Dabas Management
1155 Camino Del Mar
Suite 411
Del Mar, CA 92014
ph: 8583536567
fax: 8587949545
alt: 8587949545
ahmadada
بسم الله الرحمن الرحيم
المفهوم العام للإدارة، ودورها..
وظائفها العامة، مرتكزاتها الأساس، صفاتها..
تمهيد
أعرض بداية بعض معاني كلمة " الإدارة " لغةً، التي تعطيها دلالة كافية ومفهوماً واضحاً لاستعمالها الشائع عنها في المصطلح الحديث.. فهذه المعاني، تنطوي على الحركة، والطواف، والإحاطة، والمعالجة، والتعاطي، والنظر في الشيء، والرعاية، والسياسة، والتدبير، والتوجيه، والتحكّم..
1 ) قاموس المنجد في اللغة والإعلام ـ دار المشرق ـ الطبعة 22
أ ـ الصفحة 228- 229
* دار، دوراً ودوراناً: تحرك وعاد إلى حيث كان أو إلى ما كان عليه.
* أدار إدارة الشيء: جعله يدور.
* الدوران: الطواف حول الشيء.
* أدار إدارة الأمر: أحاط به.
* دار مداورة ودواراً على الأمر: عالجه.
* أدار إدارة الشيء: تعاطاه.
* الإدارة: الاسم المصدر من فعل أدار.
* المدير: من يتولى النظر في الشيء، من يتولى إدارة جهة معينة من البلاد.
* الداري: الملاّح الذي يتولى الشراع.
* ساس القوم: دبّرهم وتولى أمرهم.
* الإدارة: المداولة والتعاطي من غير تأجيل، وبه فسر قوله تعالى ).. إلاّ أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم.. (البقرة 2/282
2 ) تاج العروس ـ الجزء 3 ـ الصفحة 218 ـ للزبيدي
* فلان يدور على أربع نسوة ويطوف عليهن أي يسوسهن ويرعاهن وهو مجاز..
3 ) لسان العرب ـ الجزء 8 ـ الصفحة 1031 ـ لابن منظور.
* دار يدور، واستدار يستدير: إذا طاف حول الشيء وإذا عاد إلى الموضع الذي ابتدأ منه.
4- الأستاذ حسن قطريب ـ زاوية " لغتنا الجميلة " ـ جريدة تشرين السورية ـ 22/3/1986
* المدير: صيغة اسم الفاعل للمزيد أدار ـ يدير ـ إدارة، فهو مدير، فتجمعها على المذكر السالم ـ مديرون.
* أن تدير الشيء يعني أنك مستحكم به في حركة دورانه. * الإدارة مادتها اللغوية هي "دار ودَوَرَ "، وهي مصدر فعل أدار الذي يتعدى بالإدارة إلى مفعول به، والمدير اسم فاعل من أدار " بعد قلب الواو في مُدْوِر ياءً ".
وأضيف إن مصطلح " الإدارة " يُشتق لغةً، من الفعل اللازم الثلاثي: دار.. " وهو فعل حركة "، ويصبح متعدياً إلى مفعول به بإضافة ( أ ) أدار.. مما يؤكد على ضرورة توفر " الإرادة " في كل نشاط لها..
وأضيف أيضاً بعض المعاني عن اللغة الإنكليزية، أخذتها من قاموس المورد القريب ـ الطبعة الثالثة ـ آذار/مارس 1997 لمؤلفيه منير البعلبكي ود. روحي البعلبكي، إصدار دار العلم للملايين، بيروت، لبنان.
* أدار: تولّى الإدارة To run, direct, manage, be in charge of
* أدار: شغَّل ( آلة ) to operate, run, start ( up ), to turn on
* أدار: جعله يدور to turn, revolve, rotate, span, whirl, twirl
* إدارَة: تدبير administration, management, direction, running
* إدارة: قِسْم department, section, division, administration
* إداري administrative, executive
* دار: دَوَّمَ to run, revolve, rotate, twirl, spin, circle, go around
* تَدَبَّرَ: دَبَرَ to manage, work(out), to wangle, to get, to take care of,
* تدبير: إعداد arrangement, planning, designing, divising, contriving
*administer يُدير؛ يُدبِّر. يقيم العدل.
* administration إدارة، إقامة العدل، حكومة.
* administrative إداري، حكومي.
* administator المصفي؛ المُدَبِّر.
* manage يُدير؛ يُدَبِّر. يروِّض؛ يسوس. يقتصد. يستعمل. يتدبَّر؛ يحتال للأمر. ينجح ( في تحقيق غرضه ).
*management إدارة؛ تدبير. لباقة. براعة إدارية. هيئة الإدارة.
* manager المدير؛ المدَبِّر.
أولاً ـ المفهوم العام للإدارة
كلنا نمارس " الإدارة " بهذا الشكل أو ذاك، إذ هي مهنة الجميع واختصاصهم؛ وكلنا نعمل في هذه "الإدارة" أو تلك، بصرف النظر عن التسميات التي نطلقها عليها، وعن مهامها ونشاطاتها، وعائديتها للقطاع الحكومي أو العام أو الخاص أو التعاوني أو القومي أو الإقليمي أو الدولي أو غيرها؛ ولدينا جميعاً تصور ما عن "الإدارة " صحيح أو قريب من الصحة أو بعيد عنها..
ولكننا غير متفقين على تصور واحد لمفهومها ومدلولها، بل نختلف في هذا المفهوم بحسب مدارسنا وثقافتنا ومعرفتنا ونطاق ممارستنا التطبيقية، وبحسب النظريات والتجارب التي اطلعنا عليها لدى الآخرين، والتي تختلف بدورها تبعاً للأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وللبيئة التي تنشط خلالها.. مما يدعو إلى أهمية توحيد مفهومنا عن " الإدارة " وتكوين عقيدة خاصة بنا، مرنة، ونابعة من ظروفنا وواقعنا وتلائمنا..
ألخص المفهوم العام لدور " الإدارة ": باستخدام؛ الإمكانات المتاحة؛ لتحقيق الأهداف المنشودة؛ على أفضل وجه.. ويتألف من 4 أركان.. وقد وصلت إلى هذا المفهوم من المنطق الآتي:
1 - إن الإنسان اجتماعي بطبعه، يعيش دوماً في " تجمعات بشرية " ذات أهداف مختلفة إلى، بمقدار تنوع المنظمات البشرية واختلافها.. وهي ذات حجوم وأشكال وتنظيمات مختلفة تتفق مع أهدافها التي تنشدها: كالأسرة، المدرسة، القبيلة، الشركة، المجتمع، الأمة.. وقد تكون أهدافاً: معنوية، مادية، ثقافية، تربوية، سياسية، اقتصادية، اجتماعية، صحية، أمنية، خدمية… إقامة مشاريع مادية، اتخاذ تدابير وإجراءات…
ومن هذا أستنتج الركن الأول لدور الإدارة وهو: الأهداف، التي تسعى المنظمات لتحقيقها من خلال تجمع أفرادها.. وقد تكون الأهداف مشروعة ونبيلة أو غير ذلك، كالعصابات التي تستهدف الإجرام..
2 – تتنوع الإمكانات المتاحة للتجمّعات، وتختلف بحسب احتلاف أهدافها واختصاصاتها وحجمها ومستواها.. " أسرة، أم شركة.... أم هيئة دولية.. ".. ومن ذلك الإمكانات: البشرية، الثقافية، المادية، الطبيعية، المالية، الفنية، التقنية والتكنولوجية، الحيوانية.. وهذا هو الركن الثاني..
وألفت النظر إلى كلمة " المتاحة " ، إذ يجب على الإداريين أن يحققوا أهدافهم وواجباتهم على أحسن وجه بما يوجد بتصرفهم من إمكانات، وإن بدت غير كافية.. لأنها غير كافية دائماً، ذلك أن أهداف التجمّعات البشرية هي دوماً متزايدة، والإمكانات الموجودة في مرحلة معينة لن تكون كافية لتحقيقها.. وعليهم أن ينبذوا التعلّل بتعبير: الإمكانات غير كافية!. الذي نسمعه من الكثيرين " كشمّاعة " لتبرير ضعف نتائجهم.. والإدارة الرشيدة هي التي تطبق بكفاءة عالية المثل الشعبي " الغزّالة بتغزل على عود "..
3 _ ويتشكل الركن الثالث من دور الإدارة الأساس، وهو استخدام الإمكانات المتاحة للجماعة لتحقيق أهدافها.. وسأتكلم عن كيفيته، وعما يعتمد عليه، حين عرض وظائف الإدارة العامة ومرتكزاتها الأساس..
4 - وتتحقق الكيفية الجيدة، التي تنطلق من طبيعتنا كبشر.. فالإنسان السويّ، يسعى دائماً بطبيعته، ومنذ الصغر إلى التفوق في نشاطاته.. وما دامت هذه طبيعتنا كأفراد، فيجب أن نعكسها على أنشطتنا كمجموعات.. وذلك بمراعاة زوايا متعددة: الجهد البشري، الأخلاق والاستقامة، المعنويات، الوقت، الجدّية، البساطة والمرونة والوضوح، النوعية والمواصفات الجيدة في المنتج أو الخدمة، الكمية في وحدة الزمن، الإنفاق المالي، المواد الأولية المستخدمة في الإنتاج والخدمات أو المساعدة، صيانة التجهيزات والمعدات والأبنية، الجاهزية لمواجهة الحالات الطارئة بوتيرة أداء مستمرة ومناسبة كما في الحالات العادية…
أسمي هذه الأركان الأربعة، الرباعية الإدارية الأساسية، لتعلقها بالمفهوم العام لدور الإدارة، وهو الأساس في معرفة أي موضوع لاحق عن علم الإدارة وفنونها ووظائفها وآلياتها وأساليبها.. كما أنها تعبر عن تكامل الأركان الأربعة، وضرورة التوازن فيما بينها، إذ يتمتع كل منها بذات الأهمية..
ثالثاً ـ تفصيل في أركان المفهوم العام للإدارة
يمكن إضافة ركن خامس إلى هذه الرباعية، بحسب زاوية النظر إلى مصطلح الإدارة:
أ ـ فإذا اعتبرنا الإدارة جهازاً أو جهة أُحدثت لتحقيق أهداف معينة.. كالوزارة كذا، والمؤسسة س، والمدرسة، والمصرف، والمستشفى، لقلنا: إنها أداة استخدام الإمكانات المتاحة لتحقيق الأهداف على أفضل وجه..
ب ـ وإذا نظرنا إليها على أنها مهنة أو اختصاص، يزاولها الإداريون، كما المهن والاختصاصات العلمية والحرفية الأخرى.. لأن الإدارة هي مهنة الإداري واختصاصه، مثلما هو الطب والزراعة والتدريس والحلاقة، مهنة يزاولها الطبيب والمزارع والمدرس والحلاق.. وكما أن طبيعة هذه المهن هي: العلم والفن، فإن طبيعة الإدارة هي العلم والفن.. فنقول الإدارة: علم وفن استخدام الإمكانات المتاحة لتحقيق الأهداف على أفضل وجه..
رابعاُ ـ الوظائف العامة للإدارة
1 - أشير بدايةً، إلى أنه يترتب على كون الوظائف عامة، تحقيق أمرين:
أ ـ وجوب تعلّمها من قبل جميع القياديين والإداريين والمنفذينابتداءً وباستمرار.. باعتبار أن الإدارة "قاسماً أو عاملاً مشتركاً " لازماً وموجوداً في جميع التجمُّعات البشرية، على اختلاف تسميتها وأنشطتها وامتدادها.. وبالتالي هي مهنة الجميع، مهما كان اختصاص الجماعة التي تجمعهم.. إذ لا بد للمستشفى والمعمل والشركة والمزرعة والجامعة وغيرها، من " إدارة " تقودها وتتحكم بفعالياتها.. وعليهم صقْل ما يتعلمونه ويتدربون عليه بالممارسة والمعاناة.. وإلاّ، فالمواهب والإمكانات الشخصية غير كافية، وقد تضيع إذا لم تُرافق بالعلم الإداري وتصقل بالتدريب المستمر على مستجداتها..
ب ـ وجوب ممارستها من قبل جميع التجمّعات، مهما كان نوع أهدافها ونوعية أعمالها ومستواها وموقعها وقطاعها.. فوظيفة التخطيط والبرمجة، مهمة يجب أن تمارس، بدءاً من " الأسرة " وهي الخلية الإدارية الأولى، وصولاً إلى هيئة الأمم المتحدة..
2 - يمكن استنتاج الوظائف العامة، بالإجابة على سؤال، وهو: كيف يتم الاستخدام لتحقيق الأهداف بالإمكانات المتاحة؟.
أ ـ إن أهداف الإدارة المختلفة، تتطلب القيام بفعاليات واجبات متنوعة كثيرة.. تختلف أو تتقارب بحسب أهداف الجماعة.. ونقرأ ونسمع مثلاً التعابير التالية: السياسة، التربية البدنية، التعليم، التأليف والترجمة والطباعة والنشر، الدعاية والإعلام، الرعاية الصحية، الخدمات الاجتماعية والبلدية والسياحية، الإنتاج الفكري أو الصناعي أو الزراعي، التجارة والتموين والتخزين والنقل، الاتصال والمواصلات، التصدير والاستيراد، التشييد والبناء وشق الطرقات وإنشاء الجسور والسدود.. وغير ذلك كثير مما لا يقع تحت حصر..
ب ـ بإمعان النظر في مثل هذه الفعاليات نجد أنها لا يمكن أن تقع كلها ضمن مهام جماعة واحدة، وإنما تختص بكل منها أو ببعضها فقط منظمة معينة.. وهذا هو الواقع، حيث نجد مثلاً وزارة للصناعة، وأخرى للزراعة أو النقل أو التعليم أو الكهرباء.. وكذلك مؤسسات وشركات وجمعيات ومدارس وهيئات ذات فعاليات ومجالات متنوعة.. ويستوي في ذلك كل القطاعات: العام والخاص والتعاوني والحرفي والمشترك والخيري.. ويمكننا تسمية هذا النوع من الفعاليات والمهام الخاصة بجماعة معينة اصطلاحاً " نشاطات "، تمييزاً لها عن مصطلح " الوظائف " الذي سأعرض له في الفقرة التالية..
3 ـ وبالمقابل، فبرغم اختلاف أهداف التجمّعات البشرية؛ وبرغم تنوّع قطاعاتها: الحكومي، العام، الخاص، التعاوني، المشترك، الحكم المحلي، الفردي.. ولكي تقوم بأنشطتها المتنوعة والمختلفة، فإنها جميعها تمارس عدداً من العمليات شائعة ومعروفة في تسمياتها ومدلولاتها: كالتنظيم والتنسيق، والتخطيط والبرمجة، والتوجيه، واتخاذ القرار، والتدريب، والتحفيز، والتمويل، والإحصاء، والمتابعة، والرقابة…
فنحن نقول مثلاً، وهذا منطقي، تخطيط: النقل، أو التعليم، أو التجارة، أو غيرها من النشاطات.. ونقول، تدريب: العاملين على كذا وكذا، سواء في هذا القطاع والتجمع أو ذاك.. والكل يتخذ قرارات.. وجميع الوحدات تبدأ بتنظيم شؤونها وأقسامها.. وتخضع للمتابعة والرقابة.. وعليها أن تعتني بتحفيز العاملين لديها وبالإحصاء وجمع المعلومات..
وأسمي هذا النوع من العمليات المشتركة اصطلاحاً " الوظائف العامة " للإدارة، تمييزاً عن النشاطات..
4 ـ تسهيلاً للعرض، أُصنف الوظائف العامة في أربع.. تشكل " رباعية إدارية " وتشمل: التنظيم، التخطيط، التوجيه، التتبع. انطلاقاً من أن "التمويل " مثلاً يعتبر جزءاً من التخطيط المالي، وأن وظيفة التوجيه تنطوي على اتخاذ القرارات والتدريب والتحفيز.. وأن الإحصاء والرقابة هما من أشكال التتبع..
5 ـ وهي وظائف، متكاملة للإدارة ومتداخلة.. وجميعها بذات الأهمية ويجب أن تمارس بكفاءة، ويجب أن نوجد أجهزتها المختصة بها ووسائلها بشكل متوازن، لئلا يفقد أداء الإدارة توازنه!. فما نفع الخطة، إذا لم ترافقها وتتبعها متابعة موضوعية؟، وإذا لم يسبقها ويرافقها ويتبعها إحصاء دقيق؟. وما فائدة المتابعة، إذا لم تسبقها عناية بمستوى العاملين المعيشي، وبتأهليهم وتدريبهم وتحفيزهم؟. وإن التكامل والتوازن مطلوبان بإلحاح في المستويات الأساسية العليا للمجتمع، وبخاصة من حيث إيجاد المؤسسات المؤهلة لممارسة جميع الوظائف مركزياً وقطاعياً وإقليميا..
6 ـ وأنتقل إلى عرض موجز لمفهوم الوظائف العام للإدارة، استكمالاً للصورة:
أ ) وظيفة التنظيم، التي يجري بموجبها، تصميم الهيكل التنظيمي للجماعة لتحقيق أهدافها بإمكاناتها المتوفرة بنجاح، وذلك بتوزيع هذه الأهداف على وحدات أو أقسام فرعية، تؤمن بمجموعها الوصول إلى أهداف الوحدة الأم بشكل منسق فيما بينها.. دون ازدواجية أو بعثرة للإمكانات أو بطالة مقنعة..
= ويتألف الهيكل التنظيمي عادةً من 3 فئات من الوحدات الفرعية:
* ـ وحدات فرعية عامة، تؤدي المهام التقليدية العامة للإدارة، كالديوان، الشؤون الشخصية، الاتصالات، الإحصاء والمعلوماتية، والقانونية، الأبحاث، الحفظ والتوثيق، العلاقات، التخطيط، ، المتابعة، التدريب.. والتي نجدها في كل الجماعات والتجمُّعات والمجتمعات، مع اختلاف في حجمها ومستواها...
* ـ وحدات فرعية فنية أو مختصة، منبثقة عن اختصاص الوحدة الأم.. في الزراعة، أو التربية، أو الصناعة، أو السياسة، أو الرياضة، أو غيرها..
* ـ وحدات فرعية تفرضها عوامل أخرى، ومن ذلك:
× العامل الجغرافي، كالإدارة المركزية، والوحدات والفروع خارج المركز محلياً أو خارجيا..
× عامل الوقت، كالورديات التي تؤمن العمل على مدار اليوم، ومجموعات المناوبة، والوحدات الموسمية..
× العامل السلعي، كمديرية للمعادن، أو قسم للخضار أو الفواكه، أو مؤسسة الكتب المدرسية..
× عامل الأنشطة، كأن نوجد وحدات فرعية للمبيعات، المشتريات، النقل، التخزين، الدعاية..
× عامل الزبائن، كأن نوجد قسم للبيع بالجملة، وآخر بالمفرق، أو نميز بين المصارف بحسب من يتعامل معها فنحدث المصرف الزراعي، أو الصناعي، أو التجاري، أو التعاوني، أو الشعبي..
× عامل الحالات الطارئة، بحيث تتحقق جاهزية الوحدة الأم لأداء واجباتها بوتيرة مناسبة في الحالات العادية والظروف الطارئة على حد سواء.
= ويتلو وضع الهيكل التنظيمي، خطوات تكمله، ومن ذلك:
× تحديد الملاك " الإطار " العددي اللازم من العاملين..
× تحديد الملاك العددي اللازم من الآليات والتجهيزات ووسائط النقل..
× وضع الأنظمة واللوائح وتعليمات العمل التي تنظم مختلف نشاطات الوحدة الأم والوحدات الفرعية..
× توصيف وظائف الملاك، وتحديد شروط إشغالها، بما يساعد على وضع الرجل المناسب في المكان المناسب بشكل موضوعي بعيداً عن النظرات أو الأهواء الشخصية..
× وضع معايير قياس الأداء الإداري والإنتاجي والخدمي والمكتبي...
= أعتقد أن هذا الموجز عن مفهوم وظيفة التنظيم، التي نمارسها عند إحداث جماعة ما أو عند تبديل كبير في أهدافها، وما يتلوها، ويسمح لنا بالقول: إن ممارسة هذه الوظيفة العامة تتطلب كفاءة عالية في من يقوم بها، دون تقليد أو قياس حرفي عن الآخرين.. وخاصة في المستويات العليا، لأنها تزرع بذرة النجاح أو الإخفاق في مستقبل الجماعة المعنية.. سواء من حيث احتواؤه: على أعداد فائضة من العاملين، مما يسمى " بطالة مقنعة " مع ما تجره من إرباكات في العلاقات والنشاط، ومن نفقات زائدة غير مبررة ترفع تكلفة المنتج أو الخدمة.. أو على تجهيزات وآليات فائضة، أو أنظمة وتوصيفات غير منطقية ومبهمة..
ب ) وظيفة التخطيط، وتجري بموجبها، عمليات منطقية لتحقيق أهداف مستقبلية أو مواجهة موضوع أو هدف مستقبلي. فالتفكير بالمستقبل والبعد الزمني أهم ما يميز هذه الوظيفة، وهو الذي يمُيز الإنسان عن باقي مخلوقات الله..
= وهي تتدرج في مراحلها بأحد شكلين:
* ) فحين تكون الأهداف كثيرة لدى الجماعة، أو المنظمة، أو لدى المجتمع، تجري في 4 مراحل:
أ ـ تحديد جميع الأهداف المنشودة، مهما بلغت..
ب ـ ترتيب الأهداف حسب أولويات محسوبة.. لأنه لا يمكن تنفيذ كل ما نصبو إليه دفعة واحدة.. آخذين هنا في الاعتبار زاويتين: × طول المرحلة التي نخطط لها.. × والإمكانات المتاحة فعلاً حين إعداد الخطة، والإمكانات التي ستتوفر خلال السنوات أو المرحلة التي نخطط لها..
ت ـ صياغة الأهداف ذات الأولوية، وقلبها إلى مشاريع مادية أو إجراءات، تجعلها واقعاً ملموسا..
ث ـ إدراج هذه المشاريع المادية والإجراءات، في برامج تنفيذية تقسم المرحلة المخطط لها إلى أجزاء.. وتشمل البرامج في العادة حقولاً متنوعة، ومن ذلك: × اسم المشروع أو الإجراء، × من سيقوم به، × متى سيقوم به، × الاعتمادات المالية، × الوسائل والمعدات اللازمة، × الجهات المعاونة، × والمتابعة، × متفرقات..
* ) وحين يكون الهدف المستقبلي واحداً، نمر أيضاً ب 4 مراحل منطقية متتالية، هي مراحل عملية اتخاذ قرار في مواجهة موضوع ما.. وألخصها في:
أ ـ تفهم الموضوع وجمع أوسع المعلومات حوله.. من مصادرها المتعددة..
ب ـ مناقشة المعلومات واستكمالها ومقابلتها وتحليلها، والخروج باستنتاجات وحلول تبادلية ممكنة..
ت ـ انتقاء أنسبها، الأكثر إيجابية.. أي اتخاذ القرار بالحل الأكثر في إيجابياته..
ث ـ صياغته كتابة أو في برنامج تنفيذي وإبلاغه للمنفذين ومتابعتهم..
= وتجدر الإشارة إلى أن اتباع مراحل العمليات المنطقية في كلا الحالتين، حين تكون الأهداف كثيرة، أو حين يكون الهدف واحداً.. ممكن في حال كون الهدف أو الموضوع أو الأهداف صغيرة أم كبيرة، فتسلسل المراحل وتتاليها واحد ومتشابه، وما يختلف هو حجم العمليات وعدد المشاركين والزمن الذي تستغرقه.. وإن كلا الحالتين تشكلان رباعية إدارية..
ت ) أما وظيفة التوجيه، أي صيغة الأمر والنهي بين المستويات المتسلسلة في التجمُّع البشري، بين الرؤساء والمرؤوسين.. فهي الوظيفة الأكثر تداخلاً مع الوظائف الأخرى، إذ تنقلها من حالة السكون إلى حالة الحركة.. فالخطة العامة للدولة مثلاً تصدر بقانون، والملاك العددي يصدر بمرسوم، والبرنامج ينفذ بقرار أو أمر إداري..
= ومن صيغ التوجيه:* الأمر والنهي؛ × اتخاذ القرار؛ * الإرشاد والتوعية؛ * الحفز المعنوي والمادي؛ * التدريب والتأهيل؛ * النصح والردع؛ * والثواب والعقاب..
= ومن حيث الأسلوب فقد يتخذ التوجيه: * شكلاً كتابياً، يتأرجح بين الحاشية البسيطة على كتاب أو طلب.. وبين القانون.. * كما قد يكون شفهيا..
ث ) وبممارسة وظيفة التتبع والمساعدة، نتعرّف مسار الفعاليات والنشاطات والوظائف في الجماعة أو المجتمع، ومدى تحقق أهدافها وخططها وواجباتها، ونعرّف الصعوبات والانحرافات المرافقة للتنفيذ في الوقت المناسب، وتقديم المساعدة في تجاوز الأولى، وتصحيح الثانية ومساءلة مسببيها.. فهي وظيفة مكملة لسائر وظائف الإدارة، وإلاّ، بقيت هذه حبراً على ورق..
= ومن أشكال المتابعة وأساليبها: * المقابلات والاجتماعات الشخصية؛ * الزيارات الميدانية والاجتماعات المكتبية؛ * الإحصاء وجمع المعلومات؛ * الرقابة والتفتيش.. وهذه الأشكال تؤلف بدورها رباعية إدارية..
بهذا العرض المقتضب لمفهوم الوظائف العامة للإدارة، أكون قد أجبت على سؤال: كيف يتم استخدام الإمكانات المتاحة لتحقيق الأهداف المنشودة على أحسن وجه؟.
وأنتقل إلى الإجابة على السؤال الثاني: على ما ذا تعتمد الإدارة في هذا الاستخدام؟. وفي ممارسة وظائفها العامة؟.
خامساً ـ المرتكزات الأساسية للإدارة
هي باختصار، أ – الإنسان.. ب – الهيكل التنظيمي والملاكات.. ت – القوانين والأنظمة وتعليمات العمل.. ث – الأدوات الإدارية.. وتشكل " رباعية إدارية ".. وهي رباعيةً متكاملةً متداخلة، وجميع مكوِّناتها هامة مع أفضلية للإنسان إذ هو أصل الإدارة، وهو غايتها وهو عمادها، وهو الذي يوجد بقية المرتكزات ويستعملها ويطورها..
1 ـ الإنسان
وأقصد به، جميع العاملين في الجماعة أو التجمّع، مهما كان مركزهم في سلم الهرم الإداري التنظيمي.. فالإدارة مهنة جماعية، ويتوقف نجاحها على الجهود المشتركة لكل من يعمل فيها.. ولا يقتصر على البعض أو المديرين.. لذا، يجب الاعتناء بكل فرد في التجمُّع، لأنه يعتبر عنصراً ضرورياً فيه، ولابد من تكامل أدائه مع أداء بقية الأفراد، ليكون أداء الوحدة متكاملا.. وتتلخص محاور العناية به في 4 تشكل رباعية إدارية..
أ ـ المحور المادي.. * من حيث تأمين دخل مناسب للعاملين وأسرهم يتوافق مع مؤهلاتهم وجهودهم، أثناء الخدمة وبعدها، * وحفزهم مادياً باستمرار ليرتفع مستوى أدائهم وإنتاجيتهم، ولإشعارهم بأن مصالحهم الخاصة ستتحقق بتحقيقهم المصلحة العامة.. فالجائع، لا يجيد عمله ونشاطه!.
ب ـ المحور المعنوي.. * من حيث الاحترام المتبادل بين الرؤساء والمرؤوسين والزملاء، * وتنمية شخصية العاملين، * والمحافظة على كرامتهم وشعورهم كبشر.. مما يزيد من ولائهم للجماعة أو التجمع، ويُقَوي روح العمل الجماعي..
ت ـ المحور المسلكي.. * من حيث التدريب والتأهيل المستمر للعاملين في مجال الإدارة عموماً وفي اختصاص كل منهم.. وعلى كل إداري أن يقتنع بأنه " مدرّب ومتدرب " على الدوام لشخصه وللعاملين معه، لكي يواجه بكفاءة مستجدات الحياة والظروف والعلوم والوسائل والأدوات وتطوراتها.. * وعلينا هنا أن لا ننسى الثورة الفلكية التي جرت، وتجري كل يوم، في أدوات الاتصالات والمعلوماتية وغيرها، وأثرت تأثيراً كبيراً على العمل الإداري وأساليبه، وجعلته مستمراً دائماً، يمكن القيام به من مقر التجمُّع أو من أي مكان في الكرة الأرضية والفضاء..
ث ـ المحور السلوكي.. من حيث * الوصول إلى درجة عالية من الانضباط واحترام واجبات العمل والوقت.. * والمحافظة على الممتلكات والتجهيزات والمعدات.. * وتأمين علاقات جيدة بين الجميع.. * وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب بحزم وعدل..
2 ـ قد تحدثت آنفاً عن الهيكل التنظيمي، وهو محصلة ممارسة وظيفة التنظيم.. وعن شموله ونوعية وحداته الفرعية، وما يكمله من إجراءات، وعن أهميته وخطورته.. عند عرض وظيفة التنظيم..
3 ـ وتؤثر القوانين والأنظمة وتعليمات العمل العامة، على أداء التجمعات، ذلك أن الجماعات والوحدات الإدارية تتحرك في إطار المجتمع الذي تعيش فيه وبيئته وظروفه.. فهي تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على نشاطها، مما يوجب عليها التكيّف معها وعدم مخالفتها وتوفيق أوضاعها وأنشطتها معها..
* وعلاوة على القوانين والأنظمة العامة، هنالك قوانين وأنظمة وتعليمات خاصة بمؤسسات معينة أو تنظم مواضيع وأنشطة محددة.. فعليها أيضاً أن تراعي أحكامها وأن تنشط ضمن إطارها نصاً وروحا..
* ويؤثر ولاشك، محتوى الأحكام، العامة والخاصة على حد سواء، " إيجاباً أم سلباً " إلى حد كبير على فعالية الإدارة.. فلا بد من مراجعتها باستمرار وجعلها واضحةً للعاملين والمتعاملين، ومرنة، وموافقةً للظروف المرحلية في المجتمع ومساعدةً على تحقيق أهدافه إجمالاً، من خلال الفعالية المناسبة لكل التجمعات والمنظمات والوحدات الإدارية التي يتشكل منها..
* وقد تراكمت إلى جانب القوانين والأنظمة الداخلية، نصوصٌ خارجية من خلال التواصل والعلاقات والتبادلات بين البشر، على صعيد الدول والمجتمعات والشعوب، وعلى صعيد الأفراد والمنظمات والهيئات بمختلف أهدافها وأشكالها وامتدادها..
هذا التواصل الخارجي، القديم عبر التاريخ، والظاهرة الجديدة في هذه المرحلة في لبوس " العولمة "، قد راكم مجموعة من القوانين والأنظمة والاتفاقيات والمعاهدات والأحكام.. التي تشمل مجالات مختلفة سياسية وثقافية وعلمية وفنية وتقنية واقتصادية وتجارية.. والتي يجب أخذها في الاعتبار، وخاصة من قبل الإدارة العليا في الدولة والمجتمع والمنظمات والأفراد ذوي العلاقات الخارجية، عند التعامل الخارجي.. مع السعي لتحقيق أهدافنا ومصالحنا والمحافظة على حقوقنا من خلالها، والعمل، كل في نطاقه، لتطويرها وتعديلها بما يؤمن ذلك..
4 ـ وتشكل الأدوات الإدارية، المرتكز الرابع، ذلك لأن الإدارة، من حيث هي مهنة واختصاص، شأنها شأن سائر المهن والاختصاصات، تحتاج إلى أدوات خاصة بها.. ويجب أن تكون على مستوى متطور كي تساعدها في أدائها وممارسة وظائفها بكفاءة عالية.. ومنها: أدوات الإحصاء، والتخطيط، والاتصالات وتبادل المعلومات، والمحاسبة، والتدريب، والنسخ والطبع والتوثيق " الأرشفة "، والبريد..
* والمقصود بها كل أداة مادية محسوسة يستعملها " الإداريون " مزاولو مهنة الإدارة، تمييزاً لها عن أساليب العمل وتعليماته فهذه تُصنف بين مكونات المرتكز الثالث القوانين والأنظمة وتكملها.. فالنظام المحاسبي أسلوب لأعمال المحاسبة، أما الآلة الحاسبة فهي أداة، نستخدمها في عمليات المحاسبة وغيرها..كما أن المقصود بها أوسع من الأدوات المكتبية.. وهي متنوعة وأوسع من الحصر مع استعمالاتها وفوائدها..
* وأكتفي بذكر أمثلة عن بعضها: × الاتصال والتخاطب..× جمع المعلومات وتبويبها وحفظها وتوثيقها مع سرعة استرجاعها وتبادلها.. × المحاسبة وتنظيم الجرد المادي أو المالي.. × القيادة والتحكم عن بعد.. × النسخ والطباعة والتصوير عن قرب أو بعد.. × نقل البريد وتوزيعه داخلياً وخارجيا.. × مساعدات التدريب.. ×وسائط نقل الأشخاص.. * وسائط نقل السلع وتنضيدها وإخراجها من مستودعاتها آلياً.. × الأثاث المكتبي المريح للعاملين جسدياً ونفسيا.. × وغيرها..
* وأُذكّر بأن الأدوات الإدارية، وخاصة في الاتصالات والمعلوماتية، تشهد في السنوات الأخيرة ثورة فلكية متصاعدة هندسياً في تطور تقنياتها وبرامجها ومجالات الاستفادة منها.. مما يفرض سرعة مواكبة مستجداتها واستعمالها، لمحو الأمية المعلوماتية لدى الإداريين في الدول المتخلفة.. وللاهتمام الدائم برفع مستوى الأدوات الإدارية وتحديثها، لتساعد الإدارة في أدائها بشكل متطور وسريع....
* ولنعترف بأن الدول النامية ما زالت متأخرة لاستعمالها الأدوات المتخلفة، ومترددة في إدخال برمجياتها المتطورة، وأن الكثيرين مازالوا " أُمّيين " في ميدانها!.
* والأدوات تتبادل التأثير والتأثر، مع المرتكزات الأخرى، وتتوقف نتائج أداء الإدارة على مستواها جميعها.. فالأداة المتخلفة تؤثر سلباً على أداء الإنسان وعلى تطبيق القوانين والأنظمة، والنظام الجامد يجر النشاط نحو الخلف، والإنسان الجائع لا ينصرف بكليته للعمل، والجاهل عدو ما يجهل وقد يخرب بدون قصد، كما أن الهيكل التنظيمي غير المنطقي قد يزرع بذرة الإخفاق في مستقبل الجماعةكما سبق القول.. مما يؤكد أهمية العناية والاهتمام برفع مستوى مجموع هذه المرتكزات في آن معاً وعلى التوازي.
سادساً ـ صفات الإدارة
1- الإدارة حتمية، باعتبار أن الإنسان اجتماعي بطبعه، يعيش وينتظم في جماعات متنوعة..
2- وضرورية، بسبب تقسيم العمل والاختصاصات والأنشطة وتنوعها في الوحدات والتجمعات البشرية.. واختلاف إمكاناتها ومواردها.. لتنسق فيما بينها للحصول على أفضل النتائج..
3- وهي موجودة في كل التجمعات البشرية على اختلاف أهدافها ومطارحها ونطاقها.. وبالتالي هي قاسم مشترك، فيها، بدءاً من الأسرة، التي أسميها الوحدة الإدارية الأولى..حتى هيئة الأمم المتحدة.. مروراً بكل أشكال التجمّعات البشرية وتسمياتها.. لتساعدها على بلوغ أهدافها.. إذا كانت " مؤهلة "، والعكس صحيح..
4- وبالتالي، هي اختصاص الجميع ومهنتهم في كل الصعد والقطاعات والأنشطة.. ففي المصنع والمستشفى والمزرعة والنقابة والمدرسة وغيرها.. هناك دائماً رؤساء وأصحاب أعمال ومديرون.. يجمع كل منهم في شخصه اختصاصين: أولهما الإدارة.. وثانيهما الصناعة أو الصحة أو الزراعة أو الحرفة أو التدريس.. مما يفرض على كل منهم إتقان علم الإدارة، إلى جانب إتقانه اختصاصه الأساس..
5- والإدارة مهنة جماعية، إذ يتوقف نجاح التجمع على الجهد الذي يقدمه كل أعضائه.. كأي كيان متكامل، كجسم الإنسان وأعضائه.. وبرغم أهمية دور العاملين في المستويات العليا، فإنه غير كاف.. واليد الواحدة لا تصفق.. وعلى القياديين التصرف على أساس أن مرؤوسيهم أعوان، وليسوا أتباعا..
6- وهي مهنة محلية، تنشط في بيئة معينة وفي ظروف محلية محيطة بها.. وتعمل لتحقيق أهدافها في ضوء إمكاناتها ومواردها المتاحة.. الأمر الذي يجعل الأمور نسبية في عالم الإدارة ولا يترك مجالاً للتقليد والاستنساخ..فلا بد من وجود نظرية إدارية عربية، وإداريين محليين ليحسنوا ممارستها وفق الإمكانات والظروف والخصوصيات المحلية والعربية.. وهي أمور لا يعرفها ولا يشعر بها إلا أبناء الأمة أو المجتمع المعني، ولا ينفع فيها الأجنبي الغريب عن المجتمع والبيئة والعادات والعقلية.. على أن الأجنبي قد يفيد فقط في التنظير وليس الممارسة، وفي الشؤون التقنية للتعامل مع الآلات والتجهيزات والأدوات المادية..
7- والإدارة اختصاص مستقل، لها علمها وفنونها ونظرياتها ومبادئها وأساليبها وأدواتها الخاصة بها.. مما يتطلب وجود أو إيجاد إداريين مختصين " مستقلين " في الإدارة، للقيام بدورها برشد وكفاءة مناسبة.. على أن الإداريين المختصين ما زالوا قلّة.. والاقتصاديون ليسوا إداريين بالضرورة..
8- والإدارة أقدم اختصاص في تاريخ البشرية، بدأت مع أبينا آدم وأمنا حواء.. كما سبق القول.. ونمت مع توزع الأعمال الداخلية والخارجية بين أفراد الأسرة والقبيلة.. وتوسعت وازدهرت مع تقدم البشرية وارتقائها سلم المدنية والحضارة على مر العصور.. كما أن علم الإدارة من أقدم العلوم الاجتماعية.. خلافاً لما يذهب بعض الكتاب المحُدَثين المتأثرين بأفكار أجنبية، من أنه علم حديث!.
9- ومن دور الإدارة الهام والخطير، أستعير تعبير " فتّشْ عن المرأة " الذي يدل على أهمية المرأة في المجتمع، لأقيس عليه وأقول: "فتّشْ عن الإدارة " فهي وراء النجاح أو الإخفاق..
10 ) تتلخص طبيعة الإدارة: علم + فن.. لأنها تماثل كاختصاص ومهنة، طبيعةَ سائر الاختصاصات والمهن التي تتطلب في مزاوليها توفر عنصري: العلم.. والفن.. علم يُدرس.. وفن ينطلق من شخصية المزاول..
أ _ فعلم الإدارة، له مبادئه ونظرياته وأساليبه وأدواته.. ويجب الإحاطة به أولاً، ليتمكن الإداريون ممارستها.. كما نؤهل الطبيب والمهندس والنجار،قبل ممارسة الطب والهندسة والنجارة..
* وهو علم واحد مشترك، في جميع التجمعات البشرية، على تنوع مطارحها ومسمياتها وأهدافها وأنشطتها.. بخلاف ما يذهب إليه البعض من وجود علم إداري مختلف.. وأرى أن علم الإدارة واحد، ذو فروع، تنبثق عنه وتختلف بحسب مطارحها أو مجالاتها وأهدافها ومن يقومون عليها وأهدافهم.. ولكن الفروع تتفق في المبادئ والقواعد والأساليب والأدوات..
* وهو أقدم اختصاص في تاريخ البشرية، بدأ مع أبينا آدم وأمنا حواء، مع تقسيم العمل بينهما.. وتطور بحسب الظروف الإنسانية والزمانية والمكانية.. وتتجلى آثاره مثلاً في: بناء الأهرامات، وسد الصين، وشريعة حمورابي، وقيادة الحروب العسكرية، والتنظيم الكنائسي، وتأسيس الدولة العربية الإسلامية وفتوحاتها.. بخلاف ما يذكره الكتاب المُحدَثون تأثراً بالثقافة الأجنبية، عن أنه اختصاص وعلم حديث بدأ منذ القرن التاسع عشر وما بعده.. وسأتحدث عن قدم اختصاص في حديث مستقل..
* وعلم الإدارة نسبي.. يتأثر بالظروف والبيئة الموجود فيها.. وقد تنجح فكرة أو نظرية في محيطها، ولكنه لا يصح تقليدها في محيط آخر.. لأن ظروف المجتمعات ومؤسساتها لا يمكن أن تتطابق، مهما بدا بينها من تشابه.. فالتقليد والاستنساخ غير وارد، وإن كان الاطلاع ضرورياً على ما لدى الآخرين، ولكن للتحليل والقياس.. ونحن بحاجة إلى نظرية إدارية عربية رشيدة.. تنطلق من تراثنا وواقعنا، وتستهدف ازدهار مستقبلنا.. لأن مصادر علم الإدارة هي التطبيق والنظرية، وهم يتبادلان التأثير والتأثر باستمرار.. والتطبيق في محيط معيّن، يسبق النظرية التي تقيّمه وتنقده وتستخلص الدروس منه..
ب ) وفن.. لأن ممارسة علم الإدارة وتطبيقه، يتوقف على الأداء البشري، ويختلف من شخص لآخر، بحسب مؤهلات كل منهم وإمكاناته ومواهبه الذاتية ومهاراته المكتسبة، برغم خضوعهم جميعاً لتعليم وتأهيل مشترك، في جامعة واحدة مثلاً، كالأطباء والمهندسين.. لذا، فإن طبيعة الإدارة كفن متصل بخصوصيات الأداء البشري، وتتنوع في أساليبها ووسائلها.. وهو تنوع مفروض لسببين:
أ ـ ضرورة التحرك ضمن علاقات بشرية * بين أشخاص مختلفين في إمكاناتهم ومواهبهم وعاداتهم وسلوكهم.. ويحتلون مواقع متباينة في مستويات الهرم الإداري للتجمع.. * وبين رؤساء وأصحاب عمل، وزملاء، ومرؤوسين، ومتعاملين، ومتعاملين ومواطنين.. * علاوة على شروط البيئة المحيطة بالتجمّع أو المجتمع.. وهذا يفرض على الإداري أن يكون " فناناً " في تصرفاته وعلاقاته مع كل منهم..
ب ـ وتحليل الظروف الشاملة والكثيرة الذي يجب أن يجريه الإداري، التي تتصل بالموضوع أو الموقف الذي يواجهه: البشرية والطبيعية والمادية والفنية، الزمنية والمكانية.. مما يفرض عليه أن يكون " فناناً " في تحليله هذا..
ويبقى هذا الفن، في إطار علم الإدارة الواحد الذي نتوارثه جيلاً عن جيل.. برغم تباين المطارح والأهداف والأساليب والأدوات..
سابعاً ـ مطارح الإدارة
هيكل التجمّعات والمؤسسات والمنظمات التي يعمل أو يعيش ضمنها البشر.. على تنوع أهدافها واختلاف ميدان نشاطها.. وهي كثيرة بالتالي.. ومنها على سبيل المثال المجالات أو المطارح: المدني، العسكري، الحكومي، السياسي، الدولي، العام، التعاوني، الخاص، المحلي، المدرسي، الخيري.. وما عرضته فيما سبق، ينطبق عليها وعلى سائر التجمعات البشرية، وينحصر الخلاف بينها..
أ - على التسمية.. فنقول: إدارة مدنية، إدارة عسكرية، إدارة حكومية، إدارة سياسية، إدارة دولية، إدارة عامة، إدارة تعاونية، إدارة خاصة أو إدارة أعمال، إدارة محلية، إدارة مدرسية..
ب - وبحسب أهدافها وأنشطتها وتنوعها، وفي أدواتها وأساليبها..
ت - وفي الأشخاص الذين يكلفون مناصبها ووظائفها الرئيسة وصفاتهم..
ثامناً ـ صفوة القول: دور الإدارة هام وخطير
1) لأن الإدارة، أداة تقوم بدور " صلة الوصل " أو الوسيط بين الأهداف التي ينشدها أي تجمع، وبين الإمكانات المتاحة له.. وبالتالي تتوقف، النتائج التي يمكن أن يصل إليها، على كفاءة هذه الأداة الوسيطة في استعمالها لإمكاناته والحصول على مردود إيجابي منها، أو إهمالها وهدرها.. لأنه بمقدار ما تكون مؤهلة للقيام بهذا الدور، يكون المردود جيداً وممتازا، والعكس صحيح.. وهنا يكمن أساس الخطر.. لذا يقول المثل الشعبي " الفرس من فارسها "..
2) كما أن كفاءة الإدارة، وليست الثروة والغنى المادي، تعتبر معيار التمييز بين الدول والمجتمعات والمؤسسات وسائر التجمعات البشرية، وتصنيفها إلى: متقدمة متطورة، ومتخلفة نامية، بصرف النظر عن مواردها.. فكثير من الدول الغنية في ثرواتها ومواردها مصنفة في عداد المتخلفة، وغيرها فقيرة في مواردها مصنفة بين الدول المتقدمة المتطورة، والشواهد كثيرة بين أقطار الوطن العربي وغيره، ولست بحاجة للتسمية.. والدول المتطورة ذاتها، تعتمد على إدارة قوية، وتتسابق فيما بينها لرفع كفاءة الإدارة لتحافظ على تقدمها وتستمر في تحقيق مصالحها ومكاسبها، على حساب دول العالم الثالث.. لذا، أذهب مع القول المأثور: لا أخاف على الأمة من الفقر، وإنما من سوء التدبير؛ وأقترح العمل بمقتضاه، وأن نتدبر ثرواتنا بإدارة كفؤة رشيدة..
فحريبالدول المتخلفة أو النامية، أن تبذل مزيداً من الجهد لتعزيز واقعها الإداري، بما يساعدها على تطوير مجتمعاتها، والدفاع عن مصالحها وتبادلها مع الآخرين بشروط متكافئة.. وتحقيق طموحاتها وتسريع وتيرة السعي للحاق بركب المدنية والحضارة المعاصرة، والمساهمة في تطور البشرية.. خاصة وأنها ورثت مع استقلالها أجهزةً إداريةً غير مؤهلةً، لتحقيق التنمية الشاملة..
3 ) وتزداد أهمية الإدارة لدينا في الوطن العربي، مع ما يثار حول العولمة أو النظام العالمي الجديد وغيرها من التعابير والمصطلحات، مما طفا على السطح في الحقبة الأخيرة، والترويج لاقتصاد السوق، مما يشكل ناقوس خطر وجرس إنذار يقتضي منا الاستنفار واليقظة والاستعداد الحذر والتكيّف الواقعي، لمعرفة ما يجري حولنا في العالم، وما هو قادم إلينا في وقت قريب أو بعيد، ولمواجهته، إذ لا مجال للتغاضي عنه أو التهرب من ملاقاته؟. فالكرة الأرضية أضحت قرية صغيرة ألغيت فيها الحدود.. والمواجهة الجدية الواعية لأية قضية، تعتبر نصف الطريق لتجاوزها بنجاح.. أليست هذه مهمة جسيمة بمضامينها وخطيرة في نتائجها، وترقى إلى مصاف المهمات الوطنية والقومية؟، أليس هذا دور الإدارة العليا؟ الذي يفرض رفع مستواها؟. بشكل متوازن في اتجاهين: الخطر الخارجي، والتطوير الداخلي.. بما يكفل حسن ترتيب الداخلي من جهة، والاستعداد الخارجي من جهة ثانية لللمحافظة على مصالحنا بشكل عادل في علاقاتنا الخارجية..
4 ) وبرغم ذلك، فإن الإدارة مهنة مظلومة!. كما سبق القول، لأنها وبخلاف باقي المهن، ما تزال تمارس دون سابق تحضير وتعليم..
5 ) والفن في تطبيق علم الإدارة، يجعل الأمور نسبية في عالمها، ولا تقبل التقليد والاستنساخ..
وهو في الممارسة الإدارية، وخاصة من المستويات العليا، أهم وأخطر في آثاره، من الفن في بقية الاختصاصات والمهن.. لأن ما تجريه الإدارة العليا وأصحاب الأعمال وكبار الإداريين، يكون غالباً ذا صفة عامة تشمل في آثارها شرائح واسعة من المستويات الوسطى والقاعدية في التجمع، وتمسّ جماهير المواطنين حين تصدر عن إدارة حكومية مركزية..
6 ) ويعتبر موضوع تعيين الرجل المناسب في مكانه، ذا أهمية خطرة متميزة.. لأن تغليب النظرة الشخصية الضيقة في تطبيقه يؤدي إلى ضعف الإدارة وابتعادها عن القيام الدور المطلوب منه.. مما يوجب توفير ظروف إعماله الموضوعية لملء المناصب والوظائف الشاغرة بعناصر مؤهلة، وتبعدنا عن التي تقتصر على انتقاء المعارف، ومعارف المعارف، والمحاسيب والأزلام..
* * *
التخطيط للتنمية الإدارية
أولاً ـ تمهيد
تحدثت في موضوعات فقد عن الإصلاح أو التنمية الإدارية، وها أنا أعرض هنا ما تكوَّن لديَّ من تداعيات وخبرات عن مراحل عملية التخطيط للتنمية الإدارية أي إصلاح الإدارة وترشيدها بشكل مستمر، التي أعتقد أنها تفيد القارئ المهتم....
ثانياً ـ مراحل التخطيط للتنمية الإدارية
1 ) المرحلة الأولى: تقييم الواقع الإداري.. وهي المرحلة الأهم، إذ تُبنى عليها المراحل التالية، وتشمل 3 محاور متكاملة..
أ - المرتكزات الأساس للإدارة:
* الإنسان، وأوضاعه المادية ومستواه التعليمي والمسلكي والمعنوي والانضباطي..
* القوانين والأنظمة النافذة، العامة والخاصة.. المتعلقة بالاستخدام والرواتب والأجور والحوافز، والإدارة المحلية والتخطيط والإحصاء والمتابعة والمالية والمحاسبية.. ومدى ملاءمتها لمتطلبات المرحلة، وحاجتها للتطوير..
* التنظيم الهيكلي والملاكات، للإدارة الحكومية ومستويات الهرم الإداري الأساس، كمجلس الوزراء واللجان الوزارية المنبثقة عنه، والجهات والهيئات المرتبطة به، والوزارات، والإدارة المحلية والمحافظات، والمءسسات والشركات العامة.. وتوزيع الصلاحيات والمسؤوليات بين الجهات العليا والمتوسطة والقاعدية، المركزية والمحلية.. ومدى تحقق الاستقلالية والمرونة للجهات المرؤوسة أو الوسطى والقاعدية..
* الأدوات الإدارية، وبخاصة أدوات الاتصالات والمعلوماتية وشبكاتها.. ومدى حداثتها وتأثيرها على النشاط الإداري، أو الاعتماد على العمل اليدوي، مما يضيّع الوقت والجهد، ويتسبب في التراكم وفوضى المكاتب والبيروقراطية المرضية، ويؤدي إلى عدم سلامة القرارات المتخذة والخطط والمتابعة!.
ب - الوظائف العامة للإدارة: كالتنظيم، والتخطيط، واتخاذ القرار، والتدريب، والتحفيز، والإحصاء، والتتبع والرقابة.. من حيث كيفية ممارستها وخاصة في المستويات العليا والمتوسطة.. ومدى توفر أ – الجهات والهيئات المركزية التي تساعد الإدارة العليا في ممارسة هذه الوظائف أو تعرقلها.. ب - الكفاءات البشرية المؤهلة لها، والأدوات المساعدة على أدائها.. ت - والأدوات المساعدة على أدائها..
ت - المهام التقليدية للإدارة: كالشؤون الشخصية، والديوانية، والقانونية، والاتصالات والمعلوماتية ، والحفظ والأرشفة، البريد، والأبحاث، والمحاسبة.. وتقيّم، كما الوظائف العامة..
ولا شك في أن مثل هذا التقييم الواقعي، يوصلنا إلى استنتاجات تساعدنا في للسير في المراحل التالية لها..
2 ) المرحلة الثانية: تحديد أهداف المرحلة المخطط لها وإجراءاتها
انطلاقاً من تقييم الواقع الإداري، ومن الإمكانات المختلفة المتوفرة، وبعد تقصّي أسباب إيجابيات الواقع وسلبياته، وما توحيه من استنتاجات، لتعزيز الإيجابيات وتدارك السلبيات.. تُتخذ الخطوات الآتية:
أ - تحديد الأهداف الاستراتيجية بعيدة المدى، والأهداف العامة المركزية والقطاعية والفرعية والمحلية.. التي ستنفذ خلال المرحلة المخطط لها.. متوخين في ذلك إمكانية تحقيقها مع شيء من الطموح، وليس الجموح، ومن ثمّ، ترتيبها حسب أولويات زمنية، تكفل تمهيدَ بعضِها للبعض الآخر.. وذلك بالانسجام مع الأهداف الاستراتيجية والعامة للمرحلة، وبالتناسق مع الخطة العامة لتنمية المجتمع وتطويره..
ب - ترجمة الأهداف، من صيغ مجردة، إلى مشاريع وإجراءات محسوسة.. فهدف تأهيل العاملين مثلاً، يوجب تسمية دورات تدريبية محددة المنهاج، والعناصر التي ستتبعها، والجهات أو الكليات والمعاهد المكلفة بتنفيذها، ومتى.. كما تسمى القوانين التي ستُطور أو تعدل، ومن سيقوم بذلك، ومتى..
3 ) المرحلة الثالثة: إعداد مشروع الخطة
وذلك بتنظيم الوثيقة أو الوثائق، التي تتضمن مشروع الخطة، والتي تُعتمد بها الخطة، من قبل السلطة المختصة، لتصبح ملزمة.. وتتضمن عموماً:
أ - الأهداف المطلوب تحقيقها خلال سنوات الخطة.. على صعيد المجتمع كله، وعلى صعيد القطاعات والأجهزة المختلفة، مركزيا ومحلياً..
ب - الإجراءات والإحداثات والمشاريع المادية، أو الإجراءات المنهجية الأسلوبية، اللازمة لتحقيق الأهداف، بترجمتها إلى واقع ملموس..
ت - الجهات المكلفة بالتنفيذ، المركزية والمحلية، وسائر الجهات، الموجودة أو التي ستحدث.. والمراكز التعليمية والتدريبية وغيرها..
ث - الجهات المساعدة في التنفيذ، ودور كل منها.. في تنفيذ الأهداف والإجراءات، ودور كل منها..
ج - الإمكانات البشرية والاعتمادات المالية والمستلزمات المادية والفنية.. الموضوعة بتصرف الجهات المنفذة والمساعدة..
ح - مواعيد التنفيذ من قبل الجهات المنفذة والمساعدة.. مع برامج زمنية تحدد فيها مواعيد الإنجاز أو أوقات البدء والانتهاء لكل مهمة.. وكيفية التنسيق بين الجهات، مادياً، وزمنياً " التزامن ".. ليتكامل أداؤها، ولا يؤخر بعضُها البعضَ الآخر..
خ - تسمية جهات الإشراف، المركزي والمحلي والقطاعي، على التنفيذ والمتابعة، وأساليبها، وأوقاتها..
د – تحديد معايير قياس الأداء وتقييم النتائج..
ذ – تحديد مواعيد رفع تقارير المتابعة من قبل الجهات المنفذة والمساعدة، ونماذجها ومحتوياتها.. والجهات التي ترفع إليها..
ر - . . . . . . .
4 ) المرحلة الرابعة: متابعة تنفيذ الخطة والمساعدة فيه
بعد توزيع أو تعميم وثيقة " في الوحدات أو المستويات القاعدية " أو وثائق الخطة وبرامجها على الجهات المنفذة والمساعدة والإشرافية والمتابعة وسائر الجهات ذات العلاقة.. ووسائل الإعلام..
وتتم عموماً من خلال: الزيارات الميدانية والمكتبية، أثناء مراحل التنفيذ وبرامجه.. لرصد ما يجري عملياً وتقييمه، والمساعدة في تجاوز الصعوبات.. وتصحيح المسار إذا لزم، في ضوء ذلك، وفي ضوء المستجدات والظروف الطارئة، الداخلية أو الخارجية، بالتعديل أو الإضافة أو الحذف..
ويؤخذ خلال المتابعة بالاعتبار، التخطيط للتنمية الإدارية في المراحل المستقبلية القادمة، لسنوات الخطة التالية وما بعدها.. بالتوافق مع خطوات التطوير المستمرة في المجتمع، ومع التخطيط العام للتنمية الشاملة..
رابعاً ـ خطوات ضرورية للنجاح
بغية إعداد الإنسان الكفء المؤهل للقيام بمثل هذه الخطوات المرحلية المتتابعة..
فإني أقترح، أثناء إعداد الخطة الأولى للتنمية الإدارية، القيام بإجراءات سريعة، تتلخص بالآتي:
أ ـ إعطاء التدريب والتأهيل عموماً حقه في كل المستويات.. ولا سيما في المستويات العليا..
ب ـ استكمال تنظيم " السجل أو الكشف الإحصائي العام " للعاملين، الذي يتضمن تسجيل كل وقائعهم وإمكاناتهم: الاجتماعية والعلمية واللغوية والوظائف التي شغلوها……
ت ـ وتدقيق توصيف الوظائف وشروط إشغال كل منها..
بما يساعد في حال تطبيق أ ، و ب ، و ت ، على تطبيق وضع الشخص المناسب في المكان المناسب له، وفق شروط موضوعية، لا شخصية..
خامساً ـ صفوة القول
لن أستطرد، وأكتفي بما أوردته.. لاعتقادي بأن مثل هذه الخطوات الضرورية قد كوّنت قناعة لدى المعنيين والمسؤولين والمهتمين والقرّاء، بأنه لا يجوز إبقاء الإدارة " يتيمة " لا وصي عليها يرعاها، ولا مسؤول عنها يعكس مثل هذه الخطة إلى واقعً ملموس، ويتابعها..
على أنه لما كان التخطيط، بكل أشكاله وأنواعه، مستمراً ولا يتوقف عند مرحلة معينة فهو نظر دائم إلى المستقبل القريب أو البعيد..
ولما كان التخطيط للتنمية الإدارية يجب أن يسير على التوازي مع التخطيط لتنمية المجتمع الشاملة في كل الميادين والمجالات والقطاعات.. إن لم أقل: يجب أن يسبقها ليحضر لها ما تحتاجه هذه الميادين والمجالات والقطاعات وغيرها، وليؤمن لها إدارات رشيدة كفؤة تساعدها على حسن إدارة عمليات التنمية الشاملة واستثمار مشاريعها ومرافقها الموجودة والمُحدَثة..
فإني آمل من الحكومة، الإسراع في إيجاد " قاعدة انطلاق " وطيدة لمثل هذه الخطة وما يتلوها، في إحداث جهة " وزارة " دائمة مختصة بأمور التنمية الإدارية كلها، بشكل مستمر.. وبذلك نتلافى التأجيل وضياع الجهود التي تبذلها اللجان المؤقتة غير المتفرغة، وتعالج موضوعات جزئية، ولا تنطلق اللجان من دراسات وإجراءات شاملة.. ذلك لأن إعداد الخطة، غير كاف لوحده، وإن كان لازما.. ولا بدّ من استمرار الجهود بالتنفيذ والمتابعة، وهذا الأمر يحتاج إلى "جهة " دائمة مسؤولة عن تنفيذها ومتابعتها، بشكل مستمر ودون انقطاع..
* * *
بسم الله الرحمن الرحيم
علم الإدارة الأقدم في تاريخ البشرية
أولاً ـ تمهيد
سبق أن قرأت في الأدبيات الإدارية المعاصرة مقولات تزعم أن علم الإدارة علم حديث العهد.. مما حرَّضني على تقصي الموضوع وبيان حقيقته.. وأدرج هنا بعض ما قرأت:
" ممارسة الإدارة قديمة قدم الحضارة الإنسانية، وإن كان علم الإدارة حديثاً بحداثة الثورة الصناعية التي تعود إلى بداية القرن التاسع عشر..".. د. عبد الرحمن توفيق، مجلة العربي ـ الكويت ـ شباط، فبراير 1995..
" فهذا العلم حديث العهد وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية مهد دراسته..".. فوزي حبيش، مجلة الإداري ـ لبنان ـ تشرين الأول، أكتوبر 1994..
" إن الناس، وإن كانوا مديرين، لم يكتبوا عن الإدارة أو يعترفوا بها كعنصر له وزنه إلا من وقت قريب نسبيا..".. كلود س جورج الابن، كتاب تاريخ الفكر الإداري ـ نيوجرسي 1972 ترجمة أحمد حمودة، مكتبة الوعي العربي ـ مصر..
" ما يزال علم الإدارة علماً ناشئاً يخطو بسرعة نحو التقدم والتكامل، ولم يتخذ طابعاً منظماً إلا في القرن العشرين وفي الولايات المتحدة الأمريكية..".. د. كمال الغالي، كتاب الإدارة العامة ـ جامعة دمشق ـ 1982..
" إن أي إدعاء بوجود علم للإدارة العامة هو ادعاء أجوف، فمن المتصور وجود للإدارة العامة الأمريكية، وثاني للإدارة العامة البريطانية، وثالث للإدارة العامة الفرنسية، لكن السؤال هو: هل يمكن إيجاد علم للإدارة العامة بشكل يضم مجموعة من المبادئ العامة غير المقتصرة على بلد معين؟..".. د. فيريل هيدي، أميركي، كتاب الإدارة العامة ـ منظور مقارن، ص 13 ترجمة د. محمد قاسم القريوتي ـ المطبعة الاقتصادية ـ عمّان ـ الأردن 1983..
" رغم الجذور التاريخية العميقة للإدارة كنشاط إنساني إلاّ أن علم الإدارة قد تخلف عن العلوم الأخرى، ولم يصل إلى تلك المعارف، ومردّ ذلك انشغال الدولة برسم السياسة الداخلية والخارجية دون الالتفات للعملية الإدارية..".. د. مهدي حسن زويلف ود. محمد قاسم القريوتي، كتاب مبادئ الإدارة، آراء ونظريات، ص 12 ـ جمعية عمال المطابع التعاونية ـ الأردن 1983..
" الفكر الإداري قديم قدم الحضارة بيد أن الإدارة كعلم له أصول وقواعد " يمكن تدريسها وتعلّمها " أمر حديث النشأة، وحتى اليوم لم تكتمل معالم هذا العلم بعد فهو لا يزال تحت التكوين والمحاولات مستمرة لإكمال معالمه..".. د. محمود عساف، كتاب أصول الإدارة، ص 148ـ مطابع الهيئة العربية العامة للكتاب ـ مصر 1976..
لا أناقش تفصيلاً كلاً من هذه الأقوال والأفكار، التي تذهب إلى حداثة علم الإدارة، مما قد يخرجنا عن هدفنا الأساس وهو البرهان على عكس ما اتجه إليه أصحابها.. لأن الإدارة برأيي أقدم نشاط أو اختصاص في تاريخ البشرية، وبالتالي فإن علم الإدارة هو أقدم العلوم البشرية.. معتمداً المنطق الآتي في ما أذهب إليه:
1 ) من المتفق عليه أن الإنسان اجتماعي بطبعه، ينزع للتجمع في جماعات مختلفة الأشكال والمسميات.. وأن استمرار الجنس البشري وبقاءه مرهون بالزواج، والزواج هو اجتماع اثنين، اجتماعهما في الأسرة. حيث تبدأ "الإدارة "، وتزداد علاقاتها وآثارها واتساع نطاقها مع إنجاب الأطفال، الذين يكونون موضع الإشراف والتوجيه والتعليم والأوامر والمراقبة من قبل والديهم.. وأسمي الأسرة: الخلية الإدارية الأولى.. ومن ثم، تنمو الأسرة بالأحفاد وتابعيهم من الأجيال، فتنشأ القبيلة، والعشيرة، والأمة، والدولة..
2 ) من الطبيعي، أن وجود التجمع البشري أو الجماعة، تحت هذا الاسم أو ذاك، يوجد علاقات مشتركة ومتشابكة متعددة الأشكال بين منتسبيه، توزعهم أو تقسمهم إلى مستويات:
أ ـ سلطوية، للأب، أو زعيم القبيلة، أو الأمير، أو الرئيس، أو القائد..
ب ـ زمالة، بين المتساوين في المراتب والحقوق، كالأخوة الأبناء في الأسرة، وأفراد القبيلة أو التجمّع..
ت ـ خضوع أو التزام، للقابعين في المستويات القاعدية من التجمّع: الأسري، أو القبلي، أو المجتمعي، أو الأممي، أو الدولي..
ونستطيع تصوير توزّعهم وعلاقاتهم واختصاصاتهم هذه، بما نسميه اليوم اصطلاحاً " الهرم الإداري " ذا المستويات الثلاثة: الأعلى، المتوسط، القاعدة..
3 ) ومن الطبيعي أيضاً، أن جملة هذه العلاقات، وما يحكمها ويضبطها من أسس ومبادئ، مهما كانت بسيطة في بداياتها، قد شكلت تقاليد وأعرافاً " أي نظاماً " ما، عرفياً، مسموعاً ومتداولاً ومحفوظاً في الذاكرة، ومتوارثاً مع تعاقب الأجيال.. يُحدد لكل مستوى منهم، صلاحياته واختصاصاته والتزاماته وواجباته وحقوقه..
إلى أن كرّسه الإنسان وأثبته ووثقه بأسلوب ما، حين تعرّف تخليد آثاره وآرائه بالأساليب والفنون المختلفة: كالرموز، والحفر، والنقش، والرسم.. إلى أن أصبح " النظام " مكتوباً حين ابتدع هذا الإنسان الكتابة..
4 ) وتطورت أداة النظام أو العملية الإدارية، مع تطور أشكال التجمعات البشرية، من الفردية المتمثلة بالأب أو شيخ القبيلة أو الأمير.. إلى الجماعية، حين اتسعت التجمعات وكبرت بحجمها وأهدافها ونطاقها المكاني..
فلجأ " صاحب السلطة " إلى:
* اختيار أعوان له ومنفذين يؤازرونه في المهام التي تشعبت وتنوعت، بدءاً من الحراسة والدفاع لتفادي هجمات الوحوش أو اعتداء التجمعات البشرية الأخرى..
* مروراً بتأمين وسائل المعيشة بالصيد في البر والبحر والجو أو بالزراعة..
* وبتأمين الانضباط والعدالة والتعليم بين أفراد التجمع وفصائله، وهكذا..
الأمر الذي استدعى إيجاد قواعد وضوابط وتقاليد وأعراف وأحكام تنظم كل ذلك.. مما أضاف تعديلات وتكاملاً " للنظام " الإداري..
وتجدر الإشارة إلى أن القضاء البريطاني ما زال يعتمد على " العرف " والاجتهاد في أحكامه.. فهل يصح القول: إن علم الحقوق غير موجود في بريطانيا؟.
كما تجدر الإشارة إلى ملاحظة أعم، وهي أن الدستور في العديد من الدول يعتبر " العرف " أحد مصادر التشريع..
فعلينا، نحن الذين نهتم بالإدارة ونتعلمها وندرسها، أن نعترف ونقرّ " بالعرف " الإداري أساساً للعلم الإداري ودليلاً أو قرينة على وجود هذا العلم منذ القديم، وليس حديثا..
5 ) ومع تطور الحضارة، بمرور الزمن والقرون، وتنوع الأهداف والأنشطة والمهام البشرية، تطوَّر " النظام " والعمل الإداري وتشعب، وعُرفت، وكُتبت، وقسمت وظائفه، كجزء من تقسيم العمل والاختصاصات بين الأفراد والأقسام الفرعية.. فكانت "البيروقراطية " أو حكم المكاتب في المصطلح الحديث، وكان " الجهاز الإداري "، مما استتبع بداهة إيجاد القواعد والمبادئ الإدارية التي تنظم كل ذلك..
6 ) ومن ثم، ومع وجود المنظرين والمفكرين والنقاد الذين يرصدون النجاحات والإخفاقات، ويقدمون آراءهم ومقترحاتهم حولها، فقد تراكم لدى مهنة الإدارة " علم إداري " له مبادئه ومنطلقاته وأساليبه، وله نظرياته التي تتابع التطبيق والتجارب في كل الميادين " الناجحة والمخفقة " وتقيّمها، فتضيف أو تُعدل في هذا العلم وتطوره..
7 ) وباعتبار أن " الإداريين " وهم بشر، يمارسون الإدارة ويطبقون علمها، فقد امتزج تطبيق هذا العلم على أرض الواقع، بذاتيتهم وبإمكاناتهم الشخصية التي تختلف من فرد لآخر.. فوجد " فن " الإدارة، سواء في العلاقات بين الزعماء أو الرؤساء والمرؤوسين، والزملاء، ومع سائر الأفراد والمتعاملين وجماهير المواطنين.. وسواء بالنسبة لتحليل أو تقييم الظروف المتنوعة المحيطة للتصرف في مواجهة أي موقف أو موضوع أو هدف، والتخطيط له، أو اتخاذ قرار حوله..
ورصد المنظرون والمفكرون والنقاد هذا " الفن " وقدموا آراءهم فيه ومقترحاتهم..
8 ) وهكذا، وبتبادل التطبيق والنظرية، وتعاقبهما منذ فجر التاريخ وعبر عصوره، وبالتأثير والتأثر المتقابل بينهما، فقد وطّدا "علم الإدارة " تقاليدَ، وعُرفاً، وكتابةَ، وطوراه باستمرار مع تطور الظروف البشرية المتغيرة وأدواتها المتبدِّلة باستمرار..
9 ) ولا أعتقد بعد ما تقدم، أن باستطاعة أحد، أن يدعي أو يحدد متى بدأ " علم الإدارة " بالظهور والتوضع وفي أي عصر، فهو أقدم من أي استقصاء..
10 ) وأخيراً.. لنتصور حياة " الجماعات " منذ أبينا آدم وأمنا حواء، ومن جاء معهم وبعدهم من الأجيال.. ولنحاول أن نستوضح بعض حاجاتهم وبالتالي أهدافهم، وكيف تدبرونها ليستمروا على قيد الحياة، مهما كانت معيشتهم أولية وبدائية.. ولنطرح تساؤلات بسيطة..
أ ـ ألا يحتاج الإنسان أو هذه الجماعات إلى: * الغذاء والماء ليستمر في معيشته.. * واللباس الذي يستر جسمه ليقيه الحرَّ أو البرد.. * والمأوى أو السكن في أي مكان على الأرض.. * والنظافة الشخصية لجسمه، ومأواه.. * والحماية من الحيوانات المفترسة في البدء، ومن ثم من " الجماعات " البشرية الغازية بعد ذلك.. * والأدوات أو الوسائل التي بواسطتها توفير هذه الحاجات.. * و ……… ؟؟.
ب ـ ألا ينتج عن هذه الحاجات وغيرها.. تساؤلات أخرى لا يمكن حصرها.. × كنوعية الغذاء نبات أم لحم، ومن أين نؤمنه، من أشجار الغابات أم من السهول، من الحيوانات في البراري أو الغابة، من السمك في الماء، أم الطيور في الجو، وكيف سنعدُّه ونجعله صالحاً للأكل من قبل الإنسان أي نطبخه.. × ومن أن يُجلب الماء النظيف للشرب أو للنظافة، وأين يخزنه.. × وأين الإيواء، على الشجر، أم على الأرض في الغابات أم في البراري، وكيف يجهز المأوى، وما هي المواد اللازمة له.. × وكيف تكون الحماية.. × وكيف تكون النظافة.. ولن أستمر بالتساؤلات.. وإنما أريد إجابة على سؤال واحد..
ت ـ من سيقوم بكل ذلك؟ هل كل فرد في الجماعة أم كل الجماعة؟ أم ستوزع بعض الحاجات أو الحاجة الواحدة على فرد أو بعض الأفراد في الجماعة؟. بحيث يختص البعض بتأمين الغذاء من البر أو البحر أو الجو.. البعض بتوفير المياه.. وبالإيواء.. وبالحماية.. وهكذا..؟. أليس هذا نوع من تقسيم العمل بين أفراد الجماعات وما يتولد عنها؟. ألا يتطلب هذا الوضع من يفكر فيه، ويتدبره، ويديره؟.
أخلص من هذا، أن الإدارة مورست على الأرض منذ أبينا آدم وأمنا حواء، والجماعات البدائية الأولى.. ومن ثمّ تراكمت الممارسة والتطبيق، وتابعتها النظرية، وتناوبت معها، فكان علم الإدارة القديم جداً، ثم تطوّر..
ثالثاً ـ تساؤلات تؤكد قدم علم الإدارة
وتدعم وجهة نظري، التساؤلات الآتية، التي أوردها بتكثيف شديد وأضعها بين يديْ القرّاء والدارسين الإداريين:
أ ـ كيف نُظمت أمور الأمم والدول الغابرة في التاريخ؟. السومرية، المصرية، الرومانية، الفينيقية، البابلية، الكلدانية، اليونانية، البيزنطية، الفارسية، الهندية، وغيرها.. وكيف بُني سور الصين العظيم؟. وكيف بُنيت الأهرامات الخالدة؟. ألم يشارك فيها مئات الألوف من الناس ولمدد طويلة؟. " إذ يروى أن 100 ألف شخص قد ساهموا في بناء أحد الأهرامات ولمدة عشرين سنة ".. وأين كانت الولايات المتحدة الأمريكية وقتذاك؟، وما ذا عن " النظام " الذي كان يحكم حياة قبائل الهنود وقياداتها قبل اكتشاف القارة الجديدة؟.
ألم يكن وراء كل كذلك " إدارة " منظمة بشكل ما، وبالتالي " علم " إداري على قدر ظروفها ودرجة تطورها وارتقائها سلم الحضارة؟. أم كانت أمورها وشؤونها تسير عفوية تلقائية، عشوائية دون ضوابط؟!.
ولا يبدأ التأريخ، كما يقال، من شخص واحد، أو من مرحلة معينة لشعب معين.. وإنما بدأ وتراكم منذ وجد الإنسان "الاجتماعي " وانتظم في جماعات وتجمّعات مختلفة، ومنذ وجدت العلاقات البسيطة، ثم المتشابكة المعقدة، التي نظمتها وحكمتها " الإدارة " بعلمها وفنها المتوارث بين الأجيال.. وبالطبع، فإن تلك الأمم والدول قد سطرت ووثقت وخلدت تاريخها وحضارتها بالشكل الذي كانت قد توصلت وتجيده، بالنقش، بالنحت، بالرسم، بالكتابة بخط اليد، بالطباعة.. وشريعة حمورابي مثال بيّن على ذلك..
ب ـ وكيف نُظمت الحملات والغزوات والصراعات والحروب العسكرية المسلحة، بين الجماعات والتجمّعات، والقبائل، والشعوب، والدول؟. وكيف جرت قيادة المقاتلين والجيوش، في هجومها ودفاعها وتراجعها، في انتقالها ومبيتها وتموينها وتسليحها وإمداداتها؟. ألم يكن وراءها " قيادة " أو " إدارة " تناسبها، وعلم عسكري إداري معروف عرفاً، ثم مكتوب؟. وأين نحن من التاريخ العسكري الذي يعرض لنا بوثائق وأساليب متعددة، علم قيادة الحروب والمعارك وفنونها منذ التاريخ الموغل في القدم، ويُحلل أسباب الانتصارات والهزائم، مما يشكل تراثاً " قيادياً وإدارياً " قيّماً وواسعا؟. أليس القادة العسكريون والفاتحون " إداريين " ؟.
وتجدر الإشارة هنا، إلى أن علم الإدارة ومبادئه وقواعده وفنونها، متشابهة بصورة عامة، وكذلك دورها، برغم اختلاف مطرحها أو موضوعها أو اختلاف قطاعها وأهدافها ومجالاتها بين: عسكرية، مدنية، اجتماعية، اقتصادية، تربوية، رياضية، سياسية، صحية.. وبالتالي أقول: إن علم الإدارة واحد.. ثم يتفرع ويتخذ بعض الخصوصيات بحسب المطارح أو التجمعات التي ينظمها، مما يجعله يأخذ تسميات مستمدة من أسماء هذه المطارح فيقال: إدارة عسكرية، إدارة مدنية، إدارة عامة، إدارة حكومية، إدارة أعمال، إدارة تعاونية، إدارة تعاونية، إدارة سياسية، إدارة مدرسية.. وهكذا.. مما يسمح بالاستنتاج، أن الإدارة " قاسم مشترك " موجود في كل تجمع بشري، ليستطيع تحقيق أهدافه باستخدام ما لديه من إمكانات متنوعة على أحسن وجه..
كما تجدر الإشارة أيضاً إلى أن مادة الحروب والصراعات المسلحة، تتركز في البشر وتستهدف حياتهم وهي أغلى ما يملكون.. ألا يخطط القادة وينظمون الصفوف ويقررون، ويرفعون المعنويات، ويدربون ويعلمون مرؤوسيهم، من الضباط والرتباء والأفراد، القيادةَ أو الإدارةَ ومبادئ الحرب وقواعدها وفنونها في مراكز تعليمية متنوعة التسميات؟. مما يجعلنا نقع في خطأ جسيم إذا نحن أغفلنا التراث والعلم القيادي أو الإداري العسكري القديم، وزعمنا أن علم الإدارة علم حديث، بدأ منذ قرن أو قرنين أو بعض قرون خلت!.
ت ـ ألم تكن الهيئات الكنسية والأديرة " تدار " وما تزال، بنظام هرمي تسلسلي يحكم العلاقات والاختصاصات والالتزامات والحقوق من أعلى سلطة إلى القاعدة، وبالعكس؟. مما يصح معه القول: إن الإدارة الجيدة كانت ضمانة لاستمرار الكنيسة وتطورها عبر الأزمنة والظروف التاريخية التي مرت بها.. أم كانت الأمور فيها وتدبير شؤونها متروكة للعفوية أو المزاجية ولا تحكمها أية ضوابط تنظيمية؟. ألا يحق لنا أن نطلق تسمية " الإدارة " على نظامها، ونقرر وجود " علم الإدارة " على ما كان يجري فيها وما زال؟. وهل هذا علم حديث جديد، أم قد مضى عليه 2000 سنة؟.
بل إن العلم الإداري يستعمل في الإدارة، أحد المصطلحات الشائعة من التراث الكنسي، فقد " كان هذا التنظيم الكهنوتي فتحاً جديداً في عالم الإدارة، حيث نشأ في السنوات الخمسين الأولى بعد الميلاد، ولا زال هو السائد، من حيث شكله، اليوم فيما يتصل بالأعمال ذات الطابع العام، بل إنه من مميزات التنظيم البيروقراطي، الذي يقوم على أساس من التدرج في السلطات الرسمية التي يطلق عليها رجال الفكر الأجانب " الدرجات الهيراركية " أي الكهنوتية. د. محمود عساف، المصدر السابق. ص 32
ث ـ ونحن العرب المسلمون، كيف ننسى تاريخنا وتجاربنا وتراثنا؟.
ألم تضع الآية الكريمة ) لا يكلف الله نفساً إلا وسعها.. ( البقرة 2/286 أساس تكليف العامل على قدر إمكاناته، وبالتالي وضع الرجل المناسب في مكانه؟. وكذلك أرست آيتا )..وشاورهم في الأمر.. ( آل عمران 3/ 159و).. وأمرهم شورى بينهم.. ( الشورى 42/38 قاعدة العمل الجماعي والمشاركة الواسعة في العمليات الإدارية، وهو أحد الأساليب التي تتبعها الإدارة اليابانية الناجحة في وقتنا الراهن..
ألا يكرس الحديث الشريف [ إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم ] مبدأً إدارياً هاماً، ويعبر عن ضرورة وجود أمير أو رئيس أو مدير في كل تجمّع بشري، مهما بدا صغيرا؟. كما يوحي لنا بمنشأ الإدارة الناجم عن طبيعة الإنسان واجتماعيته، وبأنها قاسم مشترك في كل تجمع..
وألا تعتبر الآية الكريمة ) وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل.. ( الأنفال 8/60 ، والحديث الشريف [ علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل ] توجيهاً صريحاً للقيام بوظيفة " التدريب " بكل أشكالها، حسب المصطلح الحالي؟.
وأين نصنف ما أوجدته الدولة الإسلامية، منذ فجر نشوئها وفي مراحلها المتتالية، من حيث إحداث دواوين: الرسائل، الجند، المظالم، الشرطة، البريد، العطاء، الري.. وإحداث مناصب ووظائف: أمين بيت المال، الكاتب، المحتسب، الحاجب، الوزير، القاضي، أمين الكتب، الوالي، قائد الجند..
فإذا كان أجدادنا قد استعملوا تعبير " الديوان "، الذي يقابل في العصر الحاضر مصطلح " الوزارة " بحيث نستطيع القول: وزارات الدفاع، العدل، الداخلية، المواصلات.. ألا يدخل كل هذا وغيره، في باب المؤسسات الإدارية ووظائفها، والتنظيم الهيكلي الإداري للمجتمع والدولة؟.
بل أكاد أزعم أن أول ما استُعملَ مصطلحُ " وزير " في القرآن الكريم، كما حددت فيه معالم صلاحياته، حيث نقرأ: ) واجعل لي وزيراً من أهلي. هارون أخي. أشدد به أزري. وأُشركه في أمري. ( طه 20/29 – 32 و ).. وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا. ( الفرقان 25/35...
وأسأل: كيف جرت الفتوحات والانتصارات العربية الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها؟. ألم يكن وراء كل ذلك تنظيم وتخطيط وتنسيق وتدريب واتصالات وجمع معلومات أو إحصاء وتمويل وتموين ومتابعة.. بحسب مصطلحاتنا المعاصرة؟. ألا يشكل ما ذكرته باقتضاب، وغيره [1]، تراثاً وعلماً إدارياً غنيا؟. ألم يمض عليه 1400؟. فهل يحق لأحد إغفاله وتناسيه؟!. ستزداد قناعة القارئ ويجد المزيد من الشواهد، بعد إطلاعه على كتابيْ: الإدارة الرشيدة، وقطوف إدارية من القرآن، للآنسة عنان شيخ الأرض وأحمد عبد السلام دباس، الصادرين عن دار الفكر بدمشق عامي 2002 و 2003..
ولن أستطرد، وأكتفي بما أوردته من بيان وتساؤلات، لتوضيح وجهة نظري في " أقدمية " الإدارة وعلمها وفنها، بأسلوب منطقي متدرج..
فلنرجع أولاً إلى التراث البشري وحضارة الإنسان وإلى التاريخ، في أصقاع الأرض كافة، ولدى جميع الشعوب على مر العصور، ومنذ عُرف تاريخ البشرية، بما فيه تاريخنا، ودُوّن ووّثق وكُتب ووصل إلينا.. ثم لنقرر: هل علم الإدارة قديم، أم هو حديث اكتشفه البعض مؤخرا!.
رابعاً ـ أسباب الالتباس
أعتقد أن الالتباس الحاصل لدى القائلين بحداثة علم الإدارة، يعود إلى الأسباب الآتية:
1- أن العلوم في العصور الغابرة كانت متداخلة فيما بينها.. وكان الفيلسوف أو العالم، كما هو معروف، "موسوعياً " شاملاً ومحيطاً بجميع أو معظم المعارف والعلوم في آن معا.. ولكن مع توسع المعارف والعلوم أخذ بعضها يتميز عن بعض ويستقل..
وكان هذا حال العلم الإداري كعلم ينتسب إلى العلوم الاجتماعية.. على أني أعتقد بأنه أصل هذه العلوم الاجتماعية، لأن الإدارة حتمية الوجود لمجرد كون الإنسان اجتماعياً بطبعه، وقد مارسها أولاً وقبل كل شيء أو نشاط أو اختصاص.. ويقول فوزي حبيش، في كتاب مبادئ الإدارة العامة ـ بيروت 1977: " فالإدارة إذن هي تدبير شؤون الناس وقيادتهم وتوجيههم وتنظيمهم بغية تمكينهم من تأدية الموكولة إليهم وتنفيذ الخطط الموضوعة لهم بهدف المحافظة على كيانهم وضمان استمرارية وجودهم.. والإدارة بهذا المفهوم وُجدت بوجود الإنسان، وقد بدأت بآدم الذي يقال، إنه ذات يوم ذهب إلى الصيد وأمر زوجته بالبقاء في البيت، فيكون بذلك قد وزع العمل بينه وبينها.. إذ أناط بها شؤون البيت الداخلية وأوكل لنفسه شؤون البيت الخارجية.. وظهرت الإدارة في نظام السرة حيث كنا ولا نزال نجد الرجلَ وهو المسؤول والمدبر الأول لشؤون بيته يوزع الأعمال على أفراده، وذلك بالتعاون والتنسيق مع زوجته.."..
ومن زاوية ثانية، فإن استقلال العلوم والفنون وانفصالها عن بعضها، هو استقلال ظاهري أو نسبي، لتسهيل التعرّف إليها والتخصص بها. إلا أنها ما تزال متداخلة عملياً ويحتاج كل منه لغيره من العلوم بهذا القدر أو ذاك..
2- لأن الأقدمين، وفي جميع العصور والمجالات، استعملوا تعابير ومصطلحات وتسميات تختلف عما يستعمل في العصور المتأخرة أو المعاصرة.. كالمصطلحات الإدارية الحديثة لوظائف الإدارة مثلا: التنظيم، التخطيط، التنسيق، التدريب، المتابعة.. أو للمؤسسات والأجهزة الإدارية، فهم قالوا: ديوان، ونحن نقول: وزارة..
ولكن هذا الاختلاف في الأسماء والتعابير والمصطلحات لا يغيّر جوهر المسألة، الأقدمية أو الأولوية لأي منها.. فالمهم هو المفهوم والمدلول والممارسة العملية.. وقد مورست " الوظائف الإدارية " ومورست مهامها منذ بدأ الإنسان القديم حياته الاجتماعية في جماعات ومنظمات مختلفة الأهداف والمسميات وباشر نشاطاته فيها.. وكذلك عرفت " والأجهزة والمنظمات " الإدارية، ولكن بأسماء مغايرة.. بل ما زلنا نستعمل بعض مصطلحاتهم في الأدب الإداري، كالتسلسل أو التدرج الهيراركي " الكهنوتي " للدلالة على التسلسل الهرمي في تنظيم ما.. ونرى هذا التسلسل والتدرج في عدد من آيات القرآن الكريم، كمثل ) ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم.. (الأحقاف 46/19 و).. يرفع الله الذين آمنوا والذين أوتوا العلم درجات.. ( المجادلة 58/11..
3- كما أن كثيراً من الكتاب المحدَثين، وبحسب مراجع دراستهم ومصادرها، وهي أجنبية غربية عموماً، قد وقعوا أسرى ما يطرحه كتاب الغرب، المتأخر نسبياً في تاريخ الحضارة البشرية، واستسلموا للأفكار والنظريات التي وضعها الغرب حول الإدارة!، وقبلوها دون تمحيص أو محاولة التأكد من صحتها أو صدقها أو غاياتها، ودون مراجعة شاملة وعودة إلى الوراء تحيط بالتاريخ الموغل في القدم ومراحله المتتالية.. وعن مثل هذا الاتجاه نقرأ ما كتبنه د. منى الياس، في جريدة تشرين 22/7/1995، دمشق: من يقرأ التاريخ لشعوب الشرق الأقصى يجد فيه صفحات مطوية تتضمن حوادث فيها كثير من المتعة والأهمية والفائدة، ولم نسمع بها مسبقاً، لأن الهيمنة الثقافية للغرب علمتنا أن كل تاريخ غير غربي إذا كان قديماً فيجب أن يكون لليونان والرومان، وإذا كان حديثاً فيجب أن يكون لأوربة أو أمريكا.. ولعل هذا أحد المكابس الثقافية التي يضغطون بها أذهان العالم ومفاهيمه!.. وهذا ينطبق على مصادر تاريخ الإدارة..
4- إن الاعتراف بممارسة الإدارة منذ القديم وعبر مراحل التاريخ، يستتبع منطقياً أن يتلوه اعتراف بالقواعد والمبادئ، مهما كانت بسيطة في بداياتها، التي تحكم هذه الممارسة وتنظمها، وتشكل العلم الإداري في النتيجة. وهذا ما لم يفعله الكتاب المحدَثون، الذين أقروا بممارسة الإدارة منذ القدم، ولكنهم لم يصلوا إلى الاستنتاج بأن هذه الممارسة كانت تحكمها أيضاً أعراف وتقاليد ومبادئ كوّنت العلم الإداري.
ولا ينفي وجود هذا العلم، أن نكون لا نستطيع اكتشاف آثار حضارة الأمم والدول الغابرة دفعة واحدة، بل بين حين وحين، وقد يمر وقت طويل أحياناً لاكتمال أجزاء الأثر ووحدتها. ولكن وجود " الجزء " أو الأجزاء ومعرفتها، يشكل دليلاً كافياً على وجود " الكل " الأصل.. مما يوجب الاعتراف بهذا الكل منطقياً وعمليا.. كما يفعل علماء الآثار مثلاً حين يكتشفون جزءاً من معبد أو مدينة، فيستنتجون وجود المعبد أو المدينة كاملة، ويسعون للتنقيب عن باقي الأجزاء أو تصورها.. أو حين يصادفون بعض أعضاء من جسم إنسان أو حيوان في مكان ما، فيستدلون بها على وجوده كاملا.
5- كما أن الإقرار بوجود الفكر الإداري منذ القدم، "لم يكن انتشار المسيحية لكي تعم أرجاء الأرض وتُثبت أقدامها في أنحاء المعمورة ويكتب لها الاستمرار والنمو على مدى ما يقرب من ألفي سنة، إلا كثمرة من ثمار الفكر الإداري المنظم. ".. كما يقول د. محمود عساف، المرجع السابق ص 38؛ كان يستتبع الإقرار بوجود علم إداري نجم عنه.. إذ ما دام الإنسان القديم قد أعمل فكره على مر العصور بالإدارة، فلا شك في أنه قد وضع لذلك قواعد ومبادئ وتقاليد كوّنت علم الإدارة تدريجيا.. ومن زاوية ثانية، وعلى مبدأ أنا أُفكر، إذن أنا موجود، الذي يمكن إكماله بالقول: وبالتالي فإن ما أفكر فيه موجود أيضاً، سواء كان فكرة مجردة أو شيئاً ملموسا.. والحديث في مسألتنا يتعلق باستنتاج وجود علم الإدارة والاعتراف به ما دمنا نعترف بوجود الفكر الإداري.. ولست أدري لماذا لم يعتمد كتاب الإدارة المحدَثون مثل هذا المنطق، فلم يصلوا إلى هذا الاستنتاج!.
6- وهكذا، وإذا كانت البدايات بسيطة وجزئية أو متناثرة لا تحيط بشمولها كل ما نعرفه الآن عن علم الإدارة ومبادئها وفنونها، فلا بأس.. إذ هي طبيعة العلوم من حيث التطور والتكامل دون توقف، بتوارثها بين الأجيال، وتبادلها وتلاقحها بين الأمم والشعوب والدول والأفراد، بالإضافات والتعديلات التي تطرأ عليها في مراحل تالية من تطور الحضارة الإنسانية.. كما فعلت مثلاً الثورة الصناعية، وكما تفعل حالياً بعض الدول المتطورة بالنسبة لعلم الإدارة وأدواتها وتقنياتها وأساليبها، بأسلوب مبهر وملفت للنظر بتسارعه، كالولايات المتحدة الأمريكية واليابان، معتمدة على التراث العالمي والتطور العصري الهائل في العلوم والأدوات والتكنولوجيا.. ولكن تاريخ علم الإدارة لم يبدأ من عندها.. ولا يجوز الادعاء بأن الأقدمين لم يكن لديهم "علم" ينظمها.. كما لا يصح القول في القرن الحادي العشرين بعد الميلاد: إنه لا يزال تحت التكوين!. فما نعرفه نحن اليوم ونعتبره حديثاً وجديداً قد يتغير، بل سيتغير ويُعدل مستقبلاً على يد أحفادنا والأجيال القادمة.. فهل يحق لهم وقتها أن يقولوا: إن أجدادنالم يعرفوا علم الإدارة، وإنه حديث عندهم وأنه قيد التكوين؟.
تاريخ الحضارة لا يسمح بمثل هذا القول والادعاء.. فالإدارة موغلة في القدم، بدأت مع " أبونا آدم وأمنا حواء " وذات أثر كبير في التاريخ، ومتطورة باستمرار.. وسيبقى التطوير في علم الإدارة وغيره من العلوم قائماً ومستمراً إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها..
خامساً ـ صفوة القول
أدعم المنطق الذي أوردته في ما تقدم، لأبرهن على أن " الإدارة " أقدم مهنة وأكبر تأثيراً في تاريخ البشرية وكذلك علمها، وما تزال، بقراءة ما يلي: " الإدارة أولاً.. إن ما يجعل مؤسسة ما أفضل من سواها: الإدارة.. والإدارة وحدها هي مفتاح النجاح أو الفشل.. وهذا القول ينطبق على المؤسسات الفردية والمساهمة والعامة على السواء.. على المؤسسات أياً كان نشاطاتها، وبغض النظر عن أصحابها، أن تُعير الشأن الإداري أهمية قصوى..". حسّان الخوري، مجلة الإداري ـ لبنان ـ آذار/مارس 1995، تحت عنوان: الإدارة أولاً.. مستخلصاً الدروس المستقاة من انهيار بنك بارينغز البريطاني..
وإذ أؤيد كلياً ما قرأناه، وأقول معه: نعم، الإدارة أولاً.. أعتقد أن هذا هو حالها من حيث الأولوية والأقدمية، في الوقت الحاضر، وكانت كذلك في الماضي القريب والبعيد والسحيق، وسوف يمتد هذا الحال إلى المستقبل القريب والبعيد.. فهي أولاً الآن، وهي أولاً منذ فجر التاريخ.. وستبقى أولاً في المستقبل.. وقد سبق لي أن اقتبست من تعبير " فتّشْ عن المرأة " وقلنت قياساً عليه " فتّشْ عن الإدارة " فهي وراء النجاح أو الإخفاق في كل زمان ومجال، وفي كل جماعة أو تجمع بشري مهما كانت عائديته وقطاعه..
* * *
بسم الله الرحمن الرحيم
حاجتنا إلى " العارفين " بالإدارة..
أولاً ـ تمهيد
أجملت في حديث سابق، المفهوم العام لدور الإدارة بأنه: استثمار؛ الإمكانات المختلفة المتاحة لها؛ لتحقيق الأهداف المنشودة؛ على أحسن وجه..
واستنتجت أهمية الدور وخطورته، إذ هي أداة " الوصل والوساطة " بين الأهداف، والإمكانات.. ويتوقف على مستواها، مدى تحقيق الأهداف باستغلال الإمكانات المتاحة أو إهمالها.. فإذا كانت الإدارة رشيدة كفؤة، يكون المردود جيداً، والعكس صحيح..
ثانياً ـ شكوى الإدارة
برغم أهمية هذا الدور وخطورته، فالإدارة ما تزال تشكو نقطتي ضعف:
1- الجهل والظلم، لأن دورها غائم وغير واضح أو موحد لدى الكثيرين وكأنها " شبح "، كلّ منا يتصور له شكلاً في مخيلته!. كما أن ممارسيها في الدول النامية لم يتعلموها، ويمارسونها غالباً دون سابق تحضير.. برغم أهمية هذا التحضير، لأنها ورثت بُعيد الاستقلال السياسي أجهزة إدارية ضعيفة.. فهي " مظلومة " بين أيديهم!. والمرء عدو ما يجهل، وسترافق أداءه الأخطاء مهما حسنت نيته.. وهل هناك مهنة أو اختصاص يمارس دون سابق معرفة؟، فلماذا نستثني الإدارة؟، ألا يعتبر ممارس الطب الذي لا يحمل شهادة معترفاً بها، دجالاً ويُسجن؟. " فقد كان الصيادلة خاضعين منذ عهد المأمون لامتحان يحصلون بعده على إجازة لممارسة المهنة.."[1]، أفلا يجدر بنا أن نخضع ممارسي الإدارة لمثل ذلك وأن ندربهم مسبقاً؟.
2- حيْرتها بين المتعلمين والممارسين، فالأكاديميون يتحدثون غالباً بلغة تجريدية غير واضحة للممارسين، لأنها مغرقة في التنظير أو منقولة عن الآخرين دون مراعاة البيئة!، والممارسون بعيدون عن علم الإدارة لأنهم لم يؤهلوا له، ولا يكلفون أنفسهم مشقة تعلّمه لاعتقادهم بإمكانية اكتسابه بالتجربة فقط!. ولا أحد يعلمهم!.
ثالثاً ـ متطلبات إزالة شكوى الإدارة
1 – رفع " الظلم " عنها، أي إيضاح دورها وتعلمه وتعميمه على أوسع نطاق بين الممارسين، بل بين الجميع.. وعدم اقتصار ذلك على المتعلمين.. لأن الإدارة " قاسم مشترك " موجودة في كل المنظمات البشرية.. وتؤثر إيجاباً أو سلباً على أدائها وجدواها ونتاجها الإداري والإنتاجي أو الخدمي.. لذا، قلت وأقول دائماً "فتّشْ عن الإدارة "، فهي وراء كل نجاح أو إخفاق، في كل التجمّعات البشرية.. على اختلاف مستوياتها وأهدافها وقطاعاتها وأحجامها، وعلى تنوع مواقعها وتوزعها في أنحاء المعمورة..
2 - التقريب بين المتعلمين والممارسين، وإزالة الانفصام بينهم، وإيجاد فئة واسعة من " العارفين " بالإدارة، الذين يجمعون في شخصهم النظرية والتطبيق: دراسة علم الإدارة وفنونها ووظائفها، مع الممارسة والتجربة والمعاناة.. وأشير إلى أن الاقتصاديين ليسوا إداريين بالضرورة، والإداريون العارفون بالإدارة، المؤهلون علمياً والممارسون عملياً قلائل..
3 - أن نضيف إلى علم الإدارة خصوصيات ظروفنا وممارساتنا وتجاربنا.. وأن نمزجها معه.. أي أن نمزج العلم بالواقع.. فالإدارة مهنة محلية، تنشط في ظروف بيئتها وخصوصياتها المتنوعة: العقائدية والحضارية والتراثية والثقافية والاجتماعية والعلمية والأخلاقية والاقتصادية والتقاليد والأعراف والعادات..
4 - كما تعمل الإدارة على تحقيق أهدافها وطموحاتها ورغبتها في التطوّر واللحاق بركب المعاصرة، في ضوء إمكاناتها ومواردها المتاحة، وهي غالباً ما تكون محدودة في البلدان النامية والمتخلفة، أو قاصرة عن تحقيق كل الأهداف المنشودة في وقت قصير.. مما يجعل الأمور نسبية في عالم الإدارة، ولا يترك مجالاً للتقليد والاستنساخ؛ أو الانبهار بما يحدث لدى الآخرين، أو بآرائهم المعبِّرة عن وجهات نظر أصحابها في مجتمع وظروف خاصة بهم.. برغم ضرورة الاطلاع على تجاربهم وآرائهم ونظرياتهم الإدارية، لتمحيصها دون النقل الحرفي.. إذ لا يمكن أن تتماثل الظروف والأهداف والإمكانات بين المجتمعات والمنظمات، وإن بدا فيها بعض التشابه، ولكنه ليس تطابقاً في كل حال.. فيجب اعتماد ما يلائمنا من النظريات وينسجم مع ظروفنا وأوضاعنا، ويراعي " الأهداف والإمكانات " المحلية والقومية أولاً.. والانطلاق منها.. ويساعد على التكيّف مع المستجدات والظروف القطرية والقومية والإقليمية والعالمية.. وعدم اعتماد النماذج التي يعتبرها البعض ناجحة في عدد من بلدان العالم أو قبول الوصفات الجاهزة وترويجها فوراً.. بل دراستها وتمحيصها لمعرفة جميع جوانبها الإيجابية والسلبية، واستخلاص الدروس التي تناسبنا منها..
5 - وإذا كان الاطلاع على تجارب الآخرين الناجحة وارداً ومقبولاً، فهو غير كاف.. لأنني أفضل دراسة تجارب مخفقة واستعراضها واستخلاص الدروس منها.. لأن الأولى تبهر الأبصار، ويمكن تقليدها آلياً مع إغفال الأخطاء والصعوبات التي رافقتها والاكتفاء بالنواحي الإيجابية التي تسلط الأضواء عليها غالبا.. في حين تُسلط الأضواء بشدة على الجوانب السلبية في التجارب المخفقة، ويتلاوم المسؤولون عن فشلها، بحيث يستطيع الدارس أخذ العبر منها، وفي هذا أكبر فائدة له، والحكيم من يتعلم من أخطاء غيره..
على هذا، فلا بد من السير باتجاهين:
أ ـ تكوين عقيدة أو نظرية عربية إدارية رشيدة، تتفق مع ظروفنا وأهدافنا وإمكاناتنا..
ب ـ سرعة تكوين إداريين محليين عارفين بالإدارة، لممارستها وفق الخصوصيات المحلية، التي لا ينفع فيها الأجنبي الغريب عن البيئة.. الذي قد يصلح للأمور الفنية، ولكن ليس للممارسة في الأمور ذات الصبغة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، المتصلة بالإنسان ومستواه العلمي ومعتقداته وتقاليده وعاداته، وبالقوانين والأعراف المسيطرة على علاقات البشر وصلاتهم.. كما أن تكوين الإداريين المحليين الراشدين، مطلوب أيضاً نظراً لأهمية الفن في تطبيق علم الإدارة، وارتباطه بأهلية الأشخاص الممارسين لها إلى حد بعيد..
رابعاً ـ وطبيعة الإدارة تقتضي وجود " العارفين "
1 ) العارفون، هم الذين تتكامل لديهم النظرية والتطبيق وتتداخل.. هذا التكامل والتداخل الذي يستمد أسبابه ومبرراته من طبيعة الإدارة، التي هي كما في غيرها من الاختصاصات والمهن: علم + فن…
2 ) علم له قواعده وأساليبه وأدواته... وله مصادره ومراجعه ومعاهده التي تشرحه..
3 ) وفن لارتباطها.. * بالعلاقات الإنسانية المباشرة بين أعضاء التجمع البشري من جهة؛ * وبالعلاقات غير المباشرة مع المتعاملين والمواطنين من جهة؛ * ولتعلّقها من جهة ثالثة بالبيئة والظروف المحيطة..
ولتحقيق هذا الفن لا يكفي العلم لوحده، ولا بد من خوض غمار الممارسة والتجربة الإدارية تفصيلاً، بما يساهم في صقل العلم بالمعاناة والملاحظة.. فتكون المحصلة ممارسة رشيدة.. فلا بد لتحقيق هذه الممارسة الرشيدة من الجمع المتوازن بين العلم والفن.. أي دراسة علم الإدارة، وممارستها وتحمل مسؤولية واجباتها.. ليكون الأداء سوياً، كما الإنسان السوي يحتاج لقدمين..
4 ) وتزداد أهمية المزج بين العلم والفن، أي بين النظرية والتطبيق:
أ - بتذكرنا أهمية دور الإدارة باعتبارها " قاسماً مشتركاً " موجوداً في كل منظمة.. المدرسة، الشركة الاقتصادية، المصنع، المشفى.. لتساعدها على النجاح "أو الإخفاق "..
ب – وأن الإدارة مهنة محلية، تنشط في ظروف بيئتها وخصوصياتها المتنوعة، كما سبق القول.. مما يقتضي امتزاج علم الإدارة بالواقع..
ولمزيد من القناعة، أميِّز اصطلاحاً، بين:
أ - المتعلم: الذي درس علم الإدارة، في المراكز التعليمية، واستمر يدرسه للآخرين، ويكتب عنه..
ب - الممارس: الذي خاض تجربة النشاط الإداري، دون سابق معرفة بعلم الإدارة.. مكتفياً بالاعتماد على إمكاناته، واعتقاده بأنها ستصقل مع الزمن..
ت - العارف: الذي يجمع في شخصه، النظرية والتطبيق، العلم والممارسة، ويسعى لتطويرهما وتجويدهما باستمرار، بالعمل على زيادة علمه ومتابعة مستجداته، وبالجدية في ممارسته وتطوير خبرته..
والمنطق، يجعلني أرجح هذا " العارف ".. وإذا كان العلم مطلوباً، والفن والممارسة ضرورية، فإن أياً منهما غير كاف لوحده، ويجب أن يترافقا ويجتمعا في شخص الإداري ليصبح رشيداً ويسلك معارج النجاح.. على أن العارفين ما زالوا قلائل لدينا.. كما أن الواقع يتصف بالحّيْرة بين المتعلمين والممارسين.. ويتطلب التقريب بينهم.. وبالتالي إيجاد فئة واسعة من هؤلاء " العارفين "..
رابعاً ـ أساليب تكوين العارفين
يمكن إزالة الحيرة، وتكوين " العارفين " وإكثارهم.. بعدد من الأساليب، ومنها:
1- تبادل المراكز بين المتعلمين والممارسين، من حين لآخر، في الوظائف والمهام المتنوعة من الهرم الإداري..
2- تشكيل مجموعات عمل مشتركة بين المتعلمين والممارسين، بشكل مستمر..
3- استشارة الممارسين للمتعلمين..
4- تقصي المتعلمين لتجارب الممارسين ومعاناتهم وآرائهم..
5 - عقد لقاءات وندوات مشتركة بينهم، يتبادلون فيها الرأي والتجربة، ويتحاورون للوصول إلى مواقف وآراء علمية وعملية..كأن يحاضر " المتعلمون " في مواقع العمل، و" الممارسون " في المراكز التعليمية.. على أن يسود فيها الاحترام المتبادل، واحترام الرأي الآخر، والسعي لفهمه، ونقده إيجاباً بموضوعية.. والمساعدة في تطويره، فكراً وواقعاً، نحو الأفضل.. وكذلك التمييز في الحديث بين النخبة المتخصصين.. والحديث العام لكل الإداريين، الذي يجب أن يكون بلغة بسيطة..
6- تنظيم برامج تدريبية للعاملين.. ابتداء وباستمرار.. فالتجربة والممارسة لا تكفي لرفع مستواهم مهما طالت..
7 - جعل اتباع دورات تدريبية إدارية شرطاً أساساً لإشغال المناصب والوظائف، وخاصة العليا..
8 - قناعة الإداري الممارس بأهمية الاستزادة من علم الإدارة، لشخصه ولمرؤوسيه.. فهي اختصاصه، وهو متدرب ومدرّب..
9 - قناعة المتعلمين بأهمية التجربة والممارسة والمعاناة الإدارية العملية، لإكمال معلوماتهم وصقلها وجعلها واقعية..
10- إدخال علم الإدارة وتطبيقاته وفنونها في مناهج التعليم المدرسي، وجميع الاختصاصات الجامعية..
11- دمج التعليم بالممارسة والحالات العملية التطبيقية، كما في الكليات العسكرية.. لتكوين أجيال من "العارفين " في وقت مبكر، يساعدهم على دخول معترك عالم الإدارة مسلحين بما يؤهلهم لصقل ما تعلموه، وللنجاح بالتالي..
12 - وأود التذكير بالمناسبة ونحن نتحدث عن ضرورة التكامل بين النظرية والتطبيق في النشاط الإداري ليكون رشيداً وفعّالا.. بنوع آخر من التكامل، هام وذي أثر كبير على الأداء، وهو ضرورة التكامل أيضاً بين الأجيال الإدارية المتعاقبة لتحقيق النجاح، بدلاً من تصارع الأجيال.. لأن فيه مصلحة للجميع كأفراد، الشيوخ والكهول والرجال والشباب، وللمنظمة، وللمجتمع ككل..
* * *
[1] التقويم الهاشمي ـ دمشق ـ 21/3/2001
أولاً ـ تمهيد
النجاح، التفوق،كسب احترام الآخرين.. هي غايات يستهدف بنو آدم الوصول إليها في جميع مراحل حياتهم، على اختلاف أنشطتهم وفعاليتهم.. وهي من الخصال المتأصلة فينا كبشر، نابعة من طبيعتنا، فكل منا يريد أن يكون ناجحاً ومتفوقاً ومحترماً بين الناس: في كل مراحل الحياة ومحطاتها، منذ نعومة أظفاره حتى الكهولة والشيخوخة؛ في كل مجال أو نشاط أو قطاع أو مكان، في البيت والمدرسة والملعب والحي والشركة والمؤسسة والجمعية والهيئة والنقابة والوزارة... داخل البلاد أو خارجها..
على أن الرغبة في النجاح والتفوق والاحترام، لا يمكن تحقيقها لمجرد الرغبة فيها، ولا بدّ لها من قوة إرادة وجهاد للنفس وبذل للجهود والدأب والتصميم والاستمرارية..
وما نيل المطالب بالتمني - ولكن تؤخذ الدنيا غلابا. كما تغني أم كلثوم من شعر أحمد شوقي..
وأكل البلح حلو – بسْ النخل في العالي. كما يغني أيضاً فريد الأطرش، باللغة المحكية..
ثانياً ـ ضرورة الصفات المكتسبة
1 – الموضوع يتعلق بالإنسان، وهو كوَّن الإدارة أصلاً لكونه اجتماعياً بطبعه، وهو المرتكز الأساس بين مرتكزات الإدارة إلى جانب الهيكل التنظيمي ومتماته؛ والقوانين والأنظمة؛ والأدوات الإدارية.. بل هو أهمها، إذ هو أوجد المرتكزات الأخرى، وهو الذي يستعملها، وهو الذي يطورها.. وبالتالي فإن موضوعنا هام جدا..
2 - يولد الإنسان ولديه صفات أودعه إياها المولى عزَّ وجلّ، ومنحته إياها الطبيعة، وانتقلت إليه هبة بالوراثة.. وقد تساعده بداية على الوصول إلى النجاح والتفوق والاحترام.. إلاّ أن الصفات الموهوبة، تختلف من شخص لآخر، وغير كافية لوحدها في مواجهة متطلبات الحياة وفي التكيّف مع متغيراتها، المتنوعة والمختلفة في المجال والنشاط الذي يمارسه المرء.. الدراسة، الرياضة، العمل الرسمي، الزراعة، التجارة، الصناعة، المهنة.. مما يحتم صقلها باستمرار وتنميتها، والسعي لتعزيزها باكتساب صفات ومهارات وعادات أخرى، بحسب متطلبات المجال والنشاط الخاص بكل منا ومقتضياته.. لذا، أخصص هذا الحديث للتركيز على الصفات التي يفترض في المدير أو " الإداري " عموماً، أن يسعى لتحصيلها واكتسابها والتحلي بها..
3 - مع التذكير بأن الإدارة قاسم مشترك موجود في كل تجمع ومنظمة بشرية.. على اختلاف أهدافها وقطاعاتها ومجالاتها وامتدادها المكاني.. وبالتالي، فإن كلاً منا يمتهن الإدارة ويمارسها بشكل أو بآخر، ويجمع في شخصه اختصاصين: الإدارة، واختصاصه المباشر.. فيتوجب على أي منا، القناعة بأن " الإدارة " اختصاصه ومهنته، تماماً كما هو اختصاصه ومهنته المباشرة، في الهندسة أو الزراعة أو التعليم أو غيرها.. وبالتالي السعي لتعلم الإدارة وفنونها وأدواتها، أسوة بما يفترض القيام به من متابعة ومعرفة وتعلُّم بالنسبة لاختصاصه المباشر..
4 – وتوفّر الصفات الجيدة، الموهوبة والمكتسبة، في العاملين، يعتبر مسألة إدارية هامة، من حيث وضع الشخص المناسب في مكانه.. إذ يعتمد عليها في اختيار أنسبهم لإشغال الوظائف وتكليفهم بالمهام، بعد المقارنة بينها وبين الشروط المطلوبة للوظيفة والمهمة..
5 - فتحصيل الصفات لازم ومطلوب لكل منا، مهما كان موقعه ونشاطه وقطاعه.. وهي ولا شك كثيرة لا يمكن حصرها.. ما يجعلني أورد أهمها، متبعاً في ذلك أسلوباً مختصراً مكثفاً، تاركاً للمدير أو الإداري القارئ استكمالها والتوسع فيها والإضافة عليها.. فالأمر أولاً وأخيراً شخصي ذاتي، يقع كواجب على كل فرد، وتعود تبعته عليه، وهو الذي سيحصد نتائجه الإيجابية أو السلبية.. كما في القول المأثور: ما حكّ جلدك مثل ظفرك، فتولَّ أمرك..
ثالثاً ـ الصفات المكتسبة الأساس
* التفكير الدائم بالمستقبل، فالمستقبل هو الماضي والحاضر ممتداً في الزمن.. والإنسان هو الذي يتميز به عن باقي المخلوقات والكائنات، بإحساسه في الزمن والتفكير بالغد.. وحياته أصلاً حركة في الزمن من الولادة حتى الوفاة.. فاحترام الزمن والاستفادة منه والتفكير بالمستقبل، والتعود على التنبؤ لأحداثه ومتطلباته، والتخطيط والبرمجة لتحقيق أهدافه وطموحاته.. والإداري بذلك يعبر عن إنسانيته، وإن لم يفعل، يكون قد تخلى طواعية عن إنسانيته! [1]..
* القدرة على تحديد الأهداف الأساسية بعيدة المدى " الاستراتيجية ".. والسعي لتنفيذها تدريجياً " تكتيكياً" ضمن أولويات متوازنة ومتكاملة.. وتكثيف استعمال الإمكانات والموارد على الأهم فالمهم منها.. والسعي لتنفيذ الأهداف ضمن أولويات محسوبة ومتوازنة..
* التعود على العمل تحت ضغط الوقت، وتنظيم الوقت واحترامه، مبتدئاً بنفسه.. والقدرة على التنفيذ في الوقت المطلوب..
* التعوّد على تحمل المسؤولية في القيام واجباته، ومن ثم عن كل عمل ناجح أو إخفاق.. وعدم التراجع عن التوجيهات الشفهية، إذا نجم عنها مسؤولية أو مساءلة أو عقاب.. والوفاء بالوعود..
* مواكبة الحداثة في الأدوات الإدارية المتنوعة، واستقدام كل ما هو مفيد منها دون تردد.. وجعل الإحصاء والاتصالات والمعلوماتية عادة مستحكمة في نشاطه ونشاط منظمته، وتوفير الأدوات والبرامج والأساليب العملية السريعة لذلك.. بحيث يشكل الرقم الصحيح والمعلومة الدقيقة " الطازجة " وتبادلها باتصالات فورية، أساساً ومرتكزاً لكل التصرفات، ولجميع الوظائف العامة للإدارة.. فالرقم والمعلومة كانا وما زالا، ضرورة لازمة لكل نشاط بشري، والحاجة إليهما في الإدارة وفي كل مجال، كحاجة الإنسان للهواء والماء لكي يستمر سوياً في معيشته دون منغصات.. وقد تعاظمت فائدة الأدوات الإدارية العصرية وبرامجها مع الثورة المتصاعدة التي يشهدها العالم في السنوات الأخيرة، التي غيرت كثيراً من أساليب العمل الإداري والحياة عموماً، وجعلت الإدارة فعالية مستمرة، لا تتوقف بتغير الزمان أو بتبدّل المكان..
* الاستقرار، أي الثبات مع المرونة، في السير نحو الهدف.. أو التأني في اتخاذ قرار بواقعية ومنطقية، باختيار أنسب الحلول المتاحة.. والاستقرار عليه.. فليكن كالماء التي تغلي مع الحرارة ببطء، ثم تبرد ببطء أيضاً عند انقطاع مصدر الحرارة، وليس كالمعادن " أو تنك المدفأة " التي تسخن بسرعة عند تعرضها لمصدر الحرارة، ثم تبرد بسرعة حين انقطاعه عنها.. وعدم التردد في اتخاذ القرار في وقته المطلوب.. والحزم في تنفيذه..
* الأفق الواسع والنظرة الشاملة، والواقعية لمواجهة نسبية الأمور في عالم الإدارة..
* الصبر والنفس الطويل.. و الهدوء أمام الأزمات، والتحكم بالأعصاب في المواقف الحرجة والصعوبات ومواجهتها، مع الانفعال الشديد لمواجهتها وحلها.. بخلاف النعامة.. فمواجهة أي موضوع هي نصف الطريق إلى حله..
* احترام سلطات المرؤوسين وصلاحياتهم وعدم تجاوزهم، واللامركزية في أسلوب العمل ما أمكن، وتفويض السلطة وتعويد المرؤوسين على ممارسة الصلاحيات الأعلى، وعلى تحمّل مسؤوليات واجباتهم وعدم الرجوع إليه إلاّ في حالات استثنائية أو طارئة غير واضحة في القوانين والأنظمة والتعليمات.. والتعود على حسن الاستماع فللإنسان أذنان، وفم واحد، لكي يسمع أكثر مما يتكلم.. والابتعاد عن النظرة الفوقية إلى المرؤوسين والمتعاملين والمواطنين عموماً..
* الصدق في أقواله وأفعاله، والصراحة، وعدم السماح بالوشاية والنميمة بين العاملين..
* الثقافة العامة والاستزادة المستمرة منها، وتطوير المعرفة التخصصية والإدارية والسعي لتجديدها وزيادتها باستمرار..فالآية الكريمة تقضي ) .. وقلْ ربِّ زدني علماً.( طه 20/114.. والحديث الشريف ينص: [اطلب العلم من المهد إلى اللحد. ]..
* التكيّف مع الواقع والإمكانات المتوفرة لتحقيق الأهداف والواجبات على أفضل وجه، فالغزّالة الشاطرة بتغزل على عود. وهذا هو جوهر دور الإدارة أساساً..
* الدمج بين النظرية والتطبيق.. أي يكون " عارفاً " للإدارة ".. ولا يكتفي بعلم الإدارة النظري، أو بالممارسة دون تعلّم..
* فعّال محرِّض، لا تحركه طلبات الآخرين والمتعاملين، أو المعاملات الواردة من الديوان أو أمانة السر..
* وعموماً: أ - الحرص على الاستقامة في السلوك، ب - والجدية في العمل وإتقانه.. فهما الشرطان الأساسيان للنجاح والتفوق والاحترام في كل مناحي الحياة قاطبة، بما فيها النشاط الإداري..
* الحرص على أن يكون الهيكل التنظيمي للوحدة التي يرأسها وما يكمله من ملاكات وأنظمة، واقعياً، يحقق أهدافها وواجباتها وينسجم معها، دون زيادة أو بطالة مقنَّعة مربكة ومكلفة، أو نقصان معيق!. والسعي لتحقيق التنسيق والتزامن بين أنشطة الأقسام والعناصر المختلفة داخل الوحدة، ومع الوحدات والمنظمات الأخرى..
* الموضوعية في اختيار العناصر لإشغال الوظائف، وحسن توزيع الأعمال والمهام على مرؤوسيه، حسب مؤهلاتهم وقدراتهم وخبراتهم.. بعد التعرف عليها بدقة بعد التعرف عليها ومقارنتها مع شروط إشغال أية وظيفة..
* التدريب المستمر لمرؤوسيه ولشخصه، فهو متدرب ومدرِّب على الدوام..والعمل على تكوين احتياطي منهم.. فما هو جديد وحديث اليوم، يصبح غداً أو مع مرور الوقت قديماً متخلفا..
* تقوية الروح الجماعية والشورى وتبادل الخبرة والرأي مع العاملين وبينهم، مع تشجيع المبادرات والتنافس الشريف بين الأفراد أو الأقسام.. و التكلم بصيغة " نحن " والابتعاد عن " الأنا ".. ونسب النجاحات للمنظمة وليس لشخصه.. واعتبار المرؤوسين أعواناً مساعدين، وليسوا أتباعاً أو أزلاماً.. وبالتالي، الاعتماد عليهم والاستفادة من إمكاناتهم.. وتشجيع روح التنافس بينهم، وتنمية المبادرات الفردية أو الجماعية، وتقديم آرائهم ومقترحاتهم..
* الحرص على الاحترام المتبادل مع الرؤساء والمرؤوسين والزملاء والمتعاملين وجماهير المواطنين، منطلقاً من احترام الذات وإتقان العمل الشخصي، وتبسيط إجراءات التعامل مع المنظمة وإبعاد النظرة الفوقية إلى الجماهير الموروثة من أيام الحكم العثماني والانتداب الفرنسي..
* العدل والحزم في توجيه المكافآت والعقوبات، المعنوية والمادية.. مع الميل إلى المكافأة العادلة أولاً ..
* الحرص في المكافأة والتحفيز عموماً لمرؤوسيه ولكل العاملين.. بحيث يقتنعون بأن أية نتيجة مادية إيجابية ستحصل عليها المنظمة، ستنعكس عليهم إيجاباً، وأن نصيبهم المادي منها محفوظ وسيصلهم في أقرب وقت..
* متابعة مرؤوسيهم لمساعدتهم في تجاوز صعوبات التنفيذ وعلى تصحيح الخطأ من خلالها..
* الحرص على المال العام، وجميع ما بتصرفه من الممتلكات والتجهيزات وغيرها.. فهي أمانة عنده، توجب عليه احترامها وعدم التصرف بها إلاّ بشكل عاقل، وفي سبيل تحقيق مصلحة عامة.. وذلك بما يشابه حرص الإنسان السوي على ماله الخاص في تصرفاته..
* صاحب موقف أو رأي أو قرار.. وواضح في ذلك..
* القدرة على استخلاص الدروس والعبير من التجارب والعمليات الناجحة أو المخالفة.. لكي يتعظ بها في تصرفاته المستقبلية..
* التعود على الدعاية الصحيحة للمنظمة، بشرح منجزاتها الماضية أوضاعها بموضوعية.. وعدم التسويف، إذ يفضل الحديث عن إنجازات الماضي.. وما سيتحقق مستقبلاً، يمكن التحدث عنه بعد إنجازه..
* العمل على تحقيق استعداد منظمته وجاهزيتها للعمل في الحالات العادية والكوارث بوتيرة مناسبة..
* . . . . . . .
رابعاً ـ صفوة القول
1 ) لم ألجأ إلى ترقيم الصفات التي يجب اكتسابها.. فكلها وغيرها مطلوبة ويفترض في الإداري أن يسعى لاكتسابها باستمرار..
2 ) يجب الابتعاد عن الصفات المعاكسة لما ذكرته أعلاه من صفات جيدة، التي تدل بحد ذاتها على الصفات السلبية غير المستحبة.. كما يقال: إنما بضدها تتميز الأشياء.. أو والضد يظهر حُسنه الضد..
3 ) وأنصح الإداريين أن يلجأوا لمقارنة صفاتهم بما ذكرته من الصفات وغيرها من الصفات الحميدة التي يتصف بها أحدنا أو غيره من الذين نعرفهم.. وليضيفوا إليها ما ينقصهم، فالكمال لله وحده.. وليوطدوا إرادتهم الإرادة وجهاد النفس..
فالإدارة بحاجة إلى إداريين ناجحين وفعّالين..
* * *
بسم الله الرحمن الرحيم
بدء العمل في مركز جديد
أولاً ـ تمهيد
يصبح المرء، دون قصد مباشر، " حكيماً " مع تقدم السن، بسبب المعاناة والخبرات والملاحظات التي تتجمع لديه، من خلال علاقاته مع الآخرين في كل المجالات والأصعدة.. أو يفرض عليه ذلك حين يسأل الرأي أو النصيحة من قبل معارفه ومن هم أصغر منه سناً، أو موقعاً، فيلبس ثوب " الحكيم " الناصح.. وقد يوفق في ذلك أو العكس..
وهذا هو بعض من حالتي، إذ بدأ الكثيرون منذ عدة سنوات يتوجهون إلي بطلب الرأي، حول ما يجب اتباعه بُعيد استلام أحدهم وظيفة أو مركزاً ذا صلاحيات ومسؤوليات كبيرة نوعاً ما..
لذا، سأحاول، بيان آرائي بصوت مكتوب، مستفيداً من تجاربي الشخصية، ومن تجارب الإداريين وأساليبهم، الذين عملت معهم، في مستويات مختلفة..
وأنوه سلفاً، بأني لن آخذ دور الواعظ فليس لأي امرئ ادعاء ذلك، والكمال لله وحده.. وإنما سألعب دور المنبه والمحرض والمحذر.. لعل القارئ يستنبط مما سأذكره، دروساً تلائم ظروفه وإمكاناته، ويختار الطريق أو الأسلوب الذي يناسبه.. فالتقليد غير وارد، ولا أرغبه لنفسي أو لغيري، والحالات والمواقف لا تتطابق أو تتماثل، مهما بدت متشابهة أو متقاربة..
ثانياً ـ طبيعة العمل الإداري
1 ) إن تغيير المواقع أو الوظائف في سلم الهرم الإداري أو الهيكل التنظيمي والملاكات أمر طبيعي، لأسباب مختلفة لست بصددها.. إلا أنه واقع وارد في كل زمان ومكان.. فكيف يتصرف المدير الجديد في موقعه الجديد؟، وكيف يبدأ المرحلة الأولى من عمله؟.
2 ) وأقول بدايةً: إن التعيين الجديد على وظيفة ما، هو بمثابة جواز مرور رسمي لإشغالها، يعطي صاحبه الاحترام الشكلي أو الرسمي المستمد من وثيقة التعيين، ولكنه غير كاف لوحده.. وعلى الإداري الجديد إثبات جدارته، لفرض الاحترام الفعلي أو الضمني على العاملين والزملاء والرؤساء والمتعاملين.. والاحترام الفعلي يؤخذ ولا يعطى، يؤخذ ويفرض بالاستقامة في السلوك، والجدية في العمل وإتقانه..
3 ) وإن كل قادم أو منتسب جديد إلى أي مجموعة أو تجمّع.. سيكون محل فحص واختبار وتقييم، من قبل المرؤوسين والزملاء والرؤساء والمتعاملين.. فأنت، أيها المدير الجديد، مطلوب منك تقصي الطريق السليمة للنجاح في مثل هذا الامتحان.. وسبيل ذلك، في اعتقادنا باتباع السلوك والخطوات التالية..
ثالثاً ـ خطوات البداية، مرحلة استطلاع
1 – اعتبار المرحلة الأولى، مرحلة استطلاع واستيعاب، و " تسخين " كما يفعل الرياضيون، وتعرّف واقع المنظمة أو الوحدة الإدارية، وتشمل، باختصار شديد، تعرّف:
أ - واقع المرتكزات الأساسية للإدارة: العاملون، القوانين والأنظمة، الهيكل التنظيمي، الأدوات الإدارية..
ب - الكيفية التي تمارس بها الوظائف العامة للإدارة : التنظيم، التخطيط، الإحصاء ، اتخاذ القرارات، التدريب، المتابعة..
ت - مستوى ممارسة المهام التقليدية للإدارة: الديوانية، الاتصالات، الإحصاء والمعلوماتية، الحفظ والأرشفة، الشؤون الشخصية، القانونية، الأبحاث…
ث - التصرف بالوقت، وتنظيمه، وحسن استغلاله من عدمه..
ج - الهدر في الإمكانات والطاقات المتاحة: البشرية، المادية، المالية، الفنية، الطبيعية، المواد الأولية.. ووجوده من عدمه، وأسبابه في حال وجوده، لتلافيها..
ح - تعرّف أي جوانب أخرى بحسب اختصاص المنظمة أو الوحدة..
خ - . . . . . .
ومدى ملاءمة كل ذلك للنجاح في تحقيق الأهداف المحددة للمنظمة أو للوحدة.. وكيف يمكن تطويرها مستقبلاً، إذا كانت بحاجة لذلك..
2 - مسك دفتر صغير، تسجل فيه الملاحظات والانطباعات، الإيجابية والسلبية، أولاً بأول.. وتكون منطلقاً لتلافي الأخطاء مع الزمن، وتطوير الأوضاع تدريجياً، وفي الوقت المناسب.. بعد ترتيب الإجراءات التي ستقوم بها إلى: أ - آنية، على المدى القصير.. ب - أساسية، على المدى الطويل..
3 - عدم انتقاد من سبقك، واترك مجال التقييم والمقارنة بينه وبينك، للعاملين والرؤساء والزملاء والمتعاملين.. من خلال سلوكك وتصرفاتك.. ولا تسمح الآخرين بانتقاده أمامك.. وتذكر أنك " تارك " ومنقول من المنظمة يوماً ما..
4 - لما كان العاملون في المنظمة، هم العنصر الأهم والأساس، بين الإمكانات المتاحة، كما أن العلاقات البشرية هي الأصل في الإدارة، فمن الضروري استهداف الاستفادة من العاملين المرؤوسين، والتعامل مع الرؤساء والزملاء، كل حسب إمكاناته وأساليبه التي يجب تفحصها وتعرف الإيجابيات والسلبيات فيها..
وبالتالي، التعامل مع الإيجابي منها والاستفادة منه، والسعي لتحجيم السلبي أو استئصاله.. ذلك أن العاملين، في كل المستويات والقطاعات والأنشطة، يلتقون عادة، ونتعارف معهم، بعد سن الثامنة عشرة..
ولا شك في أن المرء يكون، قبل هذه السن، قبل هذا التعارف، قد اكتسب في أسرته ومدرسته وبيئته..عادات وسلوكاً ومعلومات مختلفة متنوعة.. وهى قطعاً ليمت موحدة عند الجميع.. وفيها الإيجابي والسلبي، كما سبق القول.. كما أنه لا يمكن تغيير هذه المكتسبات والعادات فجأة أو بزمن قصير، ولا بد من التعامل معها بدايةً للحصول على أكبر مردود.. والآية الكريمة تنص: ) لا يكلف الله نفساً إلا وسعها..( البقرة 2/286، مما يقتضي استكشاف إمكانات المرؤوسين بدقة، وتكليفهم على مقدارها عند توزيع الوظائف..
5 - التأني والتروي في التصرفات والقرارات الحاسمة، وترك الأمور تسير كما كانت لفترة ما.. مع تسجيل الملاحظات والانطباعات، والتمتع بحسن الاستماع والصمت أكثر من التكلم.. فقد خلق الله للإنسان أذنين وفم واحد، ليسمع مرتين ويتكلم مرة واحدة.. وخاصة حين يكون مستجداً أو بادئاً لنشاط في منظمة جديدة، تختلف في أشخاصها وظروفها وواقعها عن المنظمة أو المنظمات التي عمل لديها سابقاً، وعن معلوماته وتجاربه السابقة.. ومن ثم، يمكن أن تجري التصرفات وتتخذ القرارات الحاسمة والتعديلات المناسبة، بعد الفهم والقناعة، وبهدوء.. وبعد فهم المرؤوسين والمتعاملين هدف ما تجريه.. بحيث لا يكون التغيير لمجرد التغيير، لإثبات "الموجودية "!، كما يفعل البعض..
وبهذا، يتحقق الاستقرار في نشاط المنظمة، وبين العاملين، والمتعاملين، لأن التغييرات المفاجئة السريعة مع وجود رئيس جديد، يحدث قلقا لدى الجميع، يشابه إلقاء حجر كبير في بركة ماء.. وبمثل هذا، لا تضطر للرجوع عن تصرف أو قرار تعجلت في اتخاذه، مما يعطي عنك انطباع التسرع والتردد والمزاجية!.
6 - ابدأ، إن لم تكن قد فعلت ذلك من قبل، بالتعلم والتدرب على مبادئ الإدارة وفنونها وأساليبها، وطوِّرْ ذلك باستمرار، ولا تراوح في المكان.. فالمستجدات في عالم الإدارة كثيرة وكبيرة ومتسارعة.. ويكفي التذكير فقط بالتطوير المتسارع فلكياً في الأدوات الإدارية، وخاصة في الاتصالات والمعلوماتية، وأثرها العظيم على الأداء الإداري وممارسة وظائف الإدارة ومهامها.. كما أن الإدارة أصلاً، اختصاص مستقل و" قاسم مشترك " موجود في كل تجمع بشرفي ليساعده في النجاح " أو الإخفاق! "..
7 - علاوة على ما تقدم، ونظرا لأهمية العنصر البشري في نشاط الإدارة، وباعتبار أن " الإداري " هو من يؤدي مهامه بالتعاون مع الآخرين والإشراف عليهم.. أورد بعض النقاط التي يجب مراعاتها لدى استطلاع مستوى العاملين وإمكاناتهم وعقلياتهم وأخلاقهم ومعارفهم وأساليبهم، الإيجابية منها والسلبية، بأسلوب برقي موجز مكثف:
أ ـ تعرّف، الأشخاص بنفسك، بالاحتكاك المباشر معهم.. وخزّن ما تسمعه.. وسجل ما تلاحظه.. وأقللْ الكلام والتصريحات..
ب ـ عدم الاكتفاء بمقابلة العناصر التي تحتل الوظائف الرئيسة.. وحاول التعرف على الجميع في كل المستويات والمفاصل..
ت ـ تدرَّج، من المقابلات والاجتماعات الفردية أو محدودة العدد، إلى الاجتماعات الموسعة، التي تضم جميع العاملين إن أمكن..
ث ـ اطلب تحضير الآراء والوثائق والمقترحات مكتوبة، من كل مشارك في الاجتماع.. واهتم بكل ما يعرض خلاله، من أي عنصر، واطرحه للمناقشة باحترام وجدية.. محتفظاً بصورة عن كل وثيقة، في ملف عام لديك، لتعود إليها وتراجعها عند الحاجة..
ج ـ شجِّع، أفسح الحديث، مطلع كل اجتماع، للعاملين في المستويات القاعدية والمتوسطة، قبل رؤسائهم.. مما يفسح المجال أمامهم لطرح ما لديهم بحرية، وأمامك لمعرفة ما لدى الجميع.. ومما ينمي لديهم في المحصلة المبادرة وروح العمل الجماعي في المنظمة تدريجيا..
ح ـ لا تسمح، خلال المقابلات الفردية، بالتجريح أو توجيه النقد للآخرين.. وفي حال محاولة البعض لذلك، يمكن حلّه بالمواجهة بين المعنيين، أو في الاجتماعات المحدودة أو الموسعة.. لكشف " النمّامين " عند التأكد من صفتهم هذه..
خ ـ وبذلك تتجنب " الشللية "، فالمدير أو الإداري للجميع..
د ـ إحذر الإغراءات والمنافقين و" مساحي الجوخ ".. الذين اعتادوا تزيين صفات رؤسائهم وامتداحهم، وتملَّقهم لنيل مكاسب شخصية على حساب المصلحة العامة أو على حساب الآخرين.. والذين قد يوصلون بعض الرؤساء إلى الغرور، والغرور قتّال يعمي البصر والبصيرة، ويبعد صاحبه عن العمل الجماعي، ويغرقه في " الأنا "!..
ذ ـ لا تعط وعوداً، لمن يطلبها.. قبل اكتمال معالم الصورة أمامك.. فالمنافقون والانتهازيون، أو بعض أصحابك وزملائك سيسعون إلى مثل ذلك.. فقد تكون " مبطّنة "!، أو قد لا تستطيع الوفاء بها..
ر ـ التأني وعدم الاستعجال في منح الثقة للعاملين أو بعضهم.. أو في حجبها.. مع البدء بقلب مفتوح مع الجميع، ومراقبة ردود الفعل لدى كل منهم..
ز ـ تهميش، المنافقين والانتهازيين والفاسدين، ومساءلتهم.. والسعي لإخراجهم مستقبلاً من المنظمة..
س ـ تأكد من فهم العاملين، للقوانين والأنظمة الخاصة بالمنظمة، والعامة في المجتمع..
ش ـ تعرف الضعف في تأهيل العاملين، للسعي إلى تدارك ذلك، باتباعهم دورات تدريبية داخلية أو خارجية.. أو باستقدام عناصر كفؤة من الخارج في حالة النقص..
ص ـ دقق، فيما إذا كان العاملون، وخاصة الأساسيون، موضوعين في أماكن مناسبة؟. وهل يحملون الدرجات العلمية ويتمتعون بالخبرات والتجارب اللازمة لممارسة واجبات وظائفهم بكفاءة؟.. بما يساعدك على إعادة توزيع المراكز مستقبلاً، ووضع الشخص المناسب في مكانه..
ض ـ استطلع، الاستقرار النفسي ودرجة الولاء لدى العاملين، وعوامل الهجرة أو الجذب، من وإلى المنظمة.. بتدقيق الرواتب والأجور، والحوافز، وتوزيع العمل، والخدمات الاجتماعية، والعلاقات..
ط ـ . . . . . .
ملاحظة: أوردتُ الفقرة ض، في آخر الفقرات، نظراً لأهميتها، ولتبقى في الذاكرة، في مرحلة الاستطلاع التي نحن بصددها، وفي كل المراحل القادمة..
8 - بغية كسب الاحترام الفعلي، والنجاح في المنصب الجديد، كما ذهبنا مطلع الحديث، أ ـ بالاستقامة في السلوك، ب ـ والجدية في العمل وإتقانه.. يجب أن نتذكر بأن " الإداري "، قائد للمنظمة.. وكلمة " قائد" تنطلق من أصل لغوي واحد مع كلمة " القدوة ".. مما يتطلب منه، من كل إداري أو مدير، أن يكون قدوة منذ البداية، وباستمرار، في السلوك والعمل..
وإذا كان تحقيق شرطي النجاح هذين، يقتضي توسعاً في الحديث.. فإني أورد بعض ما يتعلق بهما:
أ ـ فالمطلوب من الإداري.. الاستقامة المطلقة، وعدم البدء " بالمسايرة " في أمور غير سليمة أو غير قانونية، قد تبدو بسيطة في البداية، ولكنها ستتسع مستقبلا.. فالانحراف البسيط في بدايته يكبر مع الزمن.. لذا، قيل في المثل الشعبي: من يسرق بيضة، يسرق جملا!.. كما تشكل " المسايرة " غير المبررة "سابقة " للإداري أو الرئيس.. بحيث ستوضع أمامه حواشي: قياساً على ما سبق.. وأسوة بما تم.. لإحراجه.. ومن ثم، إغراقه و" توحيله " في ارتكاب الأخطاء والانحرافات التالية!.
ب ـ والمطلوب أيضاً، الجدية الحازمة، والإتقان في كل تصرف.. مما ينعكس إيجاباً على العاملين ويحفزهم على الجدية والإتقان بالمقابل.. ويشكل قاعدة وطيدة وأساساً صلباً لممارسة وظائف المنظمة وأنشطتها.. وإلاّ، فقد تصبح القاعدة هشة والأساس واهنا..
رابعاً ـ صفوة القول
لنتذكّر بأن الانطباعات الأولى عن سلوك الإداري وعمله، كقدوة، ستبقى لمدة طويلة.. وسيصعب عليه تغييرها..
لعلّ القارئ، المدير الجديد، يستكثر ما أوردته ويعتبره مبالغاً فيه.. وهذه وجهة نظر أحترمها..
على أني أرى أن النجاح في تعرف واقع المنظمة بدايةً، يتطلب الإحاطة وكثرة الزوايا التي يواجهها خلال مرحلة الاستطلاع والاستيعاب، مما أتيت عليه وغيره.. وهذا يتطلب بدوره، التعمق والدراية والتأني والصبر، والاستقامة والجدية، والتحلي بصفات الإداري الكفء.. لتحقيق النجاح والاحترام لشخصه، في المنظمة التي كُلف إدارتها أو قيادتها.. مما يساعده مع الزمن، على الارتقاء وصعود درجات سلم الهرم الإداري بالتتالي، بخطوات وئيدة وطيدة..
وتنظر في مكان آخر من الموقع، الصفات العامة التي تساعد " الإداري " على أن يكون ناجحاً وفعّالاً، مما يعزز خطواته الوئيدة هذه، ويمهد أمامه الطريق إلى كسب الاحترام الفعلي والارتقاء الآمن..
وآمل أخيراً من الإداري القارئ، أن يستنبط مما ذكرته بحسب معرفتي وتجربتي، الدروس المستفادة التي تلائم ظروفه وأوضاعه وإمكاناته.. وأن يختار من ثم، الطريق أو الأسلوب الذي يناسبه.. فالتقليد غير وارد، والحالات والمواقف لا تتطابق أو تتماثل، مهما بدت متشابهة أو متقاربة. إلاّ أنه لا بد من مرحلة الاستطلاع الواعي..
* * *
بسم الله الرحمن الرحيم
الاحترام يؤخذ ولا يُعطى
أولاً ـ تمهيد
" الاستقلال يؤخذ ولا يعطى "، عبارة كنا نرددها، سنوات الانتداب أو الاحتلال الفرنسي.. وقد أخذنا الاستقلال وانتزعناه من ثمّ بالعرق والجهد والنضال والتضحيات.. حتى نلنا " الجلاء " في 17نيسان 1946..
بناءً على هذه المقولة، ومن خلال الممارسة والمتابعة الاجتماعية والإدارية ونظراً لأهمية العلاقات البشرية في النشاط الإداري، فالإدارة أساساً عبارة عن تجمّع من البشر، وعلى حسن علاقاتهم يتوقف نجاحها، فقد اخترت العنوان " الاحترام يؤخذ ولا يُعطى "، لنتعرّف طريقة كسبه وانتزاعه..
كل إنسان سويّ يرغب ولا شك، في أن يكون محترماً بين الناس، في أي ميدان أو قطاع أو مجال أو نشاط.. في أسرته وفي أي منظمة وفي المجتمع.. وهو مطلب مشروع ينبثق عن فطرة وغريزة كامنة في الإنسان تجعله يتوق إلى النجاح والتفوق بالنسبة لزملائه وأقرانه، ومن يتعامل معهم أو يصادفهم في حياته من الناس، منذ نعومة أظفاره، إلى أن يكبر ويشتد عوده وينشط في المجتمع بشكل أو بآخر..
على أن الرغبة في هدف ما شيءٌ، والوصول إلى هذا الهدف وتحقيقه شيء آخر، كما يقول أمير الشعراء أحمد شوقي: وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا..
لذا، فالحصول على احترام الناس، وكسبه ليس بالأمر السهل، فهو يتطلب إرادة وجهداً وسلوكاً متميزاً منا.. وخاصة من الذين يتمتعون بصفة الرئاسة في أي تجمّع، في الأسرة، وفي الوحدات الإدارية على اختلاف مجالات أنشطتها ومستوياتها وقطاعاتها في المجتمع: في المدرسة، في النقابة، في الورشة، في العمل، في المزرعة، في الشركة، في الجامعة، في الوزارة .. وفي كل التجمّعات المحلية الوطنية، القومية، أو الإقليمية، أو الدولية..
كما أن كل إنسانٍ، يعتبر محوراً مركزياً في العلاقات مع الآخرين.. فالصعود إلى القمة " إلى منصب أو وظيفة عالية " عن جدارة يتطلب إرادة وجهد.. ثم يتطلب إرادةً وجهوداً مضاعفة للمحافظة على البقاء في القمة والاستمرار فيها.. ويَكْمن سر هذا البقاء في أن يقدر المرء أهمية التواصل مع الآخرين، وأن يستمر " فناناً " حاذقاً، في التعامل معهم ومحترماً من قبلهم..
ثانياً ـ ما هو الاحترام المنشود؟
1 ) وإذ أتطرق إلى هذا الموضوع في النشاط الإداري، أو الأسري، أو الاجتماعي، فإني أميّز بين نوعين منه: الاحترام الرسمي أو الشكلي، والاحترام الضمني أو الفعلي الصادر عن قناعة المرؤوسين وسائر الناس..
أ - فالاحترام الرسمي أو الشكلي، يُستمدّ من الوضع العائلي أو الاجتماعي، أو الإداري التسلسلي.. ويحصل بشكل آلي، لمجرد أن يكون المرء أباً، أو مالك شركة، أو أن يصدر قرار بتسميته مديراً، فهو بذلك يحصل على جواز مرور "باسبور " ليقعد على الكرسي.. ولكنه احترام مظهري، يمكن وصفه بأنه احترام تلقائي للمركز أو الوظيفة أو الكرسي أو المنصب الذي شغله المرء، وللسلطات والصلاحيات المناطة به، وليس لشخصه، وهو بالتالي عفوي وتحصيل حاصل، ولا فضل له فيه..وجواز المرور،كما يقال في الرياضيات: شرط لازم ولكنه غير كاف، ولابد من الوصول إلى النوع الثاني.. وغالباً ما ينجم الاحترام الشكلي في هذه الحالات، عن الحذر أو الخوف من الإداري الرئيس، أو الوضع المادي أو الوراثي..
ب - أما الاحترام الضمني الفعلي، وهو الذي ألفت النظر إليه، فإنه يحتاج، كما أشرت إلى الإرادة والجهد والسلوك المتميز، وجهاد النفس والتعلّم... لكي نحصل عليه لشخصنا، ونفرضه في علاقاتنا.. مع أبنائنا، وزملائنا ومرؤوسينا، بل ومع رؤسائنا، وسائر المتعاملين معنا.. ويتوجب عدم السعي للحصول على محبة الآخرين، على حساب الاحترام الفعلي، فهذا الاحترام مُقدّم على الحبة، وإن كان يفضل اقترانهما معاً، وأعتقد أن الاحترام الضمني يؤدي مع الزمن إلى المحبة..
2 ) وإذا كنت في ما تقدم، قد مزجت بين الاحترام في العلاقات الإدارية والاجتماعية والأسرية بشكل عام، فذلك لأن هناك تشابهاً، بين هذه العلاقات، باعتبار أن عمادها وأصل تكوينها جميعاً هو الإنسان، وبالتالي فإن العلاقات بينها بشرية إنسانية متشابهة.. وسبق أن أكدت مراراً على أن الإدارة وليدة اجتماعية الإنسان.. وما دامت المسألة مسألة علاقات بين البشر، والبشر مادة وروح وعاطفة، فيجب أن تمتزج علاقاتهم بالمادة والروح والعاطفة لتكون متكاملة في التأثير والتأثر، وبالتالي متكاملة في الأداء..
3 ) وأتساءل على صعيد الإدارة: كيف السبيل إلى أن يكون " الإداري " محترما؟. وبماذا تُفسر الكلمات العامة التي أوردتها: الإرادة والجهد والسلوك المتميز؟. وكيف يكون جهاد النفس؟. وما هي الصفات الرئيسة التي يجب أن يتحلى بها الإداري كي يكسب الاحترام الضمني الحقيقي، بعد أن يُعطى له صك، الاحترام الشكلي؟. وسأسعى للإجابة على هذا التساؤل في الآتي:
ثالثاً ـ مقتضيات كسب الاحترام الضمني
1 – احترام الذات أولاً، مما يقتضي تعرّف هذه الذات، ومقوماتها في إطار نظرة نقدية موضوعية، نتحرى بموجبها صفاتها، ومكوناتها الموهوبة، أو المكتسبة، والإمكانات الفكرية والأخلاقية والمهنية والسلوكية.. ومن ثمّ، السعي الدؤوب لصقل ما هو إيجابي منها وتنميته باستمرار، وتشذيب وتلافي ما هو سلبي، ومراقبة النفس للتخلص مما يقف في وجه احترام الناس لنا.. علماً بأن المرء أكثر الناس معرفة بصفاته.. وقد نصت على هذا في القرآن الكريم ) بلِ الإنسانُ على نفسِهِ بَصيرَةٌ. ولو أَلقى معاذيره.( سورة القيِّمة 75/14، 15.. فكلمة بصيرة في اللغة، هي صيغة المبالغة من بصير، كما نقول: عالم، وعلاّمة.. والمسألة التي أعرضها، مستمرة ومرافقة للإنسان في كل مراحل حياته، وفي كل المجالات والأنشطة التي يعمل بها: في الأسرة، في الدراسة، في الرياضة، في الإدارة، في السياسة، في العمل الصناعي أو التجاري أو الخدمي أو الجمعية أو النقابة المهنية..
2 - معرفة الآخرين، المحيطين بنا، مهما كانت طبيعة علاقتنا بهم ونوعيتها، بتعرّف صفاتهم وإمكاناتهم وعاداتهم، كي نتقصى الإيجابيات في شخصياتهم فنتعامل معها بإيجابية، ونتعرف السلبيات فنسعى لاجتنابها وتخفيف آثارها.. واحترام الآخرين شرط أساس للحصول على احترامهم لنا بالمقابل.. ومن تحترمه، تأْسره.. فابدأ الناس بالاحترام، تربح على المدى الطويل، لأن فطرة الناس خيّرة..ولنلاحظ: أننا لم نختر المتعاملين معنا، وخاصة في الإدارة العامة، فجميعهم قد تجاوزوا الـ 18 عاماً من عمرهم، واكتسبوا عادات ومعلومات وتجارب خلالها، فعلينا التعامل معها..
3 – ويجب أن يكون الإداري " فناناً " في تعامله معهم.. ولنتذكر أن تصرفات الآخرين نحونا وشعورهم وآراءهم فينا " أي الرأي العام حولنا "، ما هو إلا انعكاس لتصرفاتنا ومواقفنا وسلوكنا نحوهم ونحو أنفسنا، فهم بتعبير آخر " مرآة عاكسة "، تعكس ما يعرض عليها من صور وحركات، ومن يقف أمامها، من أول نظرة أو لقاء أو محادثة..
4 - ويقتضي، تعرّف الظروف البيئية المختلفة المحيطة، لنتصرف في ضوئها " بفن " وبموضوعية..
5 - وأعرض في الآتي، مقترحات من السلوك والصفات المطلوبة لفرض الاحترام على الآخرين:
أ - التحلي بالصدق، مهما بدت النتائج القريبة غير إيجابية، فذلك أربح على المدى الطويل.. والمثل الشعبي يقول: ما بيصحْ إلاّ الصحيح.. و " الصدق " مطلوب على كل الأصعدة: الفردي والجماعي، وفي كل المجالات والقطاعات والميادين والأنشطة..
ب - احترام الزمن وتنظيمه والانضباط فيه والتقيّد بالمواعيد، فالوقت أغلى ما نملكه، ولكن ملكيته مؤقتة.. والإحساس بالزمن وأهميته، خصَّنا الله سبحانه به، وهو أول ما يميز الإنسان عن بقية المخلوقات التي تتصرف بغريزتها، بل إن كل حياتنا مضبوطة بالزمن، بداية وانتهاء.. ومن يفقد الإحساس بالزمن، يتخلى عن إنسانيته، ويفقد احترامه.. وخاصة بالنسبة للرؤساء والآباء الذين يلعبون دور " القدوة "..
ت - التحلي بالاستقامة المطلقة والأخلاق الحميدة.. كالأمانة والنزاهة والتعفف والصراحة والوضوح في السلوك، مع الجميع، وحتى مع الخصم.. والمثل المصري يقول:امشي عدلْ، يحتار عدوك فيك.. بعد أن يحترمك بالطبع.. والاستقامة شرط يتكامل مع شرط الجدية في العمل وإتقانه، ببذل أقصى ما يملك الشخص من إمكانات.. وعدم الشعور بالملل، أو الاستسلام إلى نشوة النجاح في بعض الأعمال..
ث - قوة الإرادة، وجهاد النفس.. فالنفس، أمّارة بالسوء، وهي تهوى التراخي والكسل والطمع، وتنساق نحو الملذات المؤقتة، وترغب في صرفنا عن طريق الاستقامة والجدية.. ولعل خروج أبينا آدم وأمنا حواء من الجنة، كان بسبب من هوى النفس، فقد سمُح لهما التمتعُ بكل خيرات الجنة من فواكه وثمار، وحُذرا من شجرة واحدة فقط!. ولكن أزلّهما الشيطان، وسولت لهما نفسهما، فقطفا التفاحة وأكلاها!. والمثل الشعبي يقول: الممنوع حلو ومرغوب..
ج - العمل الدؤوب المستمر والانضباط فيه، وعدم الشعور بالتعب أو الملل، أو الاستسلام إلى نشوة النجاح في بعض الأعمال والخلود إلى الراحة.. وقد أمرنا الله تعالى بذلك: ) وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون.. ( التوبة 9/105.. وكما أن الصعود إلى القمة يحتاج إلى إرادة وجهد لتجاوز الصعوبات إليها، فإن البقاء فيها يتطلب الجهد المستمر.. وإلاّ، كان السقوط عسيرا..
ح - أن تنطبق الممارسة والأفعال والسلوك، مع الأقوال والتوجيهات التي تصدر عن الإداري، ومع أحكام القوانين والأنظمة.. والحذر من القيام بتصرفات ينهى عنها أو يخجل من أن تُنسب إليه، أو ما يخجل إعلانه، وإلاّ،كان مزدوج الشخصية متناقضاً، وانطبق عليه حكم الآية الكريمة) أتأمرون الناس بالبرّ وتنسون أنفسكم.. ( البقرة 2/44.. وكذلك قول الشاعر: لا تنه عن خلق وتأتي مثله عارٌ عليك إذا فعلتَ عظيمُ.. وفقد ثقة الآخرين من حوله واحترامهم، والثقة والاحترام صنوان، فكما أن الاحترام يؤخذ ولا يُعطى، فإن الثقة تؤخذ ولا تُعطى.. فليكن "الإداري " قدوة متطابقاً في تصرفاته وأقواله..
خ - على الإداري أن لا ينسى المستقبل، و" الرأي العام " الذي سيتشكل عنه، لدى المرؤوسين خاصة، والناس عامة.. فالانضباط، والحذر أو الخوف، يفرض على المرؤوسين الاحترام الشكلي أو الرسمي، الذي يزول بزوال أسبابه، فليتدبر ماذا سيقول الآخرون عنه لدى تركه السلطة أو المنصب!.
د - وبالمقابل، على المرؤوسين والمعاونين فرض احترامهم الضمني على الرؤساء، بالعمل والجهد والاستقامة والانضباط في السلوك، وليس بالواسطة أو التملق أو الانتهاز أو النفاق أو الرياء وما شابهها.. فهذه أساليب قد تعطي احتراماً ظاهرياً مؤقتاً، ينقشع عند أول موقف جدي.. على أن الاحترام الحقيقي يحتاج لـ " هز الأكتاف " وجهاد النفس كما أشرت، مما يوجب علينا أن نفكر على المدى الطويل..
ذ – أن يحترم الإداري الآخرين، مهما كان موقعهم منه.. وهو شرط ليحصل على احترامهم له بالمقابل.. وبالتالي، يستطيع الركون إليهم وائتمانهم.. فمن تحترمه تأسره، ومن تثق به تأسره.. والمثل الشعبي يقول: من أمّنك لا تخنه، ولو كنت خوانا.. ولنبدأ الناس بالاحترام والثقة، وبقلب طيب مفتوح، فمعظم الناس أخيار، وليكن احترامنا لهم دائماً، بالقول والفعل.. فما الضرر في أن ترافق الابتسامةُ الطيبة التوجيهَ أو الطلب أو الأمر؟. ألن يكون تأثيرها إيجابياً، ويكون التنفيذ عن طيب خاطر وباحترام؟.. ولنتذكر، مقولة: المرؤوسون أعوان، لا أتباع أو أزلام، ونستطيع جعلهم كذلك باحترامنا لهم وكسب احترامهم لنا، مما يحقق جماعية العمل الإداري، ولنتذكر أيضاً: أن المرء كثير بإخوانه.. ومقولة: عامل الناس كما تحبّ أن يعاملوك..
ر – الاستمرار في التعلّم والتأهل والتدرب، فعلى " الإداري " في أي موقع كان من سلم الهرم الإداري أن يكون متدرباً ومدرِّباً على الدوام، ولن يستطيع توجيه العاملين معه وقيادتهم بكفاءة، وكسب احترامهم، إن لم يكن هو كفءٌ بحد ذاته، بحيث لا يشعرون بأنه " فارغ "!.
ز - الابتعاد عن الغرور، فهو يعمي البصر والبصيرة، فيقتل صاحبه!، ويبعد المرؤوسين الأكفياء عنه، ويفقده احترامهم الفعلي، ويتقرب منه الانتهازيون ومن شابههم، فيتخبط في تصرفاته ويخفق..
س - العدل والحزم والمساواة في تطبيق الثواب والعقاب، مادياً ومعنوياً، في المكافأة والعقوبة.. بحيث لا يبدو " الإداري " محابياً للبعض، أو متخاذلاً مع البعض الآخر، فكلا الحالين يشوش صورته في نظر مرؤوسيه.. على أنه لا بأس من العفو عند المقدرة، لترك الباب مفتوحاً للرجوع عن الخطأ أو الانصلاح..
رابعاً ـ صفوة القول
أعتذر في الختام، إذا كنت قد لبست فيما سلف، ثوب الناصح أو المرشد أو الموجه، فالموضوع يفرض نفسه، انطلاقاً من ماهيته وأهميته وشموله.. وهو ذو جوانب شخصية وأخلاقية وسلوكية وإرادية، ويتصل بالعلاقات بين البشر أساساً، وبالعلاقات في " الإدارة " خصوصا..
لذا، أرجو من القراء، وخاصة الإداريين، أن يسعى كل منهم إلى اختيار أساليبه الشخصية لكسب احترام الآخرين أو حتى فرضه عليهم، فالموضوع شخصي وذاتي ومرهون بظروفه، ولا أدعي الإحاطة به.. وأرجو اعتبار ما قدمته من وجهات نظر ومقترحات وآراء عبارة عن لفتِ نظر إلى موضوع هام في العلاقات، وليس وصفة "روشتة " واجبة التطبيق ونتائجها مضمونة، إلاّ أنه لا بد من أن يكون الإداري " فناناً " في علاقاته وتصرفاته وتواصله مع الرؤساء، والمرؤوسين، والمعاونين، والزملاء، والمتعاملين المحليين والأجانب، وجماهير المواطنين، لكي ينجح في مسلكه الإداري، ولا يخفق أو ينعزل..
فليختر كل إداري سبيله إلى الاحترام الفعلي الضمني.. فهو كإنسان المرتكز الأساس للإدارة، الذي يوجد بقية المرتكزات: القوانين والأنظمة؛ والهياكل التنظيمية والملاكات؛ والأدوات الإدارية، ويستعملها، ويطورها..
كما أن الإدارة تتميّز بتداخل مواقعها ووظائفها بين الأشخاص.. إذ يستحيل أن ينفرد شخص ما، بصفة ما.. كأن يكون رئيساً، أو مرؤوساً فقط، وإنما يجمع أكثر من صفة..كأن يكون في ذات المنظمة، رئيساً لمجموعة من المرؤوسين، ومرؤوساً لرئيس أعلى، وزميلاً لآخرين.. أو أن يكون في الأسرة أباً، وإبناً، وشقيقاً.. وتنطبق هذه الصفة على: الوزير، المحافظ، رئيس النقابة، شيخ قبيلة، رئيس مجلس إدارة، المدير عام، رئيس بلدية.. وتنطبق أيضاً على المستويات القومية والإقليمية والدولية: فرؤساء الدول، ورؤساء الحكومات والمنظمات، والوزراء.. يأخذون في المؤتمرات التي يشاركون بها صفات مختلفة: رئيس، مرؤوس، زميل، عضو أساس، عضو مراقب..
وتضفي هذه الأحوال المتعددة الكثيرة، على موضوعنا أهمية فائقة، وتفرض علينا جميعاً السعي لكسب الاحترام الضمني في علاقاتنا مع الآخرين، وأن نحصل عليه بجدارة..
* * *
أولاً ـ تمهيد
يرغب الإنسان في أن يكون محترماً في علاقاته مع بني البشر، الذين يعيش بينهم ويتعامل معهم.. وأشرت في ورقة " الاحترام يؤخذ ولا يُعطى.. [1] " إلى هذا الموضوع..
ويرغب الإنسان كذلك في أن يكون محبوباً في علاقاته مع الآخرين، في مختلف مراحل حياته، منذ معيشته في الأسرة.. وينسحب الأمر بهذه الرغبة إلى كل المجالات والميادين التي يكون فيها..
لذا، أتحدث هنا، عن الاحترام والمحبة في الإدارة، أي في النشاط الإداري.. باعتبار أن الإدارة علاقات كثيرة بين البشر.. وأن الإدارة أصلاً وليدة اجتماعية الإنسان الذي لا يستطيع العيش منفرداً، وإنما يشكل جماعات وتجمعات ليشاطرها حياته.. وبالطبع فإن العلاقات بين أعضاء هذه الجماعات أو التجمّعات وأفرادها تكون أفضل حالاً إذا سادها الاحترام والمحبة بين العاملين فيها مهما كانت أهدافها ونوعية أنشطتها، وإذا ابتعد عنهم النفور والاحتقار والبغض والكراهية، الذي ينعكس سلباً على أدائهم الفردي والجماعي، فيفقدون التعاون والتنسيق بين أنشطتهم، ويؤثرون سلباً على التجمّع أو المنظمة التي ينتسبون إليها..
ثانياً ـ الحالات الممكنة
1 – الإداري محترم ومحبوب من الآخرين..
2 – الإداري محترم وغير محبوب..
3 – الإداري محبوب وغير محترم..
4 – الإداري غير محترم وغير محبوب..
ثالثاً ـ التفضيل بين الحالات الأربع
1 ) لا أعتقد أني بحاجة إلى التفصيل عن الحالة رقم 1 ، فهي أفضلها.. وكل إداري يتمناها لنفسه.. وعليه أن يسعى لتحقيقها بحيث يستحق احترام من يعيش أو يتعامل معهم ومحبتهم، لكي ينجح في عمله وعلاقاته..
2 ) والحالة رقم 4 ، ليست بحاجة إلى تعليق، فهي أسوأ الحالات، ولا أحد يتمنّاها لشخصه.. ولا شك في أن نتائج نشاط من يتصف لها الإخفاق..
3 ) وما هو جدير بالتمعّن والتفكير والمقارنة هو الحالتان: 2 ، و 3 ..
أ - ففي الحالة 2 التي حاز بها الإداري على احترام الآخرين، يستطيع أن يسيِّر شؤون المنظمة التي يرأسها أو القسم الذي يعمل فيه.. لأنه يتمكّن من فرض الانضباط والنظام على مرؤوسيه وأعوانه، ويوجههم ويتابعهم بحزم، ويحاسبهم على نتائج أعمالهم.. وتظل علاقاته مع رؤسائه وزملائه وغيرهم ضمن إطار الجدّية والتهيّب، مما يكفل له أيضاً نتائج مناسبة معهم، وفي أدائه عموما.. ولو شاب علاقاته معهم، الاجتماعية وخارج المنظمة، بعض البرودة والجفاء..
ب - وفي الحالة 3 فإن الإداري المحبوب فقط، لن يستطيع تحقيق الانضباط والنظام، لاسيما إذا سيطرت "الليونة " على تصرفاته وعلاقاته.. كما أن نتائج أدائه ستكون غير مضمونة، لأن مرؤوسيه ومساعديه والمتعاملين معه يطمعون به ولا يتصرفون معه بجدّية، ولا يهابون انزعاجه وغضبه، فتتميّع الأمور وتتسيب، وتسوء النتائج..
ت – وأسوأ ما تكون الحالة 3 حين يسعى الإداري المحبوب فقط، حين يسعى إلى هذه المحبة عن طريق "الشعبية الرخيصة " أو على حساب المصلحة العامة للمنظمة أو التجمّع البشري.. لأنه لن يكسب عندها محبّة حقيقية، وإنما محبّة انتهازية متملِّقة ومؤذية، يتظاهر بها أصحابها ليتقربوا منه، ويحققوا لأشخاصهم مزايا ومكاسب مادية أو معنوية على حساب غيرهم من الأكفياء.. فتكون نتائج أعماله سلبية غير مشرقة..
ث – وقد تقود الحالة رقم 2 ، تدريجياً ومع الزمن، إلى المحبة مع الاحترام.. لأن العاملين لم يجتمعوا في "الإدارة " للوصول إلى منافع شخصية، وإنما قد اجتمعوا فيها للوصول إلى أهداف وغايات مجرَّدة عن أهدافهم وغاياتهم الشخصية، وقد وجدوا أمامهم " إدارياً " جدياً ومخلصاً ومحترما..
رابعاً ـ صفوة القول
ما دامت الرغبة في النجاح والتفوق كامنة في طبيعتنا كبشر.. وباعتبار أن النجاح والتفوق مطلوب أيضاً في الإدارة التي تجمع بين البشر، وتوجد بينهم علاقات كثيرة..
وما دام النجاح والتفوق يعتمد بدوره على الاحترام المتبادل والمحبة مع الآخرين، انطلاقاً من احترام الذات والآخرين ومحبتهم..
فعلى كل إداري، في أي مركز كان، وفي أي قطاع يعمل، أن يسعى باطراد للاقتراب من الحالة 2 ، أي للاحترام أولاً، ومن ثمّ، اكتساب الحالة 1 ، أي أن يكون محترماً ومحبوبا.. فيضمن بذلك لنفسه ولمنظمته النجاح والتفوق في تحقيق أهدافها..
* * *
[1] ينظر هذا الموضوع في موقعه
بسم الله الرحمن الرحيم
أهمية الزمن، وتدابير استثماره..
أولاً ـ تمهيد
حياة الإنسان والبشر والمجتمعات عموماً، حركة في الزمن، تحيط بها بداية ونهاية، وباستمرار.. والزمن أساساً أداة قياس الحياة..
وكذلك " الإدارة "، فالأصل اللغوي لها من الفعل " دار " هو فعل حركي، والفعل، كما يقول اللغويون: هو كلمة تدل على حدوث عمل، ولا شيء يحدث إلا في " زمان ومكان ".. فالإدارة حركة في الزمن، إذ هي فعالية بشرية أو اجتماعية نجمت عن تجمع الإنسان مع أخيه الإنسان على صيغة ما " أسرة، عشيرة، وحدة إدارية، منظمة، دولة.." لتحقيق أهداف معينة..
وإن التفكير بالمستقبل، أو بعبارة أخرى، إن التفكير بآت الزمن والإحساس به، صفة أكرم الله سبحانه بها الإنسان، ويعتبر من أهم الصفات المميزة له عن باقي المخلوقات في الكون، التي تتصرف بغرائزها الآنية.. وبالتالي، فإن اهتمام الإنسان بالزمن نابع من إنسانيته ومرافق لها.. وإلاّ، إذا فقد هذا الاهتمام والإحساس، فإنه يتخلى عن إنسانيته!.
والدول المتقدمة، وعلاوة عن كونها متقدمة إدارياً، فهي متقدمة أيضاً باحترام الزمن واستثماره، بخلاف الدول النامية المتخلفة..
على هذا، يعتبر الزمن والاستفادة منه من أهم العوامل التي يجب أخذها بالاعتبار لدى التمعن في كيفية أداء الإدارة لفعاليتها وممارستها لوظائفها وأنشطتها، والحكم بالتالي، عليها بالنجاح أو الإخفاق..
ثانياً - خصائص الزمن أو الوقت
1 ) يمر الزمن دون انتظار أحد، ويمر بنا جميعاً دون استثناء، كالنهر يجري ماؤه أمامنا.. فإما أن نستفيد منه وهو أمامنا، وإلاّ، فهو سائر في طريقة إلى البحر أو المستنقع.. فإما أن نحسن تنظيم الزمن واستغلاله، وإلّا، فهو ذاهب في سبيله وينقضي دون استئذان، ومن المستحيل استرجاعه.. والمثل يقول: الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك. فكلنا نملك الزمن ونعيشه، ولكنها ملكية مؤقتة زائلة محتومة الانقضاء، كالحياة نفسها لها بداية ونهاية.. ,الناجح هو من يكسبه لنفسه بالعمل المنظم الجاد والراحة المجددة لنشاطه، ومن يخسره، يخسره لنفسه بالفوضى والتكاسل والتراخي..
2 ) والزمن في مروره وفي جريانه أمامنا يمر بسرعة، كما يأتي بسرعة.. فلا بدّ من استثمار الوقت الحاضر بذات السرعة، والاستعداد دوماً للمستقبل، الذي مهما بدا بعيداً الآن سيكون قريباً وعاجلا.. ولينظر كل منا إلى ماضيه، فسيجد أنه قد مرَّ بسرعة، وأنه يستطيع تصفّح سنوات عمره في لحظات.. فالزمن المقبل سيأتي سريعاً ويمر بنا سراعاً، فلنستفد منه كما يجب، وإلاّ..
3 ) والخسارة في الزمن، خسارة جماعية، تشمل الإدارة بمجمل أنشطتها، بل هي تشمل جميع الأنشطة البشرية.. ولا يمكن أن تعوض، لأن الزمن لن يعود، وما فات يخلفنا وراءه.. لذا، فالزمن أغلى من أي تقييم مادي، ولا يمكن مقارنة خسارته بأية خسائر مادية.. لأن الخسارة المادية في جانب، هي في واقعها ربح في جانب آخر، كأن يخسر بائع، فيربح المشتري، فلا شيء مادياً يفنى في الوجود بل يتحول.. وليس هذا حال الزمن، فهو لا يمكن أن نعيده بعد أن يمضي، بل نحن نجحفه حقه حين نقول: الوقت من ذهب..
4 ) والزمن أو الوقت، وبحسب وحدات القياس التي يستعملها البشر، محدود أصلاً، فالساعة تعادل 60 دقيقة، واليوم 24 ساعة، والساعة 25 مستحيلة.. فعلينا، على الإدارة، التحرك في إطار هذه المحدودية واستغلال وحدات الزمن أكمل استغلال، وأن نحسن توزيعها دون تأجيل وإلاّ، فإن تأجيل موضوع ما سيزاحم موضوعاً آخر في الزمن القادم وسيكون على حسابه. وقديما قيل: لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد.
ولعل إتقان " الساعات " ودقّتها، وهى الآلة التي يقاس بها الزمن، ووجودها في معصم كل منا، وفي كل مكان، يشكل قرينة عملية مقنعة بأهمية الزمن الفائقة، ويفترض فيها تذكيرنا دائماً بهذه الأهمية وبضرورة احترامه..
5 ) والتخطيط والبرمجة، كأحد الوظائف العامة للإدارة، يعتمد أساساً في عملياته وإجراءاته على النظرة المستقبلية، على الزمن، للوصول إلى الأهداف التي ينشدها المخطط.. ولا بد بالتالي، على صعيد المجتمع أو الدولة، التي تتصدى لتحقيق طموحات مشروعة للحاق بركب الحضارة والعصر وتقليص الفجوة التي تفصلها عن الدول المتطورة، من إعطاء الوقت ما يستحقه من أهمية بالغة واستغلاله بأقصى سرعة، لكي تصل لغايتها قريباً.. وإن لم تفعل، ستزداد الفجوة وتطول المسافة، لأن هذه الدول المتقدمة لن تتوقف وتنتظرنا، وإنما سائرة بوتائر سريعة جدا.. فيجب التحرك، في السباق والتنافس معها، بسرعة الأرنب ودأب السلحفاة وتصميمها..
ثالثاً ـ مكامن هدر الوقت
في إطار ما تقدم، نحن بحاجة، إلى " وعي " بالزمن لتنمية الإحساس به وبأهمية الاستفادة منه واستثماره، وبخطورة إهماله.. وأن نكرس " إرادتنا " للبحث عن مواطن هدر الوقت لتلافيها والابتعاد عنها، ومن ثم لتنظيم الوقت واستغلاله على أفضل وجه..
على أن الإحاطة بالمكامن أو الفخاخ المنصوبة للمرء لإضاعة الوقت أوسع من جهد فردي وأكبر من إمكانية استيعابها في مثل هذا البحث.. وبالتالي فإن ما سأورده لن يحيط بالموضوع كما يحيط الزمن بالحياة كلها.. ولكنها محاولة بسيطة في المجال الإداري،العام والخاص، تاركاً القارئ ينظر ويتأمل في مجاله وحيث ينشط، ليضيف إليها ما يشاء بحسب موقعه وظروفه وتجاربه..
ولن أحاول ترتيب مظاهر هدر الوقت بحسب أفضليتها، ذلك أنها جميعاً خطرة ومضرة ولا بد من تلافيها.. ومن ذلك:
1- علاقات الإشراف والارتباطات الكثيرة جداً في المستويات الإدارية العليا، من الهرم الإداري.. رئيس الوزراء، الوزراء، المحافظون.. مما يجعل " المركزية " سائدة، بحيث تصرف هذه المستويات جزءاً كبيراً من وقتها الغالي في معالجة أمور بسيطة، فتضيع عليهم فرصة المعالجة الجدية المعمقة للأمور الهامة..
2 ) انشغال ذوي المناصب والرؤساء الإداريين والعاملين عموماً، بالاجتماعات المتكررة يومياً بصيغ متنوعة: مجالس ولجان وهيئات دائمة أو مؤقتة.. في قمة الهرم الإداري، في الوزارات والمحافظات، في المنظمات والشركات وغيرها.. ويتفاقم الأثر السلبي لهذه الظاهرة، حين لا يسبقها تحضير جيد أو حين تطول المناقشة أو حين نتعود على تأخير بدء الاجتماعات.. ولا بأس في أن ألفت النظر هنا للدلالة على خطورة هذه الظاهرة، إلى أن اجتماعاً لمدة 3 ساعات مثلاً يحضره 10 - 15 سيصرف فيه 30 - 45 ساعة عمل/رجل بالإضافة إلى 10 - 15 ساعة عمل/رجل على الأقل، للحضور والانصراف إذا كان مكانه في ذات المدينة.. فإن لم يستثمر وقت الاجتماع جيداً، فذلك يعني استنزاف أهم ما لدى الإدارة من إمكانات، وهي الوقت والفكر والجهد البشري..
3 ) ويؤدي استخدام الأدوات الإدارية المتخلفة، برغم الثورة الفلكية المتصاعدة في نطاقها، إلى إضاعة الوقت ويجعلنا نخسر الرهان في السباق مع العالم المتحضر.. فالأدوات المستعملة في الاتصالات، وهي عصب العمليات الإدارية في أي كيان، ما تزال بطيئة ولا تساير روح العصر.. وكذلك حال أدوات الإحصاء والمعلوماتية والمحاسبة.. والوضع نفسه ينطبق على الأدوات المستعملة في الطباعة والتصوير والأرشفة وغيرها..
فكيف يتخذ قرار سليم، إذا لم تكن هنالك معلومات " طازجة " دقيقة عن آخر موقف؟. هذا، وإن العالم المتحضر حين ينفق على تطوير الأدوات العصرية، إنما يسعى في المحصلة إلى الربح، ومن أهم ما يربحه الوقت..
4 ) كما أن عدم كفاءة بعض الجهات الخدمية في أداء واجباتها، كالنقل داخل المدن أو بين المحافظات، وبطء معالجة المعلومات وإنجازها بروتين قاتل، والتسويف " تعال غداً أو بعد أسبوع "، وصعوبة الحصول على السلع الاستهلاكية وانقطاع الكهرباء.. تؤدي بدورها إلى هدر كبير في الوقت الاجتماعي للمواطنين عموماً، مما لا يمكن حسابه بالأرقام، ولكنه هدر فاحش بالغ!، يؤثر على أدائهم وإنتاجيتهم في الأصعدة العامة أو الخاصة التي يعملون بها..
5 ) ويبرز " ضعف التنسيق " بين الجهات التي يفترض تعاونها في تنفيذ الواجبات والمشاريع العامة، كعامل سلبي كبير يسبب تأخير هذا التنفيذ واستغراقه وقتاً طويلا، بالإضافة إلى النفقات المادية الأعلى..
6 ) ويساهم العاملون في هدر الوقت، وقتهم الشخصي والوقت العام بالتالي، عن طريق تبادل الزيارات غير المبررة واستقبال الضيوف والانشغال بالأمور الخاصة..
7 ) . . . . . . .
رابعاً ـ تنظيم الزمن لاستثماره على نحو أمثل
إن معرفة مكامن هدر الوقت التي أتينا على أهمها، تشكل قاعدة انطلاق جيدة لحسن استغلاله، حسب المفهوم المخالف،كما يقول الحقوقيون.. ذلك أن المعرفة تساعد على اتخاذ التدابير المعاكسة لها، سواء على الصعيد الرسمي في الوحدة الإدارية أو على الصعيد الفردي، وبالتالي تساعد على التغلب عليها.. فكل ظاهرة سلبية، كما هو معلوم، تحرض لدينا استنتاجاً أو إجراء معاكساً يجب اللجوء إليه لتلافيها..
وإذا كنت لن أفصل فيما يجب القيام به لمقاومة ظواهر هدر الوقت، تجنباً للإطالة واحتمال التكرار، واعتماداً على أن القارئ يستطيع استنتاج ذلك بحسب موقعه والظروف المحيطة به، فإني سأحاول التركيز على عدد من النقاط التي تتصل ببعض ما تقدم وغيره.. ومن ذلك:
1 ـ القناعة التامة بالأهمية الفائقة للزمن وارتباطه بإنسانيتنا، وبخطورة إهداره وترجمة هذه القناعة إلى أسلوب عملي في النشاط الإداري، يتلخص في: الشعور الدائم بضغط الوقت، وعدم التأجيل، وضرورة استباق الزمن، فهو يجيء وينقضي بسرعة دون انتظار..
2 ـ أهمية " القدوة " في احترام الوقت والمواعيد، ودور الرؤساء الإداريين بصدده، باعتبار أن سلوكهم الشخصي، وخاصة في المستويات العليا، ذو أثر إشعاعي إيجابي أو سلبي على مرؤوسيهم، الذين سيقلدونهم في تصرفاتهم وسلوكهم..
3 ـ الإلحاح بالمقابل، على المرؤوسين للانضباط والتقيد بالمواعيد، سواء منها ما تعلق بالدوام أو حضور الاجتماعات أو تنفيذ الواجبات المطلوبة منهم.. وتحفيز الانضباطيين ومساءلة اللامبالين..
4 ـ التعوّد على " التبكير " في التصدي الدؤوب لما هو بعيد في الزمن من المشاريع والإجراءات التي تتطلب وقتاً طويلا.. وإلغاء الظن السائد من حيث: أنها تستطيع الانتظار، ولدينا متسع من الوقت!. ولنتذكر سلوك الأرنب في سباقه مع السلحفاة.. ولنتذكر أيضاً، ما نقوم به عملياً، حين يكون لدينا مهمة في مكان بعيد المسافة أو قريب.. ففي الحالة الأولى علينا التبكير في السفر، وقبل يوم أحياناً.. بينما في الحالة الثانية نستطيع السفر قبيل ساعات من الموعد.. ومن هذا المنطلق أقترح أن يضع المخططون على صعيد المجتمعات أهدافاً استراتيجية بعيدة المدى، ينبغي تحقيقها..
5 ـ الدقة في توزيع وقت الإداريين الرؤساء، الذي يستعمل عادة في:
أ - الحاجة الطبيعية للإنسان، من نوم وطعام وراحة..
ب ـ الحاجات الاجتماعية والتربوية والثقافية..
ت ـ الحاجة للعمل، وهو العمل الإداري في موضوعنا..
ولنتذكر أن الساعة 25 مستحيلة، وأن أيام الأسبوع والشهر والسنة محدودة.. فلا بدَّ من تقسيم الوقت المتاح بين هذه الحاجات بشكل متوازن، بحسب ظروف كل إداري، وإمكاناته..
6 ـ ومن ثمّ، توزيع الوقت المتاح للعمل، بشكل متوازن أيضاً بين:
آ - الأفعال الإدارية الداخلية في منظمته..
ب ـ الأعمال الخارجية مع الجهات المتعددة..
ت ـ الأعمال التخطيطية طويلة المدى، واليومية..
ث ـ الأعمال المكتبية، والمتابعة أو الزيارات الميدانية..
على أن يراعى في هذا التوزيع، مبدأ: الإقلال من الدخول بالتفاصيل كلما ارتفع المستوى، ذلك أن انشغال القادة الإداريين بالأمور الصغيرة سيكون على حساب الأمور الكبيرة، وقياساً على المصطلح الاقتصادي " العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة من السوق "، فإن " المعاملة الصغيرة تطرد الكبيرة ". ولنتذكر قول الشاعر:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم
فتكبر في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم
كما يراعى في توزيع الوقت على النشاط والمعاملات، الاستعداد النفسي والفكري والجسدي للإداري، بحيث نقوم ببعضها صباحاً، أو في الضحى، أو مساءً.. حسب نوعيتها وحجمها، وما تتطلبه بالتالي من تفرغ أو اهتمام أو دقة..
7 ـ جعل التنظيم الهيكلي للإدارة الحكومية والمنظمات والأجهزة المختلفة.. مما يحقق الإقلال من المركزية الشديدة لنربح الوقت الثمين للرؤساء.. ويمكن تحقيق هذا بـ:
آ ـ جعل الصلاحيات للمستويات المتوسطة والقاعدية، متناسبة ومتوازنة مع مسؤولياتها وواجباتها..
ب ـ تفويض السلطة والصلاحيات للمستويات المرؤوسة كلما أمكن ذلك..
ت ـ مراعاة " النسبة العكسية " بين الوقت المتاح للرؤساء للإشراف على الوحدات الأدنى، وبين عددها.. فكلما زاد عددها قلّ الزمن المخصّص لأي منها، وتركت المرونة لقادتها وفوضوا بصلاحيات أوسع..
ث ـ تبسيط سير المعاملات " الروتين " وإيضاحها للعاملين وللمتعاملين وإعلانها لهم من جهة، وتطبيق مبدأ: عدم مرور المعاملة إلاّ على صاحب رأي أو قرار من جهة ثانية.
وتجدر الإشارة إلى أن سير المعاملات " الروتين "، و" البيروقراطية" أي حكم المكاتب، وتوزيع الواجبات على دوائر متعددة، موضوع تنظيمي لابد منه.. والمهم هو التطبيق، وممارستهما بجدية فعالة، ودون إضاعة الوقت باللامبالاة وتقاذف " الكرة " والمسؤولية بالإحالات غير المبررة..
8 ـ سرعة استعمال الأدوات الإدارية الحديثة المتطورة لتكثيف الاستفادة من الوقت..
وأُذكر هنا بأهمية العناية بالإحصاء وجمع المعلومات، على سبيل المثال فإذا جمعت ورتبت وبُوّبت أولاً بأول، سهل النشاط الإداري في كل مجالاته وسار بسرعة فائقة.. والعكس صحيح، حيث يقع التأخير، وهو خسارة في الزمن، والتعقيد وغموض المواقف، وبالتالي احتمال وضع الخطط والقرارات الناقصة غير الصائبة، مع ما تستتبعه من هدر للوقت في استدراك نواقصها أو تصويبها.. وكذلك العناية بالاتصالات المتنوعة، وهي عصب الحياة عامة، والإدارية خاصة..
9 ـ ضرورة العناية الدقيقة بالتنسيق عموماً، بين الجهات المتعددة والمتعاونة في التخطيط والتنفيذ.. وذلك لدى اعتماد أو إصدار أية خطة أو برنامج أو اتخاذ قرار أو إنجاز أي مشروع.. مع ترك بعض الاحتياط في الوقت، تحسباً للحالات غير المتوقعة، أو تجويداً لإجراءات التنفيذ حين عدم حصولها..
10 ـ تحديد مواعيد الاجتماعات في أوقات معقولة، تتفق مع أوقات المشاركين فيها، وتناسبهم إدارياً واجتماعيا.. وجعل مدتها معقولة أيضاً ومناسبة لإمكانية الاستيعاب والمناقشة والدراسة، فالاجتماع المطّول لا فائدة منه في ساعاته الأخيرة، ويصبح هدراً للوقت والفكر والجهد البشري. وعدم السماح بالخروج عن المواضيع المدرجة في جدول الأعمال، أو المناقشات الجانبية بين بعض المشاركين..
11 ) التعوّد على استعمال " مفكرة الجيب، الطاولة "، أو ما يشابهها من الأدوات الإدارية العصرية، والرجوع إليها..
12 ـ مسك " مصنف أو ملف الانتظار " لمتابعة تنفيذ المعاملات والمواضيع التي تتطلب وقتاً ما لإنجازها.. سواءً ما طُلب إلينا من المستويات الأعلى؛ وما طلبناه نحن من الجهات والمستويات الموازية والقاعدية.. وذلك بوضع صورة عن معاملاتها في هذا المصنف، والاحتفاظ به لدى أميني السر ومديري المكاتب أو المدير نفسه حسب الحال.. بحيث يرجع إليه صباح كل نهار لتفقد مآل مواضيع محتوياته.. وتذكير الجهة المعنية أو التأكيد عليها في حال التأخير..
13 ـ التعوُّد على برمجة العمل الشخصي وتنظيمه: يومياً، أسبوعياً، شهرياً، ربعياً، وسنوياً، في مطلع كل منها: صباح كل يوم، السبت، قبيل نهاية الشهر، أو الربع، أو السنة.. وكذلك برمجة العمل وتنظيمه لدى العودة من سفر أو غياب طويل خارج مركز العمل..
14 ـ التعوّد على تصفح المعاملات " البريد " الواردة خلال النهار قبيل الانصراف، لتحديد الوقت الذي ستعالج فيه المواضيع الهامة، ومتى: بعد الظهر، مساءً، أم الاصطحاب إلى المنزل..
15 ـ تشجيع مديري المكاتب أو أميني السر على تذكيرنا بالوقت والمواعيد، قي أي ظرف كان.. ويفضل تسمية أصحاب الذاكرة القوية لمثل هذه المهام..
16 ـ استخدام أوراق " الملخصات وآراء التسلسل "، من القاعدة إلى الأعلى، لدى عرض المعاملات على الرؤساء، وهذا يفيد على الأقل، في اتجاهين:
أ ـ تشجيع المرؤوسين على بيان آرائهم وتحملهم مسؤوليتها وتأهيلهم..
ب ـ متابعة العمل باستمرار، إذ يطلب من كل من مرَّت عليه المعاملة، أن يضع التاريخ مع توقيعه..
17 ـ اتباع أسلوب " البرمجة بالعد التراجعي أو التنازلي " ، كما يفعلون في برمجة الدورات الرياضية، لتنفيذ المهام الرئيسية في وقتها..
18 ـ وعموماً، فإن تنمية الإدارة، والعناية بتطوير مرتكزاتها الأساسية: الإنسان، والقوانين والأنظمة، والهياكل التنظيمية، والأدوات.. بشكل جاد ومستمر، كفيلة برفع مستوى أدائها وبالتالي الوصول إلى استثمار فعال للزمن.. لذا فأنا أدعو دوماً للتنمية الإدارية، وأعتبرها هاجساً وطنياً وقومياً.. لأن رفع كفاءة الإدارة وترشيدها، يعني إيجاد أداة فعّالة للتنمية الشاملة والتطور في أقصر وقت، لكيلا لا نبقى متخلفين..
خامساً ـ صفوة القول
1 ) لعل كلاً منا، كل إداري وقيادي، بل وكل مواطن في أسرته، وكل عامل في مجال أو قطاع أو مهنة، ينظر ما حوله، بحسب موقعه من الهرم الإداري لمنظمته، والظروف البيئية المحيطة به أو بالمنظمة التي يعمل فيها.. ويسعى إلى تقدير الموقف الذي هو فيه، ويبدأ باتخاذ الخطوات الجادة والمبكرة على طريق إعطاء الوقت ما يستحقه من أهمية ويسعى لاستثماره على النحو الأمثل، وذلك على محورين:
أ ) على الصعيد الفردي: بحيث يبدأ بنفسه وسلوكه وتصرفاته والتزامه الدقيق بالوقت واحترامه واستغلاله.. وخاصة إذا كان يحتل مركز " القدوة " في التجمّع أو المنظمة.. وكلمتا القائد والقدوة مشتقتان أساساً من فعل واحد: قاد، والإداري قائد..
ب ) على الصعيد الجماعي: أو في الوحدة التي يعمل فيها، بالعمل على مقاومة ظواهر الهدر، ما أتينا عليه منها وغيرها، وعلى تنظيم الوقت واستثماره على أحسن ما يكون..
2 ) مع التذكير بضرورة الاهتمام بأية ظاهرة تتعلق بالزمن إيجابياً أو سلبا، وعدم إهمال أي منها مهما بدت صغيرة أو بسيطة.. فكما هو معلوم ومنطقي، إن الانحراف البسيط أو الصغير بداية، يتطور مع الزمن والمسافة الطويلة إلى انحراف كبير في حجمه وخطير في آثاره.. وقد قيل في المثل: من يسرق بيضة يسرق جملاً.. فالخطأ أو الإهمال البسيط يؤدى مع التراخي إلى خطأ كبير.. وهذا واضح جداً في المحاسبة، حيث يحتاج الترحيل اليومي، أولاً بأول، إلى جهد بسيط ووقت قليل، ولكن التراكم الذي يسببه التأجيل أو التسويف والإهمال، يُعقد الموقف ويجعلنا نصرف وقتاً أطول وجهوداً أكبر للقيام بذات المهمة " ترحيل ذات الحسابات" ..
3 ) فلنعتبر، ولنتمتع بنعمة الله علينا، ولننم إحساسنا بالزمن ونستفيد منه إلى أقصى ما نستطيع، لنحقق أهدافنا وطموحاتنا وواجباتنا.. وإلاّ، فهو سائر في طريقه دون استئذان أو انتظار!. وبدون احترام الزمن لا تمُارس الإنسانية!..
4 ) وليبدأ كل منا، كل إداري وقيادي ومواطن، في أي قطاع أو مجال أو مستوى، بنفسه في سلوكه الشخصي، وفي وحدته أو منظمته، باتخاذ الخطوات الجادة والمبكرة على هذه الطريق..
* * *
بسم الله الرحمن الرحيم
جاهزية الإدارة للحالات الطارئة والكوارث
أولاً ـ تمهيد
يفترض أو يجب أن يكون مجمل نشاط الإدارة، سواءً بالنسبة للوظائف العامة لها أو المهام التقليدية التي تمارسها كل الإدارات، مستمراً في كل الأحوال والظروف والأوقات.. العادية منها والطارئة..
أي يجب عليها أن تهيئ نفسها مسبقاً لهذه الاستمرارية، وأن تتخذ من التدابير والإجراءات البشرية والتنظيمية والعملية... ما يؤمن لها الاستعداد الدائم والكافي لمواجهة الحالات الطارئة والكوارث، دون انقطاع أو ارتباك أو فوضى وذعر في أعمالها، وبجاهزية مناسبة كما في الحالات العادية..
ثانياً ـ المفهوم العام للجاهزية الدائمة
ويتلخص في: أن تستمر " إدارة " المنظمات والتجمّعات البشرية، على تنوعها، في ممارسة وظائفها ومهامها ونشاطاتها، بوتيرة جيدة أو مناسبة، تلائم جميع الحالات والأوقات، العادية منها والطارئة.. بحيث لا تقتصر في أدائها الجيد على الظروف الطبيعية، بل يجب أن تكون جاهزة ومستعدة سلفاً للعمل الجيد والرشيد مهما تبدلت الظروف وظهرت المفاجآت وحلت الطوارئ..
ذلك لأن الحياة مستمرة في الحركة والتبدل ومتغيراتها ومستجداتها وتحدياتها دائبة الحصول.. سواء لأسباب بفعل البشر أو بفعل الطبيعة أو غيرها.. فعلى الإدارة أن تتوقع دوماً حالات غير منتظرة وخارجة عن إرادتها ستحدث من حين لآخر.. وأن تسعى لتصورها مسبقاً.. وأن تستعد سلفاً لمجابهتها بتحضير تدابير معاكسة.. وإلاّ، فقد تفقد الإدارة صوابها حين تفاجئها الحالة الطارئة أو الاستثنائية أو الكارثة!، ويُشل تفكيرها وتقع بالحيرة والارتباك.. فتأتي ردود فعلها وإجراءاتها مرتجلة غير مترابطة.. تسودها الفوضى.. ومتأخرة، والزمن يجري مسرعاً كعادته ولا يرحم.. وتتعرقل أعمالها وترتبك في نشاطها وتقع في خسائر بشرية أو مادية أو فنية، هي في غنى عنها.. بل قد تتوقف كلياً عن النشاط في بعض الحالات والكوارث.. علاوة على الذعر والفوضى من قبل العاملين أو المتعاملين أو جماهير المواطنين والآثار النفسية التي تصيبهم وتزيد من النتائج السلبية للطارئ وتفاقمها، كما تعرقل إجراءات الإنقاذ..
ثالثاً ـ أشكال الحالات الطارئة والكوارث
أ – هنالك حالات طارئة واستثنائية من صنع البشر.. اجتماعية؛ واقتصادية؛ وعسكرية أو عدوانية؛ وأمنية؛ وتخريبية.. وفي العلاقات الخارجية المقصودة وغير المقصودة، كالحظر الجوي والمقاطعة والحصار الاقتصادي والإضرابات..
ب - وهنالك الكوارث الطبيعية.. في الأرض والبحر والجو.. التي نسمع عنها في بلدان مختلفة من العالم، القريبة منا والبعيدة، في شرق الأرض وغربها، أو قد تحدث عندنا.. كالزلازل والهزات الأرضية والعواصف والأعاصير والزوابع والصواعق والسيول والطوفان والفيضان والثلوج والحرائق وانحباس المطر والجفاف..
ت - وهنالك حالات طارئة واستثنائية لأسباب فنية وغيرها.. كالعطل في التجهيزات والآليات والمعدات؛ وانقطاع الكهرباء والماء؛ وانهيار الجسور والمباني؛ والحرائق؛ وغرق السفن الموردة لبضائع؛ وانتشار الأوبئة وتفشي الأمراض..
ث ـ وأشير إلى أن ما ذُكر عبارة عن أمثلة.. فهنالك أشكال و مظاهر وأسباب كثيرة للطوارئ والحوادث المفاجئة.. ومنها ما يكون عاماً يصيب بآثاره ونتائجه المجتمع أو قطاعاً أو قطاعات واسعة.. ومنها ما يكون خاصاً بجهة أو موقع أو منشأة معينة..
على كلّ، لا يمكن حصرها بجهد فردي.. ولكنها جميعها تتطلب التنبؤ والتوقع الواسع، والاستعداد الدائم المسبق لها بحسب الواقع والظروف والإمكانات.. وخصوصيات كل جهة.. ودون نسيان تدابير الاستعداد وتفقدها، في غمرة الأعمال والأنشطة العادية وزحمتها..
رابعاً ـ منطلقات تحقيق الجاهزية
لما كانت، الحالات الطارئة والظروف الاستثنائية المفاجئة والكوارث متنوعة ومختلفة إلى حد كبير أيضاً.. فإني سأوجز الحديث، وأذكر ماله صفة عامة في جميع المنظمات..
1 ) الإكثار من التصورات حول أنواع الطوارئ المتوقعة والكوارث المحتملة.. على اختلاف أشكالها ومصادرها.. وحول الآثار السلبية التي قد تنجم عنها.. وذلك بحسب مستوى المنظمة، مركزياً وقطاعياً ومحلياً، وبحسب موقعها الجغرافي ونشاطها الذي تمارسه.. ويُنصح هنا، بإطلاق العنان للتفكير من قبل أكبر عدد من العاملين، إن لم أقل إشراك الجميع فيه.. لأن الموضوع أوسع من أن يحيط به عدد محدود من الأشخاص..
2 ) تحديد التدابير المضادة لكل طارئ محتمل، لتلافي آثاره السلبية وتداركها والتقليل من خطرها بأقل جهود وخسائر وأقصر زمن.. مع تقدير مستلزمات كل إجراء، ومصادرها الداخلية أو الخارجية، في الداخل والخارج.. ومن يمكن أو يجب أن يقوم بكل من هذه التدابير بموجب القوانين والأنظمة، أو بالتكليف المستجد عند الحاجة..
3 ) تحديد الأولوية بين هذه الإجراءات، للتركيز على الأخطر منها أولاً، والتبكير في اتخاذ التدبير الأهم، فالمهم، وهكذا.. ووضع خطة وبرنامج زمني تنفيذي لتحقيقها.. فقد تكون جميع الإجراءات أوسع من القيام بها في زمن قصير أو في مرحلة معينة، فلا بد من البرمجة الزمنية حسب الأفضلية.. ومن ثمّ، تسمية الجهات المكلفة أو المكلفين شخصياً، بكل إجراء، ومتابعتهم دون كلل أو توقف أو تراخ مهما طال الزمن، لأن من أهم صفات الحالات الطارئة والكوارث أنها مباغتة، ولا تعطي خبراً أو إنذاراً وإشعاراً!، وتحل فجأة دون مقدمات!، وبعضها لا يدوم لأكثر من ثوان أو دقائق! ولا تترك لنا حين حدوثها فرصة للتفكير بما يجب القيام به.. مما يؤكد أهمية الاستعداد المسبق المستمر وكأن الطارئ قد يحدث في أية لحظة وفي أي مكان، وخطورة الإهمال والتواكل والغفلة..
وبسبب هذه الأهمية والخطورة يتوجب في المستويات العليا، كمجلس الوزراء والوزارات والمحافظات وغيرها.. تشكيل وحدة متخصصة متفرغة.. للقيام بالمهام التحضيرية وتنفيذها، وتفقدها وتصويبها بالمتابعة المستمرة..
4 ) عرض التصورات عن الطوارئ والكوارث، والإجراءات الممكنة لمواجهتها والأولويات والمقترحات والمستلزمات على الجهات المختلفة: الأعلى والموازية أو الأدنى، في القطاع نفسه أو غيره.. التي يمكنها تقديم المساعدة والمؤازرة، مع تفصيل الاحتياجات المطلوبة من كل جهة..: بشرياً، مادياً، اعتمادات مالية، وسائط نقل، أجهزة اتصال، إعلام وإعلان، بناء إنشاءات، تفويض صلاحيات، تبسيط النصوص القانونية والأنظمة، وغيرها.. والتنسيق معها، ومتابعة الاتصال بها للحصول على الدعم المطلوب دون انقطاع أو ملل.. فالنتائج المادية السلبية والمسؤولية المعنوية عنها أكبر من أن تقاس، ولكن بعد فوات الأوان!.
5 ) ترك بعض الاحتياطي البشري والمادي والفني… للطوارئ التي لم تكن في الحسبان، فالكوارث والظروف المفاجئة قد تكون أكثر مما تصورنا وتوقعنا وتختلف عنها في الشكل والزمن..
6 ) تكييف المرتكزات الأساس للإدارة
* لأنه نظراً لتنوع أشكال الطوارئ المحتملة والكوارث ومصادرها.. * ولكثرة المنظمات والجهات والتجمعات البشرية واختلاف أهدافها واختصاصاتها وأنشطتها ومواقعها ومجالاتها، ولكل منها أوضاعها وإجراءاتها الخاصة من ناحية.. * وبالتالي للاحتمالات التي لا حصر لها في نوعية آثار الحالات الطارئة والكوارث، وفي الإجراءات والتدابير الوقائية المعاكسة.. مما يجعل من الصعب، تصور كل ما يمكن القيام به للمواجهة والمجابهة بكفاءة..
* ولكن لما كانت الإدارة، تعتمد في استخدام ما لديها من إمكانات، وفي ممارسة وظائفها العامة ومهامها التقليدية، على مرتكزات أساس، هي: أ- الإنسان؛ ب – والهيكل التنظيمي والملاكات؛ ت – والقوانيـن والأنظمة؛ ث – والأدوات الإدارية..
فإنه يتوجب على مجمل التجمعات البشرية، النظر بهذهالمرتكزات الأساس، واستبيان مدى استعدادها للقيام بالإجراءات والتدابير المتصورة والمقررة، وما هي النواقص والتعديلات والإضافات التي يجب تداركها وإدخالها عليها لتصبح جاهزة للتصرف السريع والمناسب لدى حدوث الطارئ أو الكارثة.. وتساعد على الاستمرار في ممارسة الوظائف العامة والمهام التقليدية ونشاط المنظمة الخاص.. بوتيرة مناسبة مقبولة..
خامساً ـ أمثلة عملية على تدابير الجاهزية
أورد في ما يلي عدداً من الإجراءات العامة، التي أستمدها من تجربتي الطويلة في وزارة التموين والتجارة الداخلية، للقياس عليها وللتذكير بها فقط، وعلى سبيل المثال وليس الحصر، فلكل تجمّع بشري خصوصياته.. ويفترض في إدارته والعاملين فيه، أنهم أدرى بها..
1 ) تدارك النقص في اليد العاملة، فقد نحتاج لمهام جديدة، أو لإطالة وقت العمل بورديات أو مناوبة مستمرة، أو لتوسيع نطاق العمل مكانياً وجغرافيا.. تمتد مديرية تموين دمشق مثلاً إلى 8 قطاعات تموينية عند الاضطرار.. وقد حُددت مقراتها مسبقا.. وسُمي المسؤولون عنها.. وجُهزت بما يلزم لتؤدي واجباتها في الحالات الطارئة..
2 ) تنظيم جداول اسمية بالعاملين وعناوين سكنهم، وواجبات كل منهم، وتحديد أسلوب سريع " تسلسلي " لاستدعائهم.. يعتمد على تقسيم العاملين إلى مجموعات بحسب سكنهم، وتحديد المسؤول عن إبلاغ أفراد كل مجموعة، بعد الاتصال به من قبل المركز.. وتخصيص وسائط لنقل بعضهم عند الحاجة..
3 ) تعديل القوانين والأنظمة، بما يجعلها مرنة وتساعد على اللامركزية، وتعطي تفويضاً في مزاولة بعض المهام وحرية التصرف، وتسمح بأكبر قدر من الاستقلالية للوحدات الفرعية، لمواجهة انقطاع الاتصالات والمواصلات.. وإصدار صكوك بالتعديلات وإبلاغها للجهات المعنية..
4 ) تعديل الهيكل التنظيمي، للقيام بالمهام المستجدة أو لمواجهة التوسع في النشاط المكاني، أو للاستمرار في ملاحقة إجراءات الجاهزية في المستويات العليا، إذ نرى مثلاً ضرورة وجود مديرية دائمة لها في مكتب شؤون مجلس الوزراء وفي كل وزارة ومحافظة.. ودائرة أو شعبة في المنظمات والمؤسسات والشركات العامة..
5 ) تأمين وسائل اتصال متنوعة " حديثة.. وقديمة: كالبوق، والمراسل على دراجة.. " بكميات كافية..
6 ) إيجاد مقرات احتياطية للقيادة والإدارة في المستويات العليا، وتزويدها:
أ - بمتطلبات استمرارية النشاط الإداري منها بكفاءة.. ب - تأمين حياة العاملين فيها، وأمنهم، ومعيشتهم كبشر يحتاجون للأكل والنوم والعناية بصحتهم والنظافة والراحة..
7 ) تأمين احتياط كاف من السلع الاستهلاكية الرئيسة، الغذائية وغير الغذائية، وحفظها في مستودعات خاصة، ولا سيما بالنسبة للسلع الحيوية والاستراتيجية.. بحيث لا تمس في الأحوال الطبيعية، وإنما في الظروف القاهرة فقط وبإيعاز من مرجع محدد، أو للتبديل إذا كانت مواصفاتها تقتضي ذلك.. وتقدر كمية هذا الاحتياط و كفايتها الزمنية بالأشهر والسنوات، حسب المصادر الداخلية والخارجية لكل مادة منها، والدورة أو المدة التي يستغرقها إنتاجها أو استيرادها، وتحديد طريقة توزيعها بالتقنين، كالبطاقة التموينية، والمحروقات..
8 ) تسمية الجهات أو الأشخاص المكلفين بتأمين هذا الاحتياط الكافي، والمسؤولين عن وجوده والتصرف به..
9 ) تأمين تجهيزات ومصادر طاقة احتياطية متنوعة " محركة، كهربائية… "، ومستلزمات دوام صيانتها وتشغيلها.. سواء للقطاع العام أم الخاص أم الحرفي.. كالأفران، والمستشفيات..
10 ) تدارك النقص في وسائط نقل المعدات والآليات والتجهيزات وقطع التبديل.. مع الاحتياطي الكافي من كل منها..
11 ) تأمين وسائط النقل المتنوعة الكافية للعاملين والمواد والتجهيزات، وتحديد أماكن تمركزها ومهماتها..
12 ) تأمين المواد الأولية والمساعدة وقطع التبديل ومستلزمات الإنتاج والخدمات والحفظ والتغليف والنقل والتسويق بكميات كافية… وإلزام القطاع الخاص أو الحرفي بها حسب نوعية نشاطها، كالمحروقات، والخَبز..
13 ) اتخاذ تدابير الإسعاف والوقاية الصحية، وتأمين ما تحتاجه من عناصر بشرية وأدوية ومعدات.. وتنسيق هذه التدابير مع الجهات والأجهزة الصحية المختصة، المركزية والمحلية..
14 ) اتخاذ تدابير الدفاع المدني، وتنفيذ متطلباتها وتأمين مستلزماتها، وتشكيل فرق إنقاذ وتدخل سريع، وخاصة في المستويات العليا والمنشآت الضخمة.. والتنسيق فيها مع أجهزة الدفاع المدني المختصة، المركزية والمحلية..
15 ) تنسيق الإجراءات والتدابير مع القوات المسلحة وقوى الأمن، وسائر الجهات المعنية.. مركزياً ومحليا..
16 ) الإعلان المسبق عن الإجراءات والتدابير غير السرِّية، لفهمها من قبل العاملين والتدرب عليها..
17 ) إجراء تجارب عملية تفقدية عليها: معلنة، ومفاجئة، للتأكد من استيعابها.. ولإعادة النظر بالإجراءات والتدابير المتخذة، وتصويبها عند الاقتضاء..
18 ) التنسيق في كل ما سبق مع وسائل الإعلام، للإعلان التمهيدي والتوعية، والتنوير المسبق عن الإجراءات العامة التي لا تتصف بالسرية قبل حدوث الطارئ، وللاستمرار في ذلك بعد حدوثه..
19 ) . . . . . . .
سادساً ـ الجاهزية واجب عام، وللجميع
أعود للتأكيد على أن الاستعداد واجب إداري عام مطلوب من الجميع دون استثناء..
أ - للأسباب الموضوعية التي ذكرت أهمها، من كل الجهات والمنظمات وأي تجمّع بشري.. على اختلاف أهدافها ومستوياتها وقطاعاتها العامة والخاصة والتعاونية والمشتركة والفردية.. وعلى تنوع أنشطتها في الإدارة والصناعة والزراعة والتجارة والنقل والخدمات.. كالأسرة والمدرسة والجامعة والحي والبلدية والمدينة والمشغل والمصنع والمزرعة والمتجر والمصرف والمشفى والنادي الرياضي والمسرح وحقل النفط والمرفأ والمطار والجمعية والشركة والمؤسسة والهيئة ووكالة الأنباء والنقابة والوزارة ومجلس الوزراء... فالكوارث والطوارئ تعم الجميع في البر والبحر والجو، ولا يستثنى أحد من أخطارها، فهي قد تشمل الكل، فعلى الكل التكاتف والمساهمة في التحضيرات لمجابهتها: أثناء حدوثها، وللتخلص أو لتخفيف آثارها السلبية عند وقوعها..
ب – على أن دور الحكومة المركزية والمستويات العليا في كل تجمّع بالطبع، أهم وأوسع وأخطر، نظراً لتأثيرها السلطوي على الجميع.. مما يوجب على القيادة والإدارة في كل الجهات والمنظمات وغيرها " بدءاً من الوالدين في الأسرة " أن تعطي موضوع الجاهزية ما يستحقه من أهمية فائقة، وأن تتخذ التدابير اللازمة لذلك مسبقاً ومبكراً وقبل أن يحمّ القدر، حيث لا ينفع بعدها الندم والحسرة ومناشدة المؤازرة والدوران في الفراغ والتلاوم والمساءلة.. كما نسمع من حين لآخر هنا وهناك!، إذ تكون الفوضى والخسائر البشرية والمالية والمادية قد حلّت!. بل إن الخسائر تكون أقل نسبياً عند البعض الذي فكر مسبقاً واستعد، منها عند البعض الآخر الذي أغفل المسألة!..
ت – وأرى أن تعتمد الحكومات المركزية، تعديل مرتكز الإدارة الأساس، وجعل القيام بتدابير الاستعداد واجب قانوني.. كما هو الحال في سورية.. حيث قضى النظام الداخلي النموذجي المعتمد بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 3803 تاريخ 20/11/1985 استناداً للفقرة آ من المادة 4 من القانون الأساسي للعاملين في الدولة رقم ( 1) لعام 1985.. حيث جاء في النظام.. المادة 2- يصدر النظام الداخلي لكل جهة عامة، بقرار من الوزير المختص, وبما لا يتعارض مع ملاكها، وهذا النظام يتضمن بشكل خاص: - . . . . . 13- جاهزية الجهة العامة في الحالات الطارئة والاستثنائية..
سابعاً ـ صفوة القول، وتحذير
إن الكوارث والطوارئ أمور ممكنة وتفرض ذاتها، وتلبس أشكالاً متعددة.. وهي غالباً ما تكون مفاجئة وغير منتظرة، وتأخذ الناس كلهم دون استثناء بغتة دون مقدمات أو إنذار!، في أية ساعة أو لحظة من الليل والنهار، وفي أي موقع ومكان على الأرض وداخلها، وعلى سطح البحر وفي جوفه، وتبلغ عنان السماء وآفاقها.. كما قد تكون مدمرة في آثارها البشرية والاقتصادية والمادية والمالية والفنية.. وخسائر في الأرواح والممتلكات والمنشآت، وفي عرقلة عجلة التنمية والتقدم وجرها نحو الخلف بسبب الزمن اللازم لتعويض ما جرى وترميم ما أُتلف..
ولكن يمكن تداركها والتخفيف من آثارها السلبية بالتفكير المسبق وبتحضير إجراءات تنظيمية وعملية لمواجهتها، وهذا ما سعيت لشرحه والتنبيه إليه باعتباره واجباً عاماً ودائما..
وأختم حديثي بالتحذير من أن الجاهزية يجب أن تكون دائمة ودؤوبة، وذلك بتدقيق الدراسات ومتابعة الإجراءات والتعليمات وإعادة النظر بها، بشكل مستمر ودورياً، في ضوء التصورات والمستجدات المحتملة، وفي ضوء التجارب الميدانية التفقدية.. والتحذير من الابتعاد عن أسلوب المناسبات و" الفورات " التي تنشط عند وقوع الحدث، خارجياً أو محلياً، ثم يخبو بريقها وتتراخى وتُنسى مع الزمن، فتُغفل ويعلو وثائق إجراءاتها الغبار!.. فالكوارث والطوارئ والظروف القاهرة لا ترحم من لا يستعد مسبقاً بالتفكير بها ولم يتخذ أُهبته لمواجهتها بوعي وتصميم ويقظة دائمة!. ولا ينفع حين وقوعها التلاوم والحسرة والندم!.
وأرفق مع هذا الحديث ورقة موجزة عن الجاهزية..
***
المفهوم: استمرارية أداء الإدارة لمهامها بوتيرة مناسبة في الحالات الطارئة كما في الحالات العادية دون ارتباك وهلع!.
الحالات الطارئة: متنوعة " لا حصر لها " طبيعية اجتماعية اقتصادية فنية صحية أمنية حربية. . . داخلية وخارجية..
أ ـ منطلقات النجاح في تحقيق الجاهزية:
1- الإكثار من التصورات والتساؤلات حول الطوارئ المتنوعة المتوقعة بحسب طبيعة نشاط الإدارة..
2- تحديد الإجراءات المضادة لكل تصور أو طارئ محتمل..
3- تحديد الأولوية بين هذه الإجراءات وبالتالي، الواجبات التي ستركز عليها الجهود والإمكانات المتاحة..
4- تسمية الجهات أو الأشخاص المكلفين بتنفيذ كل إجراء أو المساعدة في تنفيذه..
5- التنسيق والتزامن بين الجهات المنفذة والمساعدة ومع الجهات الأعلى والموازية..
6- ترك احتياطي كاف لمواجهة الطوارئ المباغتة التي لم تكن بالحسبان..
7- الاستمرار في اليقظة وتفقد الاستعداد بشكل دائم، وليس بأسلوب " الفورة " التي تخبو مع الزمن..
8 – النظر في تعديل المرتكزات الأساس للإدارة، وخاصة القوانين والأنظمة..
* تدارك النقص في العاملين
* تنظيم جداول استدعاء العاملين " أسلوب تسلسلي "
* تعديل القوانين والأنظمة
* تأمين وسائط النقل الكافية للعاملين والمواد
* تأمين أدوات اتصال متنوعة متطورة وبدائية
* تأمين احتياط كاف من السلع الاستهلاكية الرئيسة وتسمية المسؤولين عنها وتحديد أسلوب توزيعها وإعداد مستلزماته
* تعديل الهيكل التنظيمي والملاكات وإيجاد وحدات مختصة بالجاهزية ودائمة خاصةً في المستويات العليا
* إيجاد مقرات إدارة احتياطية آمنة وتزويدها بمتطلبات: 1- الإدارة المستمرة 2- والمعيشة
* الإعلان المسبق عن الإجراءات لفهمها والتدرب عليها وتنفيذها عند الاقتضاء، إن لم تك سرّية
* القيام بتجارب عملية تفقدية معلنة أو مفاجئة للتأكد من الاستعداد المستمر وتصويبها
* تأمين مصادر طاقة احتياطية كهرباء محركات . . . . . في كل القطاعات ..
* تأمين مواد أولية ومساعدة وقطع تبديل . . . . . في كل القطاعات..
* اتخاذ تدابير الدفاع المدني والوقاية الصحية وتأمين مستلزماتها البشرية والمادية.. وتنسيقها..
* تنسيق الإجراءات مع قوى الأمن والقوات المسلحة ووسائل الإعلام..
* . . . . . .
* * *
أولاً ـ تمهيد
يدور الحوار، بين حين وآخر، ويتم التساؤل: حول ما إذا كنا نستطيع تحقيق الإصلاح الإداري بإمكاناتنا الذاتية، " في سورية "، أم يتوجب علينا الاستعانة بالأجانب والخبرة الأجنبية؟. وتطرح المقترحات، منطلقة من مواقع، تتفق أو تتعارض، وتتأرجح بين مؤيد للاستفادة من الأجانب، ومعارض، ومتحفظ..
ونظراً لأهمية الإصلاح أو التنمية الإدارية وضرورة إنجازه كمدخل للتطوير في الميادين الأخرى.. فإني أساهم في هذا الحوار.. لأبين: * حاجتنا إلى تنمية إدارية شاملة..* وأقترح الخطوات الواجب اتباعها لمعرفة حدود حاجتنا للاستعانة بالأجنبي، * ثم لأُؤكد على ضرورة إحداث المرجع الدائم المختص بها أولاً..
ثانياً ـ حاجتنا إلى تنمية إدارية
1 ) وهي تشمل جميع المحاور الآتية، إذ لا مجال للتركيز على إصلاح " جزر منعزلة "..
أ - المرتكزات الأساس للإدارة: * العنصر البشري.. * القوانين والأنظمة النافذة، العامة منها والخاصة.. * التنظيم الهيكلي والملاكات، وتوصيف الوظائف وشروط إشغالها.. * ـ الأدوات الإدارية..
ب – الوظائف العامة للإدارة: التنظيم، التخطيط، التوجيه، التتبع والرقابة..
ت - المهام التقليدية للإدارة: الشؤون الديوانية، والبريدية، والشخصيـة، والقانونية، والاتصالات، والمعلوماتية، والأبحـاث، والحفظ والأرشفة..
3 ) وأرى الاعتماد في إجراءاتنا على إمكاناتنا الذاتية، لئلا ندور في حلقة مفرغة، تتزايد حلقاتها تعقيداً مع الزمن، ويتعذر الخروج منها، فنجد أنفسنا تابعين للأجنبي باستمرار، دون تطوير ملحوظ، والوقت يمضي!.
ثالثاً ـ الخطوات الواجب اتباعها
بغية معرفة حدود الاستعانة بالأجانب، كأشخاص أو مجموعات أو خبرة أو استشارة أو نظريات ومدارس.. لا بد من القيام بخطوات أساس، ومنها:
1 - تقييم شامل للواقع الإداري، لنصل إلى استنتاجات: أ ـ إيجابية لتعزيزها.. ب ـ وسلبية لتلافيها..
2 - تحديد الأهداف: الاستراتيجية، والعامة والقطاعية والإقليمية.. كنتيجة للتقييم الشامل..
3- إعداد خطة، تشمل الأهداف المطلوبة على المدى القريب، ثمّ، تحديد الإجراءات التي تترجمها إلى واقع ملموس.. وتسمية الجهات المنفذة والمعاونة لها، وواجباتها.. وتخصص الإمكانات اللازمة للتنفيذ، مع بيان هل هي موجودة لدينا؟، أم سنوجدها؟.. وكيف، ومن أين: محلياً، أم عربياً، أم أجنبياً؟.
4 - تنظيم برامج مرحلية، تُحدد فيها مواعيد التنفيذ لكل الجهات الأساسية والمعاونة، والتنسيق بينها..
5- تحديد: جهات الإشراف والمتابعة ودور كل منها، ميدانياً ومكتبياً.. ومعايير تقييم النتائج.. والجهة التي يحق لها تعديل الخطة أو البرامج.. تمهيداً للتخطيط للمراحل القادمة..
رابعاً ـ نقاط الضعف في الواقع الإداري
1 ) المركزية السائدة في عدد من المجالات: * في ممارسة الأمور في المستويات العليا، وفي الإشراف على أجهزة الدولة والقطاع العام وغيرها.. التي تأخذ جزءاً من وقت المسؤولين لصرفه في أمور صغيرة!. برغم تنامي دورها.. فوزير الصناعة مثلاً، يشرف على 6 مؤسسات عامة وأكثر من 100 شركة عامة، وغيرها!.
2 ) تأخر الاستفادة من التطور المتسارع في المعلوماتية والاتصالات، التي تتخذ صفة فورية واتجاهات أفقية، لا تسمح بإضاعة الوقت في العلاقات الرأسية مع الجهات الأعلى!. ومما يؤثر سلباً على علاقاتنا مع العالم الخارجي.. ويؤدي إلى التشابكات المالية، التي تشكل مناخاً لأخطبوط الإفساد والفساد..
3 ) إغراق المحافظين بمهام لمصلحة المستويات العليا، تصرفهم عن واجباتهم.. كرئاسة اللجان التي تؤلفها رئاسة الوزراء والوزارات، إضافةً لرئاستهم لما هو مقرر في القوانين والأنظمة، ويصعب تعداده..
4 ) عدم توفر الظروف الموضوعية لتسمية الشخص المناسب في مكانه، بوجود: * سجل عام العاملين، يشمل مؤهلاتهم وتجاربهم ووقوعاتهم.. * توصيف للوظائف وشروط إشغالها.. * نقص التدريب المستمر..
5 ) حاجة بعض القوانين لإعادة النظر: * كقانون الإدارة المحلية لعام 1971 ـ ونظام الحوافز لعام 1977* تعويضات الاختصاص، وطبيعة العمل، والانتقال والسفر، والتمثيل، والمسؤولية، والعمل الإضافي.. ووضع تشريع موحد يحدد الشخصية الاعتبارية " للوزارة "، مما يجعل ممارسة الوزراء مختلفة من وزير لآخر، ويتبدل الأسلوب مع كل إعادة تشكيل حكومي..
6 ) وقد كُبل القطاع العام بالقيود، بينما استثنيت منها شركات القطاع المشترك الذي تملك الدولة ربعه، كما وضعت "سقوف اصطناعية "! للحوافز والمكافآت،لم ينص عليها نظامها.. ومجلس الدولة مهمَّش، لا يمارس دوره التشريعي..
7 ) والبطالة المقنعة مرتفعة في الوزارات والقطاع العام ومعظم أجهزة الدولة.. ونجد " مفارقات " بين الوحدات، فنجد معمل، ألبان، معكرونة، يشكل شركة عامة، وأكثر من 100 معمل خبز آلي تشكل شركة عامة.. و3 معامل بحلب تشكل شركة، شركة الشرق للمنتجات الغذائية، يقابلها بدمشق 3 شركات عامة!.
8 ) وتتعدد جهات المتابعة، في مجالات مختلفة، دون تحديد دقيق لاختصاص كل منها.. مما أربك أجهزة الدولة والقطاع العام، ولم يعد يسمح لها بممارسة صلاحياتها باستقلالية وحرية..
9 ) ضعف التعامل مع الرقم الإحصائي وتبادل المعلومة والاتصالات.. في جميع المستويات " أمية معلوماتية".. مما يؤدي إلى ضعف أساس بناء التصرفات والقرارات والخطط، وإلى التراكم والتشابكات في الحسابات والموازنات.. ويبعدها عن الشفافية والعلنية..
10 ) منح مزايا مالية ومادية للعاملين في القطاع المشترك الذي تملك الدولة ربعه.. كرواتب وتعويضات، تفوق أضعاف ما يمنح للعاملين في أجهزة الدولة والقطاع العام.. مما أوجد " مفارقات " مذهلة بين مداخيل العاملين في كلا الجهتين، وأدى إلى تزايد التسرب من العمل الحكومي، أو التراخي واللامبالاة..
11 ) عدم وجود التنسيق بين الجامعات والمراكز والمعاهد التعليمية والتدريبية، وبين الإدارة العامة المركزية.. مما يُناقض مبدأ: ربط التعليم باحتياجات المجتمع.. فنشكو الوفرة الفائضة أو الندرة، في هذا الاختصاص أو ذاك!. كما أن توزيع الخريجين والمتدربين ما زال عشوائيا..
وأتساءل بعد ذكر هذه النقاط: هل ينفع " الأجنبي " في معالجة معظم ما أوردته، إن لم أقل كله؟.
خامساً ـ الإدارة مهنة محلية
1 ) الإدارة مهنة محلية، يصنف علمها بين العلوم الاجتماعية، وتغلب عليها الظروف الخاصة بأي مجتمع.. ويتوقف أداؤها، على عمق معرفة الإمكانات والظروف والبيئة فيه.. وتتطلب عناصر " كوادر" وطنية لممارستها وفق العادات والأعراف والتاريخ والتراث، والمستوى التعليمي والثقافي والتربوي والعقلية والمعتقدات الدينية والأخلاقية.. وغيرها من ظروف البيئة،كالشؤون الجغرافية وتوزع السكان والوضع القبلي والعشائري.. ووفق كل ما يتعلق بالإنسان، علاوة على المرتكزات الثلاثة الأخرى: القوانين والأنظمة؛ والهياكل التنظيمية والملاكات؛ والأدوات الإدارية.. وهو مناخ عام، لا يستطيع التصرف من خلاله بنجاح إلا أبناء المجتمع، وهم الإداريون الوطنيون العارفون، الذين يجب تكوينهم، سريعاً.. كما يقول المثل: ما حكّ جلدك مثل ظفرك، فتولّ أمرك..
2 ) وتزداد ضرورة تكوين الإداريين المحليين أهمية، لأن الإدارة مهنة جماعية، لا يضطلع بها الرؤساء والقادة وحدهم، ولابد أن يعاونهم العاملون في جميع المستويات، واليد الواحدة لا تصفق..
3 ) كما أننا بحاجة لعاملين " عارفين " للإدارة، يجمعون بين العلم والنظرية، وبين التطبيق والممارسة..
4 ) فلئلا نقع في مطب " عقدة " الأجنبي.. وكل شي فرنجي برنجي.. ومقولة " أزهد الناس في المرء أهله وجيرانه ".. ولئلا يوصف ما نقوم به: بالهروب نحو الأمام.. علينا أن نفتش عن إمكاناتنا البشرية، وهي كثيرة، وأن ننظم الاستفادة منها، وإلاّ، نضيّع وقتنا وجهودنا ونفقد آمالنا.. وأسوق مثلاً إيجابياً..
وهو تشكيل لجان الإنجاز في سبعينات القرن العشرين، بقرارات من رئيس الجمهورية بموجب المرسوم التشريعي 25 لعام 1971، وتحريرها من القوانين والأنظمة، والإجراءات المالية، ووضع الاعتمادات بتصرفها من الأموال الجاهزة.. مما أتاح لها المرونة والسرعة في أعمالها:كإبرام العقود، وتأمين الأراضي، وفتح الاعتمادات المصرفية، وتوفير العاملين، والإيفاد للخارج، ودفع المكافآت الفورية.. وأدى إلى تنفيذ مشروعات حيوية كثيرة، وبسرعة، وبإدارات وعناصر محلية.. ومنها شبكة المخابز الآلية في جميع أنحاء سورية، وفي زمن قياسي قصير..
5 ) فلنفتش، ومن خلال تقييم شامل للواقع الإداري، عن نقاط ضعفنا.. ولنعالجها بإمكاناتنا أولاً.. وما قد ينقصنا، نسعى لتداركه من الخارج، من الدول العربية، ثمّ من غيرها..
سادساً ـ مجالات الاستفادة من الأجانب وحدودها
1 – الإطلاع على ما لدى الآخرين ضروري، لأن الانغلاق لم يكن وارداً في تاريخ البشرية، وهو غير وارد في مرحلتنا، حيث نعيش في قرية كونية كبيرة، لا حدود معرفية بينها.. ولأنه لا يجوز البدء من الصفر، وتكرار ما قطعه الآخرون من مسافات.. ونحن بحاجة ماسة لاستغلال الوقت إلى أقصى الحدود..
2 - ويناسب الاطلاع على تجارب مختلفة، علماً وسياسياً وإدارياً واقتصاديا وفنياً، في مجمل دول العالم.. وعلى واقعها الإداري وأساليب تطورها أو بقائها متخلفة.. لدراساتها وتطبيقها لدينا بمنطق سليم وواقعية، وليس لتقليدها أو استنساخها.. كما يقول المثل: خذ رأي الأكبر منك، والأصغر منك، وارجع لرأيك..
3 - ولنطلع على ما يجري في الدول العربية والنامية التي سعت لتطوير إدارتها، ووصلت إلى نتائج إيجابية، ولندرس ما تم لديها.. فظروفها أقرب إلينا من تلك الأجنبية المتقدمة.. ولكن للقياس أيضاً، ودون تقليد..
4 - وأنصح بالحذر من الانبهار بالتجارب الأجنبية الناجحة، وتقليدها دون دراسة.. وأرى ضرورة الاطلاع على التجارب المخفقة، لكي نتعظ بما جرى خلالها من أخطاء ونتلافاها..
5 - ولا داعي للتطرف.. ولا مبرر للانغلاق أو الارتماء بلا حدود.. ولنكن واقعيين، بحيث نستفيد من "الأجانب "، من معارفهم وعلومهم وخبراتهم وتجاربهم.. كأفراد، أو محاضرين، أو مدربين، أو مراجع علمية، أو بيوت خبرة، أو بلقاءات علمية وفنية ليعرضوا علينا ما هو مطبق لديهم، وما هي نجاحاته وإخفاقاته.. لكي نعتبر بها ونقيس عليها في مجالات مختلفة.. على أن لا يكون استقدامهم كإداريين ممارسين.. فهنالك فارق كبير:
أ - بين الممارسة الأجنبية الإدارية، أي الاستعانة بأجنبي غريب عن المجتمع ليمارس الإدارة، في جهاتنا العامة، سواء لدى أجهزة الدولة المركزية أو المحلية أو القطاع العام أو الخاص أو غيرهما..
ب - وبين الاستعانة بالأجانب للعمل في ميدان تقني فني، أو استقدامهم لإلقاء محاضرة إدارية علمية، أو لعرض نظرياتهم وخبراتهم، أو لشرح التجارب والأساليب المطبقة لديهم ونتائجها، أو لاستشارتهم في موضوعات معينه..
* فقد ينظم الأجنبي شبكة اتصالات ومعلوماتية، ويدربنا على استعمال الأدوات وتقنياتها وبرامجها..
* وقد يفيدنا في الأمور الهندسية والفنية للتعامل مع الآلات، وفي تشغيل معدات وتجهيزات فنية، أو رسم مخططات.. أو في تشغيل مصنع أو صيانته..
* ويمكن الاستعانة بالطبيب الأجنبي، في العمليات الجراحية، والمحاضرات، والتدريب.. واستشارته في التجهيزات والشروط اللازمة لتأسيس مستشفى أو غرفة عمليات أو مختبر..
ت – ولكن، هل يمكن تصور أجنبي، كوزير، ومحافظ، وحاكم مصرف، ورئيس هيئة تفتيش، ومدير منطقة؟. وهل يصلح مديراً لجهة عامة أو مؤسسة صناعية أو زراعية أو تجارية أو خدمية؟. وماذا يفعل الأجنبي مع قطاع عام مكبّل؟!.
ث – وهل يستطيع الأجنبي نيابة عنا، استعمال شبكة الاتصالات والمعلوماتية التي ساهم في تنظيمها، لتحديد أهدافنا الاستراتيجية؟. ومن ثمّ، رسم الخطط، واتخاذ القرارات وسائر التصرفات لتحقيقها؟. أو أن يقرر توطين المشروعات والمنشآت وأماكن إقامتها، وتوزيعها بشكل متكامل بين المحافظات والقطاعات؟.
ج – وهل ينجح الطبيب الأجنبي في إدارة مديرية صحة محافظة، أو إدارة مستشفى.. بما فيها من شؤون بشرية، ومالية ومحاسبية، وفنية ميكانيكية وكهربائية، وخدمية كتوفير مواد الطعام للمرضى وتأمين النظافة!.
ففي مثل هذه الحالات، لا يستطيع الأجنبي استنطاق المعلومات والأرقام المحلية، التي ستعطى له.. لأن لها خلفية خاصة لم يسبق أن عاشها أو تعرف إليها.. وسيكون تصرفه ناقصاً تخمينياً، ومبنياً على ما يعرفه خارجياً..
5 ) ولمزيد من القناعة أورد مثالاً واقعياً من تجربتي في سبعينات القرن العشرين في وزارة التموين والتجارة الداخلية، التي كان يعمل لديها خبير ألماني.. فقد سألته أثناء جولة معه في مصايف دمشق، بمناسبة وداعه لانتهاء مدة إيفاده: هل تعلم ماذا تتميز به بلدة " مضايا "؟، فاحتار في إجابته.. فقلت: إنه نشاط يتصل باختصاص وزارتنا التجاري.. فلم يعرف، أنها أحد مراكز الاستيراد غير الرسمي " التهريب "!. برغم استمراره بصفة " خبير " تجاري، في سورية لمدة 5 سنوات!.
سابعاً ـ منطلقات أخرى للاستعانة بالأجانب
1 ) إذن، يتوجب علينا، أن نضع سلفاً: معايير، وضوابط، وحدوداً، وتحديد للاستعانة بالأجانب حسب حاجتنا ونقاط ضعفنا.. لكي نستفيد عملياً من وجودهم..
2 ) ويجب، تحديد ما يمكن إطلاع الأجانب عليه.. فلدينا أسرارنا التي نحتفظ بها لأنفسنا، ولا يجوز معرفتها من قبل الغرباء.. وخاصة في الموضوعات الاستراتيجية، وفي المستويات العليا، أو في الهيئات ذات النشاط القريب من موضوعات الأمن الوطني بأشكاله المتنوعة العسكرية والمدنية..
3 ) وأؤكد، على تسمية النظراء المحليين المؤهلين للأجنبي، لمرافقته مكتبياً وميدانيا.. ولتحقيق التواصل مع العاملين، فالأجنبي لا يعرف اللغة العربية!. كما أن مهمته مؤقتة وسيغادرنا، بينما الإصلاح الإداري مستمر..
4 ) ولننتبه على المستوى المركزي، وعلى مستوى النظراء.. إلى أن هناك نزعة عند كثير من الأجانب للبقاء لدينا " خبراء " لأطول مدة ممكنة.. يتمتعون خلالها بامتيازات مالية ومادية ومعنوية لا تتوفر لهم في بلادهم!. مما يجعلهم لا يعطون معرفتهم وخبرتهم دفعة واحدة، وإنما على دفعات، " بالقطّارة " كما يقال.. فلنطلب من الأجنبي مذكرات تفصيلية عما يقوم به، وتقديم تقارير دورية إلزامية عن نشاطه لدينا..
5 ) ولنقارن بين تكلفة الأجنبي، وما يعطى له من ميزات مالية ومادية ومعنوية.. وما يعطى للوطني المحلي.. فما يمنح للأجنبي يزيد كثيراً جداً عن ما يتقاضاه العاملون المختصون الوطنيون!. فلننفق على التعلّم، محلياً وخارجياً، بما يحقق مصلحتنا، ويزيد بالعارفين بالإدارة.. ولنسعى لتحقيق التوازن المستمر بين المداخيل المادية للمختصين والعاملين من رواتب وأجور وحوافز وتعويضات ومزايا مادية، وبين مستوى الأسعار..
6 ) ولنتساءل عن أسباب هجرة كفاءاتنا للعمل في الخارج!. ولنحاول مواجهتها بصراحة باتجاهين: أ - التقليل من تزايدها، وإبقائهم يفيدون الوطن.. ب - ولنستعيدهم إلينا مع الزمن، ونستفيد منهم في وطنهم..
7 ) ولنركز على الاستفادة من وجود معاهدنا الإدارية العليا التي أحدثت، وغيرها من المعاهد العليا والمراكز التعليمية والمعاهد المتوسطة السابقة، التابعة للجامعات والوزارات المختلفة..
8 ) ولنحرص في خطواتنا، على استغلال الزمن دون هدر، فنحن في سباق معه، للحاق بركب المعاصرة.. فالمتقدمون، لن يتوقفوا، وهم يسيرون بسرعة كبيرة، مما يتطلب أن تكون سرعتنا أكبر، حتى نقلص الفجوة التي تفصلنا عنهم، ولا ندعها تتسع، وإلاّ.. وهذا ما لا نريده لأنفسنا وأوطاننا.. ومعلوم أن الوقت أغلى مورد يملكه البشر، ويجب الاستفادة منه إلى أقصى حد، وهو محدود " الساعة 25 مستحيلة "، وخسارته لا تُعوض!.كما أن ملكيته مؤقتة لا تدوم، لأنه ينقضي سريعاً دون انتظار أو استئذان.. وهو كالسيف إن لم تقطعه قطعك!.
ثامناً ـ تساؤلات، واقتراح إيجاد المرجع الإداري
* من سيقوم بمهام الإصلاح أو التنمية الإدارية الشاملة، وسيجري الخطوات الواجب اتباعها كاملة؟.
* ما هي الجهة التي تعرف نقاط ضعفنا التي يجب معالجتها، وأولويات تلافيها، بنظرة شاملة؟.
* وما هي الجهة التي تعرف حاجتنا إلى الخبرة الأجنبية ومجالاتها.. عن طريق أشخاص أو بيوت ومكاتب استشارية، أو محاضرين، أو مدربين؟.
* وما هي الجهة التي تتمتع بالكفاءة، وتعرف أين يوجد من يمكن الاستعانة به، وتستطيع اختيار الأجانب أو بيوت الخبرة الغرباء.. وتنظم عقود استقدامهم وتحدد شروطها؟. وهل هي توجد في تنظيمنا الهيكلي المركزي؟.
* وما هي الجهة المؤهلة، التي تستطيع تقدير حاجتنا، وتسعى لتأمينها بالاستفادة المنسّقة، من خريجي الجامعات والمعاهد العليا والمتوسطة والمراكز التعليمية والتدريبية كافة؟.
* وهل يمكن أن تناط هذه المهام وغيرها، بلجان مؤقتة غير متفرغة، أو جهات مبعثرة متفرقة؟.
* وهل يمكن معالجة هذه المهام وغيرها، طالما استمر غياب الجهة المركزية المختصة، وبقيت الإدارة "يتيمة"؟.
فهل يصح، بعد هذه التساؤلات، وغيرها مما يتصل بالتنمية الإدارية، أن تبقى مهمتها " شاغرةً " في الهيكل التنظيمي للإدارة الحكومية؟. ألا يجدر بنا ملء هذا الشاغر؟، وهل يجوز تأجيل المسألة، وأن نستمر في خسارة الوقت الذي يمضي دون اهتمام بمن لا يركب قطاره!..
* * *
بسم الله الرحمن الرحيم
أولاً ـ تمهيد
تعتبركفاءة الإدارة من أهم المعايير التي يمكن بواسطتها التمييز بين المجتمعات والمنظمات، وحتى بين الأسر، لتصنيفها بين متقدمة متطورة أو متخلفة نامية.. بل أعتبره المعيار الأساس في هذا التمييز والتصنيف، بخلاف الأساس الاقتصادي الشائع.. فقد تكون دولة ما غنية، ولكنها فقيرة في المردود الذي تحصل عليه من ثرواتها، بسب إدارتها الضعيفة..
ويعود التخلف عموماً في الدول النامية، والأقطار العربية جزه منها، إلى تخلف الأدوات الإدارية فيها عن مسايرة التطور الجاري في ميدانها، مما لا يساعدها على تحقيق طموحاتها في التنمية واللحاق بركب العصر، برغم الجهود التي تبذلها والخطط التي تضعها القيادات فيها..
ويجري الحديث عن مدى تخلفنا الإداري عن العالم المتحضر، ويطرح التساؤل ما هو مقدار الفرق بيننا وبينهم، وكم سنة يسبقونا ؟ 50 سنة ، أم 60 ، أم أقل أم أكثر؟.
وتتلخص الإجابة السريعة على مثل هذا التساؤل، في أن تحديد مدة أو زمن معين في هذا الموضوع قد يكون، أو سيكون، غير دقيق، ويحتاج إلى حسابات معقدة، وقد لا يصل إلى نتيجة مقبولة من الجميع، فتثار حولها مناقشات وآراء تدخلنا في حلقة مفرغة، نحن بغنى عنها..
على أن التساؤل بحد ذاته، الذي نسمعه أو نقرؤه هنا وهناك، ويطرح من حين لآخر، هو قرينة قوية على وجود التخلف الإداري لدينا، وعلى شعورنا العام به.. مما يفرض علينا تجاوز هذا التخلف وردم الهوة التي تفصلنا عن مجتمعات العالم المتقدمة إدارياً.. بحزم وسرعة ودون تردد..
وإذا كانت الإجابة الوافية لتحديد الزمن أو المسافة التي تفصلنا عن الآخرين، تحتاج إلى الحسابات المعقدة، لأن الدراسات والمقارنات يجب أن تشمل جميع مرتكزات الإدارة:
* الإنسان، بمستواه المادي والمعنوي والسلوكي والثقافي؛
* القوانين والأنظمة ومدى ملاءمتها للمرحلة حسب ظروف كل مجتمع ومستواه الحضاري؛
*وواقع الهيكل التنظيمية والتشكيلات والمنظمات والوحدات الإدارية المختلفة مركزياً وقطاعياً وإقليمياً؛
* والأدوات التي يستعملها الإداريون في ممارساتهم..
وهذه النقاط وغيرها، تتطلب لتحقيق الدراسة والمقارنة، إطلاعاً واسعاً وأبحاثاً متنوعة في عدد كبير من المجتمعات، ووقتاً طويلاً للوصول إلى نتائج المقارنة، التي قد تكون مقبولة أو غير مقبولة..
لكنّ النظر إلى واقع الأدوات الإدارية، كمرتكز أساس للإدارة، ومقارنة مستواهـا لديهم ولدينا، سهلة وبسيطة، ويمكن أن نجريها بسرعة نسبية، لأننا نقارن بين أدوات مادية وملموسة تستعمل لديهم، وأخرى تستعمل لدينا، وبالتالي لمعرفة آثار ذلك على النشاط أو الأداء الإداري عندهم وعندنا..
ثانياً ـ أوجه الانبهار بما يستعملونه
وهي كثيرة، فكل من يسافر إلى الخارج يطلع على بعضها، كما يحدث معي، وليسس بالإمكان الإحاطة بها كلها، إلا أني أورد بعضاً مما صادفته في المجتمعات الأخرى، ولا شك في أن هناك غيرها، مما يعرفه غيري..
وأشير، إلى أني أقوم بذلك مستهدفاً تكوين القناعة بضرورة تحديث أدواتنا الإدارية، وأن نأخذ من ذلك عبرة، فلا نتأخر في إدخال الأدوات المعاصرة في حياتنا الإدارية خاصة، وسائر جوانب حياتنا عامة.. لكي لا تزداد الفجوة بيننا إذا نحن لم نفعل واكتفينا بالانبهار والإعجاب.. وأدرج الأوجه، في قسمين، عامة وفرعية..
ثانياً ـ أوجه الانبهار العامة
1 ) التعامل والحجز في شركات الطيران والمطارات والفنادق..
2 ) التعامل مع المصارف،
3 ) أسواق البورصة العالمية،
4 ) الفاكس، والهاتف المتنقل،
5 ) تناقل الأخبار العالمية بوسائط الإعلام، والندوات والمؤتمرات التلفزيونية ببن أشخاص متمركزين في مواقع متباعدة من العالم، " بدأنا بتطبيق هذا، في المجال الرياضي والتلفزيوني "،
6 ) انتشار " بطاقات الدفع " على نطاق واسع، بدل النقود، في جميع المعاملات والمحلات، وما تيسره للجميع: الأفراد، أصحاب المحلات والمؤسسات، المصارف، الدولة،
7 ) شبكات المواقع والاتصالات العالمية، "كالإنترنت "،
8 ) الروبوت أو " الإنسان الآلي "،
9 ) برامج الحاسوب " الكمبيوتر، " في أي مكان.. في البيوت، في المصانع لتجهيز المعدات والمنتجات، في المحلات التجارية والخدمية، في الطائرة، في محطة الوقود…… بما يكفل السرعة والدقة،
10 ) البريد المستعجل الفوري داخل المجتمع الواحد، وبين دول العالم،
11 ) طبع الصحف اليومية، وتوزيعها في آن واحد، في أكثر من مدينة في العالم،
12 ). . . . . . . . .
ثالثاً ـ أوجه الانبهار الفرعية
وهي أمثلة قد تبدو بسيطة، ولكنها ذات دلالة كبيرة، مما صادفته في بلدان مختلفة:
1974 مستودع حديد في مصنع شركة ألمانية.. حيث يأخذ أمين المستودع الطلب، ويُلقمه لجهاز، فيأمر هذا رافعة تتجه إلى حيث توجد القضبان المطلوبة، وتأتي بالعدد المطلوب منها إلى حيث يوجد المقص، فيقطعها بالطول المحدد، وتصل بها الرافعة إلى باب المستودع، ليستلمها العامل!.
1975 شرحُ أقسام مذبح " مسلخ " حيوانات وتجهيزاته وسير الحركة فيه من قبل ممثل شركة أمريكية، بواسطة شاشة حاسوب، واستخراج مخططات من أحد الأجهزة الموجود في أحد أركان مبنى الشركة.. وحين سألناه مزيداً عن هذا الركن " الذي لا تتجاوز مساحته 2 × 2 متراً " أفاد: إن الشركة تحفظ فيه كل وثائقها، كل " أرشيفها "، وإذا كنتم تريدون نسخة عن كل عرض المخابز الآلية المرسل إليكم في دمشق مع مرفقاته ومخططاته، فإني أستطيع استخراجها لكم الآن من هنا..
1980 مستودع خميرة في معمل شركة إيطالية، يُطبق فيه آلياً برنامج معين، ينفذ مبدأ: الداخل أولاً، يخرج أولاً، دون تدخل بشري.. برغم أن إنتاجه اليومي أربعون ألف كيلو غراماً، ويخزن فيه ما يزيد عن إنتاج سبعة أيام..
1986 مستودع مماثل في المنطقة الحرة، بسنغافورة.. على أن برنامجه يُخرج المخازين المطلوبة المختلفة حسب الطلب ونوعيتها..
1985 إمكانية اتصال مكتبة مدرسة المخابز بالولايات المتحدة الأمريكية، بسائر المكتبات في أمريكا للحصول على المراجع العلمية التي تحتاجها، دون اضطرار لأن تقتني كل مرجع، وتضخيم مساحة مكتبتها وحجمها والإنفاق عليها..
1988 اتصال هاتفي من السيارة " أصبح هذا الاتصال الهاتفي والحاسوبي أمراً عادياً في أيامنا هذه " في أنقرة، مع مقر شركة تركية في استانبول، والطلب من العامل هناك أن يتصل بمؤسسة الحبوب في دمشق للحصول على معلومات نريدها، وتحويلها " بالفاكس " إلى مقر الشركة في أنقرة، وبالفعل كان " الفاكس" على طاولة مرافقنا حين وصلنا إلى المقر، وقد جرى هذا ،ونحن في الطريق من المطعم إلى المقر، أي خلال أقل من 10 دقائق..
1994 دبيّ، الإمارات العربية المتحدة، تنظيم واردات ومبيعات ومخزون مؤسسة قطع تبديل السيارات المتنوعة كثيراً بواسطة الحاسوب ، وصاحبها عربي سوري، أفادنا أنه " سيضيع " ويتوقف عن العمل كلياً بدون هذا الحاسوب.. لأن عدد السيارات وأنواعها كثيراً في الإمارات وموديلاتها كثيرة أيضاً، مما يصعب معرفته ومعرفة: هل قطعة التبديل التي يطلبها الزبون موجودة لدينا، بدون المعلومات المخزّنة في الحاسوب..
- ربط شبكة الحاسوب في صيدلية بإيطاليا، بشبكة مستودع توريد الأدوية للصيدلية، بحيث يعوّض لها صباح اليوم التالي مباشرة ،كل ما بيع في اليوم السابق.
1995- الدخول إلى مشفى في الولايات المتحدة الأمريكية، من الاستقبال، والتسجيل، برقم يربط على الساعد، حتى الخروج.. والحاسوب يسجل ويوثق كل شيء، وهو موجود في غرفة المريض، والطبيب المناوب، والطبيب المداوي، وإدارة المشفى، وإدارة المحاسبة.. ليطلع عليه الجميع، وكل يتصرف حسب اختصاصه.. ثم ينظم التقرير النهائي بواسطته، بإيراد كل الوقائع التي جرت، والنصائح المستقبلية للمريض..
1995 - اتصال هاتفي، في الولايات المتحدة الأمريكية، لتبديل فأرة " ماوس " الحاسوب المنزلي، وتوريدها ظهر اليوم التالي من مدينة أخرى على مسافة 350 كم..
- واتصال هاتفي آني، منتصف الليل، لتبديل الاشتراك من شركة الأقمار الصناعية لأقنية التلفزيون، إلى شركة أخرى، لأن الأولى أوقفت البث في بعض الأقنية بحجة تأخر وصول " شيك " الاشتراك، فانزعج المشترك وقطع اشتراكه معها، وجدده فوراً باتصال هاتفي مع شركة غيرها، حيث أعيد البث على الأقنية، بمجرد وضع سماعة الهاتف..
- مطعم في الولايات المتحدة الأمريكية، وضعت فيه، أجهزة هاتفية بقرب كل طاولة، فيأتي الزبائن، ويختارون الطعام من لائحة أمامهم، ويرفعون السماعة لإبلاغ طلبهم للطرف الآخر، وبعد فترة، حين يصبح الطلب جاهزاً، يرن جرس الهاتف فقط، ليعرف الزبون أنه المقصود، وأن طلبه أصبح جاهزاً، فيذهب ليدفع الثمن، ويعود بما رغبه من طعام.. وبالطبع فإن إدارة المطعم قد اقتصدت بذلك في عدد العمال،حيث اقتصرت على جامعي الفوارغ وتنظيف الطاولات بعد مغادرة الزبائن..
- عدم حمل النقود من قبل المواطنين، وإمكانية سحب النقود من صناديق في زوايا شوارع المدن، وعدم دخول المتعاملين عادة إلى المصرف، فالدفع والقبض يتم خارجه..
- " البطاقة المفتاح " لغرف الفنادق، وسريان رموزها خلال إقامة النزيل فقط، حيث لابد من العودة إلى إدارة الفندق في حال التمديد، كما أن الرمز يتبدل مع حضور نزيل جديد إلى الغرفة..
- قطع حساب نزيل الفندق، بواسطة شاشة التلفزيون في غرفته، ودفعه بواسطته في الغرفة، دون حاجة للمرور، على إدارة الفندق أو محاسبها..
- التسلية أو العمل، بأجهزة حاسوبية " كمبيوترية "، في الطائرة، على شاطئ البحر، بل وفي المنزل لكل الأعمار والأجناس، الصغار والكبار.. وبمثل هذا العمل أصبحت الإدارة مستمرة من أي مكان..
- ما تحويه مسلسلات الأطفال الأجنبية التي تبث من القناة الثانية في التلفزيون العربي السوري، واستخدام الحاسوب وأجهزة الاتصالات بعيدة المدى والمبهرة من قبلهم.. حيث نسأل: لماذا أطفالنا محرومون، إلا من أدوات بسيطة " بلغة هذا العصر "؟ وما هو حالهم في المستقبل؟، وإذا كان القطار قد فات جيلنا، أو يكاد يفوت جيلنا ومن يليه، فلمَ نحكم على الأطفال الصاعدة بالحرمان،والتخلف الإداري؟!.
- الجهاز أو الآلة التي تطبع الكلام الذي يمليه الدارس أو الفاحص أو صاحبه، أي تجعل الكلام الشفهي، مسجلاً ومطبوعاً على الورق، وفي ذلك ربح كبير للوقت في الإعادة والتكرار.. ومن الطريف أن الطباعة تتم عن قرب أو عن بعد، أي سواء كان المتكلم بقرب الآلة ويتحدث إلى جهازها اللاقط مباشرة، أم بعيداً، يتحدث إلى جهاز لاقط متصل بالآلة الطابعة لاسلكيا..
- الجهاز أو الآلة التي " تقرأ " النصوص المكتوبة، لتتحول وتسجل طباعة في الحاسوب، كما لو أن أحداً لقّم الحاسوب محتوى النصوص بضربها على الآلة الكاتبة المتصلة به أساسا.. وبذلك تصبح النصوص " المقروءة" من محفوظات الحاسوب، فيمكن أخذ صور عنها، أو تعديلها أو الإضافة عليها!. وكم هي الحاجة ضرورية لدى المنظمات التي تثقل كاهلها وتملأ خزائنها ومستودعاتها المحفوظات " الأرشيف " الورقية لمثل هذه الأدوات؟.
- . . . . . . ولا شك في أن ما ذكرته، يعتبر جزءاً من استعمالات الحاسوب في مجال الاتصالات والمعلوماتية وغيرها..
رابعاً ـ استعمالات الأدوات المتطورة
وهي أوسع من الحصر..
1 ) الاتصالات المتنوعة، بدءاً من الهاتف العادي، حتى الفاكس و " البريد الإلكتروني " ومواقع الإنترنيت.. والأجهزة اللاسلكية عموما.. وأدوات الاتصال هي بمثابة الجهاز العصبي في جسم الإنسان وأهميته على حياته..
2 ) جمع المعلومات وترتيبها وحفظها واسترجاعها، كالحاسوب " الكمبيوتر "، بأجياله المتتابعة..
3 ) النسخ والطباعة والتصوير والتجليد، ومن الأدوات ما يقوم بهذه المهام عن بعد، كطباعة الصحف اليومية في وقت واحد، في عدة مواقع متباعدة.
4 ) التدريب والتأهيل، من المساعدات والتجهيزات العادية، حتى المخططات والرسومات الإيضاحية والصور والمقاطع والكتب..
5 ) القيادة والتحكم عن بعد، ( Remote Control)
6 ) جمع البريد ونقله وتوزيعه، داخلياً وخارجيا..
7 ) نقل البضائع والسلع وتغليفها وحفظها وتنضيدها " تستيفيها "، واستخراجها ونقلها..
8 ) راحة العاملين ونقل الأشخاص والخدمات والمكتبية..
9 ) . . . . . . .
خامساً ـ مزايا استعمال الأدوات العصرية
1 ) السرعة في إظهار النتائج، وبالتالي توفير الوقت، وهو أغلى ما يملك البشر، واستثمار الوقت بأعلى مردود، والإحساس بالزمن وأهميته هو العنصر المميز للإنسان عن بقية المخلوقات الحية، وباحترام الزمن وتنظيمه وحسن استغلاله يمارس المرء إنسانيته، والعكس صحيح..
2 ) ترتيب المعلومات وتبوبيها وتبادلها، بشكل متكامل، * بين فعاليات وأنشطة مختلفة ضمن المنظمة أو الجهة الواحدة، مهما تعددت: محاسبة، مالية، إحصاء، تخزين..* ومع الزبائن والمتعاملين؛ * وبين منظمات وجهات متنوعة في المجتمع الواحد؛ * بل وبين منظمات وجهات تنتسب إلى جهات مختلفة ومتناثرة في جميع أرجاء المعمورة. وآخر أشكال هذه الناحية مانسمعه عن شبكة (الإنترنيت ) العالمية ومواقعها، وعن شبكة (www ) في أمريكا ( world wide web )..
3 ) حفظ المعلومات مرتبة، وسهولة استرجاعها أيضاً، بالنظر إلى شاشة الحاسوب؛ أو بالوثائق الكتابة المتنوعة: فاتورة البيع، بطاقة الطائرة، تقرير طبي، حساب فندق، دراسة، عرض تجاري أو صناعي، مخططات، جداول، رسوم، رسائل…… وصولاً إلى كتاب كامل.. ولنتذكر هنا، أن الأدوات العصرية، قد سمحت بطبع عدد من الصحف اليومية العربية بصفحاتها الكثيرة، وتوزيعها في عدد من العواصم والمدن الأوربية والعربية، في وقت واحد..
4 ) ومحصلة لما سبق، فقد تحقق تقريب المسافات بين المجتمعات والدول أو إلغاء الحدود نسبياً، وتوطيد العلاقات والاتصالات وتبادل الآراء والمعلومات بين البشر، منفردين ومجتمعين، مما جعلنا نطلق على الكرة الأرضية، وصف أو تسمية " القرية الصغيرة "..
5 ) اختصار الأعمال اليدوية والذهنية وبالتالي، توفير الجهد البشري والوقت للاستفادة منهما في مجالات أخرى..
6 ) بساطة التعامل، واختصار الأعمال الروتينية المتتالية المعقدة، وجمعها في عملية واحدة، مما يسهل أمور المتعاملين والعاملين، والمجتمع عموماً، ويقضي على ظاهرة " الروتين " و " البيروقراطية "، الشائعة في البلدان المتخلفة، كظاهرة مرضية، يرفع الشكوى ضدها الكثيرون، مما جعل الجميع يربحون وقتهم، الشخصي الفردي، والجماعي، أو الاجتماعي..
7 ) إقلال النفقات المالية والمادية إلى حد كبير، واختصار الغرف والمستودعات والمساحات اللازمة للقرطاسية والملفات والخزائن والمحفوظات و " الأرشيف "..
8 ) هذا، وإن انتشار الحاسوب في كل مكان ومجال، وإعطاء الفاتورة الكتابية الموثقة من قبله في المعاملات، التي تشمل تفاصيل البيع أو أي تصرف يجري لدى: مجمع استهلاكي، مصرف، بطاقة طائرة، مطعم، مكتبة، صيدلية، ساعاتي، فندق، متجر، استئجار سيارة... بما في ذلك الرسم أو الضريبة المفروضة من قبل الدولة الاتحادية أو الولاية.. " في الولايات المتحدة الأمريكية " قد ساعد ولا شك الخزينةَ على تحصيل الرسوم والضرائب غير المباشرة المفروضة، وحدَّ من خطورة " التهرب الضريبي " الذي تعني منه الدول المتخلفة.. ولعل هذه المزية تشجع السلطات المالية في الدول النامية على تغيير مواقفها وتقنعها بضرورة " السخاء " في رصد وتخصيص الاعتمادات المالية الكافية لاستقدام الأدوات الحديثة وإدخالها في جميع مرافق الحياة بأقصى سرعة وفي أقرب وقت ممكن..
9 ) التأثير الكبير في رفع كفاءة العاملين ومهاراتهم، في مختلف المستويات، العليا والمتوسطة والقاعدية، لممارسة الوظائف العامة للإدارة وأدائهم لواجباتهم، مما يؤثر في رفع المردود من أعمالهم، وفي زيادة الإنتاجية والخدمة من أنشطتهم، نوعياً وكميا..
10 ) انتظام عمليات الإحصاء، وإمكانية التعامل مع نتائجها دائماً من قبل الإداريين والقياديين من جميع الاختصاصات، وفي ذلك أثر كبير جداً وإيجابي على رفع مستوى أداء الوظائف وسائر الأنشطة.. إذ تأتي التصرفات والأعمال على بصيرة تامة بالواقع الحاضر، مما يساعد على مواجهة المستقبل بفعالية ملائمة.. فالمعلومات الصحيحة والمرتبة والسريعة أو الآنية هي الأساس الذي تبنى عليه جميع التصرفات والخطط والقرارات…
11 ) استمرار عمليات الجرد المادي للموجودات من أموال وسلع وبضائع وأدوات ومخازين.. دون حاجة إلى أي توقف في النشاط، كما يجري في الدول النامية عادة، وخاصة بالنسبة للجرد السنوي، حيث يتوقف النشاط كلياً خلال مدة زمنية، طول أو تقصر، " لأيام أو أسابيع، أو حتى لشهر! " حسب حجم المنظمة المعنية، مع ما لذلك من آثار سلبية لها، إدارية واقتصادية، وللمتعاملين معها، ولجماهير المواطنين، بل وللمجتمع عامة..
12 ) ونتيجة لكل ما سبق، وقبله وبعده، فقد تحقق مبدأ: استمرارية الإدارة والقيادة من قبل الإداريين والقياديين والمسؤولين عامة، في المكان والزمان، في البر والجو والبحر..
أ - في المكان: من مقر الإدارة، من واسطة النقل " السيارة، القطار، الباخرة، الطائرة.."، ومن المنزل، ومن شاطئ البحر، وظهر الجبل، من داخل الوطن أو خارجه في أي موقع من الكرة الأرضية..
ب - في الزمان: في أوقات الدوام الرسمي صباحاً ومساءً وليلاً وخارجها، أيام العطل والأعياد، لدى القيام بمهمات خارجية، وفي الإجازات..
ولن أسترسل في شرح فوائد " استمرارية الإدارة "، وسلبيات انقطاعها، إذ هي واضحة لكل من يريد..
سادساً ـ استنتاجات، ومقترحات
1 ) ما تقدم، يوصلنا إلى استنتاج أساس: إنهم يستعملون أدوات متطورة جداً، على نطاق واسع، في حين أننا مازلنا عموماً في الدول النامية والأقطار العربية، نستعمل أدوات بسيطة من الأجيال الأولى " ولينظر كل منا حوله ويقارن "، لا تفي بالحاجة، وتعيق أنشطتنا عامة، والإدارية خاصة.. برغم وجود بعض المحاولات المحدودة، كشركات الطيران، وبعض الجهات العامة والأفراد والقطاع الخاص..
بل إن أحدنا حين يزور البلدان الأجنبية في أوروبة أو أمريكا أو اليابان وشرق آسيا.. ما يلبث أن (ينبهر)
2 ) إن الأخلاق لا تتجزأ، كما يقال، وكذلك المعاصرة أو الحضارة لا تتجزأ؛ وهذا هو شان مرتكزات الإدارة الأساسية: الإنسان؛ والقوانين والأنظمة؛ والهياكل التنظيمية؛ والأدوات، التي نحن بصدد الحديث عن أحدها، فهي مترابطة ومتكاملة، وتتبادل التأثير والتأثر فيما بينها، ولا تقبل التجزئة.. وأذكر اني في سبعينات القرن العشرين كنت أصرف كثيراً من الوقت والجهد لإنجاز بعض المهمات، لأني كنت لا أستطيع التكلم مع أحدهم بالهاتف، برغم محاولتي لعدة مرات في عدة أيام..
3 ) قد أصبح تعبير المعلوماتية شائع الاستعمال ويتردد على كل الألسن وفي مجمل الكتابات، وتتكرر الدعوات إلى سلوك طريقها وإيجاد وسائلها بإلحاح واستمرار، بحيث نستطيع أن نطلق عليها تجاوزاً: أنها أصبحت " موضة " العصر، وهي في الحقيقة " موضة " كل عصر، سابق وحاضر ولاحق.. لأني أعتقد أن المعلومة ضرورية في النشاط الإداري وفي كل نشاط بشري، كضرورة الهواء والماء للإنسان لديمومة حياته.. كما أميل إلى وصف طبيعة الإدارة بكونها: علماً + فناً + معلومة.. فالمعلومة والحصول على المعلومة، أو الإحصاء بكل أساليبه ومجالاته، تحيط بالنشاط البشري عامةًوالإداري خاصةً، إحاطة كاملة.. ولا يمكن القيام بأي تصرف فردي أو جماعي أو إداري دون توفر معلومات كافية حوله.. فهل يمكن في النشاط الإداري مثلاً، القيام بوظيفة التخطيط للمستقبل، أو اتخاذ قرار في موضوع ما، أو إعطاء حوافز للعاملين والمساعدين، أو إجراء دورة تدريبية، أو عقد صفقة تجارية، أو إنشاء مصنع… بشكل سليم ومنطقي، دون معلومات دقيقة حديثة و"طازجة Uptodate " ومرتبة، وتوضع مسبقاً وفي الوقت المناسب بتصرف القائمين بهذه المهام؟..
ولا بأس، في أن أكرر هنا، أن ما دفعني إلى الكتابة عن الإدارة وشؤونها، هو الموقف الغاضب الذي اتخذه رئيس الوزراء في 15/5/1977 أثناء جلسة للمجلس الوزاري الزراعي الأعلى، حين طلب من عدد من الوزراء معلومات فلم يستطيعوا إجابته عليها برغم لجوئهم للهاتف!. فقال: كيف يمكن اتخاذ قرارات دون معلومات!.
فإذا كانت المعلوماتية على هذا القدر من الأهمية والضرورة الملحّة، فإنه لا بد من إيجاد أدوات ووسائل مادية على قدر مكافئ لها ومناسب في المستوى والحداثة، لتساعد الإدارة، أية إدارة، على حياة سويّة ناجحة.. وإلاّ، فقد ينطبق علينا الوصف الوارد في مقالة للأستاذ بخاري في جريدة تشرين - سورية، بتاريخ 11/8/ 1996 تحت عنوان أضواء حول المعلوماتية: " وكما أن بعض الشرائح تعيش من استمرار التخلف، فإن شرائح أخرى تعيش على غياب المعلومة"..
4 ) وإن استعمال الأدوات الإدارية المتطورة من شأنه، * وإلى جانب تحقيق الاتصالات الفورية و"المعلوماتية" الفعالة، * وباعتبارها أحد المرتكزات الأساسية للإدارة، وتتبادل التأثير والتأثر مع بقية المرتكزات.. من شأن هذا الاستعمال أن يساهم بشكل جذري في رفع مستوى الإدارة وكفاءة أدائها، وأن يساعد في تعزيز استيعابنا لعلم الإدارة، وأن يرفع عنا بالتالي " تهمة " التخلف الإداري.. ويجنبنا مشقة حساب المسافة أو الفجوة التي تفصلنا عن العالم المعاصر، كما يجري الحديث والتساؤل من حين لآخر..
5 ) وإذا كان الأفراد أو القطاع الخاص أو بعض المنظمات العامة في أقطارنا، تحت تأثير الدعاية التجارية أو التقليد أو المصلحة الفردية، قد تشجعت وبدأت تسعى لاستعمال الأدوات الحديثة في أنشطتها، فإن نطاق هذا الاستعمال وآثاره على صعيد المجتمع محدودة، ولا بد من استقدامها واستعمالها على نطاق عام وواسع، مركزياً ومحلياً، في أجهزة الدولة والقطاع العام والمشترك والخاص والتعاوني والحرفي والنقابي.. مما يساهم في سرعة انتشارها والاستفادة منها في جميع مفاصل المجتمع وقطاعاته ومرافقه، ويطبعه بطابع المدنية المعاصرة..
6 ) فلندرس الموضوع بدأب وحزم وواقعية، بما يحقق الهدف من استقدام هذه الأدوات المتنوعة واستعمالها على نطاق واسع وسريع، ولننفق عليها بسخاء كما يفعلون هناك، فالمردود إيجابي واقتصادي ورابح في كل حال.. وهم لا ينفقون على سبيل التبذير أو من المظاهر الكذابة، وقد حسبوها جيدا.. بل إن المنافسة بينهم حول تطويرها قد أخذت تسمية " الحرب "، كما ورد في مجلة الإداري، لبنان، عدد آب/أوغسطس 1996 حيث جاء في عنوان الصفحة التاسعة : " أغنى أغنياء العالم بيل غايتس الحالم الصناعي لا يخشى حرب التقنيات بين الإنترنت والميكروسوفت "..
7 ) وأنا إذ أُصرُّ واُلحُّ على إعطاء موضوع تحديث الأدوات الإدارية الأهمية التي يستحقها والأولوية في إجراءاتنا القادمة، فإني أُطالب أيضاً بالقيام بحملة أو حملات لمحو الأمية في المعلومات والاتصالات، لأني ألاحظ أن معظم كتاب الإدارة في الوطن العربي لا يعيرونها الاهتمام الكافي، لأنهم يستمدون آراءهم غالباً من كتاب الإدارة في الدول المتقدمة، وهؤلاء بدورهم لا يركزون عليها، باعتبار أن الأدوات شائعة ومبذولة لديهم ومبثوثة في كل مرافق مجتمعاتهم ومفاصلها، وتدهشنا وتبهرنا حين نزورهم..
8 ) وأخيراً، وليس آخراً، لعل ما ذكرته، وما سبق ذكره عن فوائد استعمال الأدوات المتطورة، وخاصة من كونها تحقق مبدأ: استمرارية الإدارة والقيادة في المكان والزمان.. يوضح للجميع، أن ما أدعو إليه ليس مجرد تقليد أو اقتباس عن الآخرين دون تفكير وتمحيص، وإنما هي دعوة ناجمة عن نظرة واعية وإيجابية تستهدف رفع مستوى أدائنا الإداري بالمعنى الكامل لهذا التعبير، ويجعل " إداراتنا " رشيدة فعّالة ناجحة، ويساعد في تنمية المجتمع كله وتتطويره.. فالتنمية الإدارية هي في اعتقادنا الوسيلة الأساسية لبناء دولة عصرية..
سابعاً ـ صفوة القول
لا أدري، إذا كنت قد نجحت في إيصال ما أحسستُ به، وما تكون لدينا من آراء واستنتاجات ومقترحات، إلى المواطن العربي عموماً، وإلى الإداريين والقيادات المسؤولة في الوطن العربي خصوصاً، لعلها تشكل لديهم قناعة كافية حول الموضوع، وخطورة تأجيله، برغم علمي بصعوبة برهنة الأمور والمسائل البَدَهية كما في النظريات الهندسية، فأنا أسعى لإثبات ما هو بدَهي وواضح لكل ذي بصيرة ومن النظرة الأولى.. ولكنها محاولة لا بد منها على ما يبدو، فهل نحن سائرون على الطريق بسرعة مناسبة؟.
هذا ما آمله، فالانتظار لم يعد وارداً أو مقبولاً، لأنه يتركنا نراوح في المكان، بينما الآخرون ماضون في الطريق ومستعجلون، الأمر الذي يكرس التخلف الإداري، ويوسع الهوة التي تفصلنا عنهم.. ولا أهمية بعد ذلك لتقدير مدى هذا التخلف وقياسه، وهل هو 50 سنة أم أكثر أم أقل..
وإن لم نفعل، فلن ترضى عنا الناشئة، والأجيال الصاعدة، والقادمة، الذين يجب علينا تعليمهم وتعويدهم في أقرب وقت، منذ الآن، على استخدام الأدوات الحديثة والتفاعل معها ومواكبة تطورها الفلكي، ماداموا في سن مبكرة " بدأً من البيت، ومراحل الدراسة التحضيرية والابتدائية..".. فإن لديهم الاستعداد الذهني والفكري للاستقبال والاستيعاب والفهم والاقتناع، وبالتالي لديهم المرونة والتكيّف وقابلية التطابق مع متطلباتها الدقيقة والمرنة، وقبل أن يقسو عودهم وفكرهم ويستعصي على الاستقبال والتكيّف.. كما هو حال جيلنا، الذي لا يمكن أن نطلق عليه إلا صفة " المحافظ " في أحسن الاحوال، أو كما هو حال الطين الذي يجب تشكيله وتكويره وصياغته وهو غضّ طري، قبل أن يجف ويقسو، وإلاّ ، فإنه سيستعصي على ذلك، وقد نكسره إذا أردنا التعديل فيه..
* * *
بسم الله الرحمن الرحيم
نظرة واقعية لإنجاح الاجتماعات
أولاً ـ تمهيد
الاجتماع ظاهرة إدارية متكررة، موجودة ومعروفة في كل التجمعات والمنظمات البشرية المتنوعة، على اختلاف أهدافها ومجالاتها والقطاعات التي تتنسب إليها ومستوياتها، يحضره الإداريون وأعضاء التجمع البشري أو المنظمة، على مختلف مراكزهم ويشاركون فيه بشكل يكاد يكون يوميا.. بصفة رئيس للاجتماع، أو عضو فيه، أو أمين سر أو مقرر.. ويصرف فيه أغلى ما تملك الإدارة، وهو فكر الإنسان ووقته وجهده.
ويعتبر الاجتماع شكلاً بارزاً من الشورى بين الناس والإداريين المشاركين فيه، ونوعاً من أساليب العمل الجماعي والتنسيق بين الأقسام والعاملين من ذوي الاختصاصات المتنوعة، سواء ضمن المنظمة الواحدة، أو فيما بين الوحدات التابعة لجهات مختلفة.. مما يحقق تقارب الآراء وتبادل التجربة بين ذوي الأفكار والخبرات والمؤهلات المختلفة والأجيال المتعاقبة، وتكوين أفكار ورأي عام ومواقف متجانسة فيما بينهم.. ويساعد على تدارس مسألة عامة ذات جوانب متنوعة ومناقشتها من عدة جوانب للوصول إلى النظرة المتكاملة والشاملة حولها، ومن ثم لتحقيق الواجبات المشتركة بين العديد من الجهات بنجاح.
وبرغم ضرورتها وأهميتها، كما تقدم، فإن النظرة الشائعة عن " الاجتماعات " ما تزال تصفها بأنها ظاهرة مرضية سلبية، تستخدم لتمييع المسؤولية وضياعها وتأجيل البت بالمسائل وتعليقها بين الأرض والسماء، وخسارة الوقت والفكر البشري والجهود بالتالي دون الوصول إلى نتائج وقرارات حاسمة. حتى أنه يقال: إذا أردت أن تهمل موضوعاً أو أن " تقتله "، فأحله إلى لجنة، وحين تنهي هذه اللجنة اجتماعاتها وتقدم تقريرها، شكّل لجنة ثانية لتدقيق ما توصلت اللجنة الأولى من آراء واقتراحات!. وشكل لجنة ثالثة لتمحيص ما توصي به اللجنة الثانية!. وهكذا..
وأنا أعتقد أن السبب الأساس لهذه النظرة المتشائمة إلى الاجتماعات، يكمن في الممارسة والأداء من قبل الكثيرين، وليس في المبدأ والضرورة لتحقيق مبدأ هام في الحياة الإدارية، بل وفي الحياة عامة، وهو الشورى والعمل الجماعي.. تلك الممارسة الناجمة عن كون الإدارة مهنة " مظلومة " يضطلع بها معظم الإداريين في الدول المتخلفة أو النامية، وفي جميع القطاعات والمستويات.. دون سابق تحضير علمي وفني، يساعدهم على حسن أداء واجباتهم بكفاءة، كما هو الحال بالنسبة لباقي المهن والاختصاصات العلمية أو الحرفية، كالطب والهندسة والتجارة والخياطة والحلاقة.. التي لا يجوز مزاولتها، إلا بعد التأهيل المتدرج والتحضير والاستعداد في الكليات والمراكز التعليمية والتدريبية وورش العمل..
لذا، أطرح هنا بعض وجهات النظر لإنجاح الاجتماع، مساهمة في رفع " الظلم " عن أحد جوانب الإدارة، ولجعل الاجتماعات تأخذ وجهاً إيجابياً وتحقق أهدافها بسرعة ودقة.
ثانياً ـ أشكال الاجتماع وأنواعه ومسمياته
تختلف تسمية المجموعات المشتركة في نشاط الاجتماعات، بحسب النصوص الواردة في القوانين والأنظمة النافذة، أو بحسب رغبة من يشكل المجموعة.. لذا، تتعدد تسميتها وتتنوع، كأن يقال: مجلس أعلى، مجلس، هيئة، فريق عمل، لجنة عليا، لجنة إدارية، مجموعة عمل.. على أنه يمكن تصنيفها:
أ ـ من حيث الزمن: ذات صفة مؤقتة؛ أو شبه مستمرة أو دائمة..
ب ـ من حيث الصلاحية: ذات صفة استشارية؛ أو ذات صفة سلطوية؛ أو ذات صفة مختلطة..
ت ـ ومن حيث العدد: ثنائية؛ أو محدودة العدد؛ أو جماعية كثير العدد..
ثالثاً ـ التحضير للاجتماعات
1 – تحديد الموضوعات التي ستطرح؛
2 – تكليف من يلزم، من أشخاص أو جهات، لإعداد مذكرات أو تقارير أو الوثائق اللازمة حولها؛
3 – إعداد جدول الأعمال، وتراعى فيه زاويتان:
أ ـ جعل المواضيع المستعجلة والهامة مطلع الجدول،
ب ـ أن لا يزيد الوقت اللازم للموضوعات المدرجة عن الوقت الطبيعي للاجتماع، في حدود الطاقة البشرية على الاستيعاب والتحمل، دون ملل وتعب ذهني.. أي خلال ساعتين أو أكثر قليلا.. كما يفضل حين يكون عدد المشاركين كبيراً، أن لا يقل الوقت عن الساعة حرصاً على عدم هدر وقتهم وجهودهم في الحضور والانصراف.. هذا، إذا لم يكن الموضوع مستعجلاً لا يحتمل التأجيل.
4 – تحديد المشاركين في الاجتماع، بتسمية الأشخاص أو الوظائف، أو الجهات لترسل ممثلين عنها..
5 – اختيار المكان، بحيث يكون مناسباً للعدد المشارك، ويؤمن الراحة وجدية المشاركة للجميع، وفي موقع متوسط لغالبيتهم فيما إذا كانوا سيحضرون من مناطق بعيدة. ومن ثم:
أ – ترتيب المقاعد والطاولات بشكل يؤمن الإشراف لرئيس الجلسة، كما يؤمن مشاهدة المجتمعين بعضهم بعضاً، ومراعاة التسلسل الوظيفي فيما ينهم..
ب – تزويد المكان ببعض التجهيزات والأدوات اللازمة لحسن عرض الموضوعات ومناقشتها وتوثيقها: كالقرطاسية، والسبورة، وآلات العرض المرئي، ومكبرات الصوت، وآلات التسجيل..
ت – تحديد كيفية خدمة الاجتماع وأسلوب الضيافة وأنواعها.
ث – وحين يكون الاجتماع في مكتب الرئيس، يزود بطاولة اجتماعات للانتقال والجلوس حولها، لدرء التراخي الذي ينتاب المجتمعين من القعود على أرائك وثيرة، وبأوضاع متباينة..
6 – اختيار موعد الاجتماع وتوقيته
أ ـ يراعى الوقت المحدد لمعالجة المواضيع المطروحة، وظروف المشاركين الوظيفية والاجتماعية..
ب ـ أن يكون مع بدء الدوام الصباحي، أو مساء.. وبذلك يحضر المشاركون مباشرة من منازلهم، وتجري المناقشات بأذهان صافية، ودون تأثير على واجباتهم اليومية الأخرى..
ت ـ جعل موعد انعقاد المجالس واللجان الدائمة دورياً، في يوم معين من الأسبوع أو الشهر..
7 – ويراعى في الدعوة للاجتماع ما يلي:
أ ـ إبلاغ المدعوين قبل فترة كافية..
ب ـ إرفاق الدعوة بجدول الأعمال مع صورة عن الدراسات والمذكرات..
ت ـ إبلاغ المشاركين، في أحد المواضيع، أن يحضروا في الوقت المفترض فيه دراسته بحسب ترتيبه في جدول الأعمال، وصرفهم بعد الانتهاء منه..
ث ـ ويمكن الدعوة للاجتماع في الحالات المستعجلة، هاتفياً أو بوسيلة أخرى..
يقع على عاتق رئيس الجلسة واجب جسيم، مما يقتضي حسن اختياره عند تشكيل المجموعة..وعليه مراعاة النقاط الآتية:
1 – احترام الوقت وتنظيمه:
آ ـ الحضور في الموعد المحدد لبدء الاجتماع، ليكون القدوة في احترام الوقت.. والبدء بالمناقشة خلال دقائق، لكي تتم الاستفادة الكاملة من الوقت، ويشعر الحاضرون بالجدية.. بينما يشعر المتأخرون بالحرج.. فتأخير بدء الاجتماع بسبب رئيس الجلسة، أو بسبب تأخير بعض الحضور، يؤدي إلى ضياع وقت المجدين الملتزمين.. كما أن التأخر نصف ساعة في اجتماع يضم 30شخصاً، يعني هدر 15 ساعة عمل/ رجل، أو تعطيل شخص عن عمله مدة يومين ونصف!.
ب ـ تقسيم الوقت على فقرات جدول الأعمال، بحيث تحظى جميع المواضيع بقدر كاف من الاهتمام وتنال الزمن اللازم لها. خشية الاستطراد في الفقرات الأولى، ثم الاستعجال في المتأخرة. وعند قرب انتهاء الوقت برغم المناقشة المنتظمة للمواضيع الأولى، يجب تأجيل المتأخرة وعدم " سلقها ".
ت ـ إنهاء الاجتماع في الوقت المقدر له، دون إطالة تؤثر سلباً على المجتمعين وعلى آرائهم.
2 – سير الاجتماع
أ ـ التركيز على الهدف من كل موضوع، وعدم السماح بالخروج عنه، أو بمناقشات جانبية..
ب ـ السعي لشد انتباه الجميع إلى المناقشات الدائرة طيلة الاجتماع، ولا بأس في شيء من التشويق والمداعبة من حين لآخر.. وخاصة حين وجود فارق كبير بين مستويات المجتمعين..
ت ـ أن يكون الرئيس فناناً في قيادة المجتمعين وتوزيع الحديث بينهم والتوجه إليهم، لأن العلاقات الإنسانية هي التي تسود خلال الاجتماع..
ث ـ تقديم الضيافة في وقت يساعد على " فاصل " منشط للحاضرين، وإيقاف المناقشة خلاله..
ج ـ منع الاتصالات الهاتفية، أو دخول أمين السر بوريقة، ما لم تكن هامة وفورية..
3 – إدارة المناقشات
أ ـ البدء بطرح كل موضوع للمناقشة، دون بيان رئيس الجلسة لرأيه تفادياً للإحراج الذي سيقع فيه المشاركون، وهم مرؤوسون على الغالب..
ب ـ إعطاء الكلام إلى الراغب الأقل قدماً، تفادياً للإحراج أيضاً فيما إذا سبقهم رؤساؤهم بالكلام.. مع السعي لمساهمة جميع الحاضرين في المناقشة، بسؤالهم ولو لم يطلب بعضهم الكلام.. وذلك لاستكمال صورة الموقف، ولإشعار الكل بأن حضورهم ضروري، ولضمان متابعتهم وقائع الجلسة وفهم كل ما يقال ويعرض..
ت ـ الاهتمام بأي رأي يطرح واحترامه، ولو كان غير صائب، لإضافة جو الجدية، والسعي لشرح الصواب في نهاية المناقشة، إن لم يقم به أحد المشاركين.. وعدم السماح بالتهكم على المرؤوسين مطلقا..
ث ـ عدم توجيه النقد اللاذع لذوي المراكز الأعلى أمام مرؤوسيهم المجتمعين معهم، لما في ذلك من تأثير سلبي على الانضباط في منظماتهم الأصلية..
ج ـ اللياقة والكياسة في مخاطبة الجميع.. وجعل التخاطب ين المتحدثين على قدر من " الكلفة "..
ح ـ السعي لأن يكون كلام المتحدثين منطقياً ومعللا.. بحيث يبين من يؤيد فكرةً أو يعارضها، المبررات التي دفعته إلى ذلك.. ويُفضل طلب ذلك خطياً في المواضيع الهامة، ولو في موعد لاحق..
خ ـ ولا يؤثر على الحوار الديموقراطي، أن يستعمل الرئيس حقه في تنظيم سير المناقشة، والسماح بالكلام من قبله فقط.. والتشدد في عدم ترك فرصة لمقاطعة أي متكلم، وتركه يكمل وجهة نظره ما دام يتحدث في الموضوع.. وكذلك منع الحوار الثنائي الجانبي بين البعض، وجعل الحديث موجهاً للجميع..
د ـ تجنّب جعل المناقشة حواراً بين الرئيس والمتحدثين، وأن يقصر تدخله على الإيضاح أحيانا..
ذ ـ التأكد من حين لآخر، من أن أمانة السر تستطيع متابعة سير المناقشات، وتسجيل الوقائع..
ر ـ تدوين خلاصة ما يدور، ليجمل الموقف عند الانتقال إلى موضوع آخر، وقبيل إنهاء الاجتماع..
4 – تأجيل الاجتماع
أ ـ عند عدم كفاية الوقت المخصص لمناقشة كل فقرات جدول الأعمال..
ب ـ الحاجة لدراسة تفصيلية تخصصية لأحد المواضيع، وظهور جوانب تحتاج إلى خبرة غير موجودة لدى المجتمعين..
ت ـ الحاجة إلى وثائق أو معلومات لا يمكن توفيرها أثناء الجلسة..
5 – إنهاء الاجتماع
أ ـ يفضل إنهاؤه في الوقت التقريبي المخصص، بحدود الساعتين، والثلاث ساعات كحد أقصى..
ب ـ وقبيل ذلك، يطرح الرئيس سؤالاً: هل من رأي؟ هل هناك من إضافة أو فكرة أو اقتراح؟.
ت ـ ثم يوجز ما دار في الاجتماع، وما توصل إليه من اقتراحات أو توصيات أو قرارات..
ث ـ ويشكر الحاضرين، ويثني على المتميزين، وينبه لاحترام وقت الحضور عند اللزوم..
خامساً ـ توثيق وقائع الاجتماع ومتابعة نتائجه
أ ـ تسجل أمانة السر هذه الوقائع خلال انعقاد الجلسة، على شكل رؤوس أقلام..
ب ـ وتصوغها في محضر على أوراق خاصة، أو في سجل بالنسبة لاجتماعات المجموعات الدائمة..
ت ـ وقد يكون المحضر، موجزاً، أو عادياً، أو مفصلاً، حسب الحال..
ث ـ يؤشر المحضر من قبل أمين السر، ويوقعه رئيس الجلسة بعد تدقيقه للتأكد من مطابقته لمجريات الاجتماع، أو يوقع من قبل كل المجتمعين أصحاب السلطة، حسب ما تقتضيه الصكوك النافذة أو قرار الدعوة للاجتماع..
ج ـ ولمن له رأي مخالف، أن يذكر مخالفته فوق توقيعه، أو في مذكرة تطبع في المحضر أو ترفق به..
أما تعميم نتائج الاجتماع ومتابعتها، فيتم بأحد الأشكال التالية، منفردة أو مجتمعة:
أ ـ إيداع المحضر إلى المجتمعين، والجهات التي يمثلونها، لاتخاذ ما يترتب عليها من إجراءات..
ب ـ رفع المحضر إلى المستوى للتصديق والتوجيه والإقرار..
ت ـ استصدار كتب أو قرارات ببعض المواضيع، عن المستويات صاحبة السلطة، وإبلاغها الجهات المعنية للتنفيذ..
ث ـ وعلى الجهة التي طلبت عقد الاجتماع، يعاونها في ذلك أمانة السر، متابعة مآل التوجيهات والقرارات الصادرة ومدى تنفيذها.. وإلاّ فقد تذهب الجهود المبذولة في الاجتماع إلى أدراج النسيان.. مما يكرس فكرة أن الاجتماعات ظاهرة مرضية!. ويجعلها ضرباً من الترف الإداري وإنقاذاً للشكليات..
ج ـ ويتلى في بداية كل اجتماع محضر الاجتماع السابق، مع خلاصة عن مآل ما ورد فيه، في المجالس واللجان الدائمة التي تعقد اجتماعات دورية.. للتأكد من مطابقته للوقائع ومعرفة المآل..
سادساً ـ صفوة القول
تمارس الإدارة بكل وظائفها تقريباً من أجل الاجتماع وخلاله وبعده، وتسود انعقادَه العلاقاتُ الإنسانية.. ففيه تتحقق الإجراءات التالية:
1 – جمع المعلومات عن المواضيع التي ستطرح؛ 2 – تحضير مسبق لمذكرات أو دراسات حولها؛ 3 - تحديد المشاركين فيه؛ 4 - تحديد مكان الاجتماع، وموعده، وإبلاغهما للمشاركين؛ 5 - قيادة المشاركين، وتأمين المساهمة الجماعية من قبلهم، بشكل منسق؛ 6 - برمجة وقت الاجتماع لتحقيق الاستفادة القصوى منه، وتوزيعه بشكل مناسب بين المواضيع؛ 7 - إبلاغ النتائج إلى الجهات المعنية، بأشكال مختلفة: قرار، محضر اجتماع، برنامج أو خطة؛ 8 - متابعة التنفيذ وصولاً إلى الأهداف والنتائج المطلوبة؛ 9 – تأهيل المجتمعين ورفع كفاءتهم من خلال سماع أقوال الآخرين والمشاركة في المناقشات..
ويصرف في الاجتماع أغلى ما تملك الإدارة، فكر الإنسان ووقته وجهده. مما يقتضي إعطاء الاجتماعات أهميتها ضمن أنشطة الإدارة.هذه الإدارة التي أدعو لرفع " الظلم " عنها، بتأهيل أفراد المجتمع كافة وتحضيرهم لممارستها، بإدراج علم الإدارة في المناهج التربوية والتعليمية العامة، من جهة، وكذلك بمحو الأمية الإدارية لدى كبار العاملين بدورات تدريبية إلزامية قبل استلام أي مركز أومنصب أوبعيده على الأقل..
* * *
بسم الله الرحمن الرحيم
مراحل عملية اتخاذ القرار
أولاً ـ تمهيد
يعتبر " القرار " عملاً مستمراً متكرراً من قبل الرؤساء والقياديين والإداريين في كل المستويات.. خلال ممارستهم لوظائف الإدارة ومهامها المتنوعة.. فوظيفة التخطيط مثلاً تعتبر أحد أشكال عملية اتخاذ القرار حين يكون الهدف أو المشروع واحداً، كما ذكر في المفهوم العام للإدارة.. مما يجعل اتخاذ القرار ذا أهمية كبيرة ضمن النشاط الإداري..
ولو أردنا تكثيف المهمة المستمرة للإداري بكلمات موجزة لقلنا: إنها إعطاء الأوامر واتخاذ القرارات.. لإرشاد العاملين معه وتوجيههم وتكليفهم بواجبات مختلفة، أو نهيهم عن سلوك ما..
على هذا، فلا بد من حسن اتخاذ القرارات السليمة المعللة وإصدار الأوامر الصحيحة.. وتعرف أسلوبها المنطقي العلمي.. ذلك لأن الموهبة والإلهام والخبرة، وإن كانت صفات ضرورية، إلاّ أنها غير كافية لوحدها.. باعتبار أن عملية اتخاذ القرار تمر بمراحل متسلسلة منطقياً يجب التعرف عليها ودراستها وممارستها لصقل الإمكانات الشخصية والاستفادة منها..
ثانياً ـ مفهوم عملية اتخاذ القرار وجوهرها
1 ) يعتبر القرار في النشاط الإداري:
آ ـ من حيث الشكل: صيغة التوجيه أو الأمر بين مستويات التسلسل في الهرم الإداري للمنظمة وأية وحدة إدارية.. طالما يوجد فيها رئيس يشرف على مرؤوسين ويقودهم..
ب ـ ومن حيث المضمون: اتخاذ موقف محدد تجاه هدف أو موضوع أو مشروع معين..
2 ) وجوهر عملية اتخاذ القرار، هو الحسم أو اختيار واحد من الحلول الممكنة أو البديلة لتنفيذ هدف أو موضوع ما أو مشروع مادي، في ضوء الواقع والمعلومات والخصوصيات المتوفر عنه..
ذلك أننا نجد عادة أكثر من حل لمواجهة موقف معين.. فالأمور نسبية في عالم الإدارة والاجتماع والاقتصاد.. ولكل حل إيجابياته وسلبياته.. وعلينا ترجيح أحدها واختياره، أي اتخاذ قرار به.. حتى أن عبور شارع من قبل رجل يسير على قدميه، عليه أن يختار حلاً، مما يصادفه من احتمالات، بحسب واقع السيارات والآليات الموجودة في الشارع وسرعاتها، وعرض الشارع، وبُعد أو قرب الإشارات الضوئية وممرات عبور المشاة، ومدى عجلته هو..
3 ) وقد يكون الاختيار بسيطاً.. كأن يتقدم أحدهم بطلب إجازة ساعية، فإما أن يكون القرار بالقبول أو بالرفض أو بالتأجيل..
ثم تتصاعد المواقف وتتشابك الظروف وتتداخل الأمور.. بحيث يصبح الاختيار معقدا.. ويحتاج إلى معرفة أسلوبية بكيفية اختيار الحل الأنسب، الأقرب إلى الصواب.. كأن يدور الموضوع حول إقامة مشروع كبير وتوطينه..
ثالثاً ـ مراحل عملية اتخاذ القرار
هي مراحل متسلسلة منطقياً ومتتابعة.. تمهد كل منها للمرحلة التي تليها.. ويجب إعطاء الاهتمام الكافي والوقت اللازم لكل منها.. لكي يكون القرار المتخذ خلالها أقرب إلى الصواب ويحمل جوانب إيجابية أكبر..
على أنه لا بد من اختيار الحل وإصدار القرار في الوقت المحدد أو المطلوب.. ودون تأخير أو بعد فوات الأوان.. مما يوجب التبكير ما أمكن في مراحل عملية اتخاذ القرار وإجراءاتها، وقد نضطر للاشتغال ساعات إضافية خارج أوقات الدوام وأيام العطل، في حال كون الوقت المتاح قصيرا..
وتتسلسل المراحل كما يلي:
أ ـ تفهّم الهدف أو الموضوع أو المشروع
للوصول إلى فهم أولي وعميق للهدف أو الموضوع أو المشروع وتفرعاته، والجهات ذات العلاقة به، والمصادر المختلفة للمعلومات عنه، والعناصر التي يمكن أن تساهم في إنجاز مراحل عملية اتخاذ القرار، والوسائل التي يمكن اعتمادها في تنفيذ الإجراءات، ومتى يجب أن يتم ذلك..
وهي مرحلة هامة لأن بقية المراحل ستعتمد عليها.. كما أنها تختلف بحسب الموضوع أو المشروع. كأن نكون بصدد إقامة مدرسة، أو مطحنة، أو سكة حديد، أو مطار.. فلكل منها ظروفه وخصوصياته المختلفة عن غيره، التي يجب استيضاحها والتحرك على أساسها في المراحل التالية دون إضاعة الوقت أو الجهد وتكراره في حال قصور هذا التفهم..
يشرف على هذه المرحلة الرئيس، ويعاونه " المنسق " في المستويات العليا، كالأمين العام أو وكيل الوزارة.. الذي سيترتب عليه إكمال المراحل التالية مباشرة أو بالاشتراك مع الرئيس..
ب ـ حساب الوقت
بغية اتخاذ القرار في الوقت المناسب، أو في الوقت المطلوب من السلطة المعنية.. تتخذ الخطوات التالية:
* ـ معرفة " الوقت المتاح" أو أيام وساعات العمل الفعلية، بين مرحلة البداية التي نحن فيها، وبين اليوم والساعة التي يجب أن تصل فيها وثيقة القرار إلى المنفذين أو إلى المستوى أو السلطة التي طلبته..
* ـ تقدير الزمن اللازم لكل إجراء أو مرحلة تالية.. للزيارات والأسفار والاجتماعات والمناقشات.. وللأعمال المكتبية كالنسخ والرسم والتجميع وإرسال البريد..
* ـ توزيع " الوقت المتاح " على " الزمن اللازم ".. لتبيان مدى كفايته.. ففي حال الكفاية ينظم البرنامج الزمني لعملية اتخاذ القرار.. وفي حال عدم كفايته، نفكر بكيفية زيادة إنتاجية المساهمين لنصل إلى نهاية المراحل دون تأخير.. كالاشتغال ساعات إضافية خارج أوقات الدوام وأيام العطل والأعياد الرسمية.. أو زيادة عدد المشاركين.. وغيرها..
* ـ ويفضل أن يتم حساب الوقت وتوزيعه " بأسلوب العد التراجعي ". مبتدئين من النهاية، أي من ساعة وصول القرار إلى مقصده، والعودة إلى اليوم والساعة التي نحن فيها.. كما يفعلون في الدورات الرياضية العالمية مثلاً ويعلنون عنها " بالعد التنازلي "..
* ـ وفي كل الأحوال يترك بعض الاحتياطي من الوقت، لمواجهة المستجدات والطوارئ..
ت ـ توزيع الأدوار وتنظيم البرنامج الزمني
وذلك بتنظيم جدول زمني بسيط في شكله، ولكنه هام في تأثيره على مجريات العملية.. ويشمل في حقوله الأفقية والعمودية، النقاط الآتية:
* ـ التاريخ، والساعة، والمدة المخصصة لكل إجراء..
* ـ الإجراءات الواجب القيام بها.. جمع المعلومات ودراستها، الزيارات، الاستطلاعات الميدانية، المناقشات والاجتماعات، النسخ والأعمال المكتبية..
* - الأشخاص أو الجهات المكلفون بكل إجراء..
* – الأسلوب التي يمكن أن يتبعه كل منهم..
* - وسائط النقل إذا لزم الأمر، والإمكانات التي ستوضع بتصرف المنفذين..
* – الشخص أو الجهة، التي ستودع إليها المعلومات والتقارير والدراسات..
- . . . . . .
ثم يرسل البرنامج إلى المنفذين، ليعرف كل منهم واجبه، والوقت المعطى له..
ويتابع الرئيس و" المنسق " مجريات الأمور، للتأكد من انتظام سير الإجراءات والمراحل.. وإدخال تعديلات عليه عند الاقتضاء..
وأدرج في الشكل التالي نموذجاً مثالاً عن الجدول الزمني للواجبات..
اسم المنظمة الإدارية
الموضوع: اتخاذ قرار حول …………
متفرقات | ا الوسائط | ا المكان | ا الجهات أو ا العناصر المنفذة | المهمة أو الاجراء المطلوب | ا السـاعة من إلى | االتاريخ و اليوم |
التاريخ المنسق المدير
الاسم والتوقيع الاسم والتوقيع
ث ـ جمع المعلومات وترتيبها
* - لا بد من الاعتماد لدى اتخاذ القرارات وسائر التصرفات على أكبر حجم من المعلومات والأرقام.. مهما كان نوعها.. والتفتيش عنها وطلبها لدى أي مصدر كان:
× من مصدر داخلي أو خارجي، أعلى أو موازي أو أدنى..
× من مصدر مختص أو عادي..
× كمية، أو نوعية، أو وصفية.. صور وأفلام وشرائط فيديو..
× بشرية، اجتماعية، اقتصادية، فنية، جغرافية..
× إحصائية، محاسبية، حركة مخزون، مبيعات، مشتريات..
× تقارير دورية أو عامة..
× تقارير أو دراسات خاصة أو أبحاث..
× . . . . . .
* - ويفضل أن نحدد سلفاً للمعلومات شكلاًنموذجياً بسيطاً: جدول، بيان، استمارة، تقرير.. ومحتوى موضوعياً يساعد مصادر المعلومات على سهولة إرسالها من جهة، ويساعد الإدارة المُتلقية على حسن ترتيبها والتعامل معها من جهة أخرى..
* - كما يجب تحديد الوقت أو " الدورية " الذي يجب وصول المعلوماتية، من خلال جدول حساب الوقت.. مما يساعد على استكمال المعلومات في حال النقص، ويساعد على استقرار عمليات اتخاذ القرار..
* - هذا، وإن تخزين المعلومات الواردة وتبويبها وإعادة عرضها يحتاج إلى عناية ومعرفة، واستخدام تقنيات متطورة، بحيث تحفظ وتُفرغ مرتبة ومبوبة ومصنفة بأشكال إجمالية أو تفصيلية مناسبة: جداول ، مخططات، رسومات، استمارات، نشرات.. مما يسهل الرجوع إليها في المراحل التالية، أو من أجل مناسبات أخرى..
ج ـ دراسة المعلومات وتحليلها واستكمالها
خ ـ الخروج باستنتاجات وحلول تبادلية
* - وهذه المراحل أو الخطوات الثلاث متداخلة ومتكاملة مع بعضها.. وتحتاج إلى خبرة وفن ومرونة وتعمّق.. في فهم المعلومات وتحليلها، واستكمالها عند الاقتضاء.. فجمع المعلومات ليس غاية بحد ذاته وإنما هو وسيلة لدراستها ومعالجتها بهدف استخراج دلالاتها.. واستنباط الحلول الممكنة للوصول إلى الهدف أو حل الموضوع أو تنفيذ المشروع..
* - يشارك في هذه الخطوات أكبر عدد ممكن من المختصين والفنيين والإداريين.. ومن مستويات متنوعة.. بإشراف " المنسق "، أي الأمين العام أو الوكيل أو المدير العام في الوزارة..
* - ويجب أن تسود روح الجماعة خلال المراحل لتكون النتائج متكاملة، ويأتي القرار مفهوماً من قبل الجميع، فيسهل عليهم تنفيذه..
* - لدى مقارنة المعلومات ومقابلتها، قد نصل إلى نتائج متوافقة أو متداخلة أو متعارضة جزئياً أو متناقضاً كليا..كما هو الحال مثلاً، عند تحديد موقع إنشاء مصنع وتوطينه.. فهل يكون توطينه حيث مواده الأولية وخاماته.. أم حيث منطقة استهلاك منتجاته؟.. وما الحل بالنسبة لطرق المواصلات والنقل كالسكك الحديدية والطرق العامة والمرافئ؟. وكذلك الشأن بالنسبة لليد العاملة الفنية.. والحياة الاجتماعية للعاملين وأسرهم.. حيث تحتاج إلى دقة وموضوعية ومرونة..
ولنتذكر بأن هذه طبيعة الأمور في النشاطات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإدارية.. فلا شيء في هذه المجالات وغيرها صحيح على إطلاقه، أو خطأ على إطلاقه.. بل إن الأمور نسبية، وهناك في كل موضوع أو حل مزايا ومساوئ، أو جوانب وظروف تؤيده وغيرها تعارضه.. مما يحتم الإكثار من التحليل والمقارنة والمقابلة والمفاضلة، للوصول إلى تعداد سليم قدر الإمكان للإيجابيات المحبذة لكل حل، وللمساوئ والسلبيات التي قد ترافقه.. وبالتالي لاستنباط صورة واضحة عن كل حل وتفاصيله وتفرعاته ونتائجه، فيسهل على صاحب القرار أو السلطة صاحبة القرار اختيار أحدها، الذي تَرجح إيجابياتُه على سلبياته..
* - ويجب الأخذ بالاعتبار، لدى تقييم الحلول أو البدائل لترجيح أحدها، مختلف الظروف المكانية أو الزمانية، الموضوعية أو الاجتماعية أو الشخصية، وغيرها من العوامل فقد توحي لنا حلولاً متبدلة أو مختلفة بحسب تبدل الظروف والعوامل والزمن.. لذا نسمع القول المأثور أو القاعدة الفقهية: لا يُنكر تغير الأحكام بتغير الأزمان.. فالنظرة إلى السلع الاستهلاكية من حيث هي ضرورية أو عادية أو كمالية مثلاً، تختلف بحسب المرحلة والأوضاع ومستوى المعيشة في المجتمع..
* - لذا، يجب التعود على الإكثار من طرح الأسئلة وجمع المعلومات المتصلة بالهدف أو المشروع أو الموضوع، مهما بدت متقاربة أو متفاوتة أو متضادة، بسيطة أو معقدة، ذات صلة مباشرة أو غير مباشرة به.. بما يجعل صورة الموقف أوضح وأكمل ما يكون لدى تقليب الموضوع والحلول والبدائل الممكنة.. بحيث نختار ونتخذ قرارنا الأنسب للمرحلة والظروف.. ولنبتعد في ذلك عن القوالب الجامدة أو الحلول الجاهزة، وعن تقليد الآخرين مهما بدت تجاربهم ناجحة.. فالمواقف لا يمكن أن تتطابق مهما بدا بينها من تشابه، فالظروف مختلفة ومتغيرة باستمرار..
* - وهي مرحلة هامة، لأنها تُمهد لاتخاذ القرار المعلّل من قبل الرئيس في المرحلة التالية.. ويلعب "المنسق" دوراً أساساً فيها..
* - فعلى " المنسق " الاهتمام بشكل العرض كمقدمة للعناية بالمضمون وتسهيل صنع القرار.. بحيث يكون العرض:
× -شاملاً للمعلومات اللازمة ومحيطاً بها..
× - وشاملاً للحلول التبادلية ومزايا كل منها ومساوئه، وأرجحيتها..
× - بسيطاً ودقيقاً في آن معا. ؛
× - شيقاً وواضحاً، باستخدام شتى وسائل البيان والإيضاح والألوان، وأدواتها وتقنياتها: الورقية، المخططات، الجداول، الرسومات، الخرائط، الصور، الأفلام الساكنة " الشرائح " والمتحركة.. ولنستفد هنا، وبحسب الحال، من الإمكانات الهائلة المتطورة للحاسوب وأدوات الاتصالاات والمعلوماتية..
× - وأن يكون العرض مبكراً، في الوقت المناسب، يتيح اتخاذ القرار المتأني، وإنجاز بقية المراحل التالية، حتى المرحلة النهائية، في موعدها.. ودون تأخير قد يفقد القرار أهميته أو ضرورته..
ذ ـ اتخاذ القرار
* - وهي محور عملية اتخاذ القرار.. وهي المهمة المباشرة للرئيس أو السلطة المختصة..
* - ويأخذ صاحب السلطة بالاعتبار عدداً من العوامل أثناء تقديره للموقف وتقليبه للحلول الممكنة، ومن ذلك:
× - الأهداف والواجبات المطلوبة في القوانين والأنظمة النافذة..
× - الأهداف والواجبات المحددة: في الخطط العامة الأعلى، الخاصة بالوحدة الإدارية أو المؤسسة المعنية، للجهات الموازية المتعاونة أو المساعدة في التنفيذ..
× - الإمكانات المتاحة: بشرية ومادية ومالية وطبيعية وتقنية..
× - تحقيق التنسيق مع الأهداف والواجبات المشتركة للجهات المتعاونة أو المؤازرة..
× - تحقيق الأهداف الخاصة بالوحدة أو المؤسسة التي يرأسها..
* - كما يتوجب عليه قبل الحسم والاختيار:
× - أن يدرس بعناية ما يعرض عليه..
× - التأكد من تكامل المعلومات والمعطيات المعروضة وصحتها..
× - التحقق من والنتائج والآثار التي قد تترتب على كل حل من الحلول..
× - إشراك مساعديه ومرؤوسيه والمختصين.. في الرأي والمناقشة والاستشارة..
* - وسأتناول المشاركة في الرأي والمناقشة والمشورة من زاويتين: الشكل والمبدأ..
× - من حيث الشكل، فقد تكون بحسب حجم الموضوع وتفرعاته، والزمن المتاح: باجتماعات ثنائية مع بعض المعنيين والمختصين.. أو جماعية مع المرؤوسين والمختصين كافة.. أو بالمذاكرة الشفهية.. أو بالزيارات الميدانية.. أو بالمراسلات الكتابية أو مع التقارير والوثائق والبيانات.. لمرة واحدة أو على عدة مراحل.. . . . .
* ويفضل أن تُترك لكل متحمس لأحد الحلول الفرصة الكافية لإيضاح رأيه وتعليله وإبداء حججه ومزايا الحل الذي تبناه. بل تشجيع المشاركين على ذلك، والصبر على سماع الآراء وإن بدت غامضة وغير واضحة للوهلة الأولى، وكذلك سماع الآراء والمقترحات مهما بدت بسيطة أو حتى خاطئة، فالرأي الخطأ يُحرّض لدى متلقيه الرأي الصحيح..
ر - كما يصح في المواقف الكبيرة، الدعوة إلى اجتماع موسع " مؤتمر للاستعراض " يشارك فيه المعنيون بكل جوانب الموقف: الإداري، الفني، المالي، الاقتصادي، الباحثون.. ليشرح كل منهم المعلومات والبيانات التي أعدها واستنتاجاته واقتراحاته.. ثم يعمد " المنسق " إلى تلخيص الموقف مستعرضاً جميع وجهات النظر والاستنتاجات بالحلول الممكنة ومزايا كل منها ومثالبه.. ومبدياً رأيه بترجيح أحدها أو اقتراح حل خاص به، والمبررات التي دعته لذلك.. ولعل صورة الموقف تصبح أكثر وضوحاً أمام الرئيس في مثل هذا " المؤتمر ".. فيكون قراره منطقياً ومبررا..
ز - ويمكن أحياناً، في الموضوعات المعقدة أو المتشابكة، ذات الحلول التبادلية الكثيرة.. أن نكلف "قاصدين" بعض العاملين بالتحيز لهذا الحل أو ذاك من الحلول التي تبدو ضعيفة القبول لأول نظرة.. ودراسته وعرضه مع التركيز على إيجابياته لإقناع الرئيس به.. ولا بأس في أن يتعرض المكلّف لنقد الحلول البديلة الأخرى وإظهار سلبياتها..
س ـ وأخيراً، فإن المشاركة في الرأي والمناقشات، برغم ضرورتها، فهي لا تعني إخلاء مسؤولية متخذ القرار، فرداً كان أم جماعة، فهو " أو هم " مسؤول عنه وعن نتائجه المستقبلية بمقدار الصلاحيات والسلطة التي منحته حق اتخاذ القرار..
ـ وهي محور مراحل العملية.. وهي المهمة المباشرة للرئيس أو السلطة المختصة..
ويأخذ صاحب السلطة بالاعتبار عدداً من العوامل أثناء تقديره للموقف وتقليبه للحلول الممكنة، ومن ذلك:
* الأهداف والواجبات المطلوبة في القوانين والأنظمة النافذة..
* الأهداف والواجبات المحددة: × في الخطط العامة الأعلى، × الخاصة بوحدته، × للجهات الموازية المساعدة في التنفيذ..
* الإمكانات المتاحة: بشرية ومادية ومالية وطبيعية وتقنية..
* تحقيق التنسيق مع الأهداف والواجبات المشتركة للجهات المتعاونة أو المساعدة..
ج ـ كما يتوجب عليه قبل الاختيار: التأكد من تكامل المعلومات والمعطيات المعروضة وصحتها.. وأن يدرس بعناية ما يعرض عليه.. والتحقق من الآثار التي ستترتب على كل حل.. ومشاركة مساعديه وأكبر عدد من مرؤوسيه والمختصين..
ح ـ وسأتناول المشاركة في الرأي والمناقشة والمشورة من زاويتين: الشكل والمبدأ..
* - من حيث الشكل، فقد تكون بحسب حجم الموضوع وتفرعاته، والزمن المتاح: × باجتماعات ثنائية مع بعض المعنيين والمختصين.. × أو جماعية مع المرؤوسين والمختصين كافة.. × بالمذاكرة الشفهية أو الزيارات الميدانية.. × بالمراسلات الكتابية أو مع التقارير والوثائق والبيانات.. × لمرة واحدة أو على عدة مراحل.. × . . . . . . .
* - من حيث المبدأ..
لا أدلّ على أهمية تنمية روح الجماعة والشورى والديموقراطية، مع الحفاظ على سلطة الرئيس في البت وحسم الموقف، بصرف النظر عن النتائج التي قد تؤدي لها المشورة، إيجابية كانت أم سلبية، من الآية الكريمة ).. وشاورهم في الأمرفإذا عزمت فتوكل على الله.. ( سورة آل عمران 3/159 التي نزلت تعقيباً على غزوة أحد، التي انتهت إلى هزيمة المسلمين ثاني معاركهم مع قريش.. فأكدت على مبدأ الشورى برغم العواقب السيئة التي أتت بها هذه الشورى قبل نشوب القتال..
فليس لأحد بعد ذلك، أن يدعي القيادة الرشيدة في شخصه وأن ينفرد في اتخاذ القرارات.. ويتوجب على الرؤساء والإداريين تنمية الروح الجماعية والديموقراطية في المناقشات، والإكثار من ممارسة مبدأ الشورى بحيث يصبح لديه " ملكةً وعادة "..
وتزداد أهمية المشورة وتبادل الرأي والاستماع لوجهات الآخرين، مع ارتفاع المستوى الإداري، ومع ازدياد الاختصاصات والنواحي الفنية والتقنية والاقتصادية والإدارية وتنوعها في الموضوع الواحد، التي لن يستطيع الإلمام بها شخص واحد أو ثلة أو نخبة قليلة من الناس، فكلما اتسعت دائرة المشاركين في الرأي أصبحت الموضوعات أكثر وضوحاً، وأصبح الاختيار بالتالي، أسهل..
ومن أخطر ما يعتور هذا المبدأ في التطبيق، هو اعتقاد أحد الرؤساء أو الإداريين بأن بعض مرؤوسيه ذوي الكفاءة، سوف يطغون على شخصه وعلى المناقشات، فيبدون وكأنهم أصحاب القرار.. فيعمل على إبعادهم والتقليل من شأنهم ظناً منه بأنه قد ربح شخصيا.. ولكنه ينسى أنه قد خسر موضوعياً وعلى المدى الطويل..[1]
على أن الآية الكريمة إذ تؤكد على مبدأ الشورى، فهي لا تغفل حق الرئيس بالبت والحسم في نهاية المطاف.. ).. فإذا عزمت، فتوكل على الله..(.. وهذا أمر طبيعي يتناسب مع الصلاحيات والمسؤولية المنوطة به.. وهكذا فإن مبدأ الشورى مقترن مع مبدأ الحسم من قبل الرئيس والحزم والمضي في التنفيذ دون تلكؤ أو تردد، مع الاعتماد على النوايا المخلصة والتوكل على الله، ما دام جوهر القرار توقعاً مستقبلياً واجتهاداً شخصياً بشرياً وترجيحاً لأحد الاحتمالات والبدائل، قد نصيب أو نخطئ في انتقائه..
ويتوقف نجاح متخذ القرار بعد ذلك كله، على صفاته الشخصية الموهوبة، والمكتسبة: الثقافة، الخبرة، الفن، الحدس، حسن الاستماع واستيعاب رأي الغير، النظرة المستقبلية، الإحاطة الواقعية الشاملة، القدرة على التوقع.. إذ هو يبني قراراً للمستقبل استناداً على معطيات الماضي والحاضر.. فلا بد له من إمكانات ذاتية تساعده، إلى جانب المعرفة الإدارية والخبرة، على استشراف المستقبل وتوقع متطلباته والتدابير الواجب اتخاذها للوصول إلى أهدافه بأسلوب سليم.. ومن هنا، سبق أن قلت عن طبيعة الإدارة إنها: علم وفن..
هذا، ومن أهم صفات الرئيس أو القائد الرشيد الناجح، الحسم في مواجهة المواقف مهما بدت صعبة أو معقدة.. لأن الدخول في مرحلة قادمة مزودين بقرار محدد ومتخذ في الوقت المناسب، ولو كان اتخاذه بشكل سريع، أفضل بكثير من الشروع بها دون أي قرار.. ففي الحالة الأولى يمكن تصحيح المسار خلال متابعة التنفيذ لوجود أرضية صالحة للتعديل.. أما في الحالة الثانية، فقد تسود الفوضى والارتباك أمام المستجدات وتبدلات ظروف الموقف أو المفاجآت، البسيطة أو المعقدة، لأن الصورة الأساسية مفقودة أو مهزوزة..
خ ـ صياغة القرار
* - وذلك بإكساء القرار المتخذ صيغة النفاذ، تمهيداً لإبلاغه إلى الجهات المعنية بتنفيذه.. وتتم من قبل الجهاز المساعد للرئيس أو الإداري.. بإشراف " المنسق "..
* - وتختلف الصياغة بحسب موضوع القرار وحجمه ومستوى الجهات المعنية وعددها.. على أنه لا بد من أن يراعى فيها جملة اعتبارات تجعلها واضحة ومفهومة لمتلقيها.. مما يسهل عليهم تنفيذ القرار..
× - وتشمل وثيقة القرار " أو وثائقه " أجوبة وعبارات توضح النقاط التالية: [2]
× - إيضاح الإطار العام والأهداف، التي تنفذ من خلالها، المهام، أو المشاريع، المدرجة في الوثيقة؛
× - وصف دقيق للمهام أو المشاريع؛
× - الجهة أو الجهات المكلفة بتنفيذها؛
× - الإمكانات المتنوعة المخصصة: البشرية والمادية والتقنية والمالية؛
× - التدابير والخطوات التحضيرية للبدء بالتنفيذ، وأوقاتها؛
× - الجهة أو الجهات المعاونة؛
× - الجهة أو الجهات التي يجب التنسيق معها فنياً وزمنياً خلال فترات التحضير أو التنفيذ.. وموجز عن مهام كل منها؛
× - برامج التنفيذ، متى يبدأ ومراحله؛
× - الوقت المقدر لانتهاء التنفيذ؛
× - الخطوات الموازية أو الفرعية المكملة للمهمة أو المشروع التي يجب إنجازها على التوازي أو في المرحلة التحضيرية؛
× - الجهة والجهات المشرفة على التنفيذ أو المتابعة له وأوقاتها الدورية؛
× - معايير ومؤشرات قياس الأداء.. مما يسهل متابعة التنفيذ ورقابته وتقييمه؛
× - أشكال عرض تقارير مراحل التنفيذ والصعوبات.. من قبل جميع الجهات المنفذة، وأوقاتها الدورية، مع جواز عرضها في أي وقت بالنسبة للحالات الطارئة؛
× - أساليب الاتصال بين جميع المستويات: الأعلى والموازية والأدنى؛
× - متفرقات وملاحظات؛
× - . . . . . . . [3]
ص ـ على أنه يجب أن يشمل القرار، من الناحية الموضوعية، وبشكل واضح 4 نقاط رئيسة:
1 - المهمة أو الواجب الرئيس، الذي يجب تكثيف الجهود والإمكانات لتحقيقه.
2 - الجهات المكلفة بالتنفيذ، والمتعاونة معها في المستويات الأخرى..
3 - أساليب التنسيق وتحقيق التزامن بين جهود الجهات المتعددة المشاركة في التنفيذ وإمكاناتها..
4 - الإمكانات الاحتياطية، التي ستبقى في تصرف الرئيس لمواجهة الظروف الطارئة، لأن القرار مبني في الأصل على التوقّع..
ض ـ إيصال القرار إلى المنفذين
1 – يجب إيصال القرار إلى المنفذين المباشرين، والجهات والأشخاص المعنيين بالتنفيذ بشكل غير مباشر، في الوقت المناسب.. بما يساعدهم على فهمه واستيعابه والتحضير لتنفيذه في الوقت المحدد..
2 - ويفضل في بعض الحالات، حين يكون الموضوع واسعاً ومتشعباً، تشارك في تنفيذه جهات متعددة، وعلى مراحل متتالية، دعوة هذه الجهات إلى اجتماع أو " مؤتمر للتنسيق "، يحدد موعده بُعيد فترة من وصول وثائق القرار إليها.. ولكن قبل الوقت المحدد لبدء التنفيذ..
حيث يشرح الرئيس أو " المنسق " القرار وغاياته.. ثم يترك للمشاركين، وبإشرافه، مجال الاستيضاح والاستفسار عنه.. والمناقشة فيما بينهم.. بحيث يصل إلى قناعة بأن كلاً منهم قد فهم القرار وتوقيت مراحله والدور المطلوب منه ومن الجهات الأخرى.. كما يستحسن أن يستوضح منهم فكرتهم والخطوط العريضة لتدابيرهم وأسلوبهم في تنفيذ واجباتهم.. أي عن قراراتهم الفرعية.. وهل يتصورون بعض الصعوبات؟, وما هي بالتالي التحضيرات أو المؤازرة التي يرغبونها منه أو من الجهات المتعاونة؟.
ويُسهِّل مؤتمر التنسيق ولا شك، مهام التنفيذ الجماعي ويحقق الانسجام والتزامن بين كل الجهات، دون إعاقة أو تأخير من إحداها للأخرى.. ويسهل بالتالي المتابعة وتحقيق الأهداف من القرار في الوقت المحدد بيسر، ودون معوقات جانبية أو هامشية..
ط ـ متابعة التنفيذ [4]
1 – وهي مرحلة أساسية بين مراحل اتخاذ القرار.. ذلك أن المراحل السابقة، يمكن اعتبارها تحضيرية لتحقيق الهدف منه، وتتوقف نتائجها على التنفيذ.. لذا، فإن مهمة القيادة تنتقل بعد إيصال القرار إلى المنفذين، لتأخذ شكل المتابعة لتنفيذهم ومساعدتهم في تجاوز الصعوبات.. وإلاّ، فإن القرار بدون تحقيق يعتبر نوعاً من " الترف" وهدراً للجهود دون طائل..
2 - وتتم المتابعة من خلال الاتصال الشخصي، وبالزيارات الميدانية، أو بواسطة التقارير الدورية والطارئة.. ويقوم بها الرئيس نفسه، أو معاونوه والمختصون.. أو جهات الرقابة الداخلية والخارجية..
3 - ويفضل في القرارات والخطط التي يستغرق تنفيذها زمنا طويلاً، أن يدعو الرئيس أو " المنسق " الجهات المنفذة والمساعدة إلى اجتماع أو "مؤتمر للمتابعة " من حين لآخر، أو بشكل دوري.. وبذلك تتحقق المتابعة بالإضافة إلى التأكد من مجريات التنسيق والتزامن بين الجهات، واتخاذ تدابير تذليل الصعوبات..
4 - وأفضل ما تكون المتابعة حين يسبقها تحديد واضح لمؤشرات الأداء ومعايير لقياس كفاءة الأداء..
5 - وتشمل المتابعة التأكد من صحة البرامج الموضوعة في المستويات المنفذة، وأن إجراءاتها تتم وفقه وتخدم هدف القرار..
6 - ولا يصح أن يتدخل الرؤساء والمتابِعون في تفاصيل أعمال المنفذين إلى درجة تحد من صلاحياتهم وتشل إرادتهم وتجعلهم متفرجين.. ولا بد من التفريق بين المساعدة لتجاوز الصعوبات وبين التدخل في شؤون المرؤوسين..
7 - وكثيراً ما يحدث، خلال المتابعة، أن يُعدل مسار القرار أو تصحيحه أو الإضافة عليه.. في ضوء الظروف المستجدة ومواطن القوة أو الضعف المكتشفة.. باعتباره قد بُني أصلاً، على معلومات وبيانات مضافاً إليها تحليل وآراء وتوقّعات مستقبلية.. قد لا تكون جميعها سليمة أو متوافقة مع مسيرة التنفيذ.. فالجهد والتفكير والتوقُّع مشوب باحتمال خطأ يرافقه، والمخاطرة تصاحب أساساً الكثير من القرارات..
ظ ـ جمع المعلومات من جديد
إذ ما تكاد المراحل آنفة الذكر تنتهي، حتى تبدأ أو تتداخل معها مراحل مشابهة جديدة.. فالإدارة والنشاط الإداري،كما الحياة،كخلية النحل، لا تتوقف ولا يجب أن تتوقف عن الحركة الجدية.. ما دام الإنسان يتطلع دوماً نحو الأفضل.. ومع الحركة، تتبدل الظروف وتستجد الأمور وتتطور الأهداف.. وتقتضي مواقف جديدة تتطلب قرارات جديدة لمواجهتها.. فلا بد من التمهيد لها، بالاستمرار في جمع المعلومات وترتيبها وتبويبها، لاسترجاعها والاعتماد عليها..
رابعاً ـ المراحل الأربع الأساس لعملية اتخاذ القرار
أتيت فيما سبق على مراحل اتخاذ القرار بشكل مفصل.. حيث تصورت مشروعاً كبيراً متشعباً، يتطلب القيام بكل الإجراءات والخطوات اللازمة لجعل القرار أقرب ما يكون إلى الصحة والسداد، وذلك دون إغفال جزئيات الأمور ودقائقها..
على أنه، وحرصاً على الإحاطة الشاملة والمبسطة لمراحل العملية، والتركيز على مراحلها الأساس التي لابد منها في كل قرار، وبالتالي لسهولة تذكر المفاصل الرئيسة للمراحل، بحيث لا يكون الاهتمام بالتفصيلات مدعاة لإهمال أو نسيان إحداها.. أعيد تبويب المراحل في أربع، وهي:
1 ـ تفهّم الواجب وحساب الوقت وتوزيع الأدوار..
4 ـ صياغة القرار وإيصاله للمنفذين ومتابعة التنفيذ..
وأُطلق تسمية " رباعية إدارية " على هذه المراحل الأربع، كما في الشكل التالي..
خامساً ـ صفوة القول
1 ) آمل بعد ما تقدم، أن تكون القناعة قد تحققت بأنها مراحل متسلسلة منطقياً ومتكاملة متداخلة، وهي تحتاج إلى نظرة شاملة وفن في مواجهتها وأناة وواقعية، وإلى عمل جماعي متعدد الجوانب ومشورة.. وحسم.. وتزداد صورتها تداخلاً وتشعباً كلما كبر حجم الهدف أو الموضوع أو المشروع..
2 ) وبذلك نكون قد تفهمنا بشكل مناسب العمل المستمر للرئيس أو الإداري التي تتلخص بإعطاء الأوامر وإصدار القرارات.. كما ذكرت..
3 ) ولا بد من التذكير، بأن مراحل عملية اتخاذ القرار، التي يساهم فيها الرئيس ومساعدوه والفنيون والمختصون من مستويات ومجالات كثيرة.. تقتضي حُسن تقسيم العمل وتوزيع الأدوار دون اختلاط أو مركزية أو ميوعة، وكذلك مراعاة الوقت المتاح لإنجاز هذه المراحل وتوزيعه بدقة على الإجراءات والخطوات التي ستتبع وتكليف المنفذين بها.. ومن ثم، تنسيق العمل الجماعي والشورى بينهم للمحافظة على انسجام تحركاتهم وتكاملها وتزامنها.. بحيث يتخذ القرار ويصاغ ويرسل إلى كل الجهات المعنية بشكل واضح وقبيل الوقت المحدد لبدء التنفيذ.. ومن أجل كل ذلك، يصبح من الضروري أن يوجد في تنظيم كل وحدة أو منظمة من المستويات الرئيسة " منسق " مركزي مسؤول عن تحقيق مجموع الإجراءات وتكاملها وتزامنها.. وهو من يدعى مثلاً "أمين عام، أو مدير عام، أو وكيل " الوزارة..
4 ) وأُذكر أيضاً، بأن مهمة اتخاذ القرار لا تقتصر على رؤساء دون غيرهم، وإنما هي نشاط مستمر ومحرك لسائر وظائف الإدارة وأنشطتها، ويجب أن يمارسها بجدارة وعلمية وواقعية منطقية جميع الرؤساء والإداريين في جميع مستويات الهرم الإداري وقطاعات المجتمع ومجالاته.. مما يجعل عبارة " صناع القرار " تشمل كل فئات الرؤساء والإداريين دون استثناء، ولا تقتصر على الرؤساء والإداريين في المستويات العليا، كما نقرأ كثيراً في الأدب الإداري وبخاصة في " إدارة الأعمال ".. لذا، فإن استيعاب المراحل وإتقانها بالتعود والتكرار يعتبر مطلباً إلزاميا للرؤساء والإداريين كافة.. من رئيس الورشة فصاعدا.. وإن كان تطبيق هذا المراحل قد يكون بسيطاً موجزاً، أو كبيراً متشعبا، ولكن منطقية المراحل وتسلسلها واحد في كل الأحوال والمواقف..
5 ) كما أُذكر، بأن مراحل عملية اتخاذ القرار، تتطلب العلم والفن الشخصي لإنجازها بنجاح.. ولا تكفي فيها الموهبة أو الخبرة الزمنية، وإنما يجب صقلها ودمجها بالعلم الإداري ومبادئه وأساليبه وأدواته..
6 ) وأُذكر، بضرورة الشمولية والمشورة والواقعية والصبر والتبصّر والتوقع.. في اجتياز المراحل وإجراءاتها.. ليحقق استقرار القرارات الصادرة وعدم التردد فيها أو التراجع عنها لأبسط الأسباب.. وهذا شأن القرارات المتخذة على عجل، بمزاجية ودون تروّ أو مشورة..
ولعلي أُشبه الفرق بين القرارات المدروسة بتأنّ، والقرارات المستعجلة المزاجية، بمثال مادي، أستمده من الاختلاف في الخواص بين الأجسام السائلة والجامدة.. فالسوائل تسخن ببطء، وتستقر على الحرارة التي اكتسبتها مدة طويلة، إذ تبرد ببطء أيضا.. في حين نرى الجوامد، كالمعادن، تسخن بسرعة، ولكنها لا تستقر على حالها، إذ تبرد بسرعة أيضاً إذا توقف منبع الحرارة.. ومثال هذا التشبيه، نصادفه في منازلنا، ويمكن أن نلاحظه حين يوضع على مدفأة وعاء فيه ماء.. ثم توقد المدفأة لفترة ما.. وتطفأ بعد مدة.. فلنتخذ قراراتنا بهدوء وروية وأناة كما تسخن السوائل..
***
المهام الرئيسية التي تكثف الامكانات الاحتياطي من الإمكانات لمواجهة
الجهات المكلفة بالتنفيذ، والمتعاونة معها
[1] يقولون: إذا أردت أن تعزل إنساناً فهنالك أسلوبان: أن تسجنه في زنزانة منفردة، أو أن تحيطه، أو يحيط نفسه بالإمّعات، ممن لا رأي لهم، وتكون إجاباتهم دوماً: نعم سيدي، وصحيح يا مولاي!.
[2] يعتبر هذا النموذج صالحاً لقرار على مستوى عال وشامل.. وقد تنظم بهذه النقاط أكثر من وثيقة بحسب المواضيع المتفرعة عن الموضوع الأساس، أو عدد المنفذين الفرعيين بحيث يرسل لكل منهم ما يخصه.. كما يرفق بالوثيقة المخططات والجداول والبيانات والرسومات الإيضاحية حسب الحاجة..
[3] الإجابة على النقاط أعلاه، كلها أو بعضها، تتوقف على حجم الموضوع واتساعه.. فقد يكون القرار قليل المشتملات، بل وبموجب حاشية بسيطة وبجملة واحدة.. كما قد يكون على شكل قانون مع ملاحقه، كما الحال بالنسبة للخطة العامة للدولة.
[4] لا يعتبر البعض متابعة التنفيذ من مراحل عملية اتخاذ القرار، معتمدين على أنها وظيفة عامة للإدارة في الأصل. وإذا كان هذا صحيحاً من الوجهة النظرية، فإننا نفضل التذكير بهذه الوظيفة أو المرحلة التي يكتمل بها صنع القرار ويظهر إلى الوجود.. بل وقد يصحح مساره خلالها.
بسم الله الرحمن الرحيم
أولاً ـ تمهيد
الفساد آفة اجتماعية خطيرة تتناول بآثارها السلبية الإنسان، وهو الركن الأساس في الإدارة..
وهو يتداخل مع كل المجالات والقطاعات والمستويات، وينتشر بأذرعه الخبيثة فيها.. في الشؤون الاجتماعية والاقتصادية والتربوية وغيرها كثير..
1 ) الخير والحق، والشر والباطل مترافقان، وهما يتنازعان ويتصارعان منذ الأزل.. ولم يتغلب أحدهما على الآخر بشكل تام.. ولن يكون ذلك يوماً ما، فوجود كل منهما وحصته شأن نسبي لدى كل فرد أو منظمة أو مجتمع، ويزداد نصيب أي منهما أو ينقص بحسب الظروف الزمانية والموضوعية والمؤثرات الداخلية أو الخارجية.. وسوف يستمران بهذا في المستقبل القريب أو البعيد، طالما وجد البشر على سطح الأرض، فالكمال لله وحده..
2 ) ويظهر وجودهما وصراعهما وتنازعهما وآثاره في مواضع مختلفة:
أ - داخل كل إنسان فرد، في صدره يكمن الخير والقناعة والصلاح، والشر والطمع والفساد، جنباً لجنب.. وتظهر آثار أي منهما بنسبة ما في سلوكه، حسب الظروف، وإرادته..
ب - وفي علاقاته مع الآخرين، أفراداً أو جماعات خاصة أو عامة.. علاقات تكتنفها الاستقامة أو المخادعة بنسبة ما..
ت - ويظهر في العلاقات والتصرفات ضمن المجتمع بين منظماته الخاصة والعامة وغيرها..
ث - ويظهر في العلاقات الخارجية بين الأفراد والدول والهيئات والمنظمات المختلفة..
على هذا، فهو موجود كآفة ضارة في كل العصور، الماضية والحاضرة والمستقبلية، وفي كل المجتمعات.. والمهم معرفة مظاهره وأسبابها وآثارها، والسعي لتقليم أظافره..
3 ) وتنبع أهمية الموضوع وخطورته، من كون الإدارة وجدت أصلاً لأن الإنسان اجتماعي بطبعه، ولا يستطيع العيش منفرداً.. وإنما في جماعات مختلفة الأهداف والأشكال والأنشطة والحجوم والامتداد الجغرافي.. بدءاً من الأسرة، وهي الخلية أو الوحدة الإدارية الأولى، وصولاً إلى المجتمع المحلي والقومي والدولي، مروراً بسائر أشكال التجمعات البشرية، كالمدرسة والنادي والجمعية والمنظمة والشركة والهيئة والوزارة.. كما أن بقاء الجنس البشري مرهون باجتماعه وتكوين الأسرة..
4 ) إن المرتكزات الأساس الأربعة للإدارة التي تعتمد عليها، وهي: الإنسان؛ والقوانين والأنظمة؛ والهياكل التنظيمية؛ والأدوات الإدارية.. تتبادل التأثير والتأثر فيما بينها.. ويعتبر الإنسان المرتكز الأهم بينها، لأنه هو الذي يوجدها ويصنعها، ويستعملها، ويطورها.. ولما كان الحديث عن الإفساد والفساد، يعني الكلام عن سلوك الإنسان وتصرفاته، أستطيع القول: إن وضع هذا الإنسان بتصرفاته وأخلاقه، تتوقف عليه استقامة الإدارة وصلاحها، أو انحرافها وفسادها.. مما ينعكس على أدائها الداخلي وعلى صورتها الخارجية، إيجاباً أو سلبا.. ويؤثر على سمعة المنظمة أو التجمّع أو المجتمع الذي تديره.. مما يجعل الكثير من المدارس والنظريات والكتابات في الأدب الإداري والاجتماعي والاقتصادي والتربوي توليه أهمية كبيرة.. وتتحدث عن ضرورة رفع مستوى أخلاقه وسلوكه واستقامته لضمان النجاح في أداء أي تجمّع بشري ومنظمة..
5 ) وباعتبار أن دور الإدارة هام وخطير.. فإن الكلام عن سلوكها وتصرفاتها من حيث الاستقامة أو الانحراف، والصلاح أو الفساد، يكتسب صفة هامة وخطيرة.. ويجعلني أعتبر محاربة الإفساد والفساد الإداري، واجباً وطنياً للجميع على الصعيد العام، وواجباً ذاتياً لكل منا على الصعيد الفردي، فلا يصح التهاون أو التراخي فيه أو التأجيل..
6 ) وتزداد الأهمية والخطورة، باعتبار الإدارة " قاسماً مشتركاً " موجوداً في كل تجمّع بشري، وذات تأثير على نجاحه أو إخفاقه.. كما أن الإفساد والفساد يعتبران خطراً يفتك في جسم المجتمعات، علاوة على كيانات الوحدات الإدارية.. وكل منهما يعم في آثاره السلبية كل المجالات.. وبالتالي يوحي باليأس والقنوط للمواطن العادي.. وإلى الأولاد في الأسرة.. وإلى الجيل الصاعد، إلى جيل الشباب.. فضلاً عن عرقلتهما مسيرة التطور والتنمية الشاملة..
7 ) وتكبر خطورة الموضوع، باعتبار أن الإنسان يولد على فطرة نقية طاهرة، ولا ينحرف إلاّ بتأثير ظروف خارجية، يستغلها المفسدون والوسطاء، ليوقعوه في شراكهم ويضعوه على بداية طريق الفساد.. أي أن الفساد لا يحصل تلقائياً، بل نتيجة مؤثرات وعوامل وضغوط خارجية تضعف إرادة الشخص وتقوي نزعة الشر والطمع والباطل عنده.. وهذه دلالة الجذر اللغوي لكلمة " فسد " فهو فعل لازم، ليس له مفعول به، ولتعديته يستعمل الفعل المزيد، أفسد.. الذي يتعدى إلى المفعول به بإرادة من فاعل، أي تتم العملية بين الفاعل المفسد، والمفعول به الفاسد، وقد يتوسط بينهما شخص ثالث بتكليف من الفاعل!. ومن هذا نستنتج وجود عدة أطراف في المشكلة: أولهم الفاعل المفسد، وثانيهم الوسيط، وثالثهم الفاسد.. مما يفرض التفكير في عدة اتجاهات، في الإفساد والوساطة والفساد.. بل إن ملاحقة المفسدين ووسطائهم " فالساعي بالشر كفاعله " تحتل الأولوية لأنهم أساس الشر، ولتدارك الأسباب والآثار، وسد الذرائع أمام الفساد.. على أن لا نغفل مكافحة الفاسدين..
ثالثاً ـ مظاهر الفساد أو أشكاله
لن أعطي تعريفاً للفساد، كما يحلو للكثيرين فعْله، وأتركه للمنظرين.. فالكلمة مكروهة عند كل عارف باللغة العربية وتتنافى مع الأخلاق والاستقامة.. ولنتذكّر البيض الفاسد ورائحته الكريهة التي تزكم الأنوف.. وهو كالأخطبوط، تمتد أذرعه في كل اتجاه، ويأخذ مظاهر وأساليب مختلفة.. ويتبدّى " علاوة على أشكاله السليبة المعنوية كالانتهازية والنفاق والمحاباة والتحيّز.. " في أشكال مادية متعددة.. ومن أمثلتها، التي لن أعطيها أرقاماً متسلسلة لأنها كلها بشعة وخطرة:
* الهدية والإكرامية والبخشيش والإتاوة والابنزاز واستجداء المزايا باستغلال النفوذ.. والشطارة والنصب والاحتيال والاختلاس والسرقة..
* النظرة الشخصية والمحسوبية بإسناد الوظائف والمهام للعاملين لمن ليس أهلاً لها، وعدم وضع الشخص في مكانه ..
* تسخير المرؤوسين وتشغيلهم في مصالح ومشروعات خاصة..
* الإكثار من عناصر المرافقة والحراسة..
* استعمال السيارات والتجهيزات والمعدات والآليات العامة في مصالح ومشاريع خاصة، ووضعها مع نفقاتها بخدمة العائلة والأقارب والمعارف والمحاسيب والأزلام..
* الوساطة غير المشروعة والتزوير في الوثائق والوقائع..
* منح المكافآت والتعويضات لمن لا يستحقها..
* استعمال الهاتف في أمور شخصية..
* الإيفاد إلى مهمات أو دورات تدريبية محلية وخارجية، لمن ليس أهلاً لها، للاستفادة من مزاياها المادية والمعنوية..
* الإسراف وتبذير الأموال العامة.. ولائم غنية يُدعى لها من هبّ ودب، مكاتب فاخرة، وضع حجر الأساس لمشاريع صغيرة وتدشينها بمراسم واحتفالات بشرية ونفقات مالية ومادية كثيرة.. استعمال القرطاسية لأمور شخصية.. تبادل بطاقات التهنئة والمعايدة الفاخرة المزركشة.. اليافطات والأعلام والصور في المناسبات المختلفة، وترك معظمها تبلى بفعل العوامل الجوية.. تبادل باقات الورود الفارهة،
* وما يتبع الكثير من هذه المظاهر من هدر في الوقت الفردي أو الاجتماعي، أو في الزمن " النعمة، والثروة " الذي خصّ الله تعالى الإنسانَ بالإحساس به وميّزه عن سائر المخلوقات بحسن استغلاله..
* . . . . . . .
رابعاً ـ أسباب الفساد ودوافعه
1 - التفاوت الكبير في الدخل وسوء توزيعه بين المواطنين، لعدم تحلّي الإدارة الاقتصادية بالنظرة الشاملة للقطاعات العامة والخاصة والحرفية وغيرهم.. التي تؤثر سلباً على مقاومة العاملين العامين لضغوط الإغراءات، وتدفع بعضهم أو أكثرهم نحو الانحراف، بنسب متفاوتة بحسب أوضاع الفرد وأخلاقه والإغراءات.. ولكنها في الغالب كما تكبر ككرة الثلج في هبوطها من القمة..
2 - ضعف القوة الشرائية لدى ذوي الدخل " العاملين والمتقاعدين "، برغم الزيادات من حين لآخر.. وكذلك تزايد نسبة التضخم النقدي، مما يجعل الدخل متناقصاً، في مقابل تكاليف أعباء المعيشة.. مما لا يحقق لهم الحد الأدنى من مستوى معيشة لائقة، ويضعف من مقاومة بعضهم للضغوط والإغراءات..
3 - " الغموض " في القوانين والأنظمة وتعقيداتها، التي تشكل مناخاً ملائماً لنمو بؤرة الإفساد والوساطة والفساد.. وتُكثر المفسدين ووسطائهم، الذين يلجأون للصيد في الماء العكر وإلى أساليب ملتوية لتحقيق مصالحهم الذاتية.. فيدفعون بالبعض نحو الفساد بالتدرج الخطر، فمن يسرق بيضة يسرق جملا!.
4 - وكذلك التعقيدات وعدم احترام الزمن وتبسيط الإجراءات وتسريع المعاملات، علاوة على استخدام الأدوات الإدارية المتخلفة، تزيدان من الظواهر المرضية للروتين والبيروقراطية، وتؤدي بشكل ما إلى الإفساد والفساد " بوساطة " غير واضحة المعالم!، إذ يدفع هذا الوضع المواطن البسيط، بحسن نية أو بسوء نية، إلى اللجوء "للإكرامية " للحصول على نتيجة سريعة لمعاملته!. أو اللجوء إلى العرائض ومعقبي المعاملات المنتشرين أمام الجهات العامة والأبنية الحكومية، المالية والعقارية والجمارك والمحافظات وغيرها.. وفي أروقتها وغرفها، لتسريع معاملته وإنجازها...
5 - المركزية التي تطيل الإجراءات، بإحالتها إلى المستويات الأعلى للإقرار!.. فيستغلها ضعاف النفوس اعتماداً على أن هذه المستويات ستغطي ما ارتكبوه من أخطاء وانحرافات.. وعلاوة على تكريس المركزية، فإن مخاطر هذا الأسلوب، تتلخص في: * إشغال وقت المستويات العليا.. * إثارة الشبهات.. * الحد من حرية الجهات العامة والقطاع العام.. * إطالة زمن التعاقدات بخلاف ما تتطلبه أدوات الاتصال والمعلوماتية الحديثة التي جعلت العلاقات فورية وأفقية..
6 - استعمال الأدوات الإدارية المتخلفة عموماً، برغم الثورة المتصاعدة في تطورها وفي برمجياتها، مما يسبب التراكم في الأنشطة وعدم دقة المعلومات والتشابكات، ويؤخر اتخاذ القرارات والخطط والبرامج وقطع الحسابات، ومعرفة النتائج الحقيقية لكل نشاط، مما يزيد المناخ تعكراً، ويساهم في تنامي الإفساد والوساطة والفساد..
7 - الإفساد الخارجي من قبل الجهات الخارجية، التي تسعى للحصول على العقود الصناعية أو التوريدات أو العقود التجارية، بأساليب ملتوية، مباشرة أو عن طريق الوسطاء والعملاء، بالإغراءات المادية والخدمية والإيفادات والزيارات الخارجية الترفيهية!.
8 - تقليد المنحرفين، تدريجياً، من قبل بعض العاملين.. لعدم مساءلة المنحرفين لمدد طويلة، لتراخي التفتيش وضعف أجهزتها وتباطؤها.. مما يؤدي إلى التأقلم مع مناخ الفساد وتبلّد الإحساس بخطره.. وبالتالي بدء العاملين البسطاء تدريجياً، بتقليد من سبقوهم الذين بدت عليهم مظاهر الرخاء المعيشي والمالي والمادي والبحبوحة..
9 - تحوّل كبار الفاسدين إلى الطرف المفسد، عن طريق رشّ الفتات لبعض من يعمل معهم!، بغية توسيع "دائرة الفساد " حولهم، بما يُصعّب عملية كشفهم وافتضاح أوضاعهم..
10- وعموماً، الاستهانة بالأموال والممتلكات العامة، وفقدان الشعور بالمسؤولية عنها وبضرورة المحافظة عليها كما لو كانت أموالاً وممتلكات خاصة.. بل بحرص أشد.. إذ هي أمانة في عنق من وُضعت بتصرفه.. ولنتذكر أن الله قد يغفر الذنوب الدينية، ما عدا الديون الخاصة للآخرين.. فإذا كان هذا هو الحكم فيما يتعلق بالمال الخاص، فكيف سينجو المسؤول عن الاختلاس أو التفريط بالمال العام الذي يخص جميع أفراد المجتمع؟.
11- . . . . . . . وقد تكون هناك أسباب أخرى.. كما قد ترد أسباب بشكل غير مباشر، يستطيع القارئ استنتاجها، بالمفهوم المخالف كما يقول الحقوقيون، واتخاذ التدابير المعاكسة لها..
خامساً ـ آثار الإفساد والفساد
وهي أوسع من الحصر، إذ يمد أذرعه كالأخطبوط في اتجاهات كثيرة.. ومن أن أخطرها في المجال الإداري، نظراً لدور الإدارة الهام والخطير، ولأنها القاسم المشترك الموجود في أي تجمّع بشري.. وتتفاقم حين تصدر عن المستويات العليا في الهرم الإداري، لتأثيرهم السلطوي.. ومن هنا ينبع دور القدوة في درء انتشار سرطان الإفساد والفساد.. ومن أمثلتها..
أ ـ الآثار على الأجيال الصاعدة، بإحباطهم وتشاؤمهم من المستقبل، وإمكانية التطوير..وهي خسارة فادحة!. برغم اعتقادي بأن الخيّرين هم الغالبية.. ولكن للفساد خاصية فريدة، كما الإشاعة، وهي سرعة انتشار روائحه وتعاظمها، بحيث تغطي مساحة واسعة وتزكم الأنوف!. كما هو حال طبق البيض الذي يحوي 30 بيضة، وبينها بضع بيضات فاسدة، فإن رائحة هذه، تطغى على هواء المطبخ..
ب ـ الآثار الاجتماعية العامة، الأخلاقية والمعنوية.. بل هي أُسرية، إذ يؤثر الفاسد على سمعة أسرته وأولاده ومستقبلهم.. فلا يستطيعون مواجهة " غمزات " رفاق المدرسة والأصحاب، عن مصادر " النعمة " التي حلت بهم، مع أن عائلهم محدود الدخل؟!. بل إن الأولاد أنفسهم حين يكبرون، سيتساءلون: من أين لنا هذا، ووالدنا ذو دخل محدود؟.
ت ـ زيادة التكلفة، في المنتجات المحلية والخدمات، وفي العقود الصناعية والتجارية الخارجية، بسبب "عمولات " الفساد!. وبالتالي، فقدان الثقة باتجاهين: * جماهير المواطنين والمتعاملين داخلياً.. * والمتعاملون الأجانب.. مما يؤدي إلى عدم التعامل مع المستقيمين، وانفراد المنحرفين " والشطّار " بالعقود والتعاملات الداخلية والخارجية..
ث ـ زيادة فجوة التفاوت بين دخول فئات الشعب، وتشكّل شرائح طفيلية " غنية " تتمتع بالرخاء، يقابلها شرائح فقيرة شريفة تئن تحت وطأة تكاليف المعيشة.. مما يزيد من تأثير الضغوط على البعض، فيسقطون.. كما تؤدي إلى التباعد والتنافر بين شرائح المجتمع من جهة، وإلى تزايد شدة الضغوط والإغراءات من جهة..
ج ـ تزايد فجوة فقدان الثقة والانفصام بين السلطة والحكومة، وبين سواد جماهير المواطنين الفقيرة..
ح ـ عرقلة مساعي التطوير والتنمية الشاملة.. مما لا يتيح للإدارة، في معظم المستويات والمنظمات، القيامَ بدورها في حُسن استثمار الإمكانات البشرية والطبيعية وغيرها، المتاحة..
خ ـ تهريب ثروات الوطن وأمواله إلى الخارج، وحرمان المجتمع من استثمارها في تحقيق أهداف التنمية والتطوير ومشاريعها..
د ـ انتشار التواكل والإهمال والتأجيل والعطالة بين غالبية العاملين في أحسن الأحوال.. ممن لم ينخرطوا في اللعبة، ولا يستطيعون مقاومتها أو لا يملكون السلطة اللازمة لمنعها.. مما يفاقم المظاهر المرضية للبيروقراطية والروتين، ذات العلاقة المتبادلة مع الإفساد والفساد، مما يزيد من تصاعد المحسوبية والولاء الشخصي بدلاً عن الولاء للمنظمة والمجتمع..
ذ ـ التفريط في الزمن الفردي والاجتماعي لجماهير.. مع أنه العامل الهام، بعد الإنسان، بين الموارد..
ر ـ . . . . . . . .
سادساً ـ سدّ ذرائع الإفساد والفساد
مظاهر الإفساد والفساد متنوعة؛ وأسبابه متعددة؛ وآثاره فظيعة وعامة أو خاصة.. فسدّ ذرائعه ومقاومته واجب جماعي وعام وفردي، بل هو واجب الوطني.. يوجب على الجميع، وكلّ حسب مركزه وإمكاناته، المساهمة إيجابياً فيه، كما يقضي الحديث النبوي الشريف [ من رأى منكم منكراً، فليُغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. ]..
والفساد من أنكر المنكرات، ولكل شخص دور في تحصين نفسه ضده والاستقامة، بالتعقل والإرادة، فالنفس أمّارة بالسوء، ولا بدّ من جهادها.. ولكل جهة دورها، بدءاً من الأسرة والمدرسة ومنظمات الأطفال والشبيبة والمؤسسات الدينية والمراكز الثقافية.. وسائر المنظمات والتجمّعات.. في أجهزة الدولة والقطاع العام والخاص والتعاوني والمشترك والهيئات والجمعيات المختلفة في أسمائها وغاياتها..
ولكن التدابير المعاكسة، يجب أن تتحد تجاه الخطر.. مع تميّز واجب المستويات الأعلى، " القدوة "، من حيث السلوك والنزاهة، أو من حيث الحفاظ على المال العام أو احترام الوقت، أو بحسب السلطة..
ومن الصعوبة، أن تُحصر بجهد فردي كل إجراءات سد الذرائع والمقاومة.. على أنه يمكن استنتاجها، بالتمعن بالمظاهر والأسبابه والآثاره وتحليلها.. وبالمفهوم المخالف لها، يمكن اتخاذ الإجراءات المعاكسة، التي قد تكون: أ ـ تدابير وقائية سابقة، ب ـ وتدابير قمعية مرافقة ولاحقة.. كما قد تكون: عامة أو خاصة.. ومن ذلك:
1- الاقتناع، بأن المركز مسؤولية، والمسؤولية أمانة، تتطلب الوفاء بها بالاستقامة والنزاهة.. فتوطيد النفس على الاستقامة يعتبر أول المضادات.. والاستقامة هي أحد شرطي النجاح في الحياة، إلى جانب شرط الجدّية في العمل وإتقانه.. فعلى كل منا أن يبدأ من نفسه، أن يستقيم، دون انتظار الآخرين..
2 - التحصُّن ضد الخطوة الأولى، والامتناع عنها مهما كانت بسيطة.. فقد تكون بالمسايرة والخجل والتساهل، تجاه ذوي النفوذ الأعلى والأقارب والمعارف.. ولو انزعجوا أو قد ينتقموا.. فالانحراف الذي لا يرى بدايةً، سيزداد اتساعاً مع الزمن، كما يزداد الخطأ عند بداية رسم خطين متوازيين مع تطويل امتدادهما!. لذا قرر المثل الشعبي: من يسرق بيضة، يسرق جملا.. وبهذا التحصّن يُلغى الانحراف، ويربح العامل نفسَه على المدى الطويل، ويكسب الاحترام الضمني لدى من لم " يسايرهم "، وفي علاقاته الاجتماعية وفي أسرته.. كما أنه يتجنب التزحلق " بقشر الموز" التهديدات، فلا يحرجه مرؤوسوه بحواشيهم: " أسوة بموضوع فلان.. وقياساً على ما تمّ بشأن.. وعطفاً على الواقعة كذا.. " التي تشير إلى السوابق التي انحرف فيها قليلاً!، التي تُحَيِّره وتجبره على تكرار المخالفة، وتفاقم انحرافه!.
3 - ثمّ على الصعيد العام، البدء من المستوى الأعلى، لأنهم القدوة الذين يتأثر بهم الآخرون، فإن استقام سلوكهم وحوسبوا، صلُح حال معظم الآخرين.. وبذلك يشعر عامة الناس أن القانون فوق الجميع، وأنه بأحكامه يطال الكبار والصغار.. ولا يعلق في شباكه السمك الصغير فقط.. فالشرع يقتضي ملاحقة رموز الإفساد والوساطة والفساد، الراشي والمرتشي والرائش بينهما.. على أن ملاحقة كبار المفسدين والوسطاء لا تعني إغفال الفاسدين..
4 - أن يسعى الآباء والأمهات، على تنشئة أولادهم على الاستقامة، وأن يكونوا " أنموذجاً صالحاً " وقدوة لهم في أفعالهم وأقوالهم..
5 - أن يسعى المعلمون والمدرسون والأساتذة، لتوعية التلاميذ والطلاب وتحذيرهم من الإفساد والفساد، ودلالتهم على السلوك القويم.. فهم قدوة لهم أيضاً..
6 - أن يقوم الدعاة والوعاظ، في المساجد والكنائس ومراكز الثقافة.. بحملات مستمرة لكشف أخطار الإفساد والوساطة والفساد، والنهي عنها وبيان سوء عاقبتها في الدنيا قبل الآخرة، وفضائل الاستقامة والنزاهة..
7 - تحسين الوضع المعيشي للعاملين أثناء الخدمة، وبعدها للمتقاعدين، لتتناسب مع مستوى الأسعار وتؤمن للعاملين مع أسرهم معيشة راغدة تحصّنهم..
8 - إعطاء الحوافز المالية والمادية لمستحقيها، وفق جهودهم المبذولة في المنتجات أو الخدمات أو المبيعات، دون سقوف مصطنعة تحدها، واشتراطات تقيدها، وتقلبها إلى " حواجز " تثبط الهمم وتضعف الإبداع.. ومنحهم التعويضات والمزايا المالية والعينية القانونية التي هي من حقهم أصلاً، مما يحصّنهم من ناحية، ولا يضطرهم للعمل خارج الدوام، فيتحسن أداؤهم من ناحية أخرى..
9 - دقة القوانين والأنظمة والبلاغات الصادرة عن المستويات العليا، ومراجعتها المستمرة، لتكون واضحة للجميع وبسيطة.. بما يخفف المركزية التي قد تغطي المنحرفين.. وجعلها مفهومةً من قبل العاملين، وميسّرةً للأعمال ضمن الأجهزة والمنظمات من زاوية، وللمتعاملين المحليين والأجانب المواطنين من زاوية ثانية.. ومانعةً للصيد في الماء العكر.. فالتشدد والتعقيد فيها يدفع أصحاب المصلحة ووسطاءهم نحو الإفساد للتملص من شدّتها وتعقيداتها، وتحقيق مصالحهم بأساليب ملتوية!.
10 - تعزيز الجهات المعنية، المتابعة والتفتيش والمراقبة، بالكفاءات والصلاحيات المناسبة.. لتضطلع بالمقاومة.. وإعطاؤها وجهاً إيجاباً في نشاطها، علاوة الوجه السلبي الشائع في ممارستها..
11 - إدخال الأدوات الإدارية الحديثة بسرعة في جميع الجهات المركزية والمحلية والقطاعية، بما يساعد على تشكيل شبكة اتصالات ومعلومات " مصرف " مركزية وقطاعية، مرتبة ودقيقة وسريعة، وواضحة وشفافة وفي متناول الجميع.. ويجعل وضع الخطط واتخاذ القرارات سليماً.. وينهي فوضى الحسابات وتراكماتها التي تزيد المناخ تعكراً..
12- التدريب والتأهيل المستمر لجميع العاملين، وجعله شرطاً لإشغال الوظائف العليا.. فالإنسان عدو ما يجهل، والجاهل قد يكون عدو نفسه بتصرفات طائشة!. وقد ينحرف دون قصد، بينما المؤهل العاقل يصعب زلقه وحرفه.. ولنتذكر أن المنحنى البياني للأخلاق والسلوك، يستمر صاعداً، ما دام المرء على مقاعد الدراسة وفي أجواء العلم، ثم يتباطأ صعوده أو يتوقف لدى دخوله معترك الحياة المادية ومتطلباتها وضغوطها.. بل، قد يبدأ بالانحدار لدى البعض بسرعات متفاوتة، وذلك حسب شدة المقاومة وصلابتها..
13 - وضع الشخص المناسب في مكانه، كي لا تتصاعد المحسوبية والولاء الشخصي بدلاً عن الولاء للمنظمة والمجتمع.. وذلك بتحقيق شروطه الموضوعية التي تبعده عن النظرة الشخصية، و تساعد على حُسن اختيار الأكفّاء لملء أي مركز شاغر، وتتلخص بالآتي: أ ـ إيجاد سجل مسلكي عام للعاملين، " كشف العاملين ".. يشمل أوصافهم ووقائع حياتهم المسلكية والمعلومات الكاملة عنهم.. ب ـ وضع توصيف علمي ومنطقي للوظائف وشروط إشغالها.. ت ـ التدريب والتأهيل المستمر لكل من يعمل معنا..
14 - ووضع الشخص المناسب في مكانه، يساعد في المكافحة، لأنه سيتصرف بعقلانية دون الاضطرار إلى الاستزلام لمن كان سبباً في تسميته، بتقديم ما يسمى " بالهدايا " المادية والمالية!..
15 - الحرص والدقة في العلاقات الخارجية، وكشف نوايا المتعاملين الأجانب ووسطائهم في خضم النظام العالمي الجديد و" العولمة "، وما تُبيته دول المال والشمال، لدول الفقر والجنوب!..
16 - إصلاح التنظيم الهيكلي المركزي.. وتحديد الصلاحيات لكل مستوى، في مقابل المسؤوليات الملقاة على عاتقه، بما يدرأ التنازع الإيجابي أو السلبي بين المستويات والأجهزة، ويمنع بعثرة مراكز التخطيط والقرارات.. ويوضح دور الجهات الوصائية والإشرافية والرقابية بدقة تدرأ التداخل فيما بينها، أو التدخل في صلاحيات المستويات الأدنى، وتسمح لها بتدبّر شؤونها باستقلالية ومرونة.. ويساهم في التوجه نحو اللامركزية وفق ظروفنا.. لئلا ينشط صيادو المياه العكرة!.
17 - عدم التردد في المكافحة.. والاستمرار في الطريق الذي قد ينتهي، وقد لا ينتهي.. لأن الصلاح والفساد، مترافقان، وما ينفكان يتصارعان دون أن تكون لأحدهما الغلبة!. وسوف يستمران بذلك، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهو الذي خلق الجنة للصالحين وجهنم للمفسدين والفاسدين..
18 - البدء، على قدر المتاح من الإمكانات المحلية، وبواقعية عملية تخلق المناخ المشجع على النزاهة.. وتدرأ الضغوط المختلفة.. وتساعد على اتخاذ التدابير، والقمعية.. ويمكن الاستعانة بالجهات الخارجية إذا حكم على أحدهم وهرب إلى الخارج، أو لاستعادة الأموال التي هربها إلى الخارج..
19 - التدقيق أيضاً في تسمية الذين يشغلون وظيفة التفتيش والرقابة والمساءلة، أو من سيضاف إليهم.. من القضاة والمفتشين والمراقبين، وحُسن اختيارهم بوضع الشخص المناسب في مكانه أيضاً.. مع توفر صفات: السلوك المستقيم؛ المعرفة بالقوانين والأنظمة والإجراءات العامة والخاصة ؛ الممارسة والخبرة الطويلة؛ القدم الوظيفي؛ قوة الشخصية والجرأة الأدبية في إقرار الحق؛ حُسن الاستماع؛ المحافظة على أسرار العمل؛ العدل والحزم واقتراح الثواب أو العقاب حسب الحال؛ المساعدة في تجاوز الصعوبات التي تنجم عن ظروف العمل..
20 - أن تقوم المجالس والجهات التشريعية، بدورها في متابعة أعمال الأجهزة والسلطات التنفيذية..
21 - ولكن المتابعة والرقابة، أو المسؤولية عن المكافحة، هي مهمة مباشرة لكل إداري أو قيادي أو رئيس.. في المنظمة التي يقودها وتزداد هذه المسؤولية كلما ارتفع المستوى، لكثرة الجهات المرتبطة به، ولأنه قدوة..
22 - أن تلعب وسائل الإعلام المختلفة العامة والخاصة، المكتوبة والمسموعة والمرئية، بإمكاناتها الواسعة دوراً إيجابياً في تسليط الأضواء الموضوعية حول الإفساد والوساطة والفساد، لتضييق الخناق على المفسدين ووسطائهم والفاسدين ومساءلتهم..
23 - هذا، والواجب الوطني مترتب أيضاً، على كل صاحب قلم ورأي ووسيلة تنويرية أو تثقيفية أو تعليمية.. بحيث يضعون إمكاناتهم وتسخير جهودهم الموضوعية لإنجاح المكافحة..
24 - الإعلان عن النتائج التي يتم التأكد منها، نتيجة التحقيق النزيه أو صدور أحكام قطعية.. وأُذكّر هنا بأسلوب " تجريس " الغشاشين من قبل المحتسب في صدر الإسلام، حيث كان الغشّاش يُحمل على ظهر حمار ووجه نحو الخلف!، ويقرع هو، أو مرافقه جرساً، لتنبيه الناس إلى شناعة فعلته..
25 - . . . . . . ولا شك في أن هنالك تدابير أخرى لإزالة أسباب الإفساد والفساد ومكافحتهما..
هذا، وأُكرر: إن التدابير متكاملة، ويجب إحاطتها بنظرة شاملة، فما ذكرته وغيره، وهو يشكل قضايا متداخلة وساخنة لا تحتمل التأجيل، وتتطلب المواجهة والمكافحة الحازمة، وإن مواجهتها تشكل نصف الطريق إلى حلها، ويستكمل النصف الثاني بالإرادة والجرأة والوضوح، ودأب السلحفاة..
وأشير إلى أن إعطائي أرقاماً للتدابير المضادة، لا يدل على الأفضلية بينها، وإنما للمساعدة في الرجوع إلى أي منها..
أنوه بدايةً، بأن صاحب الدار أدرى بالذي فيه، وبأن أهل مكة أدرى بشعابها، وبأنه لا يُفتى وفي المدينة مالك.. خاصة وأني لست على معرفة بالدساتير وقانون السلطة التشريعية وأنظمتها في الأقطار العربية..
على أني أركز على عدد من وجهات النظر والمقترحات..
1 - أعتقد أن للسلطة التشريعية، مجتمعة ولجاناً وأعضاءً، دوراً أساساً في مكافحة الإفساد والوساطة والفساد.. لتمتعهم بصلاحية متابعة السلطة التنفيذية وهيئاتها وأجهزتها وجهاتها العامة وسائر القطاعات، في خططها وأنشطتها وبرامجها وسائر أعمالها، مركزياً ومحليا.. وإن الدستور والنظام الداخلي لمجلس الشعب، يعطي صلاحيات واسعة للمساهمة في المكافحة من قبل أعضائه، مجتمعين ومنفردين.. وبتعاون مع وسائل الإعلام..
2 - أن يبادر أعضاء المجلس، لتبسيط القوانين النافذة وتوضيحها.. وتعديلها إذا لزم الأمر.. وأن يراعوا هذه البساطة والوضوح والانسجام مع التشريعات النافذة عند مناقشة أي نص مشروع نص قانوني قبل إقراره.. من قبل اللجنة المختصة في المجلس وفي المناقشات العامة لأعضاء المجلس..
3 - أقترح التدقيق أو سؤال أي وزير أو محافظ أو مدير عام، أو كل مسؤول في جهة أو مؤسسة عامة أو نقابة أو منظمة.. عن عدد السيارات الموضوعة بتصرفه ويستعملها.. والمقارنة بين حاجته لها وبين عددها الحالي.. وتقصّي أوجه استعمالها وكم عدد ما يتعلق منها بالمصلحة العامة؟. ففي مثل هذه المتابعة مكافحةٌ للفساد وللهدر في النفقات وتبذير الأموال العامة، في آن معاً.. وأشير هنا مثلاً، إلى " استطلاع الشهر " الذي أوردته جريدة الثورة بتاريخ 5/4/2006 على الصفحة 4 إعداد السيد سهيل حمدان ـ بيت الخبرة للدراسات والاستشارات الاقتصادية.. تحت عنوان: السيارات الحكومية والخاصة.. والذي استغرق صفحة كاملة.. وجاء في السطر الأول منه: 69 % يعتقدون أن السيارات الحكومية تستخدم للأغراض الخاصة..
4 - متابعة ما ينشر في وسائل الإعلام المتنوعة، المكتوبة والمرئية والمسموعة، وخاصة في الصحف والمجلات، العامة والحزبية والخاصة.. وتقصي حقيقتها بحسب صلاحيات المجلس وأسلوب أعماله، لدى جميع الجهات والأجهزة والمؤسسات والمنظمات المعنية.. وفي حال صحتها، الإعلان عنها مع اتخاذ التدابير المعاكسة ضد من تثبت بحقه وقائع الإفساد والوساطة والفساد.. وبذلك نلغي مقولة " كلام جرايد " الشائعة دلالة على أن ما ينشر فيها لا يؤبه له!.
5 - وكذلك متابعة مآل الوعود والتصريحات التي تصدر عن المسؤولين ومدى تحققها.. وبذلك يقوم المجلس أو أعضاؤه بدور " الذاكرة " الشعبية، وتقلّ الوعود والتصريحات وتصبح أكثر واقعية، ولا ينساها من أطلقوها..
6- الطلب من الحكومة، ومن ثم متابعتها بإلحاح.. لاستئناف خطوات إيجاد سجل عام للعاملين.. التي بدأت في العام 2002، وجُمّدت في دروج مكاتب رئاسة مجلس الوزراء.. لأنه بدون هذا السجل سيبقى متعذراً تطبيق مبدأ وضع الشخص المناسب في مكانه وفق شروط موضوعية، تُبعده عن النظرات الشخصية والمحسوبية..
8 - عدم الاكتفاء بمناقشة الخطط والبرامج والإجراءات والمشاريع التي تضعها الحكومة والوزارات والمحافظات وسائر الجهات العامة والأجهزة.. وإنما متابعة مآل أهدافها ومشاريعها وإجراءاتها دورياً، وميدانياً، وبشكل غير منتظر أحياناً أو عدم الاكتفاء بالتقارير وإنما من صحتها.. وتحرّي الأسباب وراء ما لم يتم إنجازه في الوقت المحدد، والمساءلة عن التقصير عند وجوده..
9 - تشكيل لجنة خاصة في مجلس الشعب للإصلاح أو التنمية الإدارية.. يكون من بين مهامها مكافحة الإفساد والوساطة والفساد.. علاوة على مكافحة الهدر.. وبذلك يحقق المجلس غاية قرار المؤتمر القطري العاشر، سابقاً بذلك الحكومة.. ومن ثم، تتعاون اللجنة مع الهيئة الدائمة المختصة بمكافحة الفساد، لدى إحداثها، وكذلك مع وزارة التنمية الإدارية فور إيجادها.. كما يسبق مجلسُ الشعب وزارةَ العدل في دراستها مشروع اتفاقية مكافحة الفساد، المعدّ من قبل هيئة الأمم المتحدة..
10 - ويمكن للجنة الخاصة بالإصلاح أو التنمية الإدارية في المجلس، أو لأعضاء المجلس، تفعيل دور الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، سواء من حيث المساهمة في مكافحة الإفساد والفساد، أو من حيث تكليفها بتطوير العمل الإداري، وذلك بتنفيذ ما نص قانون إحداثها رقم 24 لعام 1981، لا سيما المادة 2 التي جاء فيها: آ - الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش هيئة رقابية مستقلة ترتبط برئيس مجلس الوزراء، هدفها تحقيق رقابة فعالة على عمل إدارات الدولة ومؤسساتها المختلفة من أجل: 1- تطوير العمل الإداري؛ 2- حماية المال العام؛ 3- تحقيق فعالية في الإنتاج ورفع مستوى الكفاية والأداء؛ 4- تسهيل توفير الخدمات للمواطنين. ذلك أن رفع مستوى الإدارة يساهم كثيراً في سد ذرائع الإفساد والفساد ومقاومتهما..
تاسعاً ـ إضافات، ووجهات نظر أخرى
1 - قد يقول قائل: علينا انتظار الإصلاح السياسي، لكي نسير على طريق مكافحة الإفساد والفساد..
ولكني أرى ضرورة البدء دون تعليق الإصلاح في مجال على الإصلاح في مجال آخر.. فالإفساد والفساد آفة خطرة تمتد بأذرعها وأذاها إلى جميع المجالات، ومن مصلحة المفسدين والوسطاء والفاسدين التأجيل والانتظار.. علماً بأن الإصلاح في مجال سيؤثر إيجاباً على المجالات الأخرى.. كما أنه ليس سهلاً رسم الحدود أو الفصل بين الإصلاح في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والإدارية وغيرها.. لكونها متكاملة ومتداخلة ومتشابكة في إطار المجتمع.. فالإصلاح في أي مجال لن يكون منعزلاً بالكلية عن الإصلاح في مجال أو مجالات أخرى.. فكل المجالات وكل شرائح المجتمع تتبادل التأثر والتأثير، وتتطلب المكافحة في أقرب وقت..
2 - مما يجعلني أتساءل بواقعية: لماذا لا نسير على التوازي، وحسب إمكاناتنا، في كل المجالات، تلبية للقرار السياسي الحازم والمتكرر بالمكافحة؟.. لكي لا نخسر الزمن، ويزداد الشعور بعدم الجدية فيها، ونكون كمن " يقتل وقته " ويريد أن يعرف هل الملائكة ذكور أم إناث!؟. ولا شك في أن المهمة جسيمة وشاقة ومتشعبة وطويلة الأمد.. ولكنها لا تحتمل التأجيل بحجج متنوعة!.. فالانتظار غير وارد لأنه يفاقمها، ويفقد المواطنين الأمل.. فلا بد من البدء بالإمكانات المتاحة..
3 - وأعتبر الإصلاح الإداري ذا أفضلية أولى لأنه المدخل إلى الإصلاح الاقتصادي كحد أدنى.. ويتكامل معه موضوع مكافحة المفسدين ووسطائهم والفاسدين.. وهو يستهدف استئصال الفساد والقضاء على أسبابه ودوافعه وسد ذرائعه وحماية أصحاب المناصب وشاغلي الوظائف العليا والعاملين عموما..
4 - وأكرر إننا بحاجة ماسة إلى " أداة " الإصلاح الإداري، إلى جهة دائمة، إلى وزارة للتنمية الإدارية.. إجابة على التساؤل: من سيقوم بكل هذا وغيره؟ ومتى؟. ولن أستطرد في الإجابة.. وأكتفي بالقول: إن منطق الأمور يتطلب منا التفتيش عن وجود الجهة المختصة لنكلفها بمثل هذه المهام والواجبات، وإن لم تكن موجودة، فعلينا إيجادها.. وهذا ما آمله، فالجهة المختصة الدائمة ليس موجودة في تنظيمنا الهيكلي..
عاشراً ـ صفوة القول
الحديث متشعب، والإفساد والوساطة والفساد آفة كل عصر سابق أو لاحق، فالخير والشر مترافقان ومتصارعان منذ الأزل وحتى النهاية.. ولم ولن يتغلب أحدهما على الآخر..
فلا بدّ من تحدّي ظواهره بحزم وحكمة وشجاعة وعلى الدوام، مما ذكرته من ظواهر وغيرها، على الصعيد الفردي والجماعي والمجتمعي.. لندرأ أخطاره ونحافظ على طهارة أنفسنا ومؤسساتنا ومنظماتنا وأموالنا وثرواتنا ومجتمعنا.. ونستأصل هذه الآفة ونتخلص من " البعض " المفسدين والوسطاء والفاسدين..
على أن المكافحة الجماعية، بدءاً من الأسرة، حتى سائر المؤسسات والمنظمات والنقابات.. ستعطي نتائج أعم.. خاصة إذا ساهمت بها المستويات العليا، فمجلس الشعب، ومجلس الوزراء, وكل وزير ومحافظ ورئيس نقابة ومدير عام وذي مسؤولية.. يستطيع المشاركة والقيام بواجبه الوطني والإداري لتدارك الكثير من المظاهر التي ذكرتها.. لأنهم "ا لقدوة "، ودور القدوة هام جداً في مسألتنا..
هذا، وإن تدابير سد ذرائع الإفساد والوساطة والفساد وإجراءاته متكاملة.. ويجب معالجتها بنظرة شاملة.. فما ذكرته وغيره، يشكل قضايا متداخلة وساخنة في كل زمان وفي كل مكان، ولا تحتمل التأجيل أو المماطلة والتهاون، وتتطلب المعالجة الحازمة.. وإن مواجهتها تشكل نصف الطريق إلى حلها، ويستكمل النصف الثاني بالإرادة والجرأة والوضوح ودأب السلحفاة..
وإن الإصلاح الإداري، وجزء منه مكافحة الإفساد والفساد، يؤدي إلى مساهمة كبيرة في ترتيب البيت الداخلي وتحصينه.. وهذا أمر بالغ الأهمية في هذه المرحلة التي يتعرض فيها قطرنا لضغوط خارجية.. علاوة على ترشيد الإدارة ورفع مستوى أدائها مما يساعد في تحقيق أهداف التطوير والتنمية..
وأعتقد أن قناعة المواطن، بأنه يؤدي واجباً وطنياً، وأنه يساهم في مكافحة آفة خطيرة تنخر في جسم المجتمع كله، بأفراده وتجمعاته ومؤسساته المتنوعة، هي الضمانة الأولى له ولحثه على بذل ما يستطيع من جهوده للتدخل في المكافحة.. على أني أنصح بأن يتدخل بناءً على حقائق واضحة ووثائق قوية الحجة، ومستهدفاً مصلحة عامة.. وأن يبتعد عن النظرات السريعة المرتجلة، وعن الدوافع الشخصية والادعاءات الكيدية.. كي لا يتورط هو، ولا يضيّع وقت الجهات المختصة.. وستشد أزره وسائل الإعلام التي تمثل الرأي الرسمي، والرأي العام الجماهيري، فالإجماع منعقد على أهمية اجتثاث آفة خطيرة تعيق تنميتنا..
وآمل أني كنت مقنعاً فيما قدمت، وأسهمت بجهد ما على درب مكافحة الإفساد والوساطة والفساد..
* * *
المسح أو التقييم الإداري، ودليل إجرائه
أولاً ـ تمهيد
المسح، التقييم، تحليل الواقع، دراسة أوضاع جهة ما.. مصطلحات تستعمل كثيراً .. وكثيراً ما تكلف بها لجان أو فرق عمل..
ويُلاحظ في تشكيلها أنها ترد بصيغة عامة وغير محددة المحتوى والتفاصيل، مما يترك مجالاً واسعاً للاجتهاد والاختلاف في أعمالها، بحسب معلومات أعضائها ومؤهلاتهم وخبراتهم.. خاصة، إذا كان رئيسها وأعضاؤها، أو بعضهم غير مختصين بالإدارة، واختصاصاتهم غالباً مختلفة، ولا تشمل في الغالب كل الجوانب الإدارية، فتجري اللجنة أو فريق العمل عملها مركزةً على نقاط تتعلق بهذه الاختصاصات فقط، فتأتي دراستها وجهودها قاصرة.. وغير كافية..
ونظراً لأهمية المسح وأثره الكبير على الاستنتاجات والمقترحات التي قد تتوصل إليها اللجان أو فرق العمل، وبالتالي، على الإجراءات التي ستتخذ في ضوء معطيات المسح..
فإني سأحاول هنا وضع " دليل " له، يشمل الزوايا والنقاط الإدارية التي أعتقد بضرورة تقييمها، ويُساعد على اتباع أسلوب شبه موحد من قبل اللجان و فرق العمل، برغم تعدد أنشطتها وتنوع مجالاتها وقطاعاتها واختلافها.. وبالطبع فإن لها أن تضيف النقاط والزوايا الملتصقة باختصاص ونشاط الجهة المقيَّمة..
ثانياً ـ مفهوم المسح الإداري، ومن يقوم به
أ – هو مجموع العمليات، التي تستهدف تعرُّفَ الواقع الإداري لجهة أو وحدة ما، ومدى كفاءتها لأداء دورها، وما هي الصعوبات التي تواجهها، وما هي أساليب تلافيها..
ب – وهو يشمل الجهات والمنظمات والهيئات والوحدات المتنوعة في الهرم للمجتمع، أو تلك التي تعود لقطاعات أخرى كالقطاع الخاص والحرفي والتعليمي وغيرها.. وفي أي حقل نشاط كانت تعمل.. كالوزاعة، والصناعة، والتجارة، والسياحة، والسياسة، والتعليم.. إلخ..
ت – يُفضل أن تقوم به جهة دائمة مختصة بالإدارة، كوزارة التنمية أو الإصلاح الإداري.. فإن لم توجد لا بأس في أن تُشكل لجان أو فرق عمل.. وهذه قد تكون داخلية، أو مشتركة، أو خارجية.. وقد تكون أجنبية، وإن كنت لا أنصح بذلك، لأن الأجنبي لا يعرف جيداً ظروفنا وممارساتنا..
ث – وأرى أن يتحلى من يكلف بالمسح، بالصفات الآتية:
* المعرفة بمبادئ الإدارة وفنونها ومرتكزاتها ووظائفها..
* الممارسة والخبرة الطويلة..
* الممارسة والخبرة في القطاع أو النشاط الخاص الذي تعمل فيه الجهة أو الوحدة موضوع المسح..
* الكفاءة الشخصية، من حيث نظرته الشاملة والمنطق والواقعية والصراحة والجرأة والتواضع والدأب وحب التطوير..
* الاستقرار والاستمرار في مثل هذه المهمة " المسح " لضمان تراكم الخبرة لديه.. وهذه صفة تتحقق إذا كان يوجد في المجتمع وزارة أو جهة دائمة للتنمية الإدارية..
* ويفضل أن يتفرغ رئيس وأعضاء اللجنة طيلة مهمة المسح..
ج – وأرى أن تحضر اللجنة لأعمالها، قبل المباشرة بها.. ومن ذلك..
* تفهم المهمة المطلوبة بشكل جيد في ضوء قرار تشكيلها..
* مراجعة القوانين والأنظمة العامة في المجتمع التي تنظم شؤون الجهة..
* الاطلاع على القوانين والأنظمة الخاصة بالجهة..
* الاطلاع على التنظيم الهيكلي وما يكمله، للجهة.. * الاتصال مبدئياً مع "إدارة " الجهة، مع الإداريين الأساسيين فيها، الوزير، المحافظ، أمين عام الوزارة، رئيس مجلس الإدارة، رب العمل، المدير العام، مدير الفرع، المدير الإقليمي.. وإجراء حوار أولي واتفاق معهم حول المهمة وكيفية إنجاوها..
* تحديد الزوايا والنقاط التي سينصب عليها المسح..
* تحديد مبدئي للعاملين التي ستجرى معهم لقاءات ومناقشات، مباشرة بلقاء فردي أو مجموعة أفراد، بشكل غير مباشر، عن طريق أسئلة وأجوبة أو استفسارات واستمارات خطية..
* التحدي المبدئي لأماكن العمل والمواقع والمنشآت التي ستزورها اللجنة أو بعض أعضائها..
* وضع نمذج للاستمارات أو الاستبيان أو الأسئلة.. وينصح أن تحوي أكبر عدد ممكن من الفقرات والبنود، وبسيطة واضحة، وتحريضية، وواقعية دون تقليد لما عند الأجانب.. * توزيع المهمة والأعمال والاتصالات والمقابلات بين رئيس اللجنة وأعضائها.. * تحديد المواقيت والمواعيد التي ستجري فيها الأعمال..
ح – وبذلك، تضع اللجنة البرنامج المادي الزمني التنفيذي، الذي يشمل حقولاً تتعلق بـ :
* الزمن: مقدراً بالأيام أو الأسابيع، وساعة بدء كل مهمة أو إجراء..
* الأعمال والإجراءات والاتصالات التي ستنفذ..
* الأشخاص أو المجموعة التي ستقوم بهذه الأعمال والاتصالات..
* الأماكن التي ستتم بها فيها الأعمال والاتصالات..
* المعدات والوسائط اللازمة: وسائط نقل، وسائط اتصال، قرطاسية، مكاتب..
* متفرقات..
ويفضل ترك بعض الاحتياط في الزمن تحسباً للأمور المستجدة الممكنة أو الطارئة خلال المسح..
خ – وتأتي إجراءات التنفيذ وفق هذا البرنامج، بحيث:
* تجري الاتصالات واللقاءات والمناقشات..
* تقوم بالزيارات الميدانية..
* توزع الاستمارات والاستبيانات، والأسئلة أو الاستفسارات التي سبق أن تصوَّرتها اللجنة، أو التي استجدت خلال أداء المهمة..
* تنتظر، وتجمع الأجوبة الخطية، وتدققها، وتصنفها..
* تستكمل المناقشات والاتصالات، أو المعلومات والبيانات الخطة حسب المستجدات والظروف الطارئة..
* وتصل بالتالي، إلى تعرف الواقع الإداري على أشمل ما يمكن، وإلى الاستنتاجات حول الزوايا الإيجابية والسلبية، استناداً لما شاهدته اللجنة وما هو كائن، وبين ما يجب أن يكون علمياً ومنطقياً وتطويراً.. وهنا تتجلّى ولا شكَّ كفاءة القائمين بالمسح وخبرتهم وجدِّيتهم..
د – ولا شك في أن نتائج المسح أو التقييم ستفضي إلى أمور إيجابية وأخرى سلبية.. وإلى مقترحات عملية وتوصيات بإجراءات، تعزز بها الإيجابيات، وتتلافى بها السلبيات، وتكفل معها التحديث والتطوير في الجهة المعنية..
وأرى وكي تمارس كل جهة ووزارة صلاحياتها وتتحمل مسؤولياتها، أن تصنف المقترحات والتوصيات، حسب مرجع الاختصاص والصلاحيات، إلى:
1 – مقترحات آنية، يمكن أو يجب أن تُستدرك في وقت قصير..
2 – مقترحات أساسية، يمكن أن تنفذ على مدى أطول بعد تدقيقها..
وأن تُصنّف من زاوية ثانية إلى:
1 - مقترحات وإجراءات، يجب القيام بها داخلياً بالإمكانات الذاتية للجهة المعنية.. ومن الضروري تحديد المهلة أو الزمن الذي يجب أن تتم به المقترحات والإجراءات..
2 - مقترحات وإجراءات، يمكن أو يجب أن تقوم بها الجهة الوصائية، " الوزارة مثلاً " بالنسبة لما يرتبط بها من هيئات وجهات عامة ومؤسسات وشركات ومنشآت.. ومن الضروري تحديد المهلة أو الزمن الذي يجب أن تتم به المقترحات والإجراءات..
3 - مقترحات وإجراءات جذرية مركزية، يقع تداركها على عاتق الإدارة العليا في الهيكل التنظيمي للحكومة.. ومن الضروري، تكليف أشخاص أو إدارة ما، بالتنفيذ وبالمتابعة المستمرة..
4 - مقترحات وإجراءات يمكن أو يفترض أن تساهم فيها بعض الوزارات والجهات حسب اختصاصاتها وصلاحياتها.. ومن الضروري، تكليف أشخاص أو إدارة ما، بالتنفيذ وبالمتابعة المستمرة..
ذ – ويرفق بتقرير اللجنة، الوثائق والمعلومات والجداول الإحصائية والمذكرات التفصيلية التي اعتمدت خلال المسح والدراسة والاستنتاجات، كما يرفق بالاستمارات والمخططات واللوحات الإيضاحية والجداول، وخاصة بالنسبة للأمور التنظيمية..
ويودع التقرير ومرفقاته، الجهة التي طالبت بإجراء المسح، كما تودع صورته " إدارة " الجهة أو المنظمة موضوع المسح، لتكون على إطلاع كامل على المجريات، كما قد تكون لديها بعض الآراء والتعليقات مما يغني المسح، ولتباشر بتنفيذ ما طُلب منها من مقترحات، وخاصة الآنية منها..
وأفصل في الآتي بعض النقاط مما يجب أن يحيط به المسح..
ثالثاً ـ فَهم أهداف الجهة المعنية ومهامها
وذلك باستعراض الأهداف والواجبات الرئيسة، واستبيان مدى تنفيذها ومستواه، وهل هناك قصور أو ضعفٌ في التنفيذ أو في الأداء.. وأين تكمن أسباب ذلك، في الهدف ذاته، أم في الإمكانات المتاحة، أم في العاملين، أم في التنظيم وبقية مرتكزات الإدارة، وممارسة وظائف الإدارة العامة، أم غير ذلك..
واشير إلى ضرورة وضع خطٍ تحت كلمة المتاحة بعد الإمكانات، إذ ينبغي التأكد من " الإدارة " تُطبق المثل الشعبي" الغزّالة الشاطرة بْتغزل على عود، وتستفيد بشكل أقصى من كل ما يتوفر لديها من إمكانات " قلَّت أم كثُرت " وعلى أحسن وجه، مع التدقيق في العذر الذي يساق عادة لتبرير التقصير: إن الإمكانات غير كافية!. فالطموحات والأهداف المشروعة هي دوماً أكثر من الإمكانات المتاحة، ولاسيما في المجتمعات والدولة النامية أو المتخلفة التي تسعى وتود تقليص الفجوة بينها وبين الدول المتقدمة..
رابعاً ـ تعرّف واقع المرتكزات الأساس للإدارة
1 – العاملون، من حيث:
* تدقيق أوضاعهم المعنوية والمادية والسلوكية والتأهيلية المسلكية..
* وشؤونهم الشخصية: أساليب التعيين والترفيع والنقل والأجور والإحالة إلى المعاش..
* توزيع العمل بينهم وفق الكفاءة من عدمها، ومدى تطبيق مبدأ وضع الشخص المناسب في مكانه، وخاصة توصيف الوظائف وشروط إشغالها..
* نسبة المؤهلين أو حاملي الشهادات إلى مجموع العاملين، ومقارنتها مع المطلوب في توصيف الوظائف وشروط إشغالها..
* مدى إشغال الوقت المخصص للعمل من قبل العاملين.. ووجود بطالة مقنعة أو نقص، وفي أي مجال..
* عدالة تطبيق الثواب أو العقاب..
* مدى توفر الخدمات الصحية والاجتماعية وعدالتها للعاملين وأسرهم..
* الحوافز ومرونة تطبيقاتها، وهل توجد "سقوف" تحدُّ من تزايدها طرداً مع تزايد إنتاجية العامل، وتجعلها " حواجز! "، وهل يشعر العاملون بأن تحقيق المصلحة العامة يعني تحقيق مصلحة مباشرة لهم أم لا..
* التدريب والتأهيل، التأكد من أنه يسير وفق خطة عامة وبرامج مستمرة تشمل الجميع، ومدى الاستفادة من المراكز المختصة داخلياً وخارجياً، وكفاية المراكز الداخلية من حيث المدربين وعدد المواقع والأدوات والمستلزمات التدريبية. مع التركيز على كبار العاملين، ومقارنة مؤهلاتهم الفعلية مع المؤهلات المطلوبة لشغل وظائفهم.
* عوامل الجذب إلى الجهة أو الهجرة منها.. كمستوى الأجور والتعويضات والحوافز والمزايا المختلفة والعدل في توزيعها، وهل تؤمن لهم مستوى معيشة لائق أثناء الخدمة وبعدها..
* نوع العلاقات بين الرؤساء والمرؤوسين والزملاء ودرجة الولاء للمنظمة..
* . . . . . . .
2- القوانين والأنظمة العامة في المجتمع، والخاصة بالجهة المعنية:
* مدى ملاءمتها لمتطلبات العمل الإداري وأنشطة الجهة..
* وهل هي مفهومة من قبل الإدارة والعاملين؟.
* وهل هم مقتنعون بها وهل لديهم آراء في تعديلها؟.
* تأثير البلاغات والتعاميم من التوجيهات العليا وغيرها، وهل هو إيجابي أم سلبي..
* . . . . . .
3 – التنظيم الهيكلي، الذي يزرع أصلاً بذرة النجاح أو الإخفاق في مستقبل الجهة، وما يتبعه من أنظمة داخلية وتعليمات عمل وملاكات.. حيث تدقق:
* ملاءمته لأهداف المنظمة وأنشطتها ولممارستها الوظائف العامة والمهام التقليدية دون بطالة مقنعة أو نقص معيق..
* تناسب الأنظمة الداخلية مع أنشطتها..
* مدى التنسيق بين الوحدات الفرعية وهل يتم من خلال وضوح الأنظمة والتعليمات وبساطتها.. أم تكتنفها " البيروقراطية والروتين" من خلال الإحالات الضبابية بينها، أو بالتوجيهات العائمة من الرؤساء، أو الاجتماعات الكثيرة واللجان المؤقتة، وهل تشكل هذه اللجان ظاهرة إيجابية أم سلبية تضيع المسؤولية وتهدر الوقت؟..
* أثر الأنظمة الداخلية وتعليمات العمل على المتعاملين والزبائن والمواطنين عموما.. من حيث وضوحها وبساطتها وتيسيرها لشؤونهم.. أو من حيث تعقيدها وضبابيتها وأثرها السلبي عليهم وإضاعة الوقت الاجتماعي لهم بتأخير إنجاز معاملاتهم والتسويف.. وما هو حجم دور الوسطاء و "معقبي المعاملات"..
* مدى استعداد الجهة وجاهزيتها للاستمرار في أداء واجباتها بوتيرة مناسبة في الظروف والكوارث الطارئة المتنوعة الطبيعية والاجتماعية والأمنية والفنية والمالية وغيرها أم يصيب أداءها الارتباك، هذه الجاهزية التي يسميها البعض " إدارة الأزمات "!..
* . . . . . . .
4 – الأدوات الإدارية،
من حيث مدى حداثة تقنياتها وبرامجها، وإمكانية استعمالها والاستفادة من مزاياها من قبل العاملين، وخاصة في المستويات العليا.. وتستحق وقفة متأنية..فهي ما تزال متخلفة، مما يؤخرنا عن اللحاق بالمدنية المعاصرة، بل ويزيد الفجوة الكبيرة معها!.
لذا يجب أن تُقيّم بدقة وأن تقدم حولها اقتراحات جريئة، وخاصة في مجال الاتصالات والمعلوماتية والإحصاء..
ويكفي أن نتذكر تراكم الحسابات وتشابكها وضبابية التكلفة، وتوقف المبيعات لأيام عديدة بسبب الجرد السنوي، والتأخير في قطع حسابات الموازنة العامة السنوية.. فكيف يمكن في مثل هذه الأوضاع غير الواضحة تنظيم موازنة الأعوام التالية؟، أو رسم الخطط ووضع البرامج السليمة؟ وكيف تتخذ القرارات وتجرى التصرفات الصائبة، والإدارة المركزية والوزارات والمؤسسات والشركات لا تعرف ماذا لديها من أموال ومواد ومخازين وبقية الوقائع؟. مما يوجب التحقق من مدى توفر قاعدة معلوماتية دقيقة عن كل الأنشطة وعن تكلفة المنتجات والخدمات، وعن الإحصاءات والحسابات الختامية ومدى إنجازها أولاً بأول أم تراكمها..
خامساً ـ ممارسة الوظائف العامة للإدارة: التنظيم، التخطيط، التدريب، اتخاذ القرارات، التحفيز، الإحصاء والمعلومات، المتابعة والرقابة، التمويل.. ومدى تفهم مدلولاتها من قبل العاملين، وحاجتهم للتدريب عليها.. وتوفر وثائقها ووسائلها وأساليبها وأدواتها..
سادساً ـ واقع المهام التقليدية للإدارة: الشؤون الشخصية، والقانونية، الأبحاث، الأمور المحاسبية والمالية، الأعمال الديوانية كالبريد والنسخ والحفظ والتوثيق، النقل، العلاقات، الصيانة.. وتُقيّم كما الوظائف العامة، من حيث تفهمها من قبل العاملين والحاجة للتدريب، وتوفر وسائلها وأساليبها وأدواتها المتطورة..
سابعاً ـ ممارسة الأنشطة الخاصة، وذلك بحسب أهداف الجهة المعنية، وخصوصياتها وواجباتها ومجال عملها.. التربية والتعليم والثقافة، الإعلام، الإنتاج الصناعي أو الزراعي، الصناعة الاستخراجية، التشييد والبناء، الري، التسويق الداخلي، التصدير أو الاستيراد، الخدمات المختلفة: الصحية، الاجتماعية، البلدية، السياحية، الرياضية، الخزن العادي والفني، التعبئة والتغليف، النقل بأشكاله المتنوعة: البري والبحري والجوي، وغيرها..
ثامناًً ـ الإنتاجية: وهي محصلة أداء الإدارة والجهة المعنية التي يتحدد بها مدى نجاحها أو إخفاقها.. وتختلف نقاط قياسها ومعاييرها، باختلاف نشاط الجهة.. ويؤخذ بالاعتبار:
* وجود معايير لقياس الأداء من عدمها..
* إنتاجية العاملين في كل المجالات: الإدارية والمكتبية والفنية والمهنية والصناعية والتجارية والمالية والخدمية..
مردودية الإنتاج حسب وحدة الزمن المعيارية..
* مردود: وسائل الإنتاج المادية والتقنية والطبيعية كالأرض والماء والحيوان؛ والفوائض المالية والسيولة النقدية؛ والأبنية من مستودعات فنية أو عادية ومقرات وصالات بيع؛ ومواد الإنتاج الأولية والمواد المساعدة في الإنتاج والتخزين والنقل..
* إنتاجية وسائط النقل المختلفة السياحية والنقل العادي والفني بأنواعه والحيوانات..
* . . . . . . .
تاسعاً ـ حصر مكامن الهدر والتبذير وظواهره، التي تعني فقدان " رشد " الإدارة وقصورها، والتي قد يكون سببها الجهل أو الإهمال أو سوء استعمال السلطة أو الفساد.. ومن أمثلته، الهدر في:
* الجهد البشري، بعدم استعمال أدوات التقانة الحديثة ووسائلها..
* الوقت من حيث عدم تنظيمه وإضاعته بكثرة الاجتماعات أو تأليف اللجان..
* المال ـ الماء ـ المحروقات ـ الكهرباء ـ الهاتف ـ وسائل النقل والتجهيزات والآلات والعدد ـ المواد الأولية ـ المواد المساعدة ـ المنتجات المصنعة ـ مواد التعبئة ـ القرطاسية ـ أثاث المكاتب الفاخر ـ الولائم ـ الاحتفالات ـ الهدايا ـ وضع حجر الأساس وتدشين مشاريع بسيطة ـ باقات الزهور ـ اليافطات ـ بطاقات المعايدة المذهبة..
* الزيارات الشخصية أو الميدانية غير المبررة وما ترتبه من نفقات كالمحروقات وتعويضات انتقال واهتلاك سيارات وضياع وقت..
* . . . . . . .
عاشراً ـ صفوة القول
وأخيراً، وبغية نجاح المسعى العام في هذا المسح لوزارات الدولة وأجهزتها وسائر الجهات العامة.. وحرصاً على النظرة الشاملة ووحدة المعالجة والتناسق في الإجراءات والقرارات التي ستتخذ في المستويات العليا من الهرم الإداري.. وربحاً للوقت وعدم تكرار الجهود..
فإني أقترح، تكوين " نواة " متفرغة من المختصين المؤهلين في مكتب شؤون مجلس الوزراء، في " سورية ".. لاستقبال ما قد يرد إلى رئاسة مجلس الوزراء.. والتعامل معه بأسلوب موحد..
وذلك كقاعدة انطلاق لإحداث وزارة مركزية دائمة للتنمية الإدارية في أسرع وقت، وبدء نشاطها عموماً، بحيث تتابع نتائج مثل هذا التقييم في أي جهة أو مؤسسة أو شركة حصل، وتصدر ما يتفرع عنه من اقتراحات وإجراءات، وذلك بالطبع إلى واجباتها الكثيرة الأخرى في ميدان التنمية الإدارية..
* * *
بسم الله الرحمن الرحيم
المطلوب، تواصل " الأجيال "
أولاً ـ تمهيد
تتألف المصلحة العامة من مجموع المصالح الخاصة الفردية لأي مجتمع أو تجمّع أو مؤسسة..
والمصلحة العامة والمصلحة الخاصة الفردية متداخلتان، ويجب أن تتكاملا لتتحققا معاً.. مما يفرض على الجميع أن يستوعب هذا التداخل، وأنه لا مجال للتفريق بين المصالح.. فالوطن يتسع للكل، ويد الله مع الجماعة.. والوطن أصلاً ملك للجميع، وكلنا مسؤولون عنه.. وعلينا المساهمة في تنميته وتطويره والدفاع عنه..
ويحتل الأولوية ترتيب البيت الداخلي وتحصينه، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً واجتماعياً وإدارياً وثقافيا..
وسأُركز على الجانب الإداري، مع التذكير بأن الإجماع منعقد على أن الإصلاح الإداري مدخل مساعد لإجراء الإصلاحات في المجالات الأخرى.. مع تركيزي على ضرورة تكامل " الأجيال " بدلاً من التفريق بينها..
ثانياًً ـ هل يصحّ التمييز بين الأجيال؟
1 - لا أعتقد بوجود حد رقمي للسن أو العمر، يصنّف الناس إلى فئات أو مجموعات متمايزة.. فلكل عام مواليده، إن لم أقل لكل يوم وساعة.. والتمييز هو تكلّف نظري، شائع بين كثير من الدارسين يخرجون منه باستنتاجات واقتراحات تبتعد عن الصواب..
2 - حتى لو افترضنا جدلاً، أنه يمكن التمييز بين الأجيال، فإنه لا مجال لوضع حدود عُمرية لولادة الأفكار.. والرأي المتطور والإبداع الفكري مطلق في الحياة، وممكن في كل سنيّ العمر للإنسان، وليس محصوراً بجيل دون جيل أو مقتصراً على عمر معيّن..فنجد بين الشباب من قد تحجرت عقولهم، ونجد بين الكبار منْ ما يزال عقله متفتحاً يبدع، ويعمل ويدعو للتطوير..
3 - والتواصل والتكامل بين الأجيال هو المطلوب، لما فيه المصلحة العامة للمجتمع ومصلحة " الأجيال " كلها في وقت واحد، وذلك بدلاً عن الصراع والاختلاف والتنابذ.. ويقتضي التتابع بين بني البشر هذا التواصل.. فلا بد من تحضير " الأجيال " التالية أو الثانية أو الاحتياط، التي تشكل البديل الكفء لمن سبقها، وتربيته وإعداده في الأسرة، وفي جميع التجمّعات البشرية وإداراتها والمجتمع، لاستلام الراية ممن هو أكبر سناً وإبقائها مرفوعة عالياً، وتأمين استمرارية مسيرة الحياة في الأسرة والتجمّعات والمجتمع..
4 – ويشابه هذا، ما يجري في الملاعب والمسابح الرياضية، في مباريات سباقات التتابع، التي تجريها الفرق الرياضية، كالعدو والسباحة.. حيث يبذل كل فرد متسابق أقصى جهوده، لاستلام العَلم بدقة، ومن ثمَّ تسليمه إلى زميله بنفس الهمة والجهد، وكل ذلك لكي ليربحوا، جميعاً، السباق كفريق متعاون منسق الجهود..
5 - فلا بدّ من توطيد الثقة المتبادلة بين الأجيال المتعاقبة، لأن المصلحة أصلاً متبادلة بينها.. والأمثال الشعبية تقول: شباب بدون شيّاب، ضلّوا؛ وشيّاب بدون شباب ذلّوا.. وإذا كبر ابنك خاويه.. وإللي مالو كبير ما إلو تدبير.. فعلى كل الأجيال أن تتفهم مصلحتها ومدلول هذه الأمثال، بحيث يستوعب الكبير أهمية وجود من هو أصغر منه ومصلحته في وجوده وأن يكون قدوة له، وأن يقدم له تجربته وخبرته ونصائحه.. وفي المقابل على الأصغر أن يقتنع بضرورة وجود من هو أكبر منه وأقدم ومصلحته في وجوده وأن يسعى للاقتباس منه وأن يساعده.. ليستمر بينهما اللقاء والتواصل والتكامل المثمر لما فيه الخير لكليهما وللتجمّع والمجتمع..
6 - ولا ينتقص مما أذهب إليه، وجود تباين في الآراء، فذلك شيء طبيعي في المسائل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإدارية وغيرها، فالأمور فيها نسبية أساساً، وخاصة في عالم الإدارة.. وبتعدد وجهات النظر، تتكامل الدراسة والمعالجة.. وقد تنتج عن الاختلاف آراء شاملة ونظريات جديدة.. علماً بأن زوايا الرؤية متباينة أصلاً، بحسب مكان وقوف الناظر وموقعه.. وحين نكتفي بالنظر من زاوية واحدة أو عدد محدود منها، سنفقد النظرة الشاملة، وسنفقد بالتالي الوصول إلى استنتاجات محيطة، ويكون رأينا الأخير منقوصاً أو محدودا..
7 - وبتركيز الحديث على الإدارة، التي هي اختصاص أو مهنة جماعية، ولكل فرد فيها دور مهما كان مستوى وظيفته التي يشغلها.. وهي كجسم الإنسان السوي، كالكيان الصنعي، كل أجهزته وأعضائه ضرورية كي يقوم بجميع وظائفه كلها بشكل طبيعي.. وأي نقص في أي منها أو في بعضها يجعل الجسم أو الكيان كله مشوهاً وضعيفا.. " فأجيال " الإدارة ومستوياتها المختلفة لازمة " كلها دون استثناء " ليكون أداؤها سويّاً وشاملا.. ولا تتحقق هذه الشمولية، إن لم ننظر إلى الموضوع من زواياه وجوانبه المختلفة، وتصبح المعالجة محيطة أكثر بمقدار ما نكثر من عدد المساهمين من المشاركين..
8 - أن تسود المودة والمحبة والتعاطف في التعامل والعلاقات بين " الأجيال " والمستويات الإدارية، كما هو الحال في الأسرة، بين أفراد العائلة، الكبار والمتوسطين والصغار، الآباء والأبناء.. فخيط المحبة والمودة بينهم لا ينقطع ويبقى متيناً، مهما طفا على السطح من خلاف وجهات النظر وتباين في الآراء والمواقف، ومهما اتخذ الأكبر من عقوبات تجاه من هو أصعر، ومهما بدا من شذوذ الأصغر..
ثالثاً ـ إضافات إدارية ومتفرقة
1 ) إن أي تجمّع: وزارة، منظمة، شركة، نقابة، جمعية.. ومهما كانت عائديته القطاعية: عام، خاص، تعاوني، مشترك، فردي.. يعتبر" كياناً "، يتألف من أقسام ووحدات مركزية وفرعية ومحلية ذات وظائف وأنشطة متنوعة.. ونجد في هرمه الإداري مستويات مختلفة، تتوزع غالباً بين ثلاثة: عليا، متوسطة، وقاعدية تنفيذية.. كما نجد فيه، ومن حيث السن، أناساً من أعمار متفاوتة.. الطفل، الفتى، الشاب في مقتبل العمر، والرجل، والكهل، والشيخ.. " ينطبق حديثي على الجنسين برغم استعمالي صيغة المذكر.."
2 ) ويفترض أن يشغل العاملون مواقعهم في مستويات الهرم الإداري بما يتناسب مع مؤهلاتهم العلمية وممارساتهم وتجاربهم وخبراتهم ومعلوماتهم ومهاراتهم وسنهم.. بشكل يحقق الاستفادة من إمكانات الجميع.. ويحقق التعاون والتناسق بينهم، وتبادل استلام الراية وتسليمها، للوصول بنجاح مستمر إلى أهداف التجمّع.. وأنسب تسمية لهذا الإشغال وتوزيع العاملين على المستويات هي: لقاء المستويات " الأجيال " وتواصلها وتكاملها وتعاضدها وتكاتفها، وليس تزاحمها وتصارعها كما يحلو القول للبعض..
3 ) ويمكن تحقيق ما ورد في الفقرة السابقة، بإيجاد " سجل مسلكي " عام، للعاملين، تُجمع فيه:
أ ـ البيانات والمعلومات والوقائع والمؤهلات والممارسات المختلفة عن جميع العاملين..
ب ـ إيجاد نظام منطقي وموضوعي لتوصيف الوظائف وشروط إشغالها..
ت ـ واستمرار التدريب والتأهيل المنتظم لجميع العاملين، وخاصة للعاملين في المستويات العليا.. تكفلُ معاً تحقيق ما ذكرته من منطلقات، واختيار الشخص الأنسب بين العاملين الذين تتوفر فيهم بدرجات متقاربة شروط إشغال هذه الوظيفة أو تلك..
ث ـ التقييم الدوري " السنوي أو عند النقل إلى جهة أخرى " للعامل، من قبل رؤسائه..
وأتساءل كيف يمكن أن نختار بموضوعية، من هو كفء لوظيفة ما، من بين عشرات أو مئات آلاف العاملين مع افتقارنا للمعلومات الكاملة عنهم؟. فإن لم يتوفر هذا السجل المسلكي العام يبقى التعيين " من المعارف.."
4 ) تتطور إمكانات الإنسان الفكرية والمعرفية، والقوة والمهارات الجسدية، ونسبتها إلى بعضها، زيادة أو نقصاناً، مع سني حياته، مع تقدمه في العمر.. ففي سن الشباب، تكون القدرات الجسدية أكبر.. وتتوازن النسبة بينها مع تقدم السن وتجميع الخبرة، في سن الكهولة، حيث تزداد الإمكانات والمعرفة الفكرية وتتراجع الجسدية قليلا.. وهكذا... حتى ترجح كفة الإمكانات الفكرية وخبرات التجارب، مع الوصول إلى الشيخوخة.. بحيث لا يصح القول: يجب الاستغناء عن أحد.. ففي ذلك خسارة للمجتمع والمنظمة التي يعمل فيها!. وأذكر أن المرحوم محمد غْباش، حين كان وزيراً للزراعة، استغرب تصرّف أحد زملائه الوزراء، حين أراد الاستغناء عن أحد معاونيه القدامى.. وعلّق: لو أن تأميم الإنسان ممكن شرعاً، فيجب تأميم هذا المعاون، لاستمرار الاستفادة من خبرة جمعها من عمله لدى الدولة..
5 ) مما يوجب مراعاة تطور الإمكانات، أثناء توزيع الأدوار بين العاملين وإسناد الوظائف الإدارية والإرشادية والرقابية والإنتاجية والمكتبية والخدمية والتنفيذية لهم.. بحيث تنصب جهود الجميع في بوتقة المصلحة العامة.. فكلُّ شخص يجب أن يُكلف بعمل مناسب لتطور طاقاته الفكرية والجسدية.. وبالكل يستكمل " التجمّع أو الكيان " أجزاءه التي يجب أن تعمل بشكل متناسق متكامل، ليتابع طريقه ويقوم بواجباته بشكل سويّ..
6 ) كل إنسان خطّاء.. والشاب إنسان.. فيُخشى على الشاب من الغرور، إذا حمّلناه فوق طاقته، ولم نتدرج به، وقفزنا به صعوداً على درجات السلم الإداري.. والغرور قتّال، يُعمي بصيرة صاحبه، ويصمّ سمعه، ويفقده توازنه، ويجرّه نحو التفرّد و"الأنا"، فيتخبط في تصرفاته ويخفق.. ويصبح مستقبله على كف عفريت.. ونفقد إمكاناته التي كانت واعدة وتبشّر بالخير.. وفي مثل هذا الوضع خسارة له وخسارة لنا في المجتمع.. فالموضوعية والتدرج هما الأنسب كأسلوب في تسمية الأشخاص على المناصب والوظائف..
7 ) ولا ينبغي أن يفهم من هذا، أن تنفرد " الأجيال " الأكبر بالرأي والعمل، فهذا مناقض للدعوة إلى التكامل بين الأجيال.. ذلك أن الرأي والحماس موجود أيضاً لدى الشباب، ولكنه يُصقل بتبادله مع من سبقه.. كما أنه يُحرض لدى القدامى آراءهم وذكرياتهم وممارساتهم وتجاربهم..
والخطر في المسألة هو ضيق زاوية النظر وحصرها بفئة دون أخرى، وحرمان " الأجيال " المتعاقبة من تبادل الرأي والمعلومات والاحتكاك وتجاذب الخبرة والتجربة.. وبالتالي فقدان المشورة والتكامل والتناسق فيما بينهم، وبعثرة أفكارهم وجهودهم، مما يؤثر بالمحصلة سلباً على أداء المجتمع أو المنظمة التي ينتمي جميعهم إليها..
رابعاً ـ صفوة القول
1 - آمل أن يكون الفهم والقناعة بتداخل " الأجيال " وتكاملها، قد وصل إلى المسؤولين خصوصاً وكل قارئ عموماً.. وبضرورة الاستفادة من إمكانات الكل وقدراتهم بشكل متناسق لما فيه مصلحة المجتمع أو أي تجمّع أو مصلحتهم هم..
2 - وآمل أن لا نتحمّس، لهذا الجيل أو ذاك.. وأن نكون واقعيين، في اختيار الشخص المناسب لمكانه، أو في إشغال الوظائف العامة الشاغرة بمن تتوفر فيه شروطها، وتهيئة الظروف الموضوعية للاختيار.. وأن ننظر إلى أبعد من الأفق المنظور، فمن هو اليوم، شاب في مقتبل العمر، سيصبح في يوم قادم، في المستقبل، في عداد " الأجيال " الهرمة.. وكل آت قريب..
3 - ولا بأس من التذكير بأحد أساليب المستعمرين الأجانب: " فرّقْ تَسُدْ.."، لتثبيت دعائم وجودهم الغاشم.. فعلينا، في المرحلة الراهنة، العمل بالمفهوم المخالف لهذا الأسلوب.. وتوحيد إمكاناتنا وجهودنا، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً واجتماعياً وإدارياً وثقافيا.. آخذين عبرة من بيت شعر لعمرو بن كلثوم في معلقته، فهو لم يُميز بين " الأجيال " استعداداً للمعركة:
* * *
Use this space to encourage your customers to contact you if they have questions or want more information about you or your cases, as in the example below. Be sure to include a link to your contact page!
We welcome your questions and queries. Please see our Contact Us page for complete contact information.
Dabas Management
1155 Camino Del Mar
Suite 411
Del Mar, CA 92014
ph: 8583536567
fax: 8587949545
alt: 8587949545
ahmadada