركزية مختصة بالتنمية الإدارية في المجتمع أو الدولة " أو أي جهة تقوم بمهامها "، حيث تُنسق أنشطة هذه الإمكانات المتنوعة وتُنظمها في مصلحة الجميع، في الدولة ومنظماتها المتعددة في أهدافها وأنشطتها..
رابع عشر ـ صفوة القول
التأهيل والتدريب ضروري، وهام، لأنه محلَّه الإنسان.. وإهماله خطر..
ويرتفع مستوى الإدارة وأنشطتها وأثرها في المجتمع والمنظمات، بالتأهيل والتدريب المستمر للعاملين.. لأنه يعتبر الغذاء العقلي والفكري للإداري، ويصقل إمكاناته ومعارفه ومهارته، ويدرأ عن تفكيره " الصدأ "..
والطريق أمام التنمية الإدارية عامة، والتأهيل والتدريب خاصة، طويلة ومجهِدة، فعلينا التبكير والاستمرار في سلوكها.. وإن طريقاً طولها ألف ميل، تبدأ بخطوة واحدة.. فما لينا إلاّ أن نبدأ..
* * *
طريقة إعداد دورة تدريبية
أولاً ـ تمهيد
يمكن الإعداد لدورة تدريبية، من قبل الوزارة المركزية المسؤولة عن التنمية الإدارة؛ أو الجهات والمنظمات العائدة لكل القطاعات، وفي كل المستويات، ولا سيما العليا والوسطى، سواء وجد في تنظيمها الهيكلي وحدة فرعية مختصة بالتأهيل والتدريب، أم لم توجد.. مباشرةً أو بالتعاون والتنسيق مع الوزارة المركزية.. وقد تشكل لجنة لإعداد دورة مشتركة بين عدة جهات..
وهي خطوات متعددة.. تبدأ من فكرتها، وتستمر مع تسمية مديرها ومن يساعده في إدارتها؛ وتحضير الوثائق الأساس والمساعدة لها؛ وتقويمها أو الاختبار في نهايتها؛ حتى إصدار الوثائق أو الشهادات بنتائجها، وتوزيعها على المتدربين.. وأهم الخطوات..
× تحديد هدف أو أهداف الدورة.. × تسمية معدّ الدورة ومديرها ومن يساعدهم.. × إعداد وثيقة أو الكرّاس التنظمي لها.. × إعداد وثيقة أو الكراس التنفيذي لها..
1 - الهدف العام من الدورة..
2 – إدارة الدورة.. المدير، أمين السر، المساعدون..
3 – المتدربون، العناصر المشاركة، عددهم، ومستواهم الحالي، والمستوى المطلوب الوصل إليه بالنهاية..
4 – منهاج الدورة العام.. المواد أو المقرر أو الموضوعات..
5 – المدربون.. والمحاضرون..
6 – مكان الدورة أو أمكنته.. وميادينه..
7 – مساعدات التدريب ووسائله، المتنوعة..
8 – مدة الدورة..
9 - الخدمات الاجتماعية.. والنفقات..
10 – نظام الاختبار، أو تقييم الدورة، أوقياس نتائجها..
وأشير إلى أنها فقرات أو خطوات متسلسلة بشكل منطقي، يجب أن يراعي تسلسلها معدّ الدورة.. كما أنه يعدُّ هذا الكرّاس بالتعاون والتنسيق مع كل المختصين والمعنيين.. كالمدربين.. وخاصة المسؤول المالي..
أ - يُحدد الهدف من الدورة، والمستوى المطلوب الوصول إليه بالمتدربين..
يذكر هنا، اسم " مدير " الدورة ووظيفته.. ومن يعاونه: × كأمين السر.. × ضاربو الآلة الكاتبة.. × عناصر الخدمات الاجتماعية.. × المسؤول عن وجود مساعدات التدريب، وما يحتاجه المدرِّبون.. × المسؤولون عن تأمين الوثائق التدريبية وتوزيعها.. × . . . . . .
وتتلخص مهام إدارة الدورة، بتطبيق ما جاء في الكراسين التنظيمي والتنفيذي.. واحتياجات المتدربين.. وتفقد الدوام.. وتوفير الخدمات..
وقد يكون معدُّ الدورة، هو مديرها عند التنفيذ.. ولكن هذا ليس شرطاً.. فقد يكون المعدّ مدير التدريب في المنظمة.. وهو الذي يسمي المدير المتفرغ للدورة..
كما قد تُشكل في الدورات التدريبية العليا، لجنة لإدارة الدورة..
3 ) المتدربون،العناصر المشاركة..
حيث يمكن أن تدرج: × الشهادة أو الشهادات العلمية المطلوبة في المرشح.. × القدم المسلكي له.. الأعمال والمهام السابقة له.. × اتباع دورات سابقة.. × الجهات أو المنظمات التي يحق لها ترشيح العاملين لديها.. وجوب الالتزام بالعمل مستقبلاً لفترة محددة، أو في منطقة معينة.. × الاستعداد أو اللياقة البدنية، كدورات السائقين، وضاربي الآلة الكاتبة.. × . . . . . .
ويذكر هنا عدد المتدربين لكل دورة.. بحسب هدفها ومنهاجها وموضوعاته، ومستوى مساعدات التدريب.. لأن العدد " الزائد " يقلل استفادة مجموع المتدربين؛ والعدد " القليل " يضيع جهود المدرّبين وإمكانات التدريب..
وعلى معدّ الدورة أن يراعي في صفات المرشحين، ما ينسجم مع الهدف من الدورة ومنهاجها ومقرراتها، ويساعدهم على الاستيعاب.. وكذلك الأمر أن يراعي التجانس بين المتدربين ذاتهم، بحيث من مستوى علمي موحد أو متقارب..
4 ) منهاج الدورة
ويتألف بما يتفق مع هدف الدورة.. بذكر: × الموضوعات والمواد والمقررات التي يحويها المنهج.. × التمارين والتطبيقات العملية التي سيقوم بها المتدربون..
ولا شك في أن الموضوعات كثيرة ومتنوعة جداً، فعلى المعدّ أن يختار الملائم بدقة.. على أني أرى الإشارة إلى: × إدراج معلومات عامة عن المنظمة التي يعمل فيها المتدربون.. × وإعطاء معلومات أعلى بنسبة ما من مستوى منظمتهم..
كما يجب أن يتفق منهج الدورة ومضمونه مع مدة الدورة، وهذا سيتضح بعد قليل..
5 ) المدرِّبون، والمحاضرون
تُدرج أسماؤهم وصفاتهم، والجهات التي يعملون بها ووظائفهم فيها.. والموضوعات التي سيدرسها كلّ منهم.. وذلك بعد الاتصال بكل منهم، والاتفاق معه على الأسلوب والمدة التي يحتاجها.. ويفضل التبكير في هذا الاتصال لإعطائهم فرصة زمنية لإعداد محاضراتهم أو الوثائق التي سيستخدمونها، وموافاة المعدّ بها أو بمسوَّداتها.. ولمعرفة مساعدات التدريب التي يرغبون في وجودها لتنفيذ التدريب أو التدريس أو التمرين..
ثمّ، ترسل لكل واحد منهم كتبٌ بما اتفق عليه، والزمن أو المهلة المعطاة له.. وموعد الدورة إذا كان قد حُدِّد..
ولما كان المدرِّبون، هم العناصر المهمين في نجاح الدورة، فأرى ضرورة اختيارهم بكل دقة.. ممن يعرفون كيف يُدرِّبون، إذ ليس كل إداري جيد في موضوع هو أهل لتدريسه..
6 ) مكان التدريب
بحسب نقاط الكراس التنظيمي أعلاه، يختار مكان أو أمكنة التدريب، أو مجالاتها أو قاعاتها وميادينها وساحاتها.. وهي مسألة لا يمكن حصرها هنا، لأن أهداف الدورات وموضوعاتها متنوعة كثيرة جداً..
ويمكن أن نحتاج إلى مكان للنوم، وخاصة للقادمين من مناطق بعيدة.. وكذلك يجوز الاحتياج إلى مقرات للخدمات الاجتماعية.. وقد نستعير مكاناً من إحدى المنظمات..
على يكل يجب أن يُجهز مكان أو أمكنة الدورة، قبل موعدها، بكل المساعدات والمستلزمات التي تساعد على إنجاحها..
7 ) مساعدات التدريب ووسائله
وهي متنوعة وكثيرة إلى حدٍّ لا يقع تحت حصر نظري..
ويختارها معدُّ الدورة، بالانسجام مع هدف الدورة ومنهاجها، وبالاتفاق المدرِّبين والمحاضرين..
على أن عليه أن ينطلق في اختيارها، من مبدأ بسيط وهو: التشويق فيها للمتدربين، وإشراك أكبر عدد ممكن من حواسهم ومداركهم، إن لم تكن جميعها..
8 ) مدة الدورة
وقد وضعت تحتها خطاً لأن هذا مكانها التسلسلي في الكراس التنظيمي، ولا يصح مناقشتها وتحديدها قبل الاتفاق على الفقرات السبع السابقة لها وتحديدها.. الهدف، مستوى المتدربين، المنهاج وموضوعاته، المدربون، ماكان التدريب ومساعداته.. فبعد كل هذه الخطوات تبدأ خطواتنا لتحديد مدة الدورة، وذلك، بالانتقال من الجزئيات إلى العام.. أي ندرس تفصيلات كل إجراء أولاً، ثم نقدر الوقت اللازم لكل إجراء.. ثم نتقل لحساب كل الزمن الذي تستغرقه الدورة كاملة..
أ – نبدأ بتقدير الزمن، بالانطلاق من الدرس أو المحاضرة أو التمرين وحاجته للوقت، بالاتفاق مع المدرِّب أو المحاضر.. ثم نحسب مجمع حاجة كل موضوع أو مقرر.. وهكذا نعرف عدد الساعات الذي يحتاجه المنهاج كله..
ب – وبعدها، نعرف عدد الأيام اللازمة لإنجاز المنهاج، بتقسيم ساعات العمل على عدد الساعات التي يمكن تخصيصها للتدريب.. فقد تكون بين 4 و 8 كل يوم عمل.. فإذا كان عدد الساعات اللازمة لكل موضوعات المنهج هو 185 ساعة والوقت اليومي للعمل 5 ساعات مثلاً، فإننا نحتاج إلى 185 ÷ 5 = 37 يوم عمل فعلي..
فنضيف إليها: × أيام العطل الأسبوعية.. × وأيام العطل للأعياد وغيرها التي قد نصادفها خلال الدورة.. × وساعات أو أيام الاختبار، أو الخدمات الاجتماعية.. × عدد من الأيام كاحتياط بتصرف إدارة الدورة..
ج – وهكذا، نعرف مجموع الأيام اللازمة للدورة.. × فإذا كانت في حدود الوقت المخصص للدورة، فلا توجد مشكلة وينتهي الأمر.. × وإذا كانت أطول بشكل واضح، فإنه يمكن: * حل الإشكال، بحذف بعض الموضوعات غير الأساسية، على أن لا تُمس الموضوعات التي تؤثر على الهدف من الدورة.. * وإلاّ، يتبع أحد الحلول حسب الوضع: - تمديد وقت الدورة.. – تأجيل الدورة.. – جعل الدورة على مرحلتين..
ح – ويفيد حل جعل الدورة على مرحلتين، في أنه يتيح للمتدربين أن يستوعبوا مثلاً القسم النظري من المنهج في الفترة بين الدورتين، بحيث يعودوا إلى مقاعد التدريب جاهزين لفهم الموضوعات الأكثر تقدماً، والمشاركة في التمارين والتدريبات العملية.. ويفضل هذا الأسلوب في الدورات التقنية: كالحواسيب، والسائقين، والمحاسبين…
خ – وألفت النظر، إلى ضرورة هذه الإجراءات لحساب مدة الدورة، بعد الخطوات التي سبقتها.. إذ هناك خطأ شائع، نصادفه كثيراً، وهو تحديد مدة الدورة مسبقاً ودون أي حساب، وهدفها العام، ثم الطلب من المعدِّ أن ينظمها ويعقدها!. وهذا لا ينسجم مع منطقية تسلسل الخطوات التي يشملها الكرّاس التنظيمي..
9 – النفقات، والخدمات الاجتماعية
أ ) وتكون عادة، سابقة، أو مرافقة، أو تالية للدورة.. ويستحسن تنسيقها مع المسؤول المالي، والسخاء عليها، لأنها ترفع مستوى الإنسان، ونتيجة التأهيل والتدريب اقتصادية وفي مصلحة أي إدارة لكي تستطيع تحقيق أهدافها وأداء واجباتها على أحسن وجه.. ومن ذلك..
* القرطاسية ولوازم المحاضرات ووثائق التدريب، والاختبار، وشهادات النجاح.. * مساعدات التدريب ومستلزماته.. * تجهيز مكان أو أمكنة التدريب.. * تعويضات المدربين والمحاضرين ومكافآتهم.. * تعويضات الانتقال للمتدربين والمشاركين، القادمين من خارج منطقة الدورة.. * الخدمات أو الضيافة: للمتدربين، المشروبات والطعام الخفيف لحفل الافتتاح والحفلات الترفيهية والاختتام.. * نفقات الزيارات الميدانية والسفريات الاطلاعية.. مكافآت الناجحين المتفوقين الأوائل في الدورة.. * . . . . . . .
10 ) الاختبار، أو تقييم الدورة
لابدّ من معرفة مدى تحقق الهدف أو الأهداف من الدورة.. ويكون هذا بأساليب..
أ – أولها الذي أفضله، الاختبار أو الامتحان.. خلال الدورة، وفي ختامها..وبذلك نحقق الجدية من قبل الجميع.. إدارة الدورة، والدربين، والمتدربين.. لذا، لا أحبذ الدورات الاطلاعية فقط، فهي غير مفيدة، ومضيعة للوقت، كما قد تكون من قبيل " فض العَتب "!.
ب - ويختار معدّ الدورة، بالاتفاق مع المدربين، طريقته وأسلوبه..
ت – وتذكر معه، المزايا المسلكية والمعنوية، أو المادية والمالية، التي سيحصل عليها كل الناجحين في الاختبار.. كإشغال بعض الوظائف الهامة؛ والإيفاد إلى بعثة أو دورة خارجية؛ أو الوعد بترقية… وخاصة لأوائل الناجحين..
ث – ولا بأس في إدراج نوع الشهادة أو الوثيقة التي ستمنح للناجحين..
11 ) . . . . . . .
فقد تكون هناك نقاط أخرى تتطلبها الدورة التدريبية.. فيذكرها المعدُّ تحت هذا العنوان..
وبعد الانتهاء من إعداد الكرّاس التنظيم للدورة التدريبية.. يؤشره المسؤول المالي، ومعد الدورة، ويوقعه المدير آمر الصرف..
خامساً ـ الخطوات التالية
وهي تبدأ منذ انتهاء إعداد الكراس التنظيمي، وبعضها قد يرافقه كسباً للوقت.. ومن ذلك..
أ – مراسلة المحاضرين والمدربين..
ب – جمع المحاضرات وكراسات التدريب وطبعها، وسحبها بأعداد كافية..
ت – مراسلة الجهات والمنظمات التي سترشح المتدربين.. مع ذكر العدد لكل جهة، والشروط التي ينبغي توفها في كل مشارك.. ومعد الدورة ومكانها..
ث – تبليغ إدارة الدورة.. وخاصة مديرها..
ج – توفير مساعدات التدريب والتأهيل ومستلزماته..
ح – تأمين مكان أو أمكنة الدورة أو القاعات والميادين التي ستجري عليها الدورة، وتوفير الأدوات والتجهيزات والآليات اللازمة لها.. ومراسلة الجهات الخارجية بشأنها، مع إعلامهم بالموعد المقرر للدورة..
خ – طبع شهادات ووثائق التخرج من الدورة..
د – إصدار قرار عن الدورة، ومعدها...
ذ – تنظيم الكراس التنفيذي للدورة..
ر - . . . . . .
سادساً ـ الكرّاس " الجدول " التنفيذي للدورة
وهو أهم الخطوات، بعد الكرّاس التنظيمي..
وهو بسيط، على شكل جدول.. فيه حقول أفقية وأخرى شاقولية..
ويتضمن الحقل الشاقولي، الأيام والتواريخ التي ستعقد فيها الدورة..
أما الحقول الأفقية، فتتضمن بقية المعلومات عن الدورة، كالوقت، والموضوع، والمدرّب أو المحاضر، والمكان……
وهو في حقوله يشابه إلى حد كبير، جدول الدروس الأسبوعي الذي تعودنا عليه في المدارس الابتدائية..
وأرى أن يحدد معدّ الدورة، ويأخذ ما يلي بعين الاعتبار:
* تحديد الوقت المخصص لكل موضوع بحيث يستوعبه المتدربون، ومن ثم وقت للراحة بين الحصص..
* التنويع بين المواد الفكرية النظرية، والمواد والتمارين العملية، في اليوم الواحد..
* إضافة حقول، أو حذف بعضها، حسب متطلبات الدورة والموضوعات، كأن يذكر اللباس لبعض الحصص، أو الأدوات الواجب اصطحابها، أو المراجع التي يفترض الرجوع إليها..
* وقد يشير إلى تقسيم المتدربين إلى مجموعات في بعض موضوعات الدورة..
يُعد الكراس أو البرنامج التنفيذي دفعة واحدة.. ويُصدّق من المدير..
ويُعلن على الجميع منذ بدء الدورة.. لكي يعرف المدرِّبون، والمتدربون، وسائر العناصر بمهماتهم لإنجاح الدورة، كتأمين مساعدات التدريب ووسائط النقل في وقتها..
وقد يُقسم إلى برامج تنفيذية أسبوعية، في حال الدورات التدريبية الطويلة.. كما في المدارس..
سابعاً ـ صفوة القول
لنتذكر أن كل إداري، يقوم بواجباته وأنشطته، بالاعتماد وبالتعاون مع الآخرين من مرؤوسين ومساعدين، في أي مركز كان أو مستوى أو قطاع، أنه دائماً " مدرِّب ومتدرب ".. فعليه أن يتمرن على ممارسة التدريب والتأهيل، وأن يتعلّم كيفية تدريب العاملين معه، بتفهم معنى التدريب والتأهيل، وكيف يحضِّر دورات تدريبية يحتاج إليها العاملون في منظمته.. أو أن يستعين بمن هم يعرفون كيف ينظم التأهيل والتدريب ويجري..
* * *
تحديد السنوات الدراسية في كلية جامعية
اعتبرت في حديثي عن مدة الدورة، أن هذه المدة يجب أن تدرس وتحسب منطقياً بعد الخطوات التي تسبقها من الكراس التنظيمي للدورة..
ومن تجربتي الشخصية، أورد ما جرى معي مطلعَ سبعينات القرن العشرين، فقد كنت عضواً في لجنة الزراعة، المنبثقة عن المؤتمر الذي عقد من أجل تطوير التعليم العالي، لما فيه احتياجات المجتمع..
واتفق الحاضرون، في أحد اجتماعات اللجنة برئاسة عميد كلية الزراعة، وأكثرهم من مدرسي كلية الزراعة أو أساتذتها، على ضرورة إحداث قسم لأحد الاختصاصات في كلية الزراعة، جامعة دمشق..
ثم أخذوا يقدمون اقتراحات جزافية أو عشوائية عن عدد السنوات التي يتطلبها هذا القسم، معتمدين على ما يعرفونه.. فمنهم من قال: 3 سنوات دراسية، ومنهم من اقترح 4 سنوات، ومنهم من قال: 5!. قياساً أو تقليداً لمعلوماتهم عن بعض كليات الزراعة في دول أجنبية مختلفة..
واعتبرت هذا الأسلوب غير منطقي، وطلبت الحديث.. فأشعرني رئيس اللجنة بأن لا علاقة لمثلي بمثل هذا الموضوع الفني الاختصاصي!، مما أزعجني وأغضبني..
فقلت بلهجة حازمة: حين أطلب الكلام فمن حقي كعضو في اللجنة أن أتكلم.. واستطردت، إن الأسلوب التي تتحدثون فيه عن السنوات الدراسية اللازمة للقسم المقترح غير سليم وغير منطقي، وتقليد غير موفق لما يجري لدى الآخرين بدون تحليل!.
وإليكم ما أرى اتباعه من خطوات، حتى نصل إلى تحديد صحيح للسنوات التي يجب أن يمر الطالب بها..
× يجب أولاً معرفة المعلومات وتحديدها، التي يجب أن يحصل عليها المتخرج من القسم المقترح، ليكون مختصاً..
× وأن يُحدد ثانياً، من هم الطلاب الذين يلتحقون به، وما هو مستواهم، وما هي درجة تأهيلهم ونوع شهادتهم الثانوية، زراعة، علمي.. وكم عدد الطلاب في السنة الدراسية..
× ومن البندين السابقين، المستوى المطلوب الوصول إليه عند التخرج، والمستوى الذي عليه الطلاب عند الالتحاق بالقسم.. يمكن استنتاج المواد والمقررات التي يجب أن تدرس وبالتالي المنهاج الدراسي في القسم خلال سنوات الدراسة..
× وعلى ضوء هذه المواد والمقررات والمنهاج، يفترض الاتصال بالمدرسين المختصين بكل منها، لمعرفة الزمن بالساعات الذي يحتاجه كل منهم لشرح المادة المكلف بها..
× وبجمع مجموع الساعات التي طلبها المدرسون أو الأساتذة، يكون مجموع الساعات اللازمة خلال سنوات القسم عموماً.. يضاف إليها بعض الاحتياطي.. كما يضاف إليها الوقت المخصص للامتحانات الفصلية والسنوية والنهائية، في كل سنة دراسية..
× ثم تقدر أيام وساعات التدريس السنوية، الفعلية عندنا في سورية.. وذلك بحذف الأعياد والعطل التي تقتضيها المناسبات الدينية والرسمية والقومية، والعطلة الانتصافية، وعطلة نهاية السنة، من مجموع أيام السنة الدراسية وساعاتها.. بحيث نصل عملياً إلى معرفة عدد أيام الدراسة في السنة، وما هو عدد الساعات المتاحة للتدريس في كل سنة دراسية..
× وبتقسيم مجموع الساعات المطلوبة اللازمة والاحتياطي وساعات الامتحانات، على عدد الساعات السنوية المتاحة.. نصل إلى عدد سنوات القسم..
وقبل القيام بهذه الخطوات لا يمكن تحديد السنوات التي يتطلبها القسم.. أي أن النقل أو التقليد الحرفي لما يعرفونه عن الكليات الأجنبية، غير سليم وسيوقعنا بورطات نحن في غنى عنها.. لأن أيام العطل والأعياد لديهم تختلف كثيراً من دولة وأخرى، كما أن مستوى المدرسين والأساتذة مختلف، وكذلك أساليب التدريس وأدواته ومساعداته، وعدد الطلاب ومؤهلاتهم..
وأعتقد أن الحضور قد اقتنعوا بما عرضته، ولكن لم يعلنوا موافقتهم الصريحة!.
وأعتقد أني لم آت بجديد، وإنما كان كلامي قياساً على إعداد الكراس التنظيمي للدورات التدريبية، الذي كنت أعتمده في وزارة التموين والتجارة الداخلية ومؤسساتها وشركاتها، وأُدرسه في الدورات التدريبية لدى عدد من المعاهد العليا.. حيث كنت أُصرّ على أن يكون عنوان: مدة الدورة، يحمل رقم 8 بحيث تحسب المدة بعد معرفة العناوين السبعة السابقة..
* * *
تصويب نظام التعاقد.. في إطار إصلاح إداري شامل..
أولاً ـ تمهيد
حرض لديَّ الكلام عن تعديل نظام العقود العام، ذكرياتٍ عن إجراءات أعتقد بصحتها وفائدتها للجهة صاحبة العلاقة المتعاقدة، وبالتالي للوطن..
ودفعني لعرض أسلوب، كنت ألجأ إليه خلال عملي المسلكي، وخاصة لدى تنفيذ عدد من المشاريع الحيوية، بموجب قرارات صدرت عن السيد رئيس الجمهورية أو عن السيد رئيس مجلس الوزراء بموجب المرسوم التشريعي 25 لعام 1971 أو المرسوم التشريعي 49 لعام 1971.. اللذين يجيزان تشكيل لجان وتكليفها بمهمات معينة، ويسمح لها بتجاوز الأنظمة المحاسبية والتعاقدية.. وكانت نتائجها إيجابية لمصلحتنا اقتصادياً وفنياً وفي أقصر وقت.. فقد يكون فيما سأعرضه فائدة للقياس عليه..
ثانياً ـ الخطوات الإجرائية للتعاقد الخارجي
1 ) البدء بتنظيم دفتر شروط متكامل: حقوقياً وإدارياً ومالياً وفنياً.. حسب طبيعة المشروع وخصوصياته، مع مراعاة إعطاء مهلة كافية لتقديم العروض، لتكون جدية ومتكاملة، ولا تتيح الفرصة للبعض، طلبَ تمديد المهلة لأسباب واهية..
2 ) إبلاغ الإعلان ودفتر الشروط، إلى الجهات الخارجية المختصة، السفارات، ووسائل الإعلام، وتعميمه على نطاق واسع.. علاوة على الجهات المحلية..
3 ) وضع جدول أو سُلم درجات العلامات الفنية لكل من أجزاء المشروع وأقسامه، حتماً قبل موعد تقديم العروض، والحد الأدنى الذي لا يمكن قبول العرض إذا انخفضت علامته عنه، وبهذا نضمن حياد الدراسة الفنية وموضوعيتها في الخطوات اللاحقة..
4 ) التأكد من النقاط الإدارية والمالية، فور استلام العروض، واستكمال نواقصها عند اللزوم، وتحديد المقبول منها..
5 ) إحالة المقبول منها إدارياً ومالياً، للدراسة فنياً " مع الاحتفاظ بالأسعار مغلقة ".. لاستبيان مدى تطابقها مع دفتر الشروط، ومقارنتها فيما بينها.. لتحديد نواقص كل عرض عن دفتر الشروط أو مخالفته.. وللاستفادة مما قد يرد في بعضها من مستجدات فنية ترفع سوية المشروع، ويُرجح إضافتها إلى ما سبق طلبه فنياً..
6 ) إجراء مراسلات ومناقشات فنية مع العارضين ومختصيهم، في المشاريع الكبيرة، وخاصة التي تعتمد على الجهات الخارجية، كالمصانع..
7 ) ومن ثمّ، زيارة " مقراتهم ومكاتبهم ومصانعهم والمشاريع القديمة والجديدة التي سبق لهم تنفيذها.." للتأكد من واقع العارضين وإمكاناتهم، وعدم وجود جهات وهمية أو وسطاء فضوليين!.. ولاستكمال المناقشات الفنية في الوقت نفسه..
8 ) أن يُطلب بنتيجة 6 و 7 ، وبعد وضوح الصورة الفنية لدينا، من كل العارضين إعادة النظر في عروضهم، لاستكمالها فنياً، بحيث تكون متشابهة في المحتوى والكميات والمواصفات والطاقات المطلوبة.. مع تحديد مهلة كافية ونهائية للجميع، تتناسب مع حجم الملاحظات والنقاط المطلوب تداركها، وحجم المشروع ذاته..
9 ) إخطار العارضين، الرؤساء المسؤولين لدى كل عارض، خطياً وشفاهاً، بضرورة تقديم أسعارهم النهائية، غير القابلة للكسر أو المناقشة.. مع المهلة النهائية، على ضوء التعديلات المطلوبة، على مبدأ:
"يا عدْ، يا مدْ "، بلغتنا المحكية وa prendre ou a lesser بالفرنسية، أو take it or leave it بالانكليزية، ".. وإفهامهم بأننا سنكون حازمين في تطبيق هذا المبدأ.. ولن نعود إليهم مطلقاً بشأن الأسعار، وليضعوا ما يناسبهم ويجعلهم لا يندمون، إذا لم يربحوا التعاقد.. وبهذا نضمن: جدّية العارضين وعدم إبقائهم نسباً أو مبالغ للمساومة في الخطوات التالية ووضع السعر المنطقي، ونربح الوقت، ونقفل الأبواب على الوساطات الطفيلية، ونضمن سمعتنا وجدّيتنا ومصداقيتنا.. ونربح مستقبلاً في علاقاتنا وعقودنا، فهي مستمرة وكثيرة..
10 ) حفظ مغلفات الأسعار في مكان سري أمين.. والتركيز فنياً، على دراسة العروض النهائية المعدَّلة، بالاستناد إلى جدول أو سلم العلامات الموضوع مقدماً، والانتهاء إلى تحديد الدرجة الفنية العامة، لكل عرض مقبول تزيد علامته عن الحد الأدنى للاستبعاد..
11 ) عقد جلسة حاسمة من قبل الجهة صاحبة القرار، لفتح عروض الأسعار النهائية، وحساب القيمة السعرية للدرجة الفنية لكل عرض مقبول فنياً.. بتقسيم السعر الإجمالي للعرض على درجته.. وترتيب العروض نزولاً، ابتداءً من العرض الذي نالت درجته الفنية أقل قيمة سعرية، وهو الرابح بالتالي..
12 ) إبلاغ العارض الرابح بالنتيجة، والطلب منه استكمال النقاط المالية، ككفالة حُسن التنفيذ النهائية، وتحديد موعد له لبدء خطوات صياغة العقد وتوقيعه من الجانبين، ووضعه موضع التنفيذ.. وإرسال الشكر إلى بقية العارضين، وإعلامهم عن الرابح، مع تمني إمكانية التعاون مستقبلاً لما فيه المصلحة المتبادلة..
13 ) وفق ما ورد من تحذير وإنذار في الفقرة ( 9 )، عدم قبول أية تدخلات، أو تعديلات على الأسعار! أو عروض جديدة.. والانصراف إلى صياغة العقد وتصديقه، وتأمين الاعتمادات المالية الخارجية، وبرمجة مراحل التنفيذ، ومراقبة التنفيذ بالمواصفات والمواعيد المحددة، حتى موعد الاستلام المؤقت، ومن ثم الاستلام النهائي..
14 ) ملاحظتان هامتان:
أ - تجدر الإشارة إلى أن الأسلوب المذكور لا يتعارض مع روح م/ت رقم 18 لعام 1974 وتعديلاته، الذي يحصر علاقات القطاع العام بجميع الجهات الوصائية والإشرافية معه، في ثلاثة محاور: في التنظيم، وفي التخطيط، وفي التمويل.. وهو حر ومستقل في ما عدا ذلك، يتصرف ببداهته وعلى مسؤولية قياداته.. ولا يجوز التدخل في تصرفات وحداته باعتبارها شخصيات اعتبارية مستقلة، وعرقلتها بإجراءات وبلاغات مهما كان المستوى أو كانت المبررات، كما هو الواقع.. وبافتراض أن إحدى قياداته أو بعضها، أخطأت.. فلتحاسب لوحدها، ولِيُصحَّحْ خطؤها هي، دون تعميم أو تعاميم متتالية تكبل غيرها بالعديد من القيود الإدارية والمالية والقانونية، وتسحب الصلاحيات من جميع قياداته دون ذنب اقترفته!، وتفقدها المبادرة وحرية الحركة وتجعلها اتكالية ومتفرجة!. وتشلّ حركة القطاع العام وكل أجهزة الدولة!. ولنتذكر أن الطفل الذي لا يسمح له أبواه بالزحف " خشيةً عليه! " لن يشتد عوده، ولن يقف على قدميه، ولن يتعلم المشي والركض!..
ب - إن تشكيل عدد من اللجان بموجب قرارات صدرت عن السيد رئيس الجمهورية أو عن السيد رئيس مجلس الوزراء بموجب م/ت 25 لعام 1971 أو م/ت 49 لعام 1971، أدى عملياً إلى تنفيذ عدد من المشاريع الحيوية جداً.. يؤكد ضرورة إعادة النظر بنظام التعاقد، مما يجعلنا نتمنى نجاح الحكومات في استصدار مشروع تعديل واقعي ومنطقي، على أن يكون جزءاً من إجراءات الإصلاح الإداري الشامل..
ثالثاً ـ إجراءات مكمِّلة لإنجاح التعاقد
* تحديد الجهة أو المستوى الذي سيعطي القرار الحاسم النهائي، وإعلانه، وإبلاغه العارضين، بغية وضوح الصورة وتحديد المسؤولية، وتفادياً للتداخلات..
* تحديد المستوى أو المرجع الأعلى الواحد، الذي يعتبر المكلفون بمثل هذه المهام مسؤولين أمامه فقط، حرصاً على الوقت، ودرءاً للتدخلات المربكة..
* كفاءة العاملين المختارين وخبرتهم وأخلاقهم، على أن تجتمع فيهم كل الاختصاصات اللازمة " الإدارية والحقوقية والمالية المحاسبية والفنية والتكنولوجية.." حسب طبيعة المشروع، ومتطلباته في جميع الخطوات..
* رصد الاعتمادات المالية اللازمة مسبقاً، بحيث لا تُعلَّق الإجراءات على رصدها، حرصاً على الوقت وعدم التأخير..
* وضع وسائل الاتصالات والمعلوماتية المتطورة بتصرف الجهة أو اللجنة التي كلفت بالمهمة..
* مكافأة المكلفين بالمهمة وتحفيزهم بسخاء، لتشجيعهم، ودرءاً للشبهات.. وتلبية مقترحاتهم، ويُفضل إطلاق يدهم، في إقرار التعويضات والحوافز وصرفها لمستحقيها من العناصر المساهمة معهم أو المؤازرة لهم، حسب تقدم العمل والجهد المميز المبذول ودون إبطاء أو تعليق على موافقة أحد، كوزارة المالية.. ودون سقوف بالطبع، فالسقف حاجز يتعارض مع الحافز ويعطي مفعولاً معاكساً!..
رابعاً ـ صفوة القول
تحدثت في هذه المقالة عن جانب واحد من المسألة الإدارية، وهو نظام التعاقد..
ولكن الإصلاح الإداري، وهو المهمة الأولى للحكومات، كمدخل للإصلاح والتطوير في بقية المجالات.. أوسع من ذلك بكثير..
فإصلاح المرتكزات الأساسية للإدارة مثلاً وتطورها المستمر، التي تشمل: أ - العاملين.. ب - القوانين والأنظمة.. ت - الهياكل التنظيمية والملاكات.. ث - الأدوات الإدارية.. يعتبر من المحاور الأساس للإصلاح الإداري أو التنمية الإدارية..
وانطلاقاً من ضرورة تحقيق النظرة الشاملة المستمرة في أي معالجة أو إصلاح، لتنجم عنها حزمة إجراءات متكاملة، تتطلب عدم الاكتفاء بمواجهة المرتكزات أو أحدها فقط.. أتمنى على الحكومات أن تجعل مساعيها للإصلاح الإداري شاملة لجميع جوانب المسألة الإدارية، لكي تحصل على نتائج متكاملة ومتوازنة ومتتابعة..
علماً بأن تشكيل اللجان المؤقتة لم يعط، ولن يعط نتائج متكاملة ومستمرة، فلا بدّ من قاعدة انطلاق وطيدة للإصلاح، أو " أداة " دائمة ومتفرغة ومتخصصة.. مما يجعلني أختم الحديث باقتراح إحداث وزارة التنمية الإدارية في أقرب وقت، إن لم تكن موجودة أو أُحدثت بعد.. لأن أمامنا قضايا إدارية كثيرة ومسائل ملحّة، لا تحتمل التأجيل، والزمن لا يرحم..
* * *
بسم الله الرحمن الرحيم
النسبية، تفرض " الفن " في النشاط الإداري
أولاً ـ تمهيد
البشر، وكل بني الإنسان، بشر ليسوا معصومون عن الخطأ.. وقد وجدت الإدارة ذاتها بسبب نزعة الإنسان إلى الاجتماع، بدأً من تكوين الأسرة.. حيث يكون هو أساسها، وعلاقاته مع أخيه في الإنسانية هي التي تسود فيها.. ولا يتصف جميع الناس بصفات وعادات واحدة، وإنما يختلفون فيها، لأن لكل فرد منهم شخصيته.. فالتعامل فيما بينهم يجب أن يكون مشوباً بالحذر والتقدير لأوضاع كل واحد فيهم، لكي يسود بينهم الوئام والانسجام والتفاهم.. وهذا يقتضي بدوره أن يكون الواحد منهم فناناً خلال التعامل وإنشاء العلاقات..
وقد ذكر في مجلة الإداري، دار الصيّاد، لبنان، رئيس التحرير حسّان الخوري في عدد تموز/يوليو 2005.. في زاويته الشهرية " ومضات ".. القولَ المأثور: ليس أي شيء صالحاً أو طالحاً على إطلاقه.. ففي كل موضوع جزء نسبي من الصلاح وجزء نسبي من السوء..
وإني أؤيد هذا الرأي، وأعتقد أن النظرة النسبية تنسحب إلى جميع أنشطة الحياة، بما فيها الإدارة.. لذا، سأعرض وجهة نظري إلى نسبية الأمور في عالم الإدارة.. موضحاً طبيعتها وصبغتها المحلية..
ثانياً ـ طبيعة الإدارة
تشابه الإدارة في طبيعتها، كاختصاص ومهنة يمارسها الإداريون، طبيعةَ جميع الاختصاصات والمهن التي تتطلب في ممارسيها توفر عامليْ: العلم.. والفن.. فكما يقال عن الطب والهندسة والنجارة وغيرها، أن طبيعة كل منها: علم وفن.. يقال عن طبيعة الإدارة، أنها: علم + فن..
1 ) علم الإدارة، له نظرياته ومبادئه وأساليبه وأدواته، التي تراكمت وتطورت عبر القرون منذ فجر التاريخ، ويؤخذ في مراكز التعليم والتدريس والتدريب.. ويجب الإحاطة به أولاً.. ليتمكن الإداريون ممارسة دورها بكفاءة.. كما نؤهل الطبيب والمهندس والنجار والحلاق، علمياً أو مهنياً قبل الممارسة..
2 ) وفن، لارتباط الإدارة بالفعالية البشرية، ولأنها وجدت أصلاً بسبب اجتماعية الإنسان.. والفن عموماً ينطلق من شخصية الممارس ومن الذين يتعاملون معه ومن أمور غيرها مطلوبة منه.. وهو فنٌّ متنوع ونسبي، ويتوقف على..
أ ـ الأداء البشري، ويختلف من شخص لآخر، حسب مواهبه ومؤهلاته وإمكاناته الذاتية، ومهاراته المكتسبة.. برغم خضوع الجميع لتعليم وتأهيل متشابه أو واحد، في جامعة أو ورشة واحدة.. مما يجعل الإدارة متنوعة في أساليبها وتصرفاتها من شخص لآخر..
ب ـ وعلى ضرورة التحرك ضمن علاقات بشرية بين أشخاص مختلفين أيضاً في إمكاناتهم ومواهبهم وعاداتهم وسلوكهم وتعليمهم وماضيهم ونظراتهم.. ويحتلون مواقع متباينة في مستويات الهرم الإداري، بين رؤساء وأصحاب عمل، وزملاء، ومرؤوسين، ومستشارين، ومتعاملين، ومراجعين، ومواطنين.. ولكل واحد من هؤلاء وغيرهم شخصيته وعقليته وسلوكه وإمكاناته وعاداته.. فعلى الإداري أن يكون " فناناً " خلال التعامل والعلاقات معهم، لكي ينجح..
ت ـ وعلى شروط البيئة المحيطة بالتجمّع أو المجتمع.. وهي ولا شك، مختلفة، قليلاً أو كثيراً، من تجمّع إلى آخر، ومن بيئة إلى لأخرى..
ث ـ وعلى ضرورة التحليل الشامل للظروف الكثيرة، التي تتصل بالموضوع الذي يواجهه.. كالظروف: البشرية والاجتماعية والطبيعية والمادية والفنية، الزمنية والمكانية..
4 ـ وهذه الحالات النسبية في عالم الإدارة، تؤكد أنها لا تقبل التقليد والاستنساخ، بل تتطلب دراسة كل أمر وتحليله بشمولية وواقعية.. وتفرض على الإداري أو رب العمل أن يكون فناناً " تنسيبياً " وواقعياً في تحليله للظروف ومواجهته لها، والتصرف تجاهها، واتخاذ موقف مناسب لكل حالة..
5- هذا، وإن الفن في الممارسة الإدارية الحكومية وجهاتها وأجهزتها المتعددة، وفي القطاع الخاص ومنظماته الكبرى، ولا سيما من قبل المستويات العليا، أهم في آثاره، من الفن في بقية الاختصاصات والمهن كالرسم والغناء على سبيل المثال، مهما بدا الفن فيها ظاهراً أو غالباً.. لأن ما تجريه الإدارة العليا والأمراء والرؤساء وأصحاب العمل من تصرفات وما يتخذونه من قرارات.. له صفة عامة وإلزامية، تمسّ جماهير المواطنين حين تصدر عن إدارة حكومية مركزية، وتفرض آثارها على شرائح واسعة من المستويات الوسطى والقاعدية في المجتمع أو التجمّع أو المنظمة، يتوجب عليها تنفيذها.. في حين يستطيع المرء أن يشيح بنظره، عن لوحة فنية، مهما كانت قيمتها، أو أن يغيّر موجة المذياع أو التلفاز.. ولكن المتلقي لا يمكنه التغاضي عن قرار ملزم صادر عن مستويات عالية في الدولة أو المنظمات الكبرى..
ثالثاً ـ الإدارة مهنة محلية
1 – الإدارة مهنة محلية، تنشط في ظروف بيئتها المتنوعة: الحضارية والتراثية والثقافية والقانونية والاجتماعية والعلمية والأخلاقية والتقاليد والأعراف والعادات.. وتعمل لتحقيق أهدافها في ضوء مواردها المتاحة.. مما يؤكد أيضاً نسبية الأمور في عالمها، ولا يترك مجالاً للتقليد والاستنساخ، أو الانبهار بما يحدث لدى الآخرين، وما يصدر من آراء ونظريات تعبر عن وجهات نظر أصحابها في مجتمع وظروف خاصة بهم..
2 - علماً بأن الاطلاع على تجارب الغير وآرائهم ونظرياتهم ضروري، للقياس عليها دون نقل حرفي.. فالظروف والأهداف والإمكانات لا يمكن أن تتماثل بين المجتمعات والمؤسسات، وإن بدا فيها تشابه، فهو قطعاً ليس تطابقا..
3 - وهذا يفرض:
* بناء نظريات تلائم خصوصياتنا، وتطبيق أفكار تنسجم مع أوضاعنا.. ومراعاة الأهداف والإمكانات المحلية والقومية..
* والتكيّف مع المستجدات الوطنية والقومية والإقليمية والعالمية..
* وعدم اعتماد النماذج التي يعتبرها البعض ناجحة في الخارج أو قبول الوصفات الجاهزة التي تقدمها بعض الجهات والتي قد يعتبرها البعض أيضاً منطقية.. بل دراستها ومعرفة جوانبها الإيجابية والسلبية، واستخلاص الدروس التي تلائمنا منها..
* وإذا كان الاطلاع على تجارب خارجية ناجحة مقبولاّ، فهو غير كاف، ويفترض دراسة تجارب مخفقة واستخلاص الدروس منها.. فالأولى تبهر الأبصار، وتوحي بتقليدها وإغفال أخطائها والاكتفاء بالنواحي الإيجابية التي تُبرز غالبا.. في حين تُسلط الأضواء على الجوانب السلبية في التجارب المخفقة، ويتلاوم المسؤولون عن فشلها، بحيث يستطيع الدارس أخذ العبر منها..
رابعاً ـ إضافات إدارية
لعلّنا نزداد قناعة بنسبية الأمور، في عالم الإدارة.. إذا عدنا إلى مفهوم الإدارة العام: استخدام الإمكانات المتاحة لتحقيق الأهداف بكيفية جيدة.. وتابعنا المجالات الواسعة لكل من أركانه: الأهداف.. الإمكانات.. الاستخدام.. بكيفية جيدة..
1 - فالاستخدام يتلخص في: * - في حُسن ممارسة الوظائف العامة: التنظيم، التخطيط، التوجيه، اتخاذ القرارات، التدريب، التحفيز، الإحصاء، الرقابة، المتابعة.. * - وفي الاعتماد على المرتكزات الأساس: الإنسان، القوانين والأنظمة، الهيكل التنظيمي والملاكات، الأدوات الإدارية..
2 - والأهداف متنوعة: معنوية، مادية، ثقافية، تربوية، خيرية، سياسية، اقتصادية، اجتماعية، صحية، أمنية، خدمية.... وقد تكون مشروعة في معظمها، وغير مشروعة في بعضها..
3 - وتتنوع الإمكانات: البشرية، الثقافية، المعنوية، المادية، المالية، الطبيعية، الحيوانية، التقنية، التكنولوجية..
4 - والكيفية الجيدة، تتمثل في أوجه كثيرة جداً: كالجهد البشري، والمعنويات، واستعمال الوقت، البساطة والمرونة والوضوح، الأخلاق والاستقامة، الجدّية، النوعية والمواصفات، الكمية في وحدة الزمن، استعمال الأدوات الإدارية المتطورة وبرمجياتها الحديثة، الإنفاق المالي، المواد الأولية المستخدمة في الإنتاج والخدمات، صيانة التجهيزات والمعدات والأبنية، الجاهزية لمواجهة الحالات الطارئة والكوارث...
وأتساءل هنا: ألا تكفي هذه المجالات والأطياف الواسعة جداً لأركان المفهوم العام لدور الإدارة، لكي تشكل لدى أيّ منا القناعة بنسبية الأمور في عالمنا الإداري، وبأن على الإداري أن يكون فناناً تنسيبياً واقعياُ، وبأن التقليد والاستنساخ مرفوضان في ميادين الإدارة؟..
5 – ولن أكرر الكلام عن كون الإدارة مهنة محلية، وما يقتضيه كونها كذلك.. على أني أرجو الإداريين عامة، والذين تعلموا في الخارج خاصة، إعمال الفكر ومعرفة الواقع قبل أي تصرف أو بيان رأي أو مشورة.. والابتعاد عن دور الببغاء، بترديد ما يسمعونه!. فلا مجال لاستعمال القوالب مسبقة الصنع والآراء " المعلّبة " التي تُجهز لنا وتقدم لنا.. وأن يتفهموا مدلول أقوال مأثورة: لكل مقامٍ مقال.. لا ينكر تغيرّ الأحكامِ بتغيّرِ الأزمان.. تلك على ما قَضينا، وهذه على ما نقضي..
خامساً ـإضافات متنوعة
وأضيف إلى ما تقدم من كلام يتصل بالإدارة، نواحي متنوعة: شخصية أو أسرية وغيرها، بسيطة في ظاهرها وكبيرة في دلالتها، لعلها تكون أقرب إلى كل قارئ، مهما كان اختصاصه أو مهنته أو مستواه التعليمي، فقد عايشها كلها أو بعضها..
1 ) قد يتخذ ذات الشخص قرارات ويقوم بتصرفات، متباينة من حين لآخر، لاختلاف تقديره للأمور بحسب مزاجه الشخصي وراحته النفسية في كل حالة..
2 ) وهو مضطر لأن يتصرف بشكل مختلف، بعد فترة من الزمن، سنة مثلاً أو أكثر.. فقد تقدم في العمر، وتحركت الأمور والظروف من حوله، فطرأ عليها تبدل وتغيّر ما..
3 ) ويتحدثون عن طيش الشباب وعن التصرفات المستعجلة، وعن آثار تقدم العمر على أسلوب الأداء عموماً.. من حيث رجاحة التفكير والتأني مع مرور السنوات، وهدوء الانفعال والتوجه نحو الرزانة والهدوء والتردد أو التعقل مع تراكم التجارب على كاهل الإنسان..
4 ) والحالة الاجتماعية ذات تأثير كبير، على تصرفات الإنسان.. فالعازب أكثر جرأة من المتزوج.. وتصبح حرية المتزوج مقيّدةً بتوافد الأولاد والشعور بالمسؤولية عنهم وعن التزاماته المادية والمعنوية تجاههم، التي يبدأ يأخذها بالحسبان عند مواجهة كل أمر، ويتفحص أخطارها المحتملة عليهم قبل الإقدام على أية خطوة..
5 ) وأميل كثيراً، إلى تشبيه العمل الإداري بالنشاط العائلي، لأني أعتبر الأسرة الخليةَ أو الوحدة الإدارية الأولى في حياة الإنسان.. وخاصة بالنسبة للعلاقات بين منتسبي الأسرة، حيث يختلط فيها غالباً العقل بالعاطفة.. فالأب، يعاقب ولده، ولكنه لا ينسى مطلقاً أنه يحب هذا المُعاقَب، وكذلك الأم.. وعموماً تكون تصرفاتهما وعواطفهما " مرحلية نسبية "، وفق القول المأثور: عواطفي واهتمامي مع الصغير حتى يكبر، ومع المريض حتى يشفى، ومع المسافر حتى يعود..
6 ) وأستسمح القارئ أن أسوق أمثلة من تجربتي الخاصة.. فقد تحوّل أسلوب والدي رحمه الله مع تقدم السن، على رجاحة عقله وحزمه، في تعامله معنا.. وطبق على شقيقنا الأصغر مصطفى، المثل القائل: قاشوشة البطون، أغلى منّو ما يكون.. وأحاطه " بدلال " لم أحظ به أنا وأشقائي وشقيقتي الأكبر.. ثم أصبح أكثر طراوة مع أحفاده.. كما كان يعاملنا، أولاده الصائمين، بليونة في أمسيات شهر رمضان.. ويعطينا دراهم "خرجية " لنذهب ليلاً إلى سوق رمضان ونحتفل بمباهجه والتمتّع بها..
7 ) وقد أثبت علماء الفيزياء، أن اللون الأبيض ليس " خالصاً بسيطاً "، وإنما هو مؤلف من عدة أطياف تداخلت ببعضها.. وهذا ما يشاهده الإنسان العادي في الطبيعة، في ألوان قوس قزح..
8 ـ كما أن الرسامين الفنانين يؤكدون أن الألوان لا تقع تحت حصر، وأن اختيار أحد الألوان واستعماله، يتعلق بشخصية الفنان ونظرته " وتنسيبه " للحالة التي سيرسمها..
فقد كنت سمعت منذ عدة عقود من الزمن، هذا الرأي من المرحوم الفنان الرسام الشهير فاتح المدرس.. عندما طرح عليه في حوار إذاعي معه سؤال: ما هو اللون المفضل عندك؟. فأجاب: لا أستطيع تسمية لون معيَّن.. فكل لون تراه، عبارة عن عدة ألوان مخلوطة مع بعضها " بنسبة " ما أو بمقادير مختلفة كل مرّة..
والفنان أو الرسام، يخلط من الألوان ما يشاء بحسب ما يدور في فكره عن العمل الذي يتصدى له، كله أو أجزائه، والانطباع الذي يريد أن يظهره وأن يتركه عند المشاهد أو الناظر أو الرائي أو الناقد: الجمال، الهدوء، الإثارة، الفرح، الأمل، اليأس، الحزن، الطبيعة الساكنة، العاصفة، البساطة، التعقيد، إلخ ……
وبمقدار تحكمه بالنسبة بين الألوان وبالمقادير، وإبداعه فيها بما يتناسب مع فكرته، فإنه ينال رضاء الرائي والمتفرج والنظّار والنقاد.. فيحظى بالشهرة والانتشار..
سادساً ـ صفوة القول
النسبية في عالم الإدارة، تفرض على الإداري وتتطلب منه أن يكون " فناناً " في ممارسته لمبادئها وقواعدها وأساليبها في حياته الإدارية.. بعد أن يكون قد تعلّم علم الإدارة قبل ذلك، وأن يستمر في تعلّم مستجاتها..
* * *
بسم الله الرحمن الرحيم
لنبعد المعاملات الصغيرة، عن المسؤولين
أولاً ـ تمهيد
" العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة من السوق "، مقولة شائعة في عالم الاقتصاد.. وأقتبس عنها مقولة "المعاملة الصغيرة تطرد المعاملة الكبيرة " لاستعمالها في عالم الإدارة.. لأُنبه القادة والرؤساء إلى خطورة المركزية، وخاصة من حيث اهتمامهم بالأمور البسيطة، لأنه سيكون على حساب الكبيرة من المهام.. لأن وجود الموضوعات الصغيرة الجزئية، أمامهم إلى جانب الموضوعات الكبيرة العامة، سيأخذ عليهم معظم وقتهم، ويجعلهم يتجهون أولاً نحو تصريف المعاملات البسيطة، وإرجاء الهامة إلى وقت آخر!. وحين يضطرون لمواجهتها، فسيقومون بذلك على عجل دون دراسة كافية.. مما يؤثر سلباً على أعمالهم ويجعل استفادتهم من الوقت ضئيلة، ويجعل نتائج نشاطاتهم بسيطة لا تناسب مراكزهم العالية.. مع أن الزمن بخصائصه الفريدة يعتبر أهم مورد في الحياة كلها وفي الإدارة أيضا..
ويزداد الموضوع خطورة في المستويات العليا: وزير، محافظ، مدير عام، رب عمل.. وأثرها على نجاح المنظمة أو " إخفاقها ".. والمثل الشعبي يقول: " الفرس من فارسها ".. فيجب على الرئيس توزيع وقته، حسب مبدأ: مواجهة الأهم، فالمهم، فالأقل أهمية..
ثانياً ـ كيف تطرد المعاملاتُ الصغيرةُ الكبيرةَ؟.
نفترض، أن هناك ملفاً أو إضبارة مليئة بعدد من المعاملات، وضعت أمام الرئيس، فسيتبع الأسلوب الآتي:
أ ـ إذا كانت المعاملة الأولى، بسيطة كُتبت بأسطر قليلة أو على صفحة.. فإنه يضع مباشرة قراره حولها..
ب ـ وهكذا مع الثانية إذا كانت مشابهة..
ت ـ وإلاّ، إذا كانت المعاملة الثالثة، دراسة أو مذكرة من صفحات كثيرة، تحتاج إلى معالجة متأنية أو مناقشة مع آخرين.. فسيضعها جانباً إلى أن يجد الفرصة أي " الوقت " الكافي لها.. وينتقل إلى ما بعدها..
ث ـ وسيكون هذا أسلوبه وسلوكه، مع المعاملة الرابعة والخامسة… إلى نهاية الإضبارة.. ينجز البسيطة السهلة، ويرجئ الهامة والكبيرة إلى " الوقت " المناسب!. ويستعيدها أمين السر، وقد استبقى الرئيس عدداً من المعاملات على أن يدرسها ويعالجها لاحقاً..
ج ـ وما يكاد يبدأ بإحدى المعاملات الهامة أو بعضها، * حتى يرنّ جرس الهاتف " إن لم يكن قد رنّ أثناء تقليب المعاملات "، * أو يطلب الدخول مساعد أو متعامل، * أو يستدعيه رئيسه، * أو يستعد لحضور اجتماع، * أو يعود إليه أمين السر بمعاملة فورية، فينصرف فكره عن موضوعها، ويؤجلها!.
ح ـ وتتعقد المسألة، كلما دخل أمين السر بإضبارة وملفات جديدة.. فينتهي وقت العمل اليومي، ويتراكم عدد من الدراسات والمذكرات بموضوعات هامة تنتظر معالجتها..
خ ـ ويأتي اليوم التالي، ويمر بذات الأسلوب!، فيزداد حجم " كرة الثلج "، وتتراكم المشكلة وتتفاقم..
د ـ وحين يضطر تحت ضغط الوقت لإنجاز الموضوعات المتراكمة، يعالجها على عجل، ودون تعمق.. ولا أبالغ إذا قلت: أنها لا تحظى بالوقت اللازم و " تُسلق ".. فتكون المعاملات الصغيرةُ قد طردت الكبيرةَ!..
ثالثاً ـ كيف نتفادى هذا " المطب " الإداري؟.
أ ـ بشكل عام، يمكن تفاديه باتباع منطلق أساس يتلخص في: * قلة الدخول بالتفاصيل كلما ارتفع مستوى الرئيس أو مركزه في الهرم الإداري.. والعكس صحيح..
ب ـ بتعبير آخر، إن العناية بالجزئيات هي من واجبات المراكز والمستويات القاعدية التنفيذية، وتخف هذه العناية تدريجياً مع ارتقائنا درجات سلم الوظائف والمناصب في المستويات المتوسطة، ثم العليا.. حيث يقع على عاتق شاغلي هذه المستويات العليا الاهتمام بالأمور العامة والإجمالية، التي تحقق لهم النظرة الشاملة لنشاط منظماتهم.. مما يحقق لهم النجاح في قيادتهم..
ت ـ أوضح ما تقدم، بمثال واقعي من النشاط الذي يعيشه أكثرنا في مواقع العمل المختلفة، في الإدارة الحكومية أو القطاع العام أو الخاص أو التعاوني أو المشترك، أو في المنظمات الشعبية والنقابية والتعليمية..
* لنفترض وجود عامل يرأس أحد الفروع المحلية لشركة ما، وقد مضى عليه مدة كافية لكي يحيط بتفاصيل نشاط هذا الفرع ويديره برشد ونجاح.. * وكان يمضي الوقت " ق " من نشاطه في تصريف شؤون الفرع.. * ومكافأة له، قررت إدارة الشركة ترقيته لإشغال وظيفة رئيس قسم في إدارتها العامة.. بحيث أصبح مسؤولاً، عن معالجة أمور جميع أقسام فروع الشركة.. * كما أن عليه تنسيق فعالية قسمه مع بقية الأقسام والمديريات في الإدارة المركزية للشركة..
ولما كان لا يملك أكثر من الوقت " ق " لينفقه في هذا القسم، إذ لا يستطيع إطالة اليوم إلى أكثر من 24 ساعة، فالساعة 25 مستحيلة.. وقد يقال: ولكنه قد يزيد وقته في العمل إلى أكثر من " ق "، فأُجيب: إن هذا سيكون على حساب وقته الاجتماعي والشخصي والإضافي ووضعه الصحي.. وهذا غير منطقي وغير عملي على المدى الطويل..
فيتوجب عليه، منطقياً، ليستمر ناجحاً في أسلوبه والإحاطة باختصاصات فروع القسم الجديد، * أن يقتطع للفروع جزءاً من " ق "، * وللتنسيق مع سائر الأقسام.. وهذا متاح إذا تخلى عن جزئيات عمله السابق، واقتصر على العموميات فيه، علاوة على العموميات في الفروع الأخرى.. وإلاّ، إذا استمر مع التفاصيل كما كان في الفرع الواحد، فإنه لن يجد الوقت الكافي لها، وسيتخبط في ممارسته الجديدة، ولن يستطيع النجاح..
ث ـ وهكذا، يمكن تطبيق المنطق والأسلوب ذاته، حين يرتقي إلى مركز أعلى.. كوظيفة مدير عام، أو أعلى من ذلك.. مما يتطلب منه التخفيف تدريجياً من الدخول بالتفاصيل كسابق عهده.. بل ستزداد أهمية تطبيق المبدأ،كلما اقترب من قمة الهرم واتسعت صلاحياته عمودياً وأفقيا.. ولنتصور إدارياً في موقع رئيس بالنسبة للمنظمات متعددة الجنسيات والممتدة عالمياً كرئيس مجلس الإدارة، أو بالنسبة للإدارة العامة كالوزير والمحافظ..
ج ـ كما أستطيع التمهيد لتطبيق هذا المنطلق أو المبدأ الأساس، باتخاذ عدد من الإجراءات واكتساب بعض الصفات، ومنها:
4 - استعمال الأدوات الحديثة المتطورة.. في المعلوماتية والاتصالات والتصوير والحفظ والأرشفة..
5 - تعويد المساعدين والمرؤوسين على أن تكون دراساتهم ومطالعاتهم مكثفة دون إطالة.. وبأقل عدد ممكن الصفحات..
6 - استعمال أوراق أو نماذج لعرض الموضوعات على الرؤساء، بحيث تتضمن ملخصاً للموضوع، ورأياً صريحاً موجزاً لكل من تمر عليه المعاملة من رؤساء التسلسل والمساعدين، قبل عرضها على الإداري صاحب السلطة بالقرار أو التوجيه..
7 - حسن توزيع الوقت، بين الحاجات: الشخصية، والأسروية، والاجتماعية، والعمل، وعلاقات العمل داخل الهرم الإداري للمنظمة، أو خارجه مع مختلف المؤسسات والمتعاملين والمواطنين عموما.. ولنتذكر أن الساعة 25 مستحيلة، والأسبوع سبعة أيام، ولا تزيد السنة عن 12 شهرا!.. ومن ثم، حسن توزيع العمل اليومي على المهام الكبيرة.. وإلاّ، فكل تمضية للوقت في موضوع صغير ستكون على حساب موضوعات أكبر!.
8 - حسن توزيع الموضوعات والمعاملات على ساعات الوقت المخصص للعمل.. بين بدء العمل أو عند الصباح، الضحى وحتى الظهيرة، والمساء.. حيث تراعى:
* الإمكانات الفكرية للإداري ومقدار صفاء الذهن وإمكانية الاستيعاب أو التعب أو الإرهاق…
* وكذلك الظروف الخارجية التي تخرج عن إرادته أو قد تفرض عليه، كالدعوة لاجتماعات داخلية أو خارجية من قبل رؤسائه، وكثرة الاتصالات الهاتفية، أو المراجعين والمتعاملين..
رابعاً ـ صفوة القول
تجدر الإشارة، إلى أن ما أُحذر منه، من حيث إمكانية طغيان المعاملات الصغيرة على تلك الكبيرة واستبعادها عن دائرة اهتمام كبار القادة والمسؤولين وأصحاب العمل.. لم يكن غائباً عن التشريع لدينا في سورية، فقد شملته الأسباب الموجبة للمرسوم التشريعي 147لعام 1967المتعلق بقمة الهرم الإداري الحكومي.. حيث نقرأ فيها المقطعين التاليين: ( إن على مجلس الوزراء أن ينصرف إلى معالجة الأمور الأساسية والمهمة المتعلقة بوضع البلد ومستقبله، وبتحقيق أهداف الأمة العربية في الوحدة والحرية والاشتراكية..؛ لذلك يجب أن تتخذ جميع الوسائل كي لا يغرق في الأمور البسيطة والعادية، وفي المشاكل الإدارية الروتينية، فينصرف عن معالجة القضايا المصيرية، أو لا يجد الوقت الكافي للنظر فيها. )..
فلنحذر المعاملات الصغيرة، كلما ارتفع المستوى.. وعدم الوقوع في مطب " الفرح " بكثرة المعاملات.. ولنكتفي بإنجاز معاملة واحدة هامة فقط في اليوم، فلن يكون مردودنا وحصادنا قليلاً، وخاصة على صعيد المستويات العليا في الهرم الإداري.. بل إن المحصّلة ستكون إنجاز 300 موضوع أساس في السنة، وهو رقم كبير ولاشك..
ولنتدبّر المعاني التي قصدها شاعرنا الكبير المتنبي، حين قال:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم
فتكبر في عين الصـغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم
* * *
بسم الله الرحمن الرحيم
تذكير بمكافحة الهدر، فهو قرين الفساد
أولاً ـ تمهيد
ملاحظة أولية: لا يعتبر أي منها أهم من غيره، فكلها وباء!.. لذا، أورد ما أتذكره منها دون ترتيب..
* أسطول السيارات الفارهة ومحروقاتها وصيانتها، واستعمالها مع سائقيها في غير المصلحة العامة..
* استخدام العاملين والتجهيزات والمواد العامة في مصالح خاصة..
* الولائم الإسرافية، بالمبالغة في المأكولات والمشروبات، وزيادة عدد المدعويين!..
* المغالاة في تقديم الضيافة المكتبية: كالسيغار والدخان الأجنبي والمشروبات والحلوى والشوكولا، على حساب الدولة، ونسيان تعويض التمثيل!..
* بطاقات الزيارة والتهنئة المُذهبة والمزركشة، على حساب الخزينة..
* الاحتفالات والحشود الكبيرة واللافتات والملصقات لوضع حجر الأساس لمشاريع صغيرة وتدشينها..
* التنافس والاستهلاك التفاخري في القطاعات الرسمية وشبه الرسمية والخاصة، بدءاً من الأسرة، في الأعراس، والولائم والطعام الزائد، والأثاث التبذيري وتجديده دون مبرر في المكاتب والبيوت، واللباس، وباقات الورود الفارعة في الاحتفالات العامة، والخاصة..
* التبذير في الورق والقرطاسية واللوازم المكتبية واستعمالها في أمور شخصية ومنزلية..
* الإسراف في مياه الشرب، وفي الزراعة باستعمال أساليب متخلفة، وضعف استخدام المكننة الزراعية..
* إنارة المكاتب والشوارع نهاراً!. السفر والمهمات الخارجية دون مبرر..
* صرف المكافآت والتعويضات لمن لا يستحقها..
* توقف الإنتاج لنقص القطع التبديلية والبطء في تجديد وسائل الإنتاج..
* العمالة الزائدة أو البطالة المقنعة، التي تعني: هدراً لقوة العمل واستعمالها في مجال غير منتج؛ وزيادة كبيرة في النفقات على العناصر وما يلزمهم من مكاتب وسيارات وتابعين؛ وتعقيدات إدارية تربك الأداء الجماعي..
* وكذلك، عدم احترام الوقت والاستفادة منه قبل أن ينقضي: كالتأخر عن الدوام والتبكير في الانصراف؛ والتأخير في بدء الاجتماعات والخروج عن جداول أعمالها وإطالة مدتها؛ وتكرار تشكيل اللجان دون نتائج ملموسة؛ وتفشي "الروتين والبيروقراطية "؛ وبطء معالجة المعلومات وإنجازها بسلوك تسويفي " تعال غدا أو بعد أسبوع "؛ إضاعة الوقت باللامبالاة وتقاذف " الكرة " بالإحالات اللامسؤولة؛ وإضاعة الوقت في الزيارات المكتبية الشخصية؛ وإساءة استعمال إمكانات الحاسوب "الكمبيوتر" في معظم مقاهي الألعاب والتسلية غير المفيدة والانحراف بها، بما يجعل أبناءنا، بل وبعض الكبار، يهدرون الساعات الطوال أمام شاشاته!، وكل هذا يعني تبديد أهم ما لدينا من إمكانات، وهي الوقت والفكر والجهد البشري..
ثالثاً ـ أسباب الهدر
* بطء إجراءات التنمية الإدارية عموماً، خاصة في الدول النامية.. مع أن التخلف الإداري فيها يجرّ عربة التطور نحو الوراء ويعرقل إجراءاته..
* تفشي المركزية الإدارية، والارتباطات وعلاقات الإشراف الكثيرة جداً للمستويات الإدارية العليا..
* ضعف قاعدة الاتصالات والمعلوماتية، واستخدام الأدوات الإدارية المتخلفة، مع الأمية المعلوماتية، مما يؤدي إلى قرارات مرتجلة وخطط غير متكاملة..
* وضع " سقوف " مصطنعة للحافز والتعويضات والمكافآت، وربطها بإجراءات وقيود.. مما يفقدها هدفها الأساس، من حيث ربط المصلحة الخاصة للعاملين إيجاباً وطرداً مع المصلحة العامة، لتزيد كلما ازدادت هذه..
* افتقاد الشروط الموضوعية لتسمية الشخص المناسب في مكانه..
* ضعف الربط بين التعليم وحاجة المجتمع، وعدم الواقعية في توزيع الخريجين..
* عدم ترافق تزايد أجهزة الدولة والقطاع العام، مع العناية بترشيد الإدارة العليا، وانشغالها بالأعمال التنفيذية، وتأخرها في اتخاذ القرارات التوجيهية..
* بطء تأهيل المسؤولين متخذي القرارات: الوزراء، المحافظون، المديرون العامون..
* إغفال التدريب والتأهيل المسبق، مما يؤدي إلى انخفاض إنتاجية العامل الاقتصادي أو الخدمي أو الإداري، وتأخير استثمار المشروعات الجديدة..
* ضعف التخطيط الشمولي المتكامل وأفضلياته، مما يؤدي إلى حجب الموارد عن الاستثمار في مشاريع ذات أولوية نحن بحاجة إليها..
* ضعف البحث العلمي الواقعي.. وقلة الاعتمادات المالية المخصصة له في الحكومة والقطاعات الأخرى..
* عدم إعطاء دراسة الجدوى الاقتصادية والفنية والإدارية والاجتماعية حقها..
* تشجيع الإنتاج، دون توفير مستلزمات التخزين والنقل والتصنيع والتصريف، وبطء إجراءات التصدير..
* وضع دفاتر شروط للمناقصات والمزاودات غير عملية أو متكاملة..
* ارتفاع التكاليف والنفقات في تنفيذ المشروعات بسبب فقدان البرمجة وعدم احترام الوقت..
* توطين المشروعات دون دراسة واقعية، للظروف الجغرافية المحيطة بموقعها..
* التأخر في استبدال الآلات القديمة، وعدم توفير القطع التبديلية بكميات كافية.. والتراخي في الصيانة..
* كثرة تشكيل اللجان وعدم متابعة توصياتها ومقترحاتها..
* فقدان معايير صرف المحروقات والطاقة..
* ………
رابعاً ـ آثار الهدر
* وهي تطال المجتمع، والإنسان خاصة، من كل الجوانب: فكرياً، وجهوداً، ومالاً، ووقتاً اجتماعياً وإدارياً وشخصيا.. ومتعددة الاتجاهات: أخلاقياً واجتماعياً واقتصادياً ووجدانياً، وقد تكون بوّابة للإفساد والفساد..
* وقد تبدو الأمور صغيرة في بدايتها، ولكنها في آثارها السلبية كبيرة، من حيث هدر الجهد البشري والوقت والمال.. ولنأخذ بلاغاً يصدر عن رئيس الوزراء في مجتمع ما،كمثال.. فهو يبدأ بورقة تحمل توقيعه، ثم يزداد عددها " هندسياً "!، في مجلس الوزراء، والوزارات والهيئات والمنظمات المركزية والمحلية.. ومن ثم في دواوين هذه الجهات.. وهكذا.. نزولاً، إلى المستويات المتوسطة والقاعدية.. المؤسسة والشركة والمدرسة والمنشأة والمزرعة والمعمل.. يُنفق فيها الورق وجهود ضاربي الآلة الكاتبة والناسخين وعاملي الدواوين وموزعي البريد الداخلي إلى الجهات المرتبطة، والخارجي.. مضافاً إلى كل ذلك ضياع الوقت..
* وهذا ينطبق على الأمور المادية، ويقول المثل: من يسرق بيضة، يسرق جملا.. فعلينا تجنب أية ظاهرة.. فالانحراف البسيط يتطور مع الزمن إلى كبير!. فلا يصح الاستهتار بدايةً بهدر قلم رصاص أو ليتر بنزين!.
* وتزداد الآثار جسامةً، عند المواطن العادي، وهو يشاهد مظاهر الهدر العامة.. وهي على حساب المجتمع، على حسابه، لأن مالية الدولة جيوب رعاياها!. بحيث تتفاقم عقدة الانفصام وفقدان الثقة بين المواطن والسلطة، هذه العقدة الموروثة منذ عهود الاحتلال الأجنبي..
* وقد يؤدي الهدر وضخامة موضوعه وتشعبه، إلى التشاؤم والتراخي، واللامبالاة، وخاصة في الأموال والممتلكات العامة.. بل إلى التخريب دون قصد مباشر..
خامساً ـ صفوة القول
1 - يكمن خطر الهدر الأساس، في أنه يتسلل بيننا بهدوء.. فنألفه ونعتاده دون شعور بالذنب، وكأنه حقنا الطبيعي.. حتى البخيل والحريص على أمواله الخاصة، نراه كريماً ومبذراً ومسرفاً في الأموال العامة..
2 - تعتبر المسؤولية عن مكافحة الهدر مهمة وطنية " مثل مكافحة الفساد " جماعية، توجب على كل منا المساهمة فيها.. مع تفاوت في حجم المسؤولية بين الأفراد بحسب موقعهم وسلطتهم.. فكلما ارتفع المستوى زادت المسؤولية، مما يبرز أهمية " القدوة ": الوالدان في الأسرة، والمعلم في المدرسة، والإداري في أي موقع مركزي من الهرم أو المنظمة لاتساع الدوائر التي تتأثر بتصرفاته، ولأن سلوكه، ذو أثر على العاملين، الذين ينظرون إلى تصرفاته فيقلدوها..
3 - إن معرفة مظاهر الهدر وأسبابه وآثاره، تشكل قاعدة الانطلاق لمكافحته، بحسب المفهوم المخالف لها..
4 - وآمل أن يبدأ كل منا باتخاذ الخطوات الجادة على طريق مكافحة الهدر.. وذلك على صعيدين: أ ـ شخصي: بجهاد نفسه، خاصة حين يكون في موقع " القدوة ".. ب ـ وجماعي: في المنظمات، والأسرة..
6 - ومكافحة الهدر لن تكون آلية،" بكبسة زر " أو بفورة موسمية، ولن تتم في وقت قصير.. على أنه لا بدّ من البداية، بالقناعة بها، والإرادة الحاسمة، والاستمرار بحزم.. وعلينا التمسك بالتفاؤل مهما كانت الصعوبات، وأن لا نتشاءم فالمكافحة ليست مستحيلة..
* * *
التقاعد، ليس المحطة النهائية في الحياة
أولاً ـ تمهيد
حياة الإنسان حركة في الزمن والمكان، من بدايتها حتى نهايتها بالموت.. حيث يسير به قطار العمر خلالها صعوداً وهبوطاً، مستقيماً ومنعطفاً، من محطة إلى محطات تالية متعددة، حتى المحطة الأخيرة.. فهناك بين الولادة والموت مراحل أو محطات كثيرة: الطفولة، والفتوة، والشباب، والرجولة، والكهولة، والشيخوخة..
ولا شك في أن مرحلة التقاعد، محطة حاسمة، بين هذه المحطات.. تشابه " مقص َّ " المحطة، التي يغيّر فيها القطار الحديدي سكتّه إلى خط ثانٍ يستأنف عليه مسيره باتجاه آخر.. أو تشابه المحطة أو المحطات التي يتوقف عندها القطار، فيجدد ركابه، ويتزود بالوقود والطاقة، ليستأنف سيره نحو المحطات التالية..
فهي إذن، ليست نهاية المطاف، كما هو شائع، ولا يتوقف عندها نشاط قطار حياة الإنسان!. وإنما هي، عبارة عن تغيير نوعية النشاط، والانتقال من العمل العام الإلزامي الاحترافي، إلى العمل الخاص الانتقائي والاختياري حسب ميول المتقاعد وإمكاناته.. ومن هذه الزاوية، يكون النشاط بعد التقاعد أكثر قبولاً وراحةً للنفس وسعادة، ويفترض أن يكون كذلك، إذا أحسنّا التكيّف مع مستجدات المرحلة، لأنه نابع من رغبة المتقاعد وقناعته، وليس مفروضاً عليه أو مطلوباً منه كالسابق.. وعلى المرء عندها، عدم الاستسلام، ورفض مقولة: متْ قاعداً، التي يطلقها الكثيرون على المتقاعد!. بل التفكير في ماذا بعد؟، وما العمل فيها؟.
ثانياً ـ منطلقات مبدئية
1 ) إذن مرحلة التقاعد هي محطة على درب الحياة وليست نهايته.. فإما أن نختار فيها الأمل والاهتمامات المتجددة والنشاط المستمر، وإما أن نركز على الماضي والهموم واجترارها، وعلى اليأس والموت البطيء!. لأن ترك العمل الرسمي أو الانقطاع عنه، ما هو إلا توقف شكلي، وتحول من الاحتراف والعمل الإلزامي، إلى الهواية والعمل الاختياري، هذه الهواية، التي تستمر طالما رغب الإنسان بها..
2 )كما أن العمل الاختياري، الذي يتلاءم مع الرغبات والممول الشخصية، يصبح متعة وسعادة فيما إذا أحسن المرء التصرف والتكيّف مع المرحلة المستجدة وظروفها.. ولا يعتبر انتهاء إنتاجية المرء ونشاطه، فهنالك النشاط الشخصي، والنشاط الأسري، وهناك أيضاً النشاط المجتمعي..
3 ) إن أساس ولاء المرء وانتمائه، هو لأهله ومجتمعه ووطنه وأمته، ولا ينقطع ما دام على قيد الحياة وفيه عرق ينبض، بأية صفة كان وفي أي موقع.. في السلك الوظيفي الذي كان انتسب إليه، في بعض مراحل حياته ومحطاتها أو غيره.. فالانقطاع عن الانتماء للسلك أو المهنة، لا يلغي، ولا يصح أن يلغي، الانتماء الأساس.. وتستمر آمال المرء وطموحاته الخاصة والعامة مشروعة، ويجب أن ترافقه في أي سن يكون.. وهذا الانتماء، يفرض عليه الاستمرار في العمل والجهد والعطاء.. وبذلك يُبقي على طعم الحياة اللذيذ، وعلى مبرر وجوده وغايتها، فلا شيء أقسى على النفس من اليأس والركود، مع ما يخلفه من آثار سلبية بائسة..
4 ) وما أتحدث عنه مفروض على كل إنسان بموجب الآية الكريمة ) وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسولُه والمؤمنون.. ( التوبة 9/105، مما يوجب الالتزام بالعمل باستمرار، كما يوجب أن تكون مرحلة التقاعد، التي يظنها الكثيرون خطأّ إحالة إلى "الفراغ "!، مليئة بالعمل، فهي محطة بين المحطات المتعاقبة في درب الحياة..
5 ) وتتشابه مرحلة تقاعد العاملين، مع تقاعد الرياضيين، كلاعبي كرة القدم أو السلة وغيرها.. فلاعبها لا ينتهي، ولا يجوز أن ينتهي مع تقدم السن، بل يستمر رياضياً، ويغير فقط شكل أو أسلوب نشاطه الرياضي، سواء على الصعيد الشخصي أو على العام.. وكثير من الرياضيين من ينتقل ليعمل مدرباً أو حكماً أو معلّقاً أو ناقداً في المجال الرياضي.. ومن أبرزهم الرياضي الألماني فرانز باكينباور، الذي نال بطولة العالم كلاعب وقائد لفريق بلاده في بطولة 1974، وكمدرب له في عام 1990، وكرئيس لاتحاد كرة القدم الألماني بعد ذلك..
6 ) هذا، وتتشابه محطة التقاعد، إلى حد كبير، مع استراحة المقاتل، الذي يتوقف خلال المعركة قليلاً، لدقائق أو ساعات أو أيام، لالتقاط النفس، وتقدير الموقف، وإعادة ترتيب الأوضاع، وشحذ الإمكانات المتاحة له وسلاحه، لاستئناف المسيرة في ميدان القتال.. وصولاً إلى تحقيق أهدافه المنشودة من المعركة، منطلقاً من واقعه وحاضره، ومستفيداً من دروس الماضي والمعارك التي خاضها.. على أنه محارب، في كل حال، وهو ما ينطبق على الإداري أيضاً، إذ تظل صفة إداري مرافقة له، ولا ضرر في أن يضاف إليها كلمة متقاعد..
7 ) من الضروري، الاستعداد المسبق: الفكري والذهني والنفسي لمرحلة التقاعد.. والتركيز على التكيّف مع الظروف الجديدة، وعلى العمل المنتِج خلالها،كي تستمر حياة المتقاعد " مليئة " إيجابية.. بحيث لا يبقى لديه مبرر للخوف من اقتراب سن التقاعد، ولا يشعر بأن الحياة ستصبح بعدها رتيبة، تسير على وتيرة أو نغم واحد، ممتلئة بالفراغ والزمن البطيء المتثاقل!، وكأن المتقاعد عنصر زائد لا لزوم له ولا عمل!.
8 ) آمل أن يقرأني، وأن تصل أفكاري وكلماتي إلى من هم في سن الشباب والكهولة، وأن يقتنعوا بكل أو بعض ما أقوله وأن يتدبّروه.. ومن ثمّ أن يتخذوا مبكراً، منذ قراءتهم، الاستعدادات والإجراءات المادية لمواجهة ما هو قادم في الزمن.. وبرمجة ذلك، برسم خطوط عريضة لما يمكن القيام به بعد التقاعد، بما يتناسب مع أوضاع كل منهم وميوله وإمكاناته وظروفه.. وأرجو أن يضعوا نصب أعينهم مقولة صحيحة: كل آتٍ قريب..
وأشير: لا يشترط أن يكون المرء غنياً لكي يتكيّف مع ظروف حياته في هذه المرحلة.. وإنما أن يجيد التفكير، وبحسب إمكاناته، للإجابة بواقعية على سؤال: ما العمل؟، لكي أستمر سعيداً معطاءً فيما تبقى لي من العمر..
9 ) يتميز الإنسان بإحساسه بالزمن والتفكير في المستقبل، خلافاً لبقية مخلوقات الله، التي تعيش بالغريزة، ليومها وساعاتها دون تفكير بغدها.. ولا يحق له التخلي في كل مراحل الحياة عن هذه الميزة التي خصّه بها الخالق، وإلاّ، يكون قد تخلى عن إنسانيته!. ولما كان البعد الزمني هو الأساس في التخطيط والبرمجة، فلنتعوّد عليهما في هذه المرحلة، وما قبلها من مراحل، لكي لا نترك الأمور عفوية تسير على هواها أو مفروضة علينا.. ولنعقد العزم على " ملء " الوقت بالاستمرار في العمل والنشاط، المادي والمعنوي، في ما تبقى لنا من العمر.. وليس " قَتْل " الوقت في مرحلة التقاعد.. والفرق كبير بين " ملء " الوقت و " قتله "!.
10 ) والعمل بحد ذاته سعادة، لأن الوقت يمضي سريعاً معه، ولأنه يجعل المرء يلمس لذة ما يقوم به، ولا يشعر بتثاقل الوقت ومروره ببطء قاتل، كما هي حالة السجين!. مما يدعو إلى تحديد الأعمال والاهتمامات التي سيقوم بها المتقاعد، بشكل مسبق إن أمكن، لملء الزمن بشكل مفيد، وبرمجة أوقات تحقيقها، وبالتالي إدخال البهجة والسعادة والسرور إلى قلبه ووجدانه، بسرعة مرور الوقت " مليئاً "، وعدم تثاقله، كما يطفو على السطح عن مرحلة التقاعد وبطء مسيرتها لدى الكثيرين من المتقاعدين، وسيطرة الملل عليها..
11 ) وملء الوقت، يدعوني للحديث عن التكامل بين العمل والراحة، وضرورة التوازن والتناوب بينهما.. فكل منهم بحاجة للآخر.. فلا شعور بلذة الراحة، إن لم يسبقها مجهود عمل ونشاط.. والراحة المستمرة مضجرة ومملّة.. وقد جعل السجن عقوبة " لاستمرار الراحة! " وتثاقل الزمن فيه.. وبالمقابل، فالعمل الزائد مُتْعب.. فلا بد من الموازنة بينهما.. وقد عوّدونا على هذا، منذ الصغر في المدرسة الابتدائية.. حيث كنا نعطى فرصة الاستراحة، بعد كل حصة درسية؛ وفي نهاية كل أسبوع، ثم عطلة انتصافية، وعطلة الربيع، وعطلة الصيف.. واستمر التناوب بينهما في المرحلة الإعدادية، والثانوية، والجامعية.. فلنستمر على التناوب والتوازن بين العمل والراحة، في كل مراحل حياتنا، بما فيها مرحلة التقاعد..
12 ) فليس ارتياد المقهى سيئاً على إطلاقه كما يظن كثيرون، أو حسناً على إطلاقه.. فإذا كان المتقاعد قد أوجد اهتماماته الإيجابية الخاصة به، ومن ثم، قد برمج، إن لم نقل خطط لتحقيقها، " وملأ " وقته، ولم يترك أموره عفوية تسير على هواها، يكون ارتياد المقهى عندها، ولفترة قصيرة من اليوم، أحد أساليب التناوب بين العمل والراحة، بين النشاط والاستراحة والترويح عن النفس.. وهو التناوب المتوازن المطلوب في كل مراحل حياتنا، بما فيها مرحلة التقاعد.. على أن المهم هو تحديد نسبة تناوبهما وتوازنهما، بحيث لا يطغى أحدهما على الآخر، لكيلا تصبح الحياة شاقة إذا زاد وقت العمل، أو تصبح فارغة مملّة وبطيئة إذا غلب عليها وقت الراحة..
13 ) أذكر هذا، لأن الكثيرين يعتبرون المقاهي بيتهم الثاني!. يأتون إليها للتسلية ونسيان الهموم! و" قتْل " أوقات الفراغ التي كان العمل يشغلها!. ففي مثل هذا التفكير يكمن الخطر أو الخطأ الذي يرتكبه من يختار هذا الأسلوب.. وأنا أدعو إلى التفكير بالاهتمامات والسعي لتحقيقها، عوضاً عن تكريس الهموم، والغمّ الذي يرافقها..
14 ) وليطرح المتقاعد على نفسه باستمرار، سؤال: ما ذا بعد؟ ما ذا سأعمل؟. وخاصة كلما أنجز موضوعاً أو نشاطاً، كي لا تتوقف به نبضات الحياة.. فما أن يكمل خطوة، بل قبيل إكمالها، يجب أن يتساءل: ماذا بعد؟. ليضيف الأمور المستجدة إلى برامج أعماله..
ثالثاً ـ نشاطات مقترحة في مرحلة التقاعد
لكي لا يكون حديثي نظرياً، أقترح بعضاً من الاهتمامات، التي يمكن الاستئناس بها والقياس عليها، ومن ثم التركيز على ما يناسب القارئ شخصيا..
1- عدم التردد في دخول عالم الحاسوب، وعالم الانترنيت؛ واستعمال البريد الإلكتروني؛ فإمكاناتها هائلة.. وفيها متسع ومتعة وفائدة للجميع، وكل الأعمار تستطيع التعامل معها.. فقد استطعتُ بواسطة الحاسوب، الذي تعلمته وأنا في السبعين من عمري، أن أستمر بالكتابة عن الإدارة وشجونها، التي كنت بدأتها عام 1977، في ندواتنا ومنابرنا وصحفنا السورية المحلية ونشرة "كلنا شركاء في الوطن " الإلكترونية، وملحق " الإداري " لجريدة البعث، ومجلة الإداري الصادرة عن دار الصياد ـ لبنان.. وأصبحت لديَّ قاعدة معلوماتية جيدة بواسطته.. وأقول: إن لا يستطيع التعامل مع الحاسوب في الوقت الحاضر، يعتبر " أمياً "، ويتوجب عليه الإسراع لمحو هذه " الأمية "..
وها أنا في ال 81 عمري، في العام 2009 أختار لنفسي موقعاً على شبكة الانترنيت، لأذكر فيه اهتمامي بالإدارة ومعرفتي بها وبالتنمية الإدارية وشؤونها للأشقاء العرب ولكل من يجيد اللغة العربية في العالم..
2 - التكيّف الذهني والفكري والنفسي مع واقع المرحلة، بالمحافظة على الهندام والأناقة وحلاقة الذقن والمظهر الخارجي كسابق العهد..
3 - تنظيم الوقت وبرمجة النشاط، والاستمرار على الاستيقاظ المبكر.. والابتعاد عن التكرار والرتابة " الروتين المرضي "، وعن ما يثير الملل والسأم..
4 - المثابرة على التمارين الرياضية التنشيطية الخفيفة في المنزل أو النوادي.. وأهمها: رياضتا المشي والسباحة، اللتان يمكن أن يستمر بهما الإنسان إلى ما شاء له الله سبحانه من عمره..
5 - ارتياد المراكز الثقافية وحضور الندوات والمؤتمرات العامة والمحاضرات.. والمساهمة في مناقشاتها وأنشطتها..
6 - الكتابة ونقل الخبرة والآراء، إلى الآخرين والأجيال الصاعدة.. بالمذكرات الشخصية.. في وسائل الإعلام والثقافة المتنوعة.. بما يحقق تكامل الأجيال وتسليم الراية بينهم، واستمرارية الحياة وتطورها بتعاقبهم، وملء الوقت بالمفيد.. وأذكر هنا أني ألفت 3 كتب في مرحلة التقاعد والابتعاد عم العمل الوظيفي بالاشتراك مع الآنسة عنان صلاح الدين شيخ الأرض، وأعددت دراسة في 140 صفحة عن الجودة وأصولها الشرعية والمصلحية، وأنهيت كتابة شريطة ذكرياتي في 340 صفحة…
7 - القراءة في الصحف والمجلات والكتب، ومتابعة وسائل الإعلام والثقافة المتنوعة.. بحسب ميول كل شخص.. فالكتب والمنشورات المختلفة في مضامينها وموضوعاتها، أشبه ببستان يعج بجميع أنواع الفواكه والخضروات بشكل دائم، في مواسمها وفي غير مواسمها، وما على المرء سوى أن ينتقي ما يرغب فيه ويلائمه..
8 - حفظ آيات قرآنية وأحاديث نبوية ومواعظ إنجيلية جديدة، وكذلك الحِكم والأشعار وأقوال مأثورة والأمثال الشعبية.. وذلك بأن نختار بعضاً منها، كواجب أسبوعي، لحفظها.. وهذا ينشط الذاكرة ويحافظ على قدرتها..
9 - المساهمة في تربية الأحفاد وتوجيههم..
10 - تقوية اللغة الأجنبية، وتعلم لغة جديدة عند الحاجة، لنستمر على اطلاع واتصال على ما يجري في العالم، والاستزادة من المعرفة العامة على اختلاف أنواعها..
11 - المشاركة في أنشطة الجمعيات الخيرية..
12 - العناية بالمزروعات المنزلية أو غيرها..
13 - . . . . . . . . إن ما اقترحته هو على سبيل المثال، وليس الحصر.. ذلك لأن الاختيار يتعلق بشخصية كل متقاعد وميوله وطاقاته وظروفه.. وبالتالي فكل منا يستطيع اختيار ما يناسبه من الاهتمامات، إذا اقتنع بأن التقاعد ليس إحالة إلى " فراغ "، وليس المحطة النهاية في حياة الإنسان، واستعد لها نفسياً وفكرياً، وتأمل بواقعية بما يمكن أن يقوم به من أعمال وما سيحدده من اهتمامات.. مما " يملأ " به وقته على نحو مثمر..
ولنأخذ عبرة من تعاقب فصول السنة الأربعة: الربيع والصيف والخريف والشتاء، وتتالي الليل والنهار، ففي كل منها متسع دائم للنشاط والإنتاج والإثمار والجمال.. والمرء حيث يضع نفسه، فلنختر أين نضع أنفسنا في مرحلة التقاعد.. لكي نستمر في جميع مراحل الحياة وفي مجتمعنا، فاعلين محرِّضين إيجابيين، لا منفعلين مستكنين محبطين، ومهمومين سلبيين نجتر الذكريات فقط!.
رابعاً ـ صفوة القول
أشير قبل نهاية حديثي، إلى نقطة هامة.. تتعلق بأنه يجب أن يكون العمل والنشاط، في مرحلة التقاعد، متناسباً مع إمكانات الإنسان وظروفه في سنوات عمره المتقدمة، ومترافقاً مع الترفيه وترويح عن النفس.. كما يجري في العديد من الدول الأجنبية..
وهذا ما يمكن تحقيقه إذا أعيدت للعامل حقوقه، وتوفّر للمتقاعد وضع مالي ومادي مريح.. أي أن تنفذ الحكومات التزاماتها في " العقد الاجتماعي والاقتصادي " الذي أبرمته مع العاملين منذ انتسابهم للعمل في أجهزتها، من حيث ردّ الأقساط الشهرية والمبالغ التي سبق اقتطاعها من رواتبهم وأجورهم، مطلع كل شهر من حياتهم الوظيفية، بواسطة صناديق التأمينات، بحيث تعيدها لهم كاملة غير منقوصة، إن لم نقل زائدة نتيجة تشغيلها واستثمارها نيابة عنهم.. لا سيما وأن احتياجات الإنسان المادية والصحية تتزايد في مرحلة الشيخوخة..
على أني أنصح المتقاعد، وبانتظار تصحيح هذه الأوضاع بشكل كامل من قبل الحكومات وإعادة الأمور إلى نصابها ورد مستحقات المتقاعدين إليهم، أن يفكر بإجراءات تجعل وقته " مليئاً " بأعمال واهتمامات مفيدة ومثمرة معنوياً ونفسياً وماديا.. وعدم الاستسلام للفكرة السائدة: متْ قاعدا!.
والمرء حيث يضع نفسه كما يقال.. فليختر كل منا أين سيضع نفسه في محطة التقاعد، وليحدد سلوكه حتى نهاية العمر..
* * *
بسم الله الرحمن الرحيم
أولاً ـ تمهيد
طبيعة الإنسان هي أصل الإدارة، لأنه اجتماعي، لا يستطيع العيش وحيداً، فيشكل الأسرة أولاً ليستمر في الحياة، وهو الذي يكوّن من ثمّ، تجمّعاتٍ بشرية متنوعة، لتحقيق أهداف مختلفة، وبتسميات متعددة، وأحجام أو امتدادات جغرافية متباينة.. وصولاً إلى هيئة الأمم المتحدة، مروراً بكل أنواع التجمعات والمنظمات البشرية على تعدد تسمياتها ومستوياتها وأمكنتها..
وأعتقد أن الصلة وثيقة بين التنمية البشرية والتنمية الإدارية.. بل إن التنمية الإدارية أوسع وتحيط بالتنمية البشرية.. وأثبت في ما يلي المنطلقات التي اعتمدتها في الرأي..
ثانياً ـ منطلقات
1 ) إن الرقي بالإنسان، وتلبية حاجاته المعنوية والمادية وتطويرها نحو الأفضل باستمرار، هو هدف دائم في كل عصور التاريخ، نشدته، أو قالت عنه، كل الأنظمة والسلطات والحكومات، المختلفة كثيراً في معتقداتها وغاياتها وأساليبها..
2 ) والرقي بالإنسان، أحد أهم متطلبات أمتنا وأقطارها في هذه المرحلة من التاريخ، لتقليص الفجوة التي تفصلنا عن الدول المتطورة واللحاق بركب المدنية والحضارة المعاصرة، في أقرب وقت..
3 ) وتسعى الدول والحكومات، من أجل ذلك، وخاصة المتخلفة منها والنامية، للتطوّر والتنمية الشاملة، وتضع الخطط والبرامج لتحقيقها..
4 ) والتنمية الإدارية تشكل بدورها وسيلة رئيسة للتنمية الشاملة، إذ تؤمن لها قاعدة وطيدة إدارية وبشرية وقانونية وتقنية وغيرها، تساعدها على تحقيق أهدافها وتنفيذ ما تتضمنه خططها من أهداف فرعية ومشاريع وإجراءات في ميادين مختلفة، ومن ثمّ، على تشغيل مشاريعها واستثمارها بكفاءة..
5 ) وتتلخص التنمية الإدارية، بتطوير مرتكزات الإدارة: أ – الإنسان، ب - الهياكل التنظيمية والملاكات، ت - القوانين والأنظمة، ث - الأدوات الإدارية.. وأساسها الإنسان، لأنه هو الذي يوجد باقي المرتكزات في أي تجمّع، ويستعملها، ويعدّلها ويطورها حسب المتغيرات والمستجدات التي تحدث محلياً أو قومياً أو عالمياً.. فالعناية به، أي التنمية البشرية، تعتبر أساساً في التنمية الشاملة كلها..
6 ) تتلخص العناية بالإنسان في التنمية الإدارية، ب 4 زوايا: أ – مادياً.. ب – معنوياً.. ت – تدريباً وتأهيلاً.. ث – سلوكياً وانضباطا..
7 ) والإنسان، هو " الفنّان " الذي يجب أن يتصرف بلباقة وبنجاح في علاقاته مع مجموع العاملين والناس: من رؤساء، وزملاء، ومرؤوسين، ومستشارين، ومتعاملين محليين وأجانب، ومواطنين….
8 ) التنميتان، الإدارية والبشرية، ليستا ظرفاً مرحلياً طارئاً، يتحقق مرةً واحدة، وإنما هما واجب مستمر، ليواكب المستجدات والاحتياجات المحلية والعربية والدولية، التي تعتبر ظاهرة مرافقة للحياة البشرية.. وباعتبارهما مستمرتان، ومتطورتان دائماً، فهما بحاجة إلى خطط وبرامج مرحلية متدرجة، تنطلق من استراتيجية مستقرة، تنبثق في المجتمع عن التخطيط العام المستقبلي " الاستراتيجي " بعيد المدى..
ثالثاً ـ أساليب التنمية البشرية
1 – كما سبق وذكرت، تتلخص العناية بالإنسان في التنمية الإدارية، في 4 زوايا..
أ – مادياً.. بالرواتب والأجور ودخلٍ يُؤمن له مع أسرته ومن يعيلهم، عيشة هنيئة، تناسب في مستواها نفقات مستوى المعيشة، خلال الخدمة المسلكية أو بعدها حين التقاعد أو الإحالة للمعاش.. مع المكافآت والحوافز المفتوحة والتعويضات.. بما يجعله " شبعاناً " ومرتاحاً لينشط بحيوية في أعماله..
ب – معنوياً.. باحترام شعوره ووجوده، أينما كان موقعه في الهرم الإداري..
ت – تدريباً وتأهيلاً.. باستمرار، وفي كل مراحل عمله.. ليكون " فهماناً "، ينفذ واجباته بكفاءة..
ث – سلوكياً وانضباطاً.. يتقيد بتحقيق المطلوب بشكل دقيق ولا يهمل..
2 ) تطبيق مبدأ وضع الشخص المناسب في مكانه.. بتوفير الظروف الموضوعية لتحقيقه.. وأهمها:
أ – تنظيم " سجل مسلكي " إحصائي للعاملين في الدولة أو المنظمة الكبرى.. للعاملين، يتضمن أحوالهم: العمرية، والاجتماعية، والعلمية، والتدريبية، واللغوية، ووظائفهم السابقة…
ب – توصيف كل الوظائف والمهام، ووضع الشروط الواجب توفّرها فيمن يُرشح لإشغالها..
ت – التدريب والتأهيل لجميع العاملين في كل المستويات.. بشكل مستمر ومخطط وبرامج متدرجة..
3 ) إيجاد الأدوات الإدارية المتطورة، ولا سيما أدوات الاتصالات والمعلوماتية، التي تشهد، ثورة متصاعدة فلكياً بتقنياتها وبرامجها.. لأن الرقم الدقيق والمعلومة الطازجة وسرعة تداولها وتبادلها، من شأنها المساعدة على حسن التصرف وتحديد الاستراتيجيات والسياسات ورسم الخطط واتخاذ القرارات الداخلية، وفي العلاقات الخارجية والتعاملات المختلفة مع الدول والمنظمات الأجنبية.. والعكس صحيح.. باعتبار أن طبيعة الإدارة نفسها تتمثل في: العلم + الفن + المعلومة.. مما يوجب:
أ – سرعة استقدام الحديث المتطور من الأدوات الإدارية وتوسيع نطاق استعمالها..
ب - محو الأمية المعلوماتية، بتدريب جميع العاملين في كل المستويات على الاستفادة من الأدوات والبرامج.. بداية من المستويات العليا..
ت - ترافق محو الأمية المعلوماتية، بإجراءات محو الأمية الإدارية.. وأن تبدأ دوراتها التدريبية في أقرب وقت.. على الوظائف العامة: كالتنظيم، والتخطيط، والتوجيه، والإحصاء، والمتابعة.. وعلى مهام الإدارة التقليدية.. بدايةً أيضاً من المستويات العليا..
رابعاً ـ صفوة القول
1 – أخلص مما تقدم إلى أن التنمية الإدارية، باتجاهها نحو العناية بالإنسان أولاً، وبالمرتكزات الأساسية للإدارة، ثمّ تتجاوزها إلى وضع الشخص المناسب في مكانه، ومحو الأمية المعلوماتية والإدارية، والتدريب على رفع مستوى أداء الوظائف العامة والهامة للإدارة.. هي أوسع من التنمية البشرية وتشملها..
2 - مما يعني: أن التنمية الإدارية تشكل الواجب رقم " 1 " الذي يجب مواجهته بحزم، والسير على طريقها بجدية، وإيجاد قاعدة وطيدة لها في أقرب وقت..
3 - فأتمنّى على كل حكومة أو المسؤولين في جميع مجتمعات الوطن العربي والإسلامي:
أ - أن يجعلوا في باكورة أعمالهم واجب تحقيق التنمية الإدارية، التي تشمل في جملة مضمونها التنمية البشرية..
ب - وأن يوجدوا لها بسرعة " الأداة " أو الوزارة التي تختص بها بشكل مستمر دائم، إن لم تكن موجودة.. فالتنمية الإدارية بما فيها التنمية البشرية، مستمرة ودائمة، ولا يصحّ أن تتوقف..
4 - لعلنا بذلك نستطيع أن نخفف، في أقرب وقت، من الفجوة التي تفصلنا ركب المدنية وأن نلحق بركب قطار المعاصرة الحديثة..
* * *
بسم الله الرحمن الرحيم
أولاً ـ تمهيد
تعتبر اللغة، بالإشارات أو بالحركات أو بالكلام، باختصار شديد، وسيلة التواصل والتفاهم والتعايش وتنظيم العلاقات المختلفة، بين الأفراد والجماعات والمنظمات والشعوب والأمم والدول..
وقد تشعبت اللغات الكلامية في العالم، مع الزمن، إلى لغات متباعدة كثيراً، متفرّدة في أحرفها ونطقها وكتابتها وقواعدها وتركيب جملها.. مما جعل التواصل صعباً، إن لم أقل مستحيلاً.. فأوجد الإنسان لذلك حلاً مقبولاً، بالترجمة بين اللغات..
واللهجات " اللغات " العربية المحكية أو العامية، المتنوعة والمختلفة من قطر إلى قطر أو منطقة إلى منطقة، تشابه الاختلاف بين اللغات الأجنبية إلى حد ما.. فالتفاهم أصبح صعباً بين جماعات الشعب العربي، الموزعة على أقطاره ومناطقه.. وقد جرّبت ذلك حين زرت الجزائر، فلم أستطع التفاهم مع الأشقاء الجزائريين بشكل عام وفي السوق خاصةً.. كما أذكر أن معلمين مصريين نُدبوا للتدريس في الثانويات السورية في أربعينات القرن العشرين، وكانوا لا يفهمون لهجتنا المحكية، وكنا نضطر لمحاورتهم إلى الكلام بالفصحى، وكنا نفهمهم بسبب طغيان السينما المصرية في الوطن العربي.. وإذا دققنا الواقع الحالي، نجد الأمثلة على الاختلاف كثيرة..
إذن، هناك مشكلة كبرى.. فما الحل؟. الإجابة: بالعودة إلى لغتنا العربية الجميلة الفصحى..
علماً بأن هذه المشكلة، لا توجد بحسب معرفتي، لدى الأطفال في: اللغة التركية، والروسية، والإنكليزية.. حيث لا يُعانون، من مشكلة الانفصام بين اللغة الفصحى واللهجة المحكية عند دخولهم المدرسة؛ لأنهم قبلها يسمعون لغتهم الفصحى ويتكلمونها، كما يفعل الوالدان والأخوة الكبار، بشكل سليم، ويتعلمون القواعد وتصريف الأفعال وتركيب الجمل،كما الكبار، وكما يجيدها كل شخص، أستاذ مدرسة أو جامعة، أو حلاق، أو سائق سيارة.. ويتأكد لديهم في مرحلة الدراسة ما كانوا تعلموه، دون الانبهار أو الشعور بأنهم يواجهون لغة جديدة عليهم، كما يصادف أطفالنا وأولادنا..
ثانياً ـ أهمية اللغة العربية وصفاتها ودورها
1 ) اللغة العربية الفصحى، هويتنا الذاتية والوطنية والقومية.. وهي أمانة في أعناق كل الأجيال، وعلينا صيانتها والمحافظة عليها.. ويدلنا اسمها، اللغة العربية، أنها تخص كل العرب، مسلمين ومسيحيين وغيرهم.. فهي ليست لأي فريق، أو مختلفة بحسب سكناهم، كما يُشير الوضع الحالي، حيث تتعدد اللهجات العامية المحكية.. مما يوجب أن تكون اللغة المشتركة بينهم واحدة ومفهومة لجميعهم..
2 ) واللغة العربية الفصحى، هي لغة القرآن الكريم ) إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلّكم تعقلون. ( سورة الزُخرف 43/3، والحديث النبوي الشريف، والاجتهاد، والشعر، " ديوان العرب"، والأدب العربي الجاهلي والإسلامي والمعاصر، والعلوم العديدة المتنوعة، والتاريخ البشري، وغيرها..
3 ) فنسيان اللغة العربية الفصحى أو إضعافها، أو إبدالها بلهجات محكية كثيرة، * يعني التخلي عن تاريخنا وتراثنا وانفصام الماضي والحاضر.. * ويعني الابتعاد والانفصام بين الناطقين باللغة العربية، وتفرقهم وانفصالهم، بدل اجتماعهم، أي فقدان أساس استمرارنا وتواصلنا وهويتنا ووحدتنا.. * ويعني إضعاف الأمة العربية والإسلامية وكل من يجيد هذه اللغة، وإضعاف علاقاتها وتأثيرها في المدنية والحضارة.. في حين أنها أساس لوحدة الأمة العربية..
4 ) وبتدقيق مجالات التنمية وميادينها، نجد أن الأصل فيها هو اللغة، وأنها الوعاء الذي يحتويها، والحامل الذي يستوعب جميعها.. ونحن نوطد بالتنمية اللغوية، أساساً راسخاً ومستقبلياً للتنمية الشاملة في كل المجالات..
ثالثاً ـ منطلقات للعودة إلى الفصحى
1 – معرفة خواص مرحلة الطفولة والصغر، والاستفادة منها لتعليم أطفالنا الفصحى، وهي:
أ - " الدباغة "، فالعلم في الصغر كالنقش على الحجر.. فما يتعلمه الطفل فيها يختزنه في ذاكرته طيلة عمره، ويستعيده بسهولة.. بخلاف المراحل التالية، فهو مضطر عندها " للتكلّف " وبذل جهد للاستذكار.. حتى أن المتعلم يتحدث بالعامية المحكية التي تعودها في طفولته، ويتكلف الحديث بالفصحى في اللقاءات الإذاعية والتلفزيونية!، ولكنه يعود للعامية دون شعور حين يضطر للاستعجال في كلامه!.
ومن تجربتي الشخصية، فقد تعلمت في مرحلة الدراسة الابتدائية الأبجدية العربية، كما تعلمت في هذه المرحلة أيضاً الأبجدية الفرنسية، a b c ، لأنها أُعطيت لنا بسبب الانتداب أو الاحتلال الفرنسي لسورية في القرن العشرين، فكانت اللغة الفرنسية تُدرس في المرحلة الابتدائية، فثَبتت في الذاكرة كما النقش على الحجر، أكررها حتى الآن " في الثمانين من عمري " بسرعة فائقة " كالببغاء، أو كالماء "، كما أفعل بالنسبة للأبجدية العربية.. وتعلمت في مراحل أخرى لغاتٍ أخرى، ودرست طبعاً أبجدياتها، ولكني لم أستطع تخزينها في الذاكرة، بل إني أستعمل الأبجدية الفرنسية، حين أُفتش عن معاني الكلمات في قواميس اللغات الأخرى التي تعلمتها في مراحل متقدمة من السن، كالإنكليزية التي تعلمتها خلال الدراسة الإعدادية، والتركية التي تعلمتها بعد الدراسة الثانوية، والروسية التي تعلمتها بعد تجاوزي الـ 30.. بل إني لا أستطيع تذكر أبجدياتها..
ب – السمع هو الوسيلة الأولى عند الطفل لاكتساب المعرفة، وقبل تعلّم القراءة، مما يوجب الاهتمام بسلامة " اللغة " التي يسمع أحرفها وأبسط كلماتها وجملها: * في المنزل الذي وُلد فيه، من أمه وأبيه وأخوته وأخواته، ومن الأقارب والجيران، والحارة.. * ومن معلمة الحضانة والروضة، ومعلّم الابتدائية.. * ومن المذياع والتلفزيون والمحطات الفضائية..
ت - ويختزن الطفـل ما يسمعه من كلمات وجمل ومصطلحات.. بالفضول والسليقة، أي دون عناء وجهد.. ولنتذكر أن أجدادنا العرب كانوا يرسلون أطفالهم إلى الصحراء، ليتعلموا الفصحى ويتعودوها..
ث - كما يتقن الطفل الفصحى بالسليقة، " مجاناً " دون جهد.. ويمكنه عندئذ استعمالها في الدراسة الابتدائية، لاكتساب العلوم، بدلاً من البدء بتعلمها بجهد فكري جديد وكلفة جديدة، لأنها جديدة عليه، كما هو حال أطفالنا وصغارنا الآن!. فهل نستمر بهذا الوضع الشاذ؟. حيث يسود الانفصام الكامل بين اللغة العامية المحكية التي سق أن تعلمها وبين الفصحى التي يعلموه إياها في المدرسة..
ج - وتتكيف الحبال الصوتية عند الطفل، وفق ما تلتقطه أذناه.. فمثلاً حرف "ع " نلفظه ونتعوّد عليه سليماً في هذه المرحلة، ويستمر معنا.. بخلاف الأجانب كبار السن، إذ يصعب عليهم لفظ حرف " ع "، لأنه يخرج من أعماق الحنجرة، وهذا ما لم يتعودوه في طفولتهم!.. ويشبهه في ذلك حرف " ح " .. وقد جربت ذلك في بلدان أجنبية، ولم يستطيعوا نطق حرف " ع "..
خ - ويتميز الطفل بخاصية القدرة على تعلم أكثر من لغة، أو لغتين في وقت واحد.. وأثبت هذا د. عبد الله دنان، في تجربة أجراها على ابنه وابنته منذ صغرهما، إذ كان يتحدث هو معهما بالفصحى.. وقد شبّـا، وكل منهما يجيد العربية بالفصحى أو العامية المحكية، حسب المتكلم معهما.. ثم عممها في روضة الأزهار، في بلدة حرستا- ريف دمشق.. وعرضها منذ 1997 في معارض الباسل للإبداع والاختراعات التي تجريها وزارة التموين والتجارة الداخلية.. وكان الأطفال الصغار محطّ إعجاب وتقدير كبيريْن لدى الزوار، إذ كانوا يكلمون من يخاطبهم بلغة عربية فصيحة، ويحركون أواخر الكلمات "بالفتحة والضمة والكسرة والسكون " بسهولة..
د – وهكذا، فإن ما نعلمه أطفالنا ذو أثر عميق على مستقبلهم، وعلى مستقبل المجتمع والأمة.. وهو سلاح ذو حدين إيجابي أو سلبي، وعلينا اختيار الإيجابي منها.. مما يوجب عدم تفويت هذه الفرصة، التي تتيحها مرحلة الطفولة، لأنها لا تعوّض، فالزمن إذا مضى لا يعود..
2 – معرفة دور " السلطة الرابعة "، والاستفادة من إمكاناتها الكبيرة لتعزيز اللغة الفصحى..
أ - لأن " صاحبة الجلالة " السلطة الرابعة، أو وسائل الإعلام المتنوعة، * دخلت، مع الثورة التقنية في أدوات الاتصالات والمعلوماتية، البيوت واقتحمت على ساكنيها الصالات والغرف والمخادع.. * وألغت الحدود بين الدول والمنظمات والأفراد.. * واختصرت المسافات بين الشعوب والمنظمات والأشخاص.. * واستباحت حرمة تناقل المعلومات وسريتها.. * وأصبحت " السلطة الأولى " في المجتمعات والعالم، وسبقت بتأثيرها السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.. ولا أُبالغ إذا قلت: إنها فرضت سيطرتها بشكل كبير على صانعي القرارات.. * علاوةً على توفير الزمن في كل ذلك إلى درجة مذهلة..
ب - ودور الإعلاميين " ذكوراً وإناثاً ".. وبخاصة المذيعون والمراسلون والمعلقون السياسيون والثقافيون والرياضيون والاقتصاديون والاجتماعيون وغيرهم.. يتلخص في أنهم أشخاص " عامون " يحلون ضيوفاً في كل بيت، وكل وقت " ليلاً نهاراً فقط ".. فلغتنا العربية أمانة في أعناقهم، باعتبار أن ما يقولونه يصل إلى أسماع الجميع.. فمن حقنا عليهم أن نناشدهم القيام بدور إيجابي في التنمية اللغوية، وبخاصة عند الأطفال والصغار، الذين ينجذبون إليهم ويحاولون تقليدهم ومحاكاتهم.. وعليهم صيانة الأمانة..
ت - فهم مطالبون بالتكلّم بالفصحى، وتحريك أواخر الكلمات في الجمل، وعدم " تسكينها "، إلاّ عند التوقف، كما يقف العرب عادةً.. وذلك في كل كلامهم: في نشرة الأخبار، وتقديم البرامج والأشخاص، والتعليق، والمقابلات واللقاءات والحوارات، في النشرة الجوية والبرنامج الرياضي، وإعداد الطعام..
ث - وأتمنى أن يعمد المسؤولون في التلفزيون والإذاعة، والمعنيون عن إعداد برامج الأطفال وتقديمها، إلى اختيار الحكايات والقصص التي يكون الكلام فيها باللغة الفصحى، أو أن يترجموها إلى الفصحى..
ج - وأرجو أن يتكلموا مع المشاركين في حواراتهم بالفصحى، فالأطفال مستعدون لفهمها وتلقيها وجاهزون "كالإسفنجة " لامتصاص كل ما يسمعون وتقليده وإعادته عند الاقتضاء.. وأتمنى على كتاب المسلسلات، والحكاية والأغنية، الاهتمام باللغة.. وعلى رؤساء تحرير مجلات الأطفال ومحرريها ورساميها، أن يعمدوا إلى الفصحى في رسوماتهم ونكاتهم وتوجهاتهم إلى أطفالنا.. وأُذكّر بالمسلسل المشهور " افتح يا سمسم " الذي لاقى قبولاً حسناً من أطفالنا، وكان مفهوماً ومقبولاً من أطفال الوطن العربي في كل أقطاره..
ح – وأقترح عقد دورات لغوية إلزامية، مستمرة، للعاملين في جميع وسائل الإعلام بغية تحسين الأداء في النطق والكلام الصحيح، والكتابة وعرض الأفكار والآراء والحوار بدون أخطاء..
خ – كما أقترح تعيين لغويين " يشكّلون " الكلمات المذاعة، ويساعدون المذيعين والمذيعات في " تحريك " ما يقدموه.. وأعتقد أن هذا التعيين قد يُرتب نفقات تكاد لا تذكر بالمقارنة مع النفقات الأخرى..
د - وأن تتعاون مؤسسات الإعلان، مع الجهات الإذاعية والفضائية، لتكون الدعايات والإعلانات بلغة عربية سليمة، أقرب ما تكون للفصحى.. وليس بلغة أجنبية أو عامية أو " ركيكة "..
ذ - وببدء التطبيق الحازم المبرمج في أي قطر عربي، تقدم " السلطة الرابعة " مثالاً عملياً جيداً للإعلاميين العرب كلهم، تجعلهم يلتزمون باللغة الفصحى.. كما تفخر سورية بأن كلية الطب في دمشق، التزمت بتدريس منهاجها ومقرراته بالفصحى، وأن خريجيها جيدون، ومنتشرون بنجاح في كثير من بلاد العالم..
رابعاً ـ أساليب تصويب موقفنا
1 ) إجراء دورات تدريبية لجميع مربيات الأطفال والمعلمين، في المدارس العامة والخاصة..
2 ) وإجراء دورات تدريبية للعاملين في الوزارات لتمكينهم من استخدام الحاسوب وتوظيف ذلك في المجالات اللغوية.. وتخصيص المدققين اللغويين في الوزارات والمحافظات والهيئات التعليمية والتربية والسياسية وغيرها..
3 ) جعل النجاح في مادة اللغة العربية أساساً، في امتحانات المتسابقين للانتساب إلى الوظائف الحكومية وأجهزتها، وخاصة للوظائف العليا والمتوسطة..
4 ) إعادة النظر في محتويات المناهج التربوية، المدرسية والتعليمية.. وضبط الكتب المدرسية والتعليمية بالشكل..
5 ) تطوير مقررات اللغة العربية لغير المختصين في الجامعات والمعاهد..
6 ) توحيد المصطلحات، وجعلها بلغة فصحى سهلة..
7 ) ومن أبرز ما نستطيع القيام به، للعناية بلغتنا الأم، تنظيف شوارعنا ومحلاتنا من اللوحات والملصقات واليافطات والإعلانات، التي تشمل كلمات وجمل بلغات أجنبية، بعضها ركيك، وبعضها يخدش الذوق السليم.. وطباعة المنشورات والإعلانات واللافتات والملصقات الجدارية باللغة العربية الفصحى..
خامساً ـ الجهات المعنية بالتنمية اللغوية
أ – التنمية اللغوية مسؤولية فردية وجماعية ووطنية وقومية.. يشارك فيها الأفراد والمدارس والمعاهد والجامعات والجهات والتجمّعات التي يمرّ بها المرء في مراحل حياته، وتؤثر فيه من البداية حتى النهاية: المنزل والأهل والأقارب، الحارة، الحضانة، المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية، المعاهد، كليات الجامعات وما بعدها، المذياع والتلفزيون والفضائيات والصحف والمجلات والمنشورات والكتب والندوات والأجهزة الحكومية وشبه الحكومية والشعبية والنقابية وغيرها..
ب - والتنمية اللغوية مسألة متشعبة، ولها مختصوها.. وتترتب المسؤولية عنها على جهات كثيرة، وهي أوسع من حصرها.. ولكني ألفت النظر إلى:
* - وزارة التربية والاتحاد العام النسائي، بالنسبة لرياض الأطفال ودور الحضانة.. وأتمنى على كليهما تبني تجربة د. عبد الله دنان، أو غيرها.. ونشرها وتطبيقها بسرعة..
* - وزارة التربية، في البرامج التربوية التعليمية، ومناهجها في المراحل الابتدائية والإعدادية، والثانوية..
* - الأسرة ورياض الأطفال والمدارس.. وقد تحدثت عنها فيما سبق، معرفة خواص مرحلة الطفولة..
* - الإعلاميون " ذكوراً وإناثاً " في وسائلهم المتنوعة.. وقد تحدثت عن ذلك أيضاً فيما سبق..
* - وزارات التعليم العالي، في الوطن العربي.. في كليات الجامعات والمعاهد وغيرها..كما هو الحال بكلية الطب في جامعة دمشق.. وتأهيل الأساتذة والمدرسين والمراجع اللازمة لذلك..
* - مجمعات اللغة العربية في الأقطار العربية، بتعاونها وبتفعيلها وإحياء دورها في تعزيز قدرة اللغة العربية على مواكبة التطورات العلمية الحديثة.. وتعريب المصطلحات الأجنبية، في كل المجالات القديمة منها والجديدة.. لكي لا تُتهم لغتنا بأنها مقصرة في المواكبة، مما يجعل استعمال المصطلح الأجنبي مشروعاً..
* المساهمة بالعمل إيجاباً في الموضوع.. بعد القناعة بأهميته، وأنه واجب على الأفراد وكل الجهات التي يمرّ بها المرء في مراحل حياته.. الأهل، رجال الدين والوعاظ والدعاة، الإعلاميون، المعلمون والأساتذة، المربون والمربيات في رياض الأطفال، الوزارات والجهات العامة، والمنظمات الشعبية، وكذلك المذياع والتلفزيون وكل وسائل التعليم والنشر.. في كل الوطن العربي..
* - ولا يكفي أن يكون المترجمون من اللغات الأجنبية مجيدين لها، بل عليهم إتقان لغتهم هُم قبلها، لتكون ترجماتهم مصاغةً بأسلوب مقبول من قرائهم العرب.. وإلاّ، فقد يستغنون عن ترجماتهم أو يملّونها، وقد يعاني الطلاب صعوبات في فهم ما ترجموه!. وإذا جاز الاعتزاز بمعرفة اللغات، فيجب الاعتزاز أولاً بإتقان اللغة الأم.. ثم بمعرفة لغة أجنبية، أو أكثر..
* . . . . . . .
سادساً ـ تطبيقات تدعو للتفاؤل
أذكر قبل أن أُنهي حديثي، بعض التطبيقات الجارية، عندنا أو عند غيرنا، فهي تدعو إلى التفاؤل، وعلينا أن نسعى للتوسع بها..
أ ـ استعمال اللغة العربية الفصحى في هيئة الأمم المتحدة ومنظماتها المتعددة ومجالسها..
ب ـ استعمال الفصحى في جامعة الدول العربية ومنظماتها ومجالسها ومكاتبها وبياناتها..
ت ـ استعمال الفصحى في نشرات الأخبار والبيانات، في الإذاعات والقنوات الفضائية، المحلية والعربية..
ث ـ وتستعمل الفصحى في معظم الكتب والمجلات والصحف والمحاضرات..
ج ـ وبرغم أن مصادر البرامج الحاسوبية " الكومبيوتر " شركات أجنبيةً، فقد استعملت الحواسيب اللغة العربية الفصحى.. ولنتصور، لو أنها استعملت العامية المختلفة، لشاهدنا خليطاً " شوربة " غير مفهوم لجميع العرب..
ح ـ أغان رائعة بالفصحى: نهج البُردة، رباعيات الخيام، الأطلال لأم كلثوم.. الكرنك، الجندول، كليوباترا لمحمد عبد الوهاب.. يا زهرة في خيالي لفريد الأطرش.. رسالة من تحت الماء، قارئة الفنجان، لعبد الحليم حافظ.. أعطني الناي وغني، لفيروز.. إذا الشعب يوماً أراد الحياة.. لسعاد محمد.. وغيرها كثير.. وأعتقد أنها استقرت ومكثت في الأرض، وخلّدت المغنين والشعراء والملحنين، وفهمها وتقبلها كل عربي، ولم تذهب جُفاء.. ونحن من مصلحتنا أن نقوم بما ينفع ويمكث في الأرض..
خ ـ . . . . . .
سابعاً ـ صفوة القول
أ – آمل أن يلقى ما عرضته صدى إيجابياً عند المعنيين وصناع القرار والإعلاميين والمعلمين والمدرسين والدعاة والوعّاظ والآباء والأمّهات، وعند كل الجهات التي ذكرتها وغيرها، الاستمرار بجهودها.. وعند جميع الغيورين على لغتهم وتراثهم وتاريخهم… فنتدارك ما فاتنا.. فنحن نملك لغة جميلة، وهي أساس ممتاز للتواصل بين العرب، ولاتحادهم ووحدتهم.. كما أنها أساس جيد للتفاهم والتواصل بين المسلمين في بقاع العالم كافة..
ب - لعلنا بذلك، نضيّق الانفصام بين الفصحى والمحكية وإلغائه، ونحقق التواصل بين الأشقاء العرب برغم اختلاف أقطارهم.. وتكون الوسيلة الرئيسة في وحدتنا الفكرية والثقافية الإعلامية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، التي تضمن قوتنا لمواجهة ظروف العولمة والتعامل مع التكتلات والمنظمات الدولية..
ت - على أن الطريق طويلة، ولكنها ليست مستحيلة مستعصية على الحل، ولن يتحقق التصويب اللغوي في وقت قريب.. مما يفرض التخطيط والبرمجة وتأمين المستلزمات والمتابعة الحازمة، مع التحلي بالدأب كالسلحفاة وبالسرعة كالأرنب، والاستمرار بجدية وعدم الانقطاع..
ث - وإن مواجهة المشكلة يعتبر نصف الحل، والنصف الثاني يمكن حلّه بالإرادة الحاسمة والنفس الطويل.. خاصة، وأن حلب كانت عاصمة الثقافة الإسلامية، عام 2007 ودمشق عاصمة الثقافة العربية عام 2008، وها هي القدس عاصمة للثقافة العربية في هذا العام 2009، وهذا تكريم كبير لها يجعلها محطّ أنظار العالم بمثقفيه وعربه ومسلميه ومسيحييه، ويوجب مقابلته بالعرفان وبإجراءات مستمرة تكافئه..
ج - وإن إعادة الألق للغتنا العربية الجميلة، لا يعني إهمال تعلم اللغات الأجنبية.. فهذا لم أقصده، ولا أعتقده، بل أعتقد بأهمية معرفتها لنسير مع المدنية والعصر..
ح - على أن التشدّق وحشو الكلام في المحاضرات والخطابات بمصطلحات أجنبية، لا يدلّ على سعة المعرفة عند صاحبها، وإنما هو زَبَدٌ ورغوةٌ زائلة ولو رافقها انبهار كاذب، ولا نتيجة له عند المتلقين..
* * *
قريباً من الإدارة، تعلّم اللغات الأجنبية..
أ ـ تمهيد
ينص الحديث النبوي الشريف [ من تعلّم لغة قومٍ أمِن شرّهم.].. والمثل يقول:كل لسان بإنسان.. وهذا ما أعتقده وأدعو له، إذ لاشك في أهمية تعلّم لغة أو لغات أجنبية في كل الظروف والمراحل، ولا أود أن أستطرد في الحديث عن ذلك، إلاّ أني أُشير إلى ازدياد أهمية ذلك في المرحلة الراهنة، لتساعدنا في سد الفجوة التي تفصلنا عن العالم المتمدْين..
وأعتقد أن ما أوردته، قريب من الإدارة.. فاللغات حامل أساس لكل تواصل بين البشر، ولكل العلوم والاختصاصات، بما فيها الإدارة.. وهي حامل أيضاً، لكل مجالات التنمية، فنحن نوطد بتعزيزها، أساساً راسخاً مستقبلياً للتنمية الشاملة..
ثانياً ـ منطلقات في تعلّم لغة أجنبية
إن لكل شخص إمكاناته وأسلوبه في التعلّم.. وإن لكل لغة خصوصياتها.. وإن لدى الجهات المعنية مختصيها وممارسيها ذوي معرفة فيما يجب طرحه وأساليبه وأدواته، وهم أدرى بما يمكن أو يجب أن يقوموا به، فأصحاب مكّة أدرى بشعابها.. ولكني أقدم ما عندي من منطلقات تجمعت لدي من تجربتي في الحياة ومن تعلّم عدد من اللغات الأجنبية..
1 ) التعلم في الصغر أو في سن مبكرة، هو المفضل.. ولكن الفرصة تظلُّ متاحة لكل راغب ذي إرادة، وأن القطار لم يُخلف أي أحد..
2 ) الاعتماد على * - السمع، السمع المستمر.. * - البصر، والمشاهدة.. * - الحديث والحوار والجرأة في التكلم مع الأجانب.. * - والاستفادة من التقنيات العصرية المتطورة الجديدة من قبل المختصين أو المتعلمين..
3 ) التركيز منذ البداية، على فهم قواعد اللغة الأجنبية بدقة وتصريف أفعالها والضمائر والظروف المكانية والزمانية وأسماء الوصل وأحرف العطف والجر، وتركيب الجمل… وإرجاء حفظ الكثير من الكلمات وزيادة حصيلتها للزمن.. وبهذا لا يتعثر المتعلم مستقبلاً من الاستفادة مما تعلمه، في فهم الجمل وتراكيبها، أو تأليف جملة، إذ أن كثيراً من المتعلمين الذين ركزوا على حفظ الكلمات، كانوا يخطئون في فهم الجمل وتراكيبها، أو تأليف جملة باللغة الأجنبية..
4 ) والتركيز في تركيب الجمل عامةً، على وجود جملة رئيسة في كل منها، ترتبط بها الجمل الفرعية.. وذلك بما يشابه القطار، حيث يوجد قاطرة رئيسة، كما توجد مقطورات متعددة تعتمد على القاطرة الرئيسة في حركتها، مما يُسهل على القارئ، فهمَ أي جملة مهما طالت..
وب 3 و 4 يصل المتعلم إلى درجة يستطيع بها أن يأخذ المعلومات ويترجم، وكأنه ينقل عن نص عربي..
5 ) اعتبار التمكّن من اللغة الأجنبية، للحصول على شهادة أو معلومات في اختصاص ما، أو لدى الإيفاد ببعثة دراسية أو تدريبية، هو الهدفَ الأول له.. لكي يتفرغ بعده لما ينشده من علم متسلحاً بلغة متقنة، فلا يصرف أي تفكير بها، فيفهمها تماماً كما يفعل حين يقرأ أو يسمع موضوعاً بلغته العربية الأم..
6 ) التركيز منذ البداية، على " تقليد " لفظ أبناء اللغة الأصليين و" لكنتهم أو لهجتهم "، بدقة ودون حياء أو خجل أو تحريف، مما يؤدي إلى لهجة محادثة جيدة مع أصحاب اللغة.. فلا يصح أن نُلطّف أحرفاً أو كلمات مفخّمة لدى أصحابها، كما يفعل الكثيرون، فإن مثل هذا الأسلوب يكشف الأجنبي بسرعة..
7 ) وأشير إلى الاستفادة من مزايا تمنحنا إياها لغتنا العربية الجميلة، التي تعلمناها وتكلمناها ونطقنا أحرفها منذ الولادة ونعومة أظفارنا، ولدى تشكّل الحبال الصوتية في حناجرنا، قبل أن تقسو بمرور السنوات.. فمثلاً:
× لدينا في لغتنا العربية، الأحرف الصوتية: الطويلة أو الممدودة؛ والحركات القصيرة كالفتحة والضمة والكسرة.. مما يساعدنا عامةً على لفظ جميع الحروف في اللغات الأخرى.. بخلاف بعض اللغات الأجنبية.. كالفرنسية، التي تقتصر في حروفها على الأحرف الصوتية الممدودة.. فيصعب على الفرنسي لفظ كلمات لغتنا العربية التي تضم حركات قصيرة، بنطق سليم..
× ومصادر الحروف ومخارجها في لغتنا العربية، تحتل مسافة، بين أعماق الحنجرة واللسان والشفتين.. فهناك حروف تخرج من شفتي الفم، كحرف م.. وتتدرج في الفم وأجزائه حتى أعمق نقطة في الحنجرة.. كأحرف ع ، خ ، ح .. مما يساعدنا أيضاً على القدرة على نطق معظم، إن لم نقل جميع حروف اللغات الأخرى.. وهذا غير متاح للأجانب بالنسبة للعربية.. فلغاتهم عموماً محدودة المخارج.. وأعتقد أنه لا يمكن لأي أجنبي بالغ، أن ينطق حرف " ع " مهما حاول..
8 ) وكذلك التمكن من اللهجة " الَّلكنة " المحكية السائدة، في الدولة أو المجتمع، الذي يريد أن يعيش فيه، أو ينقل أو يترجم عنها للعربية.. فاللغة الإنكليزية مثلاً، تختلف في لهجتها ونطقها، بين المجتمع الإنكليزي، والأمريكي، والأسترالي، وحتى المجتمع الهندي والباكستاني..
9 ) الإكثار من السؤال عما لا يعرفه المتعلم، أينما كان، وعدم الخجل أو التردد أو الرهبة من أي سؤال.. وعدم الرهبة من التكلم مع أبنائها بالقليل مما يعرفه، بحجة عدم اكتمال تعلّم لغتهم!.. فإذا تضمن ما يقوله أخطاءً لغوية، سيصحح الأجانب ما يقوله، فيستفيد منهم..
فقد تعلمت بهذا الأسلوب عام 1947 في القطار من حلب إلى استانبول، أسماء الأشياء ضمن المقصورة والمأكولات التي تناولتها أو تناولها من معي في المقصورة.. وطبقته في استانبول حين دخول مطعم أو متجر أو محل حلاّق أو ركوب باص أو ركوب تكسي... وتابعته أيضاً لدى تعلّم اللغة الروسية في الاتحاد السوفياتي 1959 – 1961 ... وفي برلين الشرقية حين ذهبت للمعالجة من مرض الظهر عام 1968 بالنسبة اللغة الألمانية..
10 ) الاعتماد على قاموس أجنبي ـ أجنبي باللغة نفسها، وليس أجنبي ـ عربي.. وبذلك يستفيد المتعلم من التعرف على معنى كلمات متعددة، خلال تقصّيه معنى كلمة ما واحدة..
11 ) أن يعمد المعلمون والمدرسون والأساتذة، في المدارس والمعاهد وكليات الجامعات، إلى الشرح باللغة التي يُدرِّسونها، وأن يُشيروا على تلاميذهم وطلابهم بتحرّي عن معاني الكلمات في قواميس أجنبية ـ أجنبية..
12 ) إذا جاز الاعتزاز بمعرفة اللغات الأجنبية، فيجب الاعتزاز أولاً بإتقان اللغة الأم.. فلا يكفي أن يكون المترجم مجيداً للغة الأجنبية.. بل عليه قبلها إتقان لغته الأم، لتكون ترجماته مصاغةً بأسلوب صحيح مقبول من قرائه العرب، وإلاّ، سيستغنون عن ترجماته أو يملّوها.. وهذا منطلق ينطبق أيضاً على المختصين والمتعلمين، لكي يفهمهم قراؤهم ومستمعوهم، ولا يعاني طلابهم من صعوبات في فهم ما نقلوه أو ترجموه!.
13 ) وحين يضطر العالم أو المترجم أو المختص، إلى استعمال مصطلح شائع، فليضعه بين قوسين، وليستعمل مقابله العربي في متن النص.. علماً بأن حشو الكلام أو الكتابة بمصطلحات أجنبية، لا يدلّ على سعة المعرفة، وإنما هو زَبَدٌ ورغوةٌ زائلة، ولو رافقها عند المُتلقين انبهار مؤقت، لا نتيجة له..
14 ) التعوّد منذ الكتابة، إلى كتابة الأحرف بشكلها الطباعي.. بحيث يكون الخط أوضح ومقروءاً بسهولة من قبل المتعلم وقبل الآخرين، كما أن أوراقه تبدو جميلة نسبياً مهما كان مسرعاً ومستعجلاً أثناء الكتابة..
وقد عمدت منذ وجودي في تركيا، مطلع خمسينات القرن العشرين، على كتابة " النوطة " وأية وثيقة بأحرف طباعية، وتعودت على ذلك مع الزمن، وأصبحت سرعتي مقبولة.. وكان الزملاء الأتراك يستعيرون أحياناً كتاباتي " نوطاتي ".. واتبعت الأسلوب نفسه في الاتحاد السوفياتي بالنسبة للغة الروسية.. وفي كتابة اللغتين الفرنسية والإنكليزية..
15 ) ويفيد المتعلم، أن يتعوّد قراءة قصص باللغة الأجنبية.. وبذلك تكون تسليته مفيدة، باستثمار جيد للزمن الذي يحيط بحياتنا كبشر..
16 ) . . . . . . . .
ثالثاً ـ صفوة القول
أشير في الختام، إلى أن تعلّم اللغات الأجنبية كضرورة أدعو إليها، شيء.. واستقدام أجانب لممارسة الإدارة عندنا، شيء آخر.. فالإدارة اختصاص محلي لا يعرف ظروفه الأجانب الغرباء.. فهنالك فارق كبير:
أ - بين الممارسة، أي الاستعانة بأجنبي ليمارس الإدارة لدينا..كوزير، أو محافظ، أو حاكم مصرف، أو رئيس هيئة تفتيش، أو مدير منطقة، ومدير عام لجهة عامة أو منظمة خاصة..
ب - وبين الاستعانة بالأجنبي لعمل تقني فني، أو لإلقاء محاضرة علمية، أو لعرض نظرياته وخبراته، أو لاستشارته في موضوعات معينه.. كتنظيم شبكة اتصالات ومعلوماتية، والعمليات الجراحية، وإلقاء المحاضرات.. فقد ينجح في مشورته لتأسيس مستشفى.. ولكنه لن ينجح في ممارسة إدارته، بما فيها من شؤون بشرية، ومالية، وفنية، وطعام، ونظافة، وغيرها من الخدمات..
* * *
بسم الله الرحمن الرحيم
المنافقون والانتهازيون
أولاً ـ تمهيد
1 ) علمتني الممارسة المسلكية حوالي 50 عاماً، وظروف الحياة عامة، ونتائج الاطلاع على سلوك الناس والمتعاملين المحليين والأجانب والعاملين وعلاقاتهم، أن تحقيق النجاح، وكسب الاحترام الفعلي الضمني لديهم، لا يكونان لمجرد الرغبة أو بالمراكز الرسمية، وإنما بالإرادة والأفعال والسلوك القويم.. وأن الوصول إلى النجاح والاحترام الفعلي، مرهون بتحقيق شرطين متكاملين.. لذا، أوردهما دون ترقيم:
* الاستقامة الأخلاقية المطلقة، في السلوك والتصرفات، والعلاقات في جميع الاتجاهات الداخلية والخارجية، وفي كل المواقف والضغوط..
* الجدّية في العمل وإتقانه، وبذل أقصى الإمكانات المتاحة للإنسان، والسعي دوماً لتطويره..
2 ) على هذا، فإن النفاق والانتهازية، يشكلان أسلوباً كثير الضرر في الحياة العامة والإدارية، لأنهما يخالفان أحد هذين الشرطين على الأقل، ويسيئان إلى الاستقامة..
وبالتالي، فإن آثارهما تُشوِّش وجه الحياة وتعرقل مسيرة الإدارة، وكل مسيرة.. والنفاق والانتهازية، صفة سلوكية مضرة، وتعتبر أحد أشكال الإفساد والفساد الذي ينخر:
* في الجسم الاجتماعي والإداري..
* وفي الإطار المحيط بالقياديين وذوي المناصب والرؤساء والمديرين، مما يدفعني للحديث عنهما والتحذير منهما..
ثانياً ـ المفهوم العام للنفاق والانتهازية
1 – لن أتكلف التعريف، لأنه يجب أن يكون جامعاً مانعاً، كما يقول الحقوقيون، جامعاً لكل معانيه، ومانعاً لأية إضافة.. وأكتفي بإيراد مفهوم لهما، يتلخص في:
أنه السعي لاستغلال الفرص لتحقيق أطماع شخصية ذاتية، مهما كانت طبيعتها وطريقة الوصول إليها، ملتوية وغير مستقيمة.. فالمهم عند المنافق والانتهازي أن تكون نتائجها لمنفعته الشخصية، ولو تناقضت مع الأخلاق والمصلحة العامة..
2 - ومن أشباه المنافق والانتهازي أو ممن يدور في فلكهما وينسج على منوالهما.. أذكر: مسّاح الجوخ.. المخادع.. المراوغ.. المرائي.. المتزلّف.. المتسلّق.. النمّام.. الدسّاس.. ومنهم من تنطبق عليه صفة أسوأ، فهم متعددو الوجوه، يتلوّنون كالحرباء بحسب ما يخدم منافعهم ومآربهم.. و" صائدو " المنافع المشبوهة، قياساً على أفلام رعاة البقر " الكابوي " التي تستعمل مصطلح " صائد الجوائز " لوصف من يسعى وراء الشخص المطلوب "WANTED "، ليلقي القبض عليه ويسلمه " للشريف "..
3 - وإكمالاً للمفهوم، أورد صفات لاأخلاقية وبعض المظاهر " البرّاقة " التي يستتر بها المنافقون والانتهازيون وأشباههم، والأقنعة التي يخفون حقيقتهم تحت غطائها: الكذب، التحايل، الرياء، التمسكن، التملّق، الدجل، الادعاء بالغيرة على المصلحة العامة.. التعظيم والإشادة والامتداح والإطراء والإطناب وتزيين تصرفات الرئيس لمجرد الممالأة.. الإفساد والفساد، استغلال الفرص، التدليس، الغش، والخداع والمراوغة.. النميمة والوشاية والوقيعة والوسوسة والدسيسة ضد الأخلاقيين والمجدين والتسلّق على حسابهم.. المواقف الزئبقية غير الواضحة، والآراء المائعة غير المحددة التي تحتمل التأويل في عدة اتجاهات، فلا يُعرف منها غرضها الحقيقي الذي يتفنن المنافق أو الانتهازي وأشباههما في إخفائه.. ولا تدري إذا كان، معك أو ضدك!.
ثالثاً ـ مكان وجودهم المنافق والانتهازي
1 – نجد المنافق والانتهازي في جميع المستويات والقطاعات والجهات..
* في أي مجتمع أو تجمّع بشري، بدءاً من الأسرة.. لأن المواقع والمناصب والوظائف والأعمال متداخلة في الحياة عامة وفي الإدارة.. إذ يندر أن ينفرد شخص ما بصفة واحدة.. كأن يكون فقط رئيساً، أو مرؤوساً، أو معاوناً.. وإنما هو يجمع أكثر من صفة في منظمته..
* فنجد في الأسرة: الأجداد، والآباء، والأولاد، والأشقاء، والأحفاد..
* وفي المجتمع والمنظمات والمؤسسات نجد: شخصاً رئيساً لفئة من المرؤوسين، ومرؤوساً لآخر، وزميلاً لآخرين..
2 - ويستفحل خطرهم، عندما يشغلون وظائف في المستويات العليا في المجتمع أو المنظمات أو الجهات العامة والخاصة والتعليمية والمشتركة والتعاونية والنقابية وغيرها..
3 - ويشارك كثير من الرؤساء وأصحاب العمل في هذه الخطيئة وفي تفاقمها.. إذ يستحسنون ويستمرئون الإطراء والمديح والأساليب الثعلبية، وينزعجون من أصحاب الرأي الصادق الصريح.. فيُقرّبون إليهم تدريجياً، أمثال أولئك، ويبعدون هؤلاء!. فيسود المناخ المائع.. ويطفو المنافقون والانتهازيون وأشباههم على السطح، ويصبغون المنظمة بلونهم " غير الثابت ".. ثم ينضم إلى " القافلة الفاسدة " عناصر جديدة من ذوي النفوس الضعيفة والشخصيات المهزوزة.. وينكمش الصالحون الصادقون ويبتعدون..
4 - كما نجد كثيراً منهم بين المتعاملين مع الجهات والمنظمات العامة والخاصة والمشتركة وغيرها.. الذين يستعملون، هم ووسطاؤهم، شتى الأساليب والوسائل، لتمرير مصالحهم الشخصية غير المشروعة، بل وحتى المشروعة..
5 – وكذلك نجدهم بين الغرباء والأجانب المتعاملين أو الزائرين، حسب مصالحهم..
رابعاً ـ أساليب المنافقين الانتهازيين وأشباههم
هي أصعب من الحصر.. وهي عموماً، طرق ووسائل، تتنافى مع السلوك المستقيم، ومجالها واسع.. ومنها:
1 - التهافت على المسؤول الجديد، وإبداء الإعجاب بتصرفاته، وتزيين أعماله وصفاته، وامتداحه باستمرار.. والتعقيب على أفعاله وأقواله بعبارات التأييد والإعجاب: نعم سيدي.. صح سيدي.. ما تفضلتم به هو الرأي الصائب!. مما يوصل الكثيرين إلى الغرور، والغرور قتّال يعمي البصر والبصيرة، ويصمّ الأُذنيْن عن سماع صدى الواقع، ويبعد المسؤول عن العمل الجماعي، ويغرقه في " الأنا "! والتفرّد..
وتنطبق على الرئيس عندها مقولة كنت سمعتها من مسلسل تلفزيوني،كان يروي قصة هجوم الطيران الياباني فجأة على ميناء " بيرل هاربور " في الحرب العالمية الثانية، حيث تكبّد الأمريكيون خسائر فادحة..: إذا أردت عزل إنساناً فهنالك أسلوبان: إما أن تسجنه في زنزانة انفرادية، أو أن تحيطه أو أن يحيط نفسه بمن يقولون له دائماً: صح سيدي، نعم سيدي!!.. وقد وجه شبيه هذه الجملة أحد الضباط لقائد الحامية، لأنه هذا القائدلم يشأ قبل الهجوم أن يسمع رأيه ونصيحته، عدة مرات، قبل الهجوم..
2 - محاصرة المسؤولين وعزلهم عن محيطهم العام، والانفراد بهم.. لكي لا يعرفوا الأمور على حقيقتها، ولإبعادهم عن جماهير العاملين والمرؤوسين.. ومع الزمن، ومع تقرب هؤلاء منه.. تزداد عزلته ووحدته، ويتفاقم غروره، فتتسارع خطواته نحو الإخفاق!.
3 - تزيين طرق الفساد والانحراف لرؤسائهم وأصحاب العمل وتيسيرها، وإغراؤهم بتجهيز المكاتب بالأثاث الفاخر وتبديله، ونثر " قشر الموز " لكي يتزحلقوا بها.. لجرّهم نحو أول خطوة بسيطة، وتوريطهم بها.. ومن ثم تذكيرهم " تهديدهم " بها، بالإشارة إليها، وبالتالي، إغراقهم و" توحيلهم " في ارتكاب الأخطاء والانحرافات الأكبر مستقبلاً!. بالقياس على الخطوة الأولى!.
4 - السعي للوقيعة بين المسؤولين وبين الأخلاقيين والمجدين.. بالدس والنميمة والوشاية والتجريح.. وانتقاد أعمالهم " ومن لا يعمل لا يخطئ ".. وتصيّد أخطائهم وتضخيمها والتشهير بها، للتسلّق على أكتافهم!.
5 - إخفاء الحقائق.. فهم ضد الصراحة والعلنية والشفافية، التي تكشف غاياتهم الرخيصة وأساليبهم الملتوية المبطنة.. فهم أساساً صيادون في الماء العكرة.. ولا يطبقون القول المأثور: صديقك من صدَقَك، لا من صدّقَك..
6 - تبديل المواقف والأقنعة والأساليب، وتغيير اتجاه الولاء " التظاهري المنافق ".. نحو شخص الرئيس أو صاحب العمل الجديد.. للاستمرار في منافعهم المادية والتسلطية.. لأن المنافق والانتهازي لا يستمر على ولائه وإخلاصه الظاهري، إلا بمقدار استمرار انتفاعه، وسرعان ما يبدل ولاءه ويوجه اهتمامه إلى الشخص أو السلطة الجديدة التي تضمن له هذا الانتفاع أو تزيد فيه..
7 - ومن المدهش، أنه في كثير من الحالات يأخذ المنافق والانتهازي موقفاً متناقضاً يدعو للسخرية، يتمثل في التزلف لمن هو أعلى منه.. والتعجرف والادعاء بالمثالية باتجاه من هو أدنى منه!.
8 - وبرغم أن مثل هذه الأساليب مكشوفة ورائحتها تزكم الأنوف، فالمنافق والانتهازي لا يأبه كثيراً لذلك، ولا يهتم بالرأي العام في المجتمع أو المنظمة.. ما دام قد حصل على رضى رئيسه الحالي، واستفاد من وجوده!.
9 - . . . . . . .
خامساً ـ صفوة القول
1 ) في ضوء ما تقدم، أعتقد أن القارئ العزيز يستطيع:
* أن يدرك مدلول الحديثين النبويين الشريفين [ إن أخوف ما أخاف على أمتي، المنافقُ عليمُ اللسان. ]، و [ إذا أراد الله بالأمير خيراً, يسّرَ له بطانة " وزير " صدْق، إذا نسي ذكّرته، وإذا ذكر أعانته.. وإذا أراد به غير ذلك، يسّر له بطانة " وزير " سوء، إذا نسي لم تُذكِّره، وإذا ذكر لم تُعِنه.]..
* وأن يفهم قول الشاعر: يعطيك من طرف اللسان حلاوة - ويروغ منك كما يروغ الثعلب..
2 ) مما يوجب على كل رئيس أو صاحب عمل، ومسؤول، وإداري..
* أن يتحرى الصادقين الصريحين الجريئين بين أعوانه ومرؤوسيه وأن يجعلهم في بطانته..
* وأن لا يمنح المنافقين والانتهازيين ومن شابههم، الثقة.. وأن يهمِّشهم ويُساءلهم إذا كان شرهم قد استفحل قبل مجيئه.. أو يبعدهم عن منظمته على الأقل..
3 ) وبهذا يُبعد الإفساد والفساد عن شخصه ومنظمته، ويضمن أيضاً لشخصه ومنظمته السُمعة الحسنة والثقة والنجاح..
4 ) ولن يفيد المنافقُ والانتهازي ومن شابههما، من ينخدع بمظاهرهم وأقنعتهم وينطلي عليه كلامهم المعسول، في أوقات الشدة والمواقف الصعبة.. لأنهم يستعجلون الانسحاب من المعركة، وينهزمون من المواجهة، أو يصبحون متفرجين في أحسن الأحوال.. إذ أن أخلاقهم ونواياهم لا تسمح بأن ينطبق عليهم المثل الشعبي القائل: الصديق عند الضيق.. مما يؤكد عدم الاغترار بأساليبهم والوقوع في فخاخهم والحذر منهم.. فهم " أدلاء سوء " إلى الإفساد والفساد..
5 ) وأشير أخيراً إلى أن المنافق والانتهازي ومن شابههما، لا يُؤمن جانبهم.. وهم أخطر في آثارهم السلبية وإفسادهم، من العدو والمعارض الذي يصرِّح عن مواقفه، بتصرفاته وسلوكه وأقواله.. فهؤلاء يمكن محاورتهم ومواجهتهم واتخاذ الموقف المناسب والاحتياط منهم.. أما أولئك فلا لون لهم، ويبدلون جلودهم كالأفعى والحرباء بحسب الظروف ومنافعهم، وتصرفاتهم مزيّفة و" مبطّنة " أو مغطاة بزخارف وتزيينات تخفي الحقيقة ونواياهم، مما يوجب الحذر منهم ودفع خطرهم بتجنبهم وإبعادهم عن مراكز الشورى واتخاذ القرار، وحتى لخارج المنظمة..
* * *
التعددية الاقتصادية، والتنمية الإدارية أولاً
أولاً ـ تمهيد
يفكر البعض أن " الخصخصة "، هي طريق الخلاص الوحيد من الصعوبات التي تكتنف الحياة الاقتصادية والاجتماعية في هذا المجتمع أو ذاك.. وينسى من يدعو إليها:
* أن طبيعة الأمور على طريق التنمية، أن ترافقها العقبات نتيجة المستجدات والظروف المتغيّرة باستمرار، المحلية والقومية والإقليمية والدولية..
* وأن مواجهة الصعوبات، لا تكون بوصفة " روشيتة " استعملها آخرون، أو باللجوء إلى حل وحيد، وخاصة على مستوى المجتمع.. وإنما بتحليل شامل للأوضاع والظروف، وتشخيص أعراض الصعوبات وسبل تجاوزها، وتقييم الإمكانات والموارد المتاحة كلها، وأوضاع القطاعات المختلفة وقدراتها.. مما يساعد على تحديد ما يجب اتخاذه لتلافي الصعوبات، واستئناف مسيرة التنمية بخطوات متوازنة، وبتوزيع الأدوار على الجميع، وليس بالارتجال والتقليد أو بالتأثر بنصائح قد لا يتوفر فيها حُسن النية أو قد تكون سطحية!.
* وأن الأمور نسبية في الموضوع وليست مطلقة.. وهي تفرض النظرة الشاملة والظرفية " المكانية والزمانية " لدى تقييم أي واقع.. فلا شيء صحيح على إطلاقه ولا شيء خطأ على إطلاقه.. ولا تتطابق الحالات والظروف بين مجتمع وآخر مهما بدا بينهما من تشابه..
لذا، أسلِّط الضوء.. على دور الدولة، وعلى المستوى الإداري، وضرورة رفع كفاءة الإدارة في المجتمع، لكي تُحسن توزيع الأدوار بين القطاعات المتعددة..
ثانياً ـ جوهر التعددية
تعتبر التعددية الاقتصادية، نهجاً يكفل مشاركة كل القطاعات في تحقيق أهداف تنمية المجتمع.. لأن بناء الوطن واجب الجميع، وهذا يتطلب الاعتماد على القطاع العام، والخاص، والمشترك، والتعاوني، والحرفي، والخدمي، والفردي.. فلكلٍ منها دوره الإيجابي في بناء الوطن، على أن تكون الإدارة العامة كفؤة لقيادة جميعها بشكل متوازن ومتكامل، دون تحيّز لأي منها، وتقديم الدعم والتسهيلات لكل منها، بحسب الظروف..
ثالثاً ـ الأساس الإداري للتعددية
1 ) عدم إغفال دور الدولة في إدارة شؤون المجتمع، فهو ضروري ومستمر منذ الماضي وفي الحاضر وفي المستقبل.. في كل الدول والمجتمعات، في كل الأزمان والمراحل التاريخية والظروف.. وما قد يتبدل ويتغيَّر هو شكل التدخل ونوعه ووسائله.. وهو دور يتوخى، مصلحة المجتمع ككل، ومصلحة جميع القطاعات والفئات والشرائح والأفراد، وليس محصوراً بفئة..
وقد أكّدت الوقائع العالمية في السنتين الأخيرتين هذا الدور للدولة، حيث يتداعى قادة الدول الكبرى إلى مؤتمرات واجتماعات للتشاور واتخاذ حلول تخفف من الأزمة المالية والاقتصادية التي تعصف بالعالم بكل دوله، وقد بدأت الأزمة كما هو معلوم في أكبرها..
2 ) وهذا الدور المستمر للدولة في المجتمع، يتطلب أولاً كفاءة الإدارة العليا ورشدها فيه، علاوة على كفاءتها ورشدها في كل القطاعات دون استثناء..
3 ) ودور كل من القطاعات المتعددة باقٍ، بهذا القدر أو ذاك لأي منها، ومستمر.. فلا يجوز إغفال أو إلغاء أي منها.. وإنما إزكاء روح التكامل والتنافس بينها.. وهذا يوجب على إدارة الدولة أن تحسن توزيع الأدوار وتوضيح نطاق كل منها، انطلاقاً من خصوصيات مجتمعها، ومن تحليل الظروف العربية والإقليمية والعالمية، بحيث تصب نتائج أنشطة جميع القطاعات، في التنمية الشاملة للمجتمع، والاستفادة من أهداف وإمكانات كل منها، بما يكفل مصلحة فئات الشعب وشرائحه وأفراده وتمتعهم بنتائج التنمية، ويحول دون استئثار قطاع أو فئة أو شرائح أو أفراد بهذه النتائج، وبالتالي دون الشعور بالإحباط والغبن لدى الأكثرية..
4 ) إن إمكانية النجاح والإخفاق، ممكنة لدى الكل، ولا تقتصر على جهة دون أخرى، ويمكن مصادفة النجاح أو الإخفاق، في أي منها..كما تطالعنا وسائل الإعلام المحلية والعربية والعالمية.. والشواهد والأخبار عن النجاح أو الفشل المحتمل لدى الجميع، كثيرة ومتتالية، ولينظر كل منا حوله محلياً وعربياً وعالميا..
فقد صنف حديثٌ سمعته صباح 17/9/1990 من إذاعة لندن باللغة العربية، عن أسباب إفلاس الشركات، فكانت: سوء إدارة 80%.. سوء ائتمان 10%.. سوء طالع 10%..
وأذكر معلومة جاءت في تقرير نشرته غرفة التجارة والصناعة البريطانية: إن عدد الشركات البريطانية التي أشهرت إفلاسها بلغ في العام 1991 " 21837 " شركة مقابل " 15051 " في عام 1990.. أي أن العدد ارتفع في سنتين بنسبة 45%.. وهذا يؤكد ضرورة التنمية الإدارة أولاً وباستمرار..
وأرى أن مثل هذا الحديث والتقرير، ما زال صحيحاً حتى الآن، وما يتغير هو النسب أو الأرقام..
وأقول: لو سلمنا جدلاً بأخطاء القطاع العام، فهذا لا يعني إلغاء دوره، وإنما اتخاذ الخطوات السريعة لاستعادة عافيته، ولتعزيزه ليقوم بدوره بشكل إيجابي في إطار التعددية الاقتصادية..
5 ) وبتدقيق أسباب النجاح أو الإخفاق، هنا وهناك، نجدها كامنة أساساً في كفاءة الإدارة فيها أو في ضعفها، بصرف النظر عن عائدية الجهة الناجحة أو المخفقة " المفلسة "، وعن ملكيتها للقطاع العام أو الخاص أو التعاوني أو المشترك، وعن شكلها القانوني، وعن نطاق نشاطها المحلي أو الإقليمي أو العالمي.. بل تعزى الانهيارات التي تصاب بها الدول، في جزء كبير منها إلى ضعف الإدارة،كما كان الحال في دول " النمور الآسيوية "، وفي تفكك دول المنظومة الاشتراكية والاتحاد السوفييتي في القرن العشرين..
وأذكر هنا ما كان قاله د. محمد الرميحي رئيس مجلة العربي، الكويت، في العدد تموز/يوليو 1995 في حديث الشهر ما يأتي: ولا بدّ أنك موافق معي على أن انهيار فكرة الإدارة المركزية هي في صلب عملية انهيار الدول الاشتراكية. أي أنه يُجعل الانهيار في أحد أسبابه إلى الإدارة..
وقال: بل أخال أن الحديث عن " الخصخصة " في المشروعات الإنتاجية والخدمية، أساسه الإدارة.
وقال أيضاً: علينا فقط دراسة كيف تتخاطف الشركات والمؤسسات الكبرى العقول الإدارية، بل إن هذه العقول تدخل الدول المتقدمة حروباً اقتصادية ودبلوماسية للاستحواذ عليها، وكم من شركة قاربت على الإفلاس جيء لها بمدير كفء فتحول احتمال إفلاسها إلى تحقيق أرباح لم تكن تتخيَّله.
وقال كذلك: ويقول بعضنا للبعض الآخر إن هناك نمطاً من الإدارة اليابانية هو الذي كان ولا يزال، خلف المعجزة الاقتصادية اليابانية.
فمثل هذه الأقوال، تتطلب كفاءة الإدارة ورشدها، وتجعلني أكرر مقولتي " فتّشْ عن الإدارة " فهي وراء الربح أو الخسارة، وراء النجاح أو الإخفاق، التي أعتمدها دوماً، في وراء النجاح أو الإخفاق..
6 ) كما تُؤكد أن المسألة ليست مسألة نقل ملكية من قطاع لآخر، بمقدار ما هي مسألة إدارية تتعلق بالهيكل التنظيمي في المجتمع، وبتحديد مواقع كل قطاع لتحقيق الأهداف الاستراتيجية والتنمية المتوازنة من خلال مشاركة جماعية.. ويقضي بالتفكير، أولاً وقبل أن نٌضيع الوقت وندخل في متاهات يتعذر الخروج منها.. بالتفكير بالسير الجاد على طريق التنمية الإدارية، في جميع المستويات " وخاصة العليا ".. وفي كل القطاعات والأجهزة على تنوع أهدافها وأنشطتها ومجالات عملها.. فالإدارة قاسم مشترك موجود في كل منظمة بشرية، والإجماع منعقد على أهمية دورها وخطورتها، فلنعطها حقها من الأهمية، كي نربح ولا نخسر..
فالتفوق الذي أحرزته الإدارة اليابانية جعل رجال الأعمال في الولايات المتحدة الأمريكية ورجال الفكر الإداري فيها مشدودين إلى التجربة اليابانية، ليس لتنفيذها وإنما لمحاولة استيعاب ما فيها من خصائص متميّزة، برغم أن شكل المُلكية في كل من المجتمعيْن واحد، وما اختلف هو شكل أو نظام الإدارة، فاختلفتْ النتائج..
والتجربة اليابانية، في موضوع الجودة خاصة، وفي كفاءة الإدارة عامةً، مثال واقعي، جدير بالدراسة والاقتباس، فقد كنت قرأت حديثاً بعنوان: فلسفة الإدارة اليابانية في إدارة الموارد الإنسانية، ما الذي يمكن أن تتعلمه الإدارة العربية منها؟. بقلم د. رفاعي محمد رفاعي، مجلة العلوم الاجتماعية، جامعة الكويت، عدد 4، المجلد 12 – شتاء 1984 الفقرات التالية:
* إن إنتاجية العامل في اليابان أعلى منها في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث بلغت 50 سيارة في المتوسط سنوياً بالمقارنة مع 25 سيارة للعامل في الولايات المتحدة، وفي صناعة الصلب 420 طناً سنويا بالمقارنة مع 250 طناً..
* وإن بعض الشركات الأمريكية التي اقتبست بعض أساليب الإدارة اليابانية في الإنتاجية استطاعت أن تحقق نتائج إيجابية... مثل شركة LOKHEAD للصناعات الفضائية، التي نقلت نظام جماعات "حلقات " الرقابة على الجـودة " Q.C.C " الذي تطبقها الإدارة اليابانية، استطاعت أن تحقق وفورات مجموعها ما يقرب من 3 مليون دولار نتيجة جهود تلك الجماعات في حل تلك المشاكل خلال سنتين فقط من تطبيق النظام..
* مما دفع بعض الشركات الأمريكية الأخرى للأخذ بالنظام، مثل شركة جنرال موتورز، وشركة وستنجهاوس، وشركة جنرال إلكتريك..
7 ) يتوجب النظر عند توزيع الأدوار، إلى النتائج الاجتماعية المحتملة وأخذها بالاعتبار مع النتائج الاقتصادية، إن لم أقل قبلها.. فأي القطاعات يضمن النواحي الاجتماعي لجماهير المواطنين؟. وهل يستطيع القطاع الخاص، القيام بالمشاريع الكبيرة؟. وهل تستهويه إذا كانت مشاريع البنية التحتية ولا تستهدف الربح؟.. وماذا عن النواحي الاجتماعية ومشاريعها، هل يعتبرها القطاع الخاص من واجباته؟.. وما هو الاستعداد لديه لدفع الضرائب والرسوم، أم للتهرب الضريبي منها؟. ألا يختلف ذلك من مجتمع لآخر؟، حيث نجد النزعة إلى التهرب الضريبي موجودة بهذا القدر أو ذاك في معظم البلاد، ويكبر حجمها في الدول النامية المتخلفة..
8 ) والتخصيص ليس هدفاً بحد ذاته، وإنما هو خيار بين الخيارات المستهدفة تحقيق المساهمة للمواطنين، بمن فيهم القطاع الخاص، في مسيرة التنمية، إلى جانب القطاعات الحكومي والعام والتعاوني والحرفي والخدمي وغيرها، ضمن صيغة تنظيمية مناسبة، وبالتنسيق معها كالقطاع المشترك في سورية، أو منفرداً كالشركات بأشكالها القانونية والتجارية وتسميتها المتنوعة..
9 ) ومن المهم: تدقيق هذا الخيار ورسم الحدود ومجالات التداخل بين الجميع، في كل مرحلة يتطور فيها المجتمع والظروف المحلية والخارجية؛ وحُسن توزيع أهداف التنمية والأدوار بين القطاعات والشرائح والأفراد، بحسب إمكاناتهم ودوافعهم؛ وتهيئة المناخ الملائم المرن والشروط البشرية والإدارية والقانونية والتنظيمية والمالية والمادية والفنية، اللازمة لإنجاحها.. وهذه هي مهمة الدولة ممثلةً بإدارتها العليا، التي يجب أن تكون على درجة عالية من الكفاءة والرشد.. وهذا يشابه ما يتوجب على المخرج في المسرح والسينما والتلفزيون، حين يوزع الأدوار بين الممثلين، مراعياً إمكاناتهم الفكرية والجسمية وخبرتهم الشخصية، بما يناسب القصة، ليضمن النجاح لعمله، بأداء جماعي مُنسّق بين الممثلين، دون تحيّز أو تمييز يجافي الموضوعية والمنطق، بين ممثل كبير أو صغير، بين نجم مشهور أو مغمور..وإلاّ كان نصيبه الإخفاق..
10 ) إذا كان الاطلاع على تجارب الدول والمجتمعات الأخرى وارداً وضرورياً، فهو يظل مشروطاً بالتأكد من نوايا الناصحين، وبإجراء المقارنة لاستنباط الدروس والحلول التي تتوافق مع أوضاعنا وخصوصياتنا.. بما يناسب توزيع الأدوار، دون تقليد أو نقل لحالات معلبة أو استنساخ لتجارب تبدو ناجحة!، فكل تجربة رهينة ظروف محيطها، التي لا يمكن أن تتطابق مع غيرها، مهما بدا من التشابه.. بل قد تعطينا الإخفاقات دروساً أنسب وأعمق، فلا نقع في مطب الأخطاء المرتكبة فيها ولا نكررها متعظين بما حدث ويحدث هناك عند الآخرين.. والعاقل من يتعلّم من أخطاء غيره ويتعظ بها فيتلافاها..
11 )كفاءة الإدارة وليس الثروة، هي المعيارُ في تصنيف الدول والمجتمعات بين متقدمة ومتخلفة، متطورة ونامية.. وكذلك التمييز بين المنظمات والهيئات والشركات الدولية أو العالمية أو الإقليمية أو القومية أو المحلية، وصولاً إلى مستوى الأسرة.. فهي تتمايز فيما بينها وتختلف في نتائجها ومواقعها بحسب كفاءة الإدارة فيها والقائمين على تدبير شؤونها، بمن فيهم رب الأسرة..
12 ) كما أن الدول والمجتمعات المتقدمة، ولتحقيق مصالحها في صراعاتها متعددة الأهداف والأشكال.. تتنافس فيما بينها لرفع مستوى الإدارة.. مما يوجب أن تسبق التنميةُ الإدارية التنميةَ الشاملة، لتؤمن لخططها ومشاريعها إدارات كفؤة..
13 ) وعلى الدول المتخلفة، لتغطي الفجوة بينها وبين الدول المتقدمة واللحاق بها في أقصر زمن، أن تسرع خطواتها التنموية الإدارية.. وإلاّ، فإن الوتيرة البطيئة ستزيد الفجوة، مما يكرّس التخلف.. لأن الدول المتقدمة لن تتوقف وتنتظر، وهي مستمرة على طريق التقدم بخطوات متسارعة وتكنولوجيا مبهرة.. وليس في مصلحتها أساساً تطور الدول المتخلفة، فالعلاقات بين الدول على تنوع أهدافها، مبنية على تبادل المصالح، وكل طرف يسعى لتحقيق أكبر منفعة ممكنة من هذا التبادل لمصالحه أولاً، معتمداً على إمكاناته وقوته، فالقوي لا يتمنى لخصمِه القوةَ، والمتقدم المستغل يطمح في أن يبقى غريمه متخلفاً نائما..كما شريعة الغاب، حيث البقاء للأقوى.. ولا أعتقد أني تجاوزت المنطق أو بالغت، فالأمثال الشعبية تقول: " كل مين بيجر اللحاف لصوبه أو ناحيته؛ وكل مين بسحب النار لقرصه؛ وكل مين بغني على ليلاه "..
14 ) لذا، تحتل التنمية الإدارية أهمية فائقة بالنسبة للدول النامية التي ورثت مع استقلالها السياسي " إدارة " غير مؤهلة لاستكماله وتوطيده باستقلال اقتصادي واجتماعي يحررها من التبعية، واللحاق بالمدنية وركوب الدرجات الأولى من القطار السريع.. خاصة وأن الإدارة مهنة محلية، لا ينفع فيها استيراد مديرين أجانب لممارستها.. وهذا يتطلب من قيادات الدول المتخلفة أو النامية سرعة تكوين الإداريين المحليين..
15 ) أما عن السياسات وبرامج الخصخصة في الأقطار العربية، فأُشير إلى أن التطبيق يختلف من بلد إلى آخر.. ولن أعلق على ما يجري فيها، فصاحب الدار أدرى بالذي فيها.. ولكني أقول: إن النتائج في كثير من الدول المتخلفة حولنا، التي سارعت إلى" الخصخصة " لم تكن باهرة كما توقع مؤيدوها، ولم تكن بمقدار الآمال والأهداف المرجوة منها.. والشعوب تحصد حالياً النتائج السلبية وتعاني من أزمات ومشاكل في معيشتها..
آمل من القارئ العزيز أن يكون قد تفهم إصراري على الجوانب الإدارية، واعتباري التنمية الإدارية أولاً، واقتنع بأسبابها، فهي مسألة شكّلت لديّ وما تزال، هاجساً وطنياً وقومياً ملحاً..
* لأن حُسن توزيع الأدوار بين القطاعات والشرائح والأفراد لتطبيق التعددية الاقتصادية بنجاح على طريق التنمية، يتطلب إدارات عليا كفؤة، وهو بداية السير على درب الخلاص من الصعوبات التي ترافقها، والتكيّف المرن في مواجهة المتغيرات المحلية والخارجية..
* ولأن التنمية الإدارية التي تستهدف رفع مستوى أداء الإدارات كافة " بمحاورها الأربعة: الإنسان، والتنظيم الهيكلي، والقوانين والأنظمة، والأدوات "، هي الأسلوب الواجب اتباعه لنؤمن إدارة رشيدة للقيام بمتطلبات التنمية الشاملة عامةً، وبمقتضيات التعددية الاقتصادية الجماعية خاصةَ.. والعكس وارد وصحيح، فالإدارة الضعيفة تكرس التخلف وتشيع الفوضى بين فئات المجتمع وشرائحه وقطاعاته..
* وهذا يوجب رفع مستوى الإدارة والإدارات، على مستوى الدولة أولاً، وفي جميع القطاعات.. وقبل التفكير بنقل الملكية أو" الخصخصة ".. وإن كل حديث عنها قبل ترشيد الإدارة، هو نوع من الترف الفكري وإضاعة للوقت..
* وأختم بمقولة الأستاذ حسان الخوري رئيس تحرير مجلة " الإداري " اللبنانية، في افتتاحية عدد حزيران/يونيو من العام 1992: والكل يعلم أن أي إصلاح اقتصادي غير ممكن دون إصلاح إداري..
* * *
Dabas Management
1155 Camino Del Mar
Suite 411
Del Mar, CA 92014
ph: 8583536567
fax: 8587949545
alt: 8587949545
ahmadada